أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالرزاق دحنون - كيف تعلَّم أبي القراءة والكتابة؟














المزيد.....

كيف تعلَّم أبي القراءة والكتابة؟


عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري


الحوار المتمدن-العدد: 6188 - 2019 / 4 / 1 - 15:29
المحور: سيرة ذاتية
    


الصورة الباقية في ذاكرتي عن أبي يجلس في حديقة منزلي في "حي البيطرة" قبل ساعات من رحلة الرحيل عن مدينة إدلب في الشمال السوري في خريف عام 2016. كان يتعكَّز علينا وعلى عكَّازه, برحيلنا عن ديارنا صار وحيداً مع عكَّازه الخشبي. فكَّرنا في أن يُرافقنا في رحلة الرحيل تلك-لأنه كان يرتعب من قصف الطائرات- ولكن المهرِّب استهجن الأمر و رفض بشدة أن يُرافقنا هذا "الختيار" كان في السادسة والثمانين من عمره, قائلاً:
-رحلة التهريب من قرية "خربة الجوز" الجبلية السورية على الحدود مع تركيا أصعب مما تظنون.
وخيراً فعلنا, لأنها كانت بالفعل رحلة شاقة لا يمكنه الصمود أمام عثرات طريقها ووعورة مسالكها وطول دربها, كان يوماً أطول من قرن على حدِّ تعبير الكاتب القرغيزي جنكيز أيتماتوف في روايته "ويطول اليوم أكثر من قرن" لذلك بقي في منزله مع من بقي من أخوتي وأخواتي. وأبو الطيب المتنبي -رحمه الله- يُؤكد: لَكِ يا منازلُ في القُلوبِ منازلُ أقفَرْتِ أنْتِ وهنَّ منكِ أواهِلُ.
1
الحادثة التي أجبرت والدي على تعلُّم القراءة والكتابة تعود إلى عام 1949 عندما ذهب لخدمة العلم-العسكرية- في دمشق العاصمة السورية, وهو من مواليد 1930 –مدَّ الله في عمره- وكان الجيش السوري في طور التكوين تلك الأيام. وبعد الانتهاء من دورة "الأغرار" طُلب من الجنود في ساحة المعسكر أن يتوزعوا في مجموعتين: من يعرف القراءة والكتابة في المجموعة الأولى, ومن لا يُحسن القراءة والكتابة في المجموعة الثانية. ماذا فعل أبي يا سادتي؟ انتظم مع المجموعة الأولى التي تُحسن القراءة والكتابة!
2
اصطفَّ جنود المجموعة الأولى في رتل أمام ضابط يجلس خلف طاولة عليها جرائد ومجلات. كان أبي في آخر الرتل تقريباً, كان الطقس بارداً, فرفع قبة معطفه العسكري حتى غطت رقبته ونصف وجهه. يتقدَّم الرتل على مهل, يقرأ المُتقدم ما تيسر من سطور الجريدة, ومن ثمَّ يفرزه الضابط إلى تشكيل ما في الجيش. وحين صار أبي وجهاً لوجه مع الضابط نظر هذا الأخير إلى الشاب الواقف أمامه و الغاطس وجهه في قبة معطفه, فسأله:
-ما اسمك؟
أجاب:
-راشد دحنون.
-من أين أنتَ يا راشد؟
أجاب:
-من مدينة إدلب في الشمال السوري.
قال الضابط:
-خذ هذه مهمتك, ستعمل مراسلاً حربياً بين القيادة والاركان!
وهذا ما كان. عمل دورة تدريبية على دراجة نارية "موتور" بثلاث عجلات –من تلك التي تظهر في الأفلام التي تحكي عن الحرب العالمية الثانية- ومن ثمَّ صار مراسلاً حربياً بين قيادة الجيش وأركانه في دمشق, وكان أميَّاً لا يقرأ ولا يكتب.
3
كان في شابه وسيماً –وما يزال في نظري- يحب الموسيقى ويُحسن الغناء, فتقدَّم في تلك الأيام إلى إحدى مسابقات الغناء في إذاعة دمشق وفاز مع الفنان السوري من مدينة حماة على نهر العاصي "نجيب السراج" في هذه المسابقة. وعُيِّن نجيب السراج مطرباً في إذاعة دمشق وصار معروفاً للقاصي والداني. و رفض جدي عثمان دحنون أن يعمل ابنه مغنياً!-أصلحك الله يا جدي- المهم, نعود إلى مراسلات القيادة والأركان. كيف سارت أمور مراسلاته؟ كان يسأل دائماً, ويحفظ في الذاكرة هذا "الظَّرْفُ" الكبير الأصفر لمن والصغير الأبيض لمن. المهم, تدبَّر أمره في البداية, ولكن الأمور تعقدت مع كثرة البريد بين القيادة والأركان. ما العمل يا أبي؟
4
في تلك الأيام كان أهل الصناعة في سورية على دراية وفطنة, فكان معمل "ناشد" يُنتج "كرميلة" مشهورة في أنحاء سورية كلها , و "الكرميلة" لمن لا يعرف هي "سكاكر العيد" وكانوا يُغلفوها بورق ملوَّن كتبت عليه أحرف الأبجدية العربية بأشكالها الثلاثة, الحرف في أول الكلمة وفي وسطها وفي آخرها. اشترى راشد دحنون "كيلو" من تلك "الكرميلة" وراح "يتَحلَّى" بالسكاكر و يتسلى, يتلهى, بحفظ حروف الأبجدية مستعيناً بالسابلة في لفظ الحروف. حتى جاء اليوم الذي أتقن فيه الحفظ وربط الأحرف و الكلمات بعضها ببعض بعد جهد ومثابرة. كانت الحاجة إلى التعلّم تدفعه دفعاً. تعلَّم القراءة والكتابة وأتقنها بصورة جيدة في أول أيام عيد الأضحى عام 1950, واستغنى عن مرِّ السؤال...وكلّ عام وأنتم بخير.



