أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مصطفي - تعديل الدستور للّتمديد.. السيسي يحفر قبره















المزيد.....


تعديل الدستور للّتمديد.. السيسي يحفر قبره


حسن مصطفي
(Hassan Moustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 6137 - 2019 / 2 / 6 - 07:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كنت قد تناولت في مقال سابق بعنوان (فُجر أبواق النظام وتردد ووجل المعارضة) التعليق علي ما بدأ الإعلام الحكومي في الترويج له بشأن تعديل الدستور للسماح للسيسي للاستمرار في الحكم بعد أن يكون قد أنهي المدتين الرئاسيتين المنصوص عليهم في المادة 140 من دستور 2014، وأيضاً تناولت في نفس المقال التعليق على بيان المعارضة الذي حمل عنوان (لا للعبث بالدستور) والذي جاء شريداً طوباوياً مفرق في المطلبية والعجز، إلا أنني لم أتناول الموضوع ذاتة لما رأيت في أنه يحتاج إلي أن تفرد له المساحة الكافية، هذا المقال هو لتفنيد ودراسة مآلات إقدام السلطة الحاكمة على خطوة تعديل الدستور لتمديد حكم السيسي الي مالا نهاية، وطريقنا لمواجهة ذلك.


مقدمة: دستور العسكر حكمته التوافقات


تنص الفقرة الأولى من المادة 140 من دستور 2014 على أنه (يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة.)، تحدد هذه الفقرة بشكل واضح المدد الرئاسية بمُدتين اثنتين فقط ويعني ذلك أن السيسي يجب أن يغادر منصبه الرئاسي بحلول عام 2022، وقد تم صياغة دستور 2014 من قبل لجنة الخمسين الحكومية بامتياز بحكم طبيعة تكوينها والتي تشكلت بقرار من رئيس الجمهورية المؤقت حين ذاك عدلي منصور والذي عين هو الأخر على عجل كرئيس مؤقت من قبل المؤسسة العسكرية في انقلاب 3 يوليو 2013 الشهير.


لا شك أن فقرة كهذه لم توضع سهواً في دستور 2014، ولا هي نسخت دون قصد عن دستور 2012، فهي نفس نص الفقرة الأولي من المادة 133 من دستور 2012، ولا أن لجنة الخمسين قد شعرت بالحرج من أن تحذفها من دستور العسكريين في 2014 وقد احتويَ عليها دستور الإخوان المسلمين في 2012 لما تتضمنه من خطوة تقدمية في إتجاه التداول السلمي للسلطة ومنع تأبيد الرؤساء في الحكم، فلو أراد العسكريين حذفها من دستورهم من البداية لحذفت، ولا ننسيَ أن لجنة الخمسين تشكلت في 1 سبتمبر 2013 أي بعد مجزرتي رابعة والنهضة بسبعة عشر يوماً فقط ما يعني أن الدم الذي سفكه العسكريين في الشوارع لم تكن قد ذهبت رائحته بعد، فمن من لجنة الخمسين كان يجرؤ حين ذاك عليَ تحدي إرادة العسكريين إن أرادوا ذلك؟.


الأرجح أن مواءمات وتوازنات ما حدثت داخل القيادة العسكرية ممثلة في أعضاء المجلس الأعلي للقوات المسلحة هي التي سمحت بوجود مثل هذه الفقرة في دستور 2014، فمن ناحية قد يكون بعض أعضاء المجلس العسكري أن ذاك غير راغبين في أن يأتي رئيس يظل جاسم علي أنفاسهم أبد الآبدين فيصل بذلك النظام إلى حافة الهاوية، وهو ما حدث مع حسني مبارك وتسبب في اندلاع ثورة يناير التي مثلت أكبر تهديد واجه النظام الجمهوري منذ تأسيسة في 1952، ومن ناحية أخري فإن الطموح الشخصي لدى كل عضو من أعضاء المجلس العسكري للاستحواذ على المقعد الرئاسي أو على الأقل التأمل في تداوله فيما بينهم والحيلولة دون تفرد أحد به الى مالا نهاية كان لا شك سبباً آخر رئيسياً في الإبقاء على تلك الفقرة.


الأمر الذي يفسر إقصاء السيسي لكل أعضاء المجلس العسكري الذي ترأسه وخاض معه الإنقلاب العسكري والذي ضم ثلاثة وعشرين عضواً، فيما عدا اللواء محمد فريد حجازي أمين عام وزارة الدفاع سابقاً ورئيس الأركان حالياً. وصديق السيسي المقرب، اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشئون الدستورية والقانونية. مهندس القوانين واللوائح العسكرية منذ الإطاحة بحسني مبارك.


ما يعني أن إقدام السيسي على تعديل الدستور لتمديد فترة حكمه قد لا تلقى استحساناً لدى قطاع من العسكريين سواء الموجود منهم بالخدمة أو من من تم إقصائهم عن مناصبهم بسبب كونه يعد إنقلاب داخلي على ما تم التوافق عليه عند كتابة الدستور، وقادم الأيام هو ما سيفصح عن ما إذا كان صراعاً سينشب بين ديناصورات السلطة أم لا، حتى وإن بدا الأن أن السيسي يملك الغلبة المطلقة بعد أن أحكم الرجل قبضته على الدولة بشكل مطبق.


لا أعني بذلك أن أمراً كهذا يمكن أن يعول علية أو أن يكون ذو تأثير إيجابي في حد ذاته على المشهد السياسي والاجتماعي، لكن ما أحاول لفت النظر إليه بهذا الشأن هو أن أي تصدع بهذا الحجم وعلى هذا المستوى في حالة حدوثة بجبهة الخصوم متمثلة في ديناصورات السلطة قد يمثل فرصة للقوى الحية للثورة وللمجتمع لتسديد ضربات موجعة لمشروع السيسي لتعديل الدستور قد يفقد النظام برمته على إثرها اتزانه، لا سيما وأن النظام الأن لا يملك أي حد أدني من الرضاء أو القبول الشعبيين، وذلك بفضل نهج السيسي القمعي والمخابراتي في الحكم والذي يوصف بأنه الأسوأ والأقل تسامحاً مع معارضيه بين الرؤساء الديكتاتوريين الذين تناوبوا على حكم البلاد منذ 1952.


لماذا يرغب السيسي إلى هذا الحد في البقاء في السلطة ؟


لفهم أي سلوك بشري يجب معرفة دوافعه وأهدافه، هذه المعرفة بدوافع السلوك وأهدافه هي التي ستقودنا بالتبعية لمعرفة إلى أي مدى سيتمسك أو حتى يستميت صاحب هذا السلوك للدفاع عن سلوكه للوصول إلى تحقيق أهدافه، ما هي إذن دوافع السيسي لتعديل الدستور والبقاء في السلطة؟، سيجيبنا قارئ نجيب: بأن ذلك لرغبته في البقاء في الحكم والاستمتاع بمزايا السلطة. بالطبع اوافقه على هذا الرأي، لكن لماذا قد يكون السيسي راغب الى هذا الحد في البقاء في السلطة على الرغم من ما يمكن أن ينطلي عليه الأمر من مخاطره ستفقد الرجل على أثرها دون شك ما تبقى له من أنصار حتي في صفوف العسكريين، ناهيك عن حجم السخط والرفض العام الذي ستنتجه خطوة كتلك.


السبب بسيط وهو أنه في حالة خروج السيسي من السلطة وتولي رئيس أخر فأنه لن يكون بمأمن من أن تتم محاكمته على كل الجرائم التي ارتكبها، وذلك على الرغم من ما يصدره من قوانين وتشريعات تحصنه وتحصن شركائه العسكريين والأمنيين مِن مَن تلوثت أيديهم بدماء المصريين من الملاحقة القضائية -مثال ذلك قانون (معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة) الذي أصدره السيسي في 26 يوليو 2018 بعد موافقة البرلمان عليه، والذي يمنع الملاحقة القضائية لكبار قادة القوات المسلحة عن أي فعل ارتكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور. بحسب نص القانون-(1) ذلك أن الرئيس الجديد سيكون لديه الحق في وقف العمل بذلك القانون أو إلغائه، وفي هذه الحالة من غير المستبعد أن يتم سجن السيسي أو حتى إعدامه، ونفس المصير ينتظر شركائه العسكريين والأمنيين، ذلك في حال إذا ما رغبت السلطة الجديدة في أن تقطع أي صلة لها بالسيسي ونظامه وأن تغسل يدها من جرائمه، الأمر الغير مستبعد حدوثه حتى وإن جائت تلك السلطة الجديدة من دولاب النظام الجمهوري نفسه.


الخيار الآخر الذي يملكه السيسي للخروج من السلطة هو مغادرة البلاد مع مغادرة السلطة حتى لا يكون عرضة للملاحقة القضائية والقبض عليه، وهو أمر غير مأمون العواقب أيضاً لأنه يمكن طلب تسليمة من السلطات القضائية المصرية في حالة إدانته، كما يمكن مقاضاته دولياً واستصدار مذكرة توقيف دولية بحقه بسبب قيامه بجرائم ضد الإنسانية أو ما يرقى لأن يكون جرائم حرب وشاهد على ذلك ما يحدث في سيناء على سبيل المثال، بالاضافة لأنه يمكن أن يصبح في الخارج هدفاً لعمليات ثأرية لأناس قتل أو أمر بقتل - عذب أو أمر بتعذيب ذويهم، إلا إذا قرر الذهاب إلى السعودية أو الإمارات فهذه الدولتان يمثلان معاقل للاستبداد وملاذ آمن للحكام المجرمين على أي حال، فسيكون في هذه الحالة بمأمن من الملاحقة القضائية أو العمليات الثأرية، مثل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والذي هرب للسعودية خوفاً من أن تقبض عليه الثورة التونسية وتقدمه للمحاكمة في يناير 2011، إلا أن مصير آخر قد ينتظر السيسي في حالة إقدامه على خطوة كتلك وهو مصير أقرب لمصير عبد ربه منصور هادي الرئيس اليمني أو سعد الحريري رئيس الوزراء اللبناني.(2)


من ما تقدم نفهم أن ليس لدي السيسي خيار آخر سوى البقاء في السلطة إلى الأبد أو إلي أن يكون قد أعد أحد أبنائه لكى يستلم منصب الرئاسة منه. لا سيما وأن أبناء السيسي يشغلون الأن مواقع مرموقة في الرقابية الإدارية والمخابرات العامة، فالابن الأكبر يشغل منصب رفيع المستوى في هيئة الرقابة الإدارية والابن الذي يليه يشغل منصب نائب رئيس جهاز المخابرات العامة أي الرجل الثاني بعد اللواء عباس كامل رئيس الجهاز، بعد أن تم ترقيته ترقية إستثنائية من رائد إلى عميد، والابن الأصغر يعمل بإدارة الاتصالات بالمخابرات العامة ايضاً.(3)


في المحصلة سيفعل السيسي كل ما في وسعه وإلى درجة الاستماتة لتعديل الدستور والتمديد لنفسه للبقاء في السلطة إلى ما بعد 2022 لكي يضمن ترتيب خروج آمن من السلطة عبر تولية أحد أبنائه السلطة الرئاسية أو الإستمرار في الحكم إلى الأبد، على اعتبار أن الأبد ينتهي بانتهاء حياة الإنسان بحسب تعبير السيسي نفسه رداً على سؤال وجهه له أحد الشباب المشاركين في المنتدى العالمي للشباب بشرم الشيخ وهو (ما رأيك في الرؤساء الذين يريدون الاستمرار في الحكم إلى الأبد؟).(4)


هل السيسي قادر على تمرير تعديل الدستور والبقاء في الحكم إلى "الأبد" ؟


للإجابة عن هذا السؤال يجب تحديد مفهوم أولي بشأن صناعة التاريخ الإنساني، فهل التاريخ الإنساني من صناعة الحُكام أو من هم على قمة هرم البناء الفوقي السياسي والإجتماعي يسوقون عنقه كيفما شاؤوا ؟. أم أن الجماهير هي التي تصنع التاريخ بحركتها وكفاحها الدائمين من أجل البقاء والدفاع عن مصالحها ؟. لا شك أن الإجابة الثانية هي الإجابة الصحيحة، فبالطبع الجماهير هي التي تكتب التاريخ وصاحبة اليد العليا في تسيير السيرورة التاريخية للأحداث، وذلك على الرغم من تداخل وتأثير الكثير من العوامل على سير تلك السيرورة، تلك العوامل التي منها مواقف الحُكام وقراراتهم، كما مواقف الشخصيات البارزة والرائدة التي تستطيع إحداث تأثير وأيضاً الكثير من العوامل الذاتية والموضوعية الأخري.


في كثير من الأحيان لا سيما في الدول التي لم تعرف أنظمتها السياسية الديمقراطية كآلية للحكم - مثل الدولة المصرية ومعظم الدول العربية - يكون الحُكام ذو تأثير سلبي على سير السيرورة التاريخية للشعوب، فهم يمثلون عامل معطل وكابح لما يمكن أن تحققه الشعوب من تقدم وتطور، وذلك بسبب التناقض بين ما يفرضه الاستبداد السياسي والاجتماعي من واقع ضحل يغلب عليه التخلف والجهل يهدف في جوهره للإبقاء على الحُكام وعلى مصالح أقلية الموالاة المتحلقة حولهم، وبين ما يتطلبه التقدم والتطور للشعوب من استنهاض الطاقات الكامنة للمجتمع ككل لتحقيق نقلة نوعية على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي، الأمر الذي لا يمكن له أن يتحقق إلا بتحقيق الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.


أن المعضلة الرئيسية التي تواجه الحالة المصرية هي ثنائية الاستبداد والتخلف والمرتبطين إرتباطاً وثيقاً ببعضهم البعض، والذي يرغب السيسي من خلال تعديل الدستور من أجل تمديد حكمة إلى تكريس هذه المعضلة إلى أقصى حد، فتأبيد السيسي في الحكم يعني تأبيد التخلف والشقاء والفقر لغالبية الشعب المصري.


إن الإجابة عن التساؤل الذي طرحته عنواناً لهذة الفقرة ليس مرهون بإرادة السيسي وأجهزته الأمنية والمخابراتية، بقدر ما أنه مرهون بإرادة الطليعة الواعية من الشعب المصري بجميع فئاته من عمال وفلاحين وطلبة ومثقفين، والتي يجب عليها أن تستجيب لما يفرضه الواقع من تحدي بالغ الأهمية والخطورة سيتحدد على ضوئه ما إذا كان سيفتتح بمصر عصر جديد عنوانه الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وتنتهي عقود ثنائية الاستبداد والتخلف في 2022، أم سيعلن عبدالفتاح السيسي نفسه فرعوناً أبدياً ومن خلفه أبنائه. لنغوص على إثر ذلك في أعماق بئر الاستبداد والتخلف ربما إلى ما يزيد عن عقد آخر من الزمان. ليصبح العنوان الأبرز لتلك الحقبة هو المجاعة والسجون والمجازر.


تعديل الدستور للّتمديد....السيسي يحفر قبره


تنص الفقرة الأخيرة من المادة 226 المتعلقة بإجراءات تعديل الدستور والتى جاءت تحت عنوان (أحكام لا تُعدل) على أنه (في جميع الأحوال، لا يجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة إنتخاب رئيس الجمهورية، أو مبادئ الحرية، أو المساواة، ما لم يكن التعديل متعلقاً بالمزيد من الضمانات). ما يعني عملياً أن الفقرة الأولى من المادة 140 والتي حددة المدد الرئاسية بمُدتين اثنين فقط محصنة ضد التعديل فلا يجوز من حيث الأساس تعديلها إلا إذا كان هذه التعديلات تزيد من ضمانات الحريات بحسب نص الفقرة، مثل أن يكون التعديل يتعلق بالحد من صلاحيات رئيس الجمهورية أو يفرض مزيد من القيود على قدرة الرئيس إعلان حالة الطوارئ أو حل مجلس النواب، الأمر الغير متحقق في حالة التعديلات المزمع الدفع لتمريرها في الأشهر القادمة والتي هي تعديلات تهدف في جوهرها لتمديد بقاء السيسي في الحكم ما يفقدها أى مشروعية دستورية ويجعلها باطلة من حيث الشكل والمضمون وفقاً للتحصين سالف الذكر.


لكن ولأن إهدار النصوص الدستورية هو سمة أساسية من سمات النظام العسكري لعبدالفتاح السيسي فإنه لن يتم الالتفات لهذا التحصين الذي يمنع تمديد المدد الرئاسية لأكثر من مدتين، وليست واقعة إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين نظام السيسي و السعودية عنا ببعيد والتي تنازل السيسي بمقتضاها عن جزء من الإقليم المصري لصالح السعودية وهو جزيرتي تيران وصنافير بإهدار صارخ لنص المادة 151 من الدستور.


أن ما يمثل عقبة حقيقية في طريق السيسي ونظامه تجعل من عملية تعديل الدستور مغامرة غير محسوبة العواقب هي ليست النصوص الدستورية ولا موافقة مجلس النواب فهذه أمور يستطيع النظام السيطرة عليها وتوجيهها كيفما شاء، وهو بالفعل مسيطر عليها، لكن العقبة الحقيقية التي تواجه السيسي ونظامه هي الناس- الشعب الذي تم تجويعه وقمعة وقتلة على مدار الست سنوات الفائتة على يد السيسي ونظامه، وبدعاوى مختلفة فبدعوى مكافحة الإرهاب تم قمع الشعب برمته وسجن جزء منه وقتل الجزء الآخر، وبدعوي الاصلاح الاقتصادي تم تجويع الشعب وسلبه مكتسباته الإجتماعية، فأمسى الشعب حانق وكاره لسيسي ونظامه إلى أقصى درجة، قد لا يكون ذلك ظاهراً أو معبر عنه بشكل جماعي وذلك خشية من القمع البوليسي الوحشي الذي تم تعميمه ونشره في السنوات الأخيرة، لكن واقعياً فأن لا حديث للناس في الأسواق والشوارع ووسائل المواصلات إلا عن شتم السيسي وسب أيامه والدعاء عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور.


وما يجعل الشعب عقبة في طريق السيسي هو نص الفقرة الثانية من المادة 226 المتعلقة بإجراءات تعديل الدستور أيضا والتى جاءت تحت عنوان (الاستفتاءات) والتى تنص في مقطعها الأخير على أنه (إذا وافق على التعديل ثلثا عدد أعضاء مجلس النواب، عرض على الشعب لاستفتائه عليه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدور هذه الموافقة، ويكون التعديل نافذاً من تاريخ إعلان النتيجة، وموافقة أغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين فى الاستفتاء)، الأمر الذي يعني أن نفس الناس الذين تحدثنا عنهم في الفقرة السابقة يحتاج السيسي أن يطلب منهم أن يجيزوا له تلك التعديلات عبر الموافقة عليها في استفتاء عام ليتمكن من تمديد حكمه إلى الأبد.


بوقاحة لا مثيل لها إذن سيتم الدعوة لإجراء استفتاء عام لكي يتم الاختيار بين: إما الموافقة على تعديل الدستور بالشكل الذي يسمح للسيسي بأن ينصب نفسه فرعوناً أبدياً ليستمر في الاستبداد والقتل والتجويع إلى ما لا نهاية، أو رفض تعديل الدستور فيحق لنا في هذه الحالة تغيير الرئيس كل أربع أو ثمان سنوات بحد أقصي بالشكل الذي يسمح بإحياء الحياة السياسية من جديد في المجتمع مما يتيح أن يصل إلى الحكم في المستقبل رئيس يسعى بشكل حقيقي لتحقيق آمال الشعب في الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية، رئيس يعبر عن مصالح الأغلبية الساحقة من الشعب، بديلاً عن الديكتاتور السيسي الذي لا يعبر سوى عن مصالح الأقلية من عسكريين ورجال الأعمال وشرطة وكبار موظفي الدولة، الأمر الذي سيترتب عليه تغيير تاريخ مصر المعاصر عبر إنهاء عقود من الاستبداد العسكري وانفتاح عصر الحريات السياسية والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة.


لكن إذا كان الديكتاتور السيسي وعصابته الحاكمة يعدون العدة من أجل تمرير تلك التعديلات الدستورية بجدية وحرص شديدين كشف عنهما تقرير نشر على موقع مدى مصر بتاريخ 22 نوفمبر 2018 (5) جاء فيه أن اجتماعات شبه يومية كانت تعقد الفترة السابقة بين المخابرات العامة وقصر الاتحادية الرئاسي يديرها محمود السيسي نجل الديكتاتور وتحت إشراف عباس كامل رئيس جهاز المخابرات من أجل الاستقرار بشكل نهائي على المواد التى سيتم تعديلها، ونصوص المواد البديلة وموعد الاستفتاء، وأمس الثلاثاء 5 فبراير 2019 وافق البرلمان على قبول طلب تعديل الدستور الذي تقدم به أعضاء ائتلاف دعم مصر يوم الأحد 3 فبراير، ما يعني أن التعديلات الدستورية اتخذت بالفعل طريقها للتمرير وأننا سنجد أنفسنا أمام مشهد الاستفتاء عليها خلال الثلاثة أشهر القادمة. فماذا نحن فاعلون؟ إذا كانت الإجابة لا شئ فلا تتوقع أن يحدث بالتبعية أى شئ بخلاف ما خططت له السلطة ولا داعي لك في أن تكمل حتى قرائة هذا المقال لأنه تكملته ستكون حول كيف يمكننا منع السيسي من تعديل الدستور؟ وما الآليات والوسائل التى علينا استخدامها لتحقيق ذلك؟ وهل نملك فرص للنجاح؟.


كيف يمكننا منع السيسي من تعديل الدستور؟


أن المناشدات والمُطالبات لن تمنع السيسي من تