أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الأمير - رحلة الفتى الدمياطى الذى جاوز الستين..















المزيد.....

رحلة الفتى الدمياطى الذى جاوز الستين..


سمير الأمير

الحوار المتمدن-العدد: 6168 - 2019 / 3 / 9 - 13:35
المحور: الادب والفن
    


رحلة الفتى الدمياطى الذى جاوز الستين..
بين المكابدات واللمسات
بقلم سمير الأمير
ينشغل بعض الكتاب أثناء الكتابة بذواتهم فتتدخل الرغبات والاحباطات الشخصية فى رسمهم للشخصيات وفى حواراتها، فتجردها من قدرتها على الحياة، وتجعل القارىء غير مقتنع بأنها شخصيات حقيقية لكونها معبرة عن السارد أكثر من تعبيرها عن نفسها، أى تتحول إلى ألسنة "Mouse pieces للكاتب نفسه، فنجد أنفسنا أمام محاولة لاستغلال المشاهد السردية للتعبير عن أشياء تقع خارج السرد ، وهى ظاهرة منتشرة بين كتاب لمعت أسماؤهم، تشبه مرض التوحد عند الأطفال " Autism " فتمتلئ تلك الكتابة بادعاء المعرفة أو بمعارف وخبرات محشورة فى سياقات لا تحتملها، وهذا النوع من الكُّتاب تستحوذ قناعته أنه كاتب كبير على تفكيره فيتعامل مع شخوصه باستعلاء وعدم فهم و بلا أى تقدير لمواقفهم، وذلك لأنه سادر فى غواية الصياغة ومعاظلة اللغة، ظنا منه أنه يؤكد على "أسلوبه الخاص" ويأتي بما لم يستطعه الأوائل، و بما لا يستطيعه المجايلون له، وهو فى إذا يشبه طفلا يحاول لفت نظر أمه إلى حركاته التى يعتقد أنها خارقة وخطيرة فيصيح " أنظرى يا أمى.. أنا أستطيع أن أقف على رأسى"، وهو هنا ليس طفلا طبيعيا يعبر عن شقاوة طبيعية ولكنه بالأحرى يقلد الطفولة بذهنية حادة مما يدخله فيما يعرف بالارتداد أو النكوص Regression، وهؤلاء الساردون الذين يلفتون الانتباه باستدعاء تقنيات ليست مناسبة، فقط لأنها جديدة أو غريبة، يهدرون أوقاتهم لأن شخوصهم غير قابلة للحياة كونهم لم يولدوا أساسا وظلوا فى رأس السارد منذ بدء سرده وحتى نهايته، والخبر الجيد أنه لا أحد ينتظر حتى نهاية "سرد" من هذا النوع إذ جرت العادة على اكتشاف هذا " التوحد" منذ الصفحات الأولى ومن ثم البحث عن كتاب آخر ممتع وأخّاذ.، ولعل سمير الفيل بتجربته فى الحياة وتجربته فى الكتابة قد أفلت بقدر كبير جدا من هذه الحفرة الخادعة التى من الممكن أن يقع فيها الكاتب و القارىء، وصنع " الفيل " قيمته كفنان وكإنسان من كتاباته التى تموج بنماذج بشرية حاول فهمها والتعبير عنها من داخلها وليس كراو خارج أزمانها وأزماتها ومصائرها، وربما يرجع ذلك إلى كونه قد قابل تلك الشخصيات فعلا عبر تجربته فى الحياة منذ كان طفلا يتيما يعمل فى ورش النجارة وهو ما انعكس جيدا فى مجموعته المائزة " مكابدات الصبا والطفولة " أو فى تجربته كجندى، كما عبر عنها فى " شمال يمين", وغيرها من المجموعات القصصية ك "قبلات مميتة " أو " جبل النرجس" وكل هذا السرد الواقعى الذى يدل على تفاعل هذا الطفل العصامى اليتيم الذى لم تهزمه الحياة فصار معلما محبوبا وأديبا جميلا غير مشغول بالغيرة من أحد، أو بمنافسة أحد، بقدر انشغاله بفهم نفسه وبالكتابة عن مشاهداته، فيسحرنا حين يكتب عن قدرة الأب المتوفى مثلا على التسرية عن ابنه اليتيم حين يشعر الطفل الذى يعمل فى نقل الأثاث فوق كتفيه الضعيفتين بين الورش بالتعب فيلتمس الراحة عند قبر أبيه ويضع أعواد الخوص حيث ينبغى أن تكون رأسه، فيستمع لصوته الذى لم يستمع إليه أبدا وهو على قيد الحياة، ويعود ليواصل حمل قطع الأثاث بعد أن بعث والده حيا فى خياله الذى يتعامل معه كحقيقة،