#عبدالرزاق_دحنون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية والعنف ... ماذا حدث, وما أسباب حدوثه, و إلى أين نحن م ...
- الحُكَّام في أغاني الشيخ إمام
- ماركس بالصيني
- الدولة أفهم من بني آدم
- نساء حسيب كيالي الجميلات
- ابنة البقَّال
- غرفة سبينوزا على السطح
- يوميات آدم وحواء
- الشيوعية أنجيلا ديفيس...الطريق طويل من أجل الحرية
- خطبة امرأة فدائية
- المُسْتَطْرَفُ في حِكْاياتِ النّساءِ
- العدلُ أساسُ المُلكْ2/2
- العدلُ أساسُ المُلكْ 1/2
- في ذكرى رحيل القاص السوري تاج الدين الموسى
- أوائل الأمثال المُدوَّنة
- الحاج مراد ...رواية تولستوي المنسيَّة
- ثعالب مصر ونواطيرها
- الزمكان... في نص الروائي السوداني الطيب صالح
- هل ذيل السعادة أملس؟
- هل يسكر الحيوان؟


المزيد.....




- -حماس- تعلن تلقيها رد إسرائيل على مقترح لوقف إطلاق النار .. ...
- اعتصامات الطلاب في جامعة جورج واشنطن
- مقتل 4 يمنيين في هجوم بمسيرة على حقل للغاز بكردستان العراق
- 4 قتلى يمنيين بقصف على حقل للغاز بكردستان العراق
- سنتكوم: الحوثيون أطلقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر ا ...
- ما هي نسبة الحرب والتسوية بين إسرائيل وحزب الله؟
- السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية تسوق للحج التجاري با ...
- اسبانيا تعلن إرسال صواريخ باتريوت إلى كييف ومركبات مدرعة ودب ...
- السعودية.. إغلاق مطعم شهير في الرياض بعد تسمم 15 شخصا (فيديو ...
- حادث جديد يضرب طائرة من طراز -بوينغ- أثناء تحليقها في السماء ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - عبدالرزاق دحنون - كيف تعلَّم أبي القراءة والكتابة؟