أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - شارع الحرية 7















المزيد.....

شارع الحرية 7


هيثم بن محمد شطورو

الحوار المتمدن-العدد: 6156 - 2019 / 2 / 25 - 03:35
المحور: الادب والفن
    


الثلاثاء غادرت مقر الجريدة حوالي الساعة التاسعة وربع صباحا ولكن قبل ذلك بقليل فاجأتـني هدى بصوتها الرخيم يناديني والمفاجأة الأعظم كان سؤالها المتلهف:
- ماذا فعلت في قصتك؟
اندهشت وتملكني الغيظ لأن موضوع الكتابة غدا يؤرق روحي فقلت بنبرة سامة تحمل في طياتها الكثير من الغضب.
- لقد نسيت الموضوع تماما ويكفي ما كتبته في المقال. لقد أحدث المقال ضجة وهذا يرضيني.
يبدو أنها حدست تماما ما بداخلي من غيظ فقالت بنبرة سامة وكأنها تصفعني:
- الحادثة هي التي أحدثت ضجة وليس المقال. وعلى ما أعتـقد فإن هدف الكتابة ليس إحداث الضجيج. ماذا فعلت غير الوصف في مقالك؟ إنك تـقـتل خيالك أيها الغبي وهذه أكبر جريمة يمكن أن يقـترفها إنسان تجاه نفسه.
لم أنبس بكلمة فأردفت قائلة:
- أنت تـتهرب بلا سبب.. أنت كسول.. أنت مقيت.
أدهشني مدى اهتمامها وجديتها فقلت مستسلما:
- أرجوك دعيني بسلام يا هدى.
رفعت رأسها ورمقـتـني بنظرة عتاب ثم رجعت من حيث أتت. آلمتـني حركتها التي تـنم عن الاحتـقار. خرجت مسرعا علي أنـقـذ نفسي من وخزات إرادتي لكن كلماتها كانت تضيق علي أنـفاسي طوال المسافة إلى كلية الآداب..
وجدت الطلبة منـتـشرين أمام المدرج وما أن لمحوا الأستاذ الإدريسي يخطو خطواته الوئيدة نحو قاعة المحاضرة حتى ضاق بهم المدرج. كان عبد العزيز واقـفا أمام المدرج مع صديقـته عبير فالتحقت بهما.
" يجب أن نقوم بعملية حفر معرفي، حفر اركيولوجي لمعرفة طبقات تاريخنا بدقة علمية صارمة قد تـقض مضجعنا وتخلق الارتياب في مفاهيمنا المختـلفة عن التاريخ المقدس. يقول سقراط اعرف نفسك ونحن كأمة يجب أن تعرف نفسها على أسس الحقيقة والعقل وليس على أسس واهية من الأساطير والأكاذيب التي غدت ورما مميتا. استأصلوا الورم.
لماذا نـفكر في التاريخ؟ نـفكر فيه لأنه مازال فاعلا فينا. لازال جوهره فاعلا فينا. أي جوهر هذا معيق؟ انه الغريزة. غريزة القوة والسلطة. إشكالية السلطة ومفهومها. السلطة بالقوة والسلطة كنفوذ واستمتاع وأحقية في نفي من تـشاء وقـتل من تـشاء. السلطة كورم خبيث. فاعلية السلطة كضرب للوحدة الاجتماعية الفعلية القائمة على اخلاق التضامن الى فعل الوحدة القائمة على الاكراه والخضوع وضرب اخلاقيات التضامن. السلطة كضرب لحرية العقل وبالتالي ضرب للتـقدم الحضاري والإنساني..
فمثلا بنو امية أسسوا أيديولوجية الجبر القائلة ان كل ما هو على الأرض هو تـقـدير رب العالمين. صياغة هذا المفهوم أسس مباشرة لعقلية الخضوع للسلطة بما هي تـقدير رب العالمين. تم صياغة اسلام على هذا الأساس مازال هو الفاعل الى اليوم. في سبيل ذلك يتم ضرب حرية الفكر المناهضة لهذه الجبرية أولا، والمناهضة لأدواتها الفعلية وهي العقلية الأسطورية والخرافية. لكن كانت المسألة في البداية هي في فترة انبثاق حضارة جديدة، وآلت بعد القضاء على حكم الامويـين الى نشوء مذهب المعتـزلة ذو المنزع العقلي والقائل بالمنزلة بين المنزلتين..