فهل كان لمثل هذا الفتى الدمياطى أن يصبح شاعرا وساردا متميزا دون هذا الخيال الذى واجه به تجربة اليتم طفلا؟ إن سمير الفيل يلتقط نماذج للمقاومة تشبهه تماما فهو ابن الحياة المخلص لها ولقيمها، ففى إحدى قصصه أظن أنها أيضا بمجموعته "مكابدات الطفولة والصبا" سنجد كيف يسعد بائع الغرابيل امرأة الزوج الغائب حين تتحول الرغبة الجسدية إلى تحقق إنسانى، فيقوم الطرفان بإعلاء دوافعهما وينتهى المشهد دون أن ينزلق "الفيل" لتملق قراء تستهويهم المشاهد الساخنة ولا يبقى عالقا من المشهد فى أذهاننا إلى المعنى الجميل للتواصل الإنسانى، ويموج سرد الفيل بدلالات السكون والحركة التى تلتقطها عينه المحبة للحياة، ليس فقط وهو يكتب عن النجارين والموظفين" الدمايطه" بل أيضا عن المجانين الهائمين فى الشوارع وحتى عن الكلاب والقطط، وفى مجموعته القصصية المسماة " اللمسات" ستكتشف أن سمير يكتب سرده عن العالم فى صيرورته متسلحا بثقافته وقراءاته التى كانت دائما تهدف لفهم العالم والظواهر الاجتماعية فى بيئته الدمياطية وفى البيئة العامة للبلاد بأسرها، ولكنه لا يحبس الدنيا فى تصوراته عنها وإنما يرصد المشاهد ويرتبها أمامك لتنتج المعنى وعليك أن تدلى بدلوك فى " الحكاية"ـ صحيح جدا أن هناك جملا تقريرية ويبدو السارد أحيانا عليما حكيما ولكنه علمُُ بتفاصيل المشاهد وليس بتفسيراتها، وخذ فقط " عنوان هذه المجموعة " على سبيل المثال، ستجد أنك بعد قراءة متأنية تعيد تفسيره مرات بحسب طبيعة الحدث فى كل قصة ف " اللمسات" التى قد توحى بنعومة الاقتراب، قد توحى فى قصص أخرى ب" خبطات" الزمن وبأوجاع تاريخية على مستوى الإنسان والوطن، فالقصة الأولى بعنوان " قمر برتقالى" وهو عنوان رومانسى جدا تحدثنا عن فظائع التعذيب وانتهاك الإنسانية وتأخذك لتفسير بسيط ولكنه بالغ العمق لكيفية قبول هذا التعذيب من قبل الضحية، فالانتهاك الجسدى المهين عندما يستبدل بانتهاك جسدى أقل ألما خبرته الشخصية فى الماضى، تشعر الضحية بالارتياح، حين يؤمر السجين بقلب يده ليضربوه على ظهرها، لأن ذلك العقاب هو ما اعتاده فى المدرسة عندما كان طفلا صغيرا، وتنتهى القصة عند هذا الحد دونما استطراد أو خطابية وعليك أنت أن تدرك بنفسك أن الضحية أيضا شريكة فى هذا الانتهاك بوعى أو بدون وعى، لا يهم،
وفى قصة " القفزة" نحن أمام انتهاك من نوع آخر، انتهاك يتم عبر " الفرجة" فالحاوى وعائلته كغيرهم من معظم الفقراء العاملين فى هذه المهنة ليسوا مدفوعين بالرغبة فى "ممارسة الفن" بقدر حرصهم على كسب الرزق " أكل العيش"، ويصل " الانتهاك" إلى ذروته حين يتحرش شاب من الجمهور بابنة الحاوى فى نفس اللحظة التى يمنحها فيها جنيها كاملا وكأن الجنيه لم يكن ثمنا للفرجة على حركتها الخطيرة ولكن ثمنا " للمس" صدرها، وهو نوع آخر من " اللمسات" المُرّة، التى يلفت سمير الفيل أنظارنا لقبحها، وقصة " لمس أكتاف" هى درس أيضا فى كيف أن المقاومة والاستسلام للانتهاك مرهونان بسياقات معينة وأن الإرادات الفردية ليست فى كثير من الأحوال حرة فى اختياراتها،

ولا يزال " الفيل " هذا الفتى الدمياطى العجوز مشدوها بحب مدينته الجميلة وحب مقاهيها، لا أذكر أبدا أنى شاهدته يجلس وحيدا أو مكتئبا، ولكن محاطا بالقصاصين والشعراء والمثقفين من كل لون واتجاه، ولم يحدث أن دعانى لجلسة فى مقهى فكانت جلسة عشوائية، بل لابد أن يكون هناك إما مجموعة قصصية أو ديوان للمناقشة أو موضعا يتم طرحة دون غضب ولا انفعال،
فى رحلتى الأخيرة لدمياط وبينما نحن جالسون على مقهى بدمياط الجديدة نحتسى الشاى ونتبادل الأراء حول القصص والقصائد التى استمعنا إليها، تذكرت شوارع وميادين مدينة " ادنبره" عاصمة اسكوتلانده التى تتزين بتماثيل الكتاب والفنانين أمثال سير والتر سكوت وروبرت لويس ستفنسون، هناك حيث الشوارع الرئيسية فى الجزء القديم محجوزة لمتاحف الفن وللمسارح وللمكتبات، وحيث يمكن للأطفال ولطلاب الجماعات أن يجدوا كتابهم ومفكريهم حاضرين دائما، ثم عدت بذاكرتى إلى دمياط القديمة أيضا فخطرت لى أسماء لعظماء منهم من قضى نحبه ومنهم من يواصل العطاء، خطرت لى أسماء عائشة عبدالرحمن ولطيفة الزيات وطاهر أبو فاشا وفاروق شوشة وسعد أردش وجلال الشرقاوى وأبو العلا السلامونى وبشير الديك والمرحوم الدكتور هشام السلامونى، فحزنت على المدينة التى تمضى لاهية عن أبنائها، بينما كان يمكن أن تأتنس بصورهم و تماثيلهم كباقى المدن فى العالم المتحضر، وجلست أطالع وجوه المبدعين الجالسين حول " سمير الفيل" المدرس الذى خرج على المعاش ليدخل فى عمق وظيفته الجديدة أديبا ملتزما محبا لأهله و و طنه، وضمت الجلسة الشعراء عيد صالح وأيمن عباس وصلاح عفيفي والروائيين أشرف الخضرى وفكرى داود ومخرج الأفلام التسجيلية حلمى ياسين و وربما على مقهى آخر كان يجلس آخرون كالقاص صلاح مصباح أو الروائى الكبير محسن يونس، أو الشاعرة تقى المرسى، أو الشاعر العظيم سيد النماس وعشرات الأسماء التى تجعلك تتساءل ما الذى جعل من دمياط منبعا لكل هذا العطاء الفنى الراقى، وما السبيل للاستفادة من كل هؤلاء فى استعادة مجد دمياط العريق وأظن أنه بات على " سمير الفيل" وهو الأكثر إصرارا ومثابرة أن يجيب على هذه الأسئلة مع رفاقه المثقفين، ومن إذن غير هذا الطفل الستينى الذى عشق مدينته الرائعة وكتب عن حواريها وعن عمالها وورشها بمحبة بالغة، من غيره يستطيع أن يفعل ذلك؟



#سمير_الأمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما الذى يجعل الماضى مستمرا
- لماذا تتعثر نهضتنا العربية الحديثة؟
- رواية-برسكال- رحلة المهمشين إلى متن الحياة فى القرية المصرية
- تكاثر الشعراء
- اللغة والهوية
- حوار مع جريدة الكرامة
- صلاح عيسى -الكتابة بقلب العاشق و بمبضع الجراح !-
- الفصل الأخير فى حكاية مقاومة الشاعر- طارق مايز -للموت
- ملحمة السراسوة أنثروبولجيا الريف المصري
- صندوق ورنيش_ ديوان محمد عطوه
- -شال أحمر يحمل خطيئة -نصوص لا نسوية--
- حرية سليمان ورواية - أسود دانتيل--
- وداعا عم سيد ندا أقدم عمال النسيج فى مصر
- الطالع لوش النشيد
- الثورة والواقع والقصيدة
- فاروق شوشه
- الأدب بين الانعزال والمشاركة المجتمعية
- الذئبة الحمراء.... كيف ننظر إلى -الداخلية- و منظومة العدل
- الأدب الشعبى وبناء الشخصية
- بياض ساخن


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الأمير - رحلة الفتى الدمياطى الذى جاوز الستين..