لكن المأمون فرض المنزع العقلي بالقوة وهذا يتـناقض مع العقل الذي يستخدم التـفكير والمنطق وليس القوة. هذا التـناقض أدى الى ضرب المعتـزلة فيما بعد والى تبني الدولة للمذهب الحنبلي المضاد للمنزع العقلي والفاتح لعصر الانحطاط..
ما هو عصر الانحطاط؟ انه عصر انحطاط العقل.
ملوك الطوائف بعدها في الاندلس لاحقوا التـفكير الحر للفلاسفة و أشهرهم الفيلسوف المحوري في تاريخ الفكر الإنساني برمته و هو ابن رشد، و كذلك الصوفيـين كفكر أنزل الله الى الأرض و قربه الى كل فرد مما يخلق قياما ذاتيا حرا و رفضا بالتالي للسلطة المغتصبة. انها اتجاه ثوري حاربوه و استعملوا الفقهاء الجهلة المؤثرين على العامة، وذلك لأجل إيجاد شرعية لاغتصابهم السلطة التي كانت بواسطة الانقسامات والتحللات فيما سمي بملوك الطوائف. انظر العلاقة العضوية بين ضرب العقل والسلطة الغرائزية القمعية اللذوية التي هي في تضاد مع المصلحة الكلية التي لا يحفظها الا العقل، والعقل لكي يفكر يجب ان يكون حرا ومؤتمنا في نظام على حريته..
والى اليوم يـبقى هذا هو الإشكال الرئيسي. إشكال السلطة الشهوية المدمرة حتى وإن كان صاحبها ذو عقل مثل المأمون، فالمسألة لا تـتعلق بالأشخاص وانما بالنظم والمفاهيم.
يجب ان نقـتل هيـبة السلطة. يجب تغيـير مفهوم السلطة من كونها استمتاع واغتصاب بأي شكل من الأشكال الى كونها مراقبة وخاضعة بدورها للمجتمع وليس المجتمع هو الخاضع اليها..
أي مجتمع هنا؟ المجتمع ليس كتجمع ذرات من الافراد. المجتمع كعقل مفكر. اذن يجب ان تخضع السلطة للعقلاء والمفكرين.
طبعا هؤلاء لا يصنعون القوانين ولا يحكمون. كيف تكون المسالة اذن.. المسالة تكون بمأسسة حرية التـفكير بالمطلق وحرية التعبير وضمانها دستوريا وواقعيا.. حرية التعبير بشكل أساسي للفكر..
العالم بأشد الحاجة إلى حضارة متعـقلة والأمل أن نـشيد نحن الحضارة الجديدة. إن مهمة بناء الحضارة الجديدة لن يستعصي على أمة تؤمن بالله الواحد الأحد وبالعالم نوره وبالعقل تجليه في الأرض. الطريق إلى ذلك هو القسوة على أنفسنا لنربح أنفسنا وأقـدارنا.."
انتهت المحاضرة وكلماته تجلجل في رأسي." القسوة على أنـفـسنا لنربح أنـفـسنا".
كان الهيام واضحا بين عبد العزيز وعبير. يتهامسان، يبتسمان، يضحكان، يتماسان أثـناء خروجهما من القاعة.
- أخيرا يسقط عبد العزيز في الحب.
ضحك كلاهما ثم قال عبد العزيز:
- أنا ساقط جديد أما أنت فساقط قـديـم.
ضحكنا، فقالت عبير موجهة كلامها إلى عبد العزيز:
- يعني أنت فيك دواء أما هو فلا.
بينما نحن في ضحكنا ذاك أحسست بإصبع يدق على ظهري فالتـفت إلى الوراء فإذ بها سلمى. يـبدو أني قـد نسيتها!
لم أخف سعادتي بلـقائها وبرؤية عينيها السوداوين المتلألئـتين ببريق ملتمع كالنجوم. سألتـني قائـلة:
- هل أتيت للقيام بربورتاج صحفي بكليتـنا؟
كانت مرحة. قلت مبتسما:
- نعم. ريبورتاج عن مشاغل الطلبة.
فردت بابتسامة عذبة:
- بخير والحمد لله، لا ينـقصنا إلا الاطمئـنان على مستـقبلنا بعد الشهادة.
- فقط؟
فضحكت وقالت:
- إنها مشكلة المشاكل أليس كذلك؟
تدخل عبد العزيز وقال:
- أنا لا تـقـلقـني هذه المشكلة. درست التاريخ لأجد إجابة عن سؤال حيرني منذ الطفولة. الإنسان فيما مضى بما كان يحلق ذقـنه وشعره؟ بعد إجازة التاريخ سأشتغل حلاقا.
***
ترك احمد صديقه عبد العزيز ليرافق سلمى التي أنهت محاضرتها الوحيدة في ذاك اليوم، وقالت انها ستخرج من الكلية، فرافـقها أحمد. توقـفا قليلا امام محطة الحافلة فانتابه ارتباك شديد.
منبع الارتباك انه فعلا لا يجد الكلمات بسهولة معها فهو لم يحدد موقـفا عقلانيا واضحا من سلمى. أربكه هذا الهجوم الفجائي كما أربكه ذاك الروح الثـقيل الذي كأنه هابط من الأعلى.
قال انه سيستـقـل سيارة أجرة نظرا لالتزاماته في العمل، واقـترح عليها ان تركب معه لمجرد رفع الملامة فوافـقـت.
تـوغل التاكسي بين أشجار الصفصاف مخلفا وراءه حشدا من الطلاب ينـتـظرون الحافلة. جلسا جنبا إلى جنب على المقعـد الخلفي. تـتابع الأشجار بناظريها ويتابع شعرها وخدها الأسيل وصمتها المرهق. أرهقه صمته هو الآخر فقد تبخرت الكلمات. يا للحظة الرهيـبة. لم يعرف رهبة مماثـلة من قبل. انتهت الأشجار أخيرا واحتلت المربعات الإسمنـتية الأجواء.
- هل بمقدور أي منا أن يفلت من أسر المكان؟
ابتسمت وقالت:
- في الخيال فقط.
***
كانـتا جالستين بمفردهما في غرفة منية الصغيرة والتي تحتوي على فراش بجانبه أريكتان متجاورتان ذات قماش اصفر مخملي وخزانة خشبـية صغيرة ومكتب خشبي صغير بكرسيه الخشبي البني اللون. لاحظت منية تصاعد التوتر على ملامح صديقتها إلى حد البكاء فأخذت تلامس شعرها بكفها.
- لقد وضع يده على حجري. وددت لو كسرتها.. وددت لو قطعتها.. يتحدث وكأن يده على حجر وليس على فخذ اشتعل بصمت رهيب.. لم أعرف ما أفعل.. وددت أن أصرخ...
همست منية قائلة:
- لو كنت مكانك لقبلته وانتهى الموضوع..
كان يتحدث وتلمس فخذها المكسو بجيـبها الأسود القطني، أما هي فقد جمدت كصنم دون حراك.. ها هو العالم يتحرك حولك وأنت كالصنم. تسارعت دورتها الدموية بصفة فجائية حتى اصطبغ وجهها بلون الخجل واتسعت حدقـتا عينيها. حين رأى خجلها رفع يده التي لم يتجاوز مكوثها على منبع اللذة والدفء والحنين أكثر من ثواني معدودات، كانت بمقاس الجنة الخالدة عنده (المتـناقضة مع عقلانيته) وبمقاس تـفجر البراكين لديها. تصور أنه قد أساء إلى نفسه وإليها.
قال متداركا نفسه مما في نفسه خارج عقالها:
- أنا لم أقصد شيئا.. أي لم أفكر في المسالة. لم أتـقصد ذلك..
قالت منية:
- هه.. قال انه لا يقصد شيئا فلماذا تعـقـدين الأمور؟ آوه. كم أنت معـقـدة يا عزيزتي؟ أكل هذه الضجة من أجل لمسة؟
بعد هنيهة من الصمت قالت سلمى:
- إنها أول لمسة في حياتي..



#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارع الحرية 6
- شارع الحرية 5
- شارع الحرية 4
- شارع الحرية 3
- شارع الحرية 2
- شارع الحرية 1 ( رواية)
- في تناقض الإسلام مع النص
- الحب في زمن الكوليرا
- صديقي الفلسطيني
- فرنسا تريد الثورة من جديد
- الإضراب العام في تونس
- ما وراء خطاب الرئيس التونسي
- تونس أمام المجهول
- من الثورة و إليها
- على تخوم مربع الإغتيال السياسي في تونس
- سر اللطم الكربلائي
- الزمان المضيء و عتمة الحاضر
- هل الاسلام دين حرية؟
- أنا و أنت ( 6 )
- أنا و أنت ( 5 )


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - هيثم بن محمد شطورو - شارع الحرية 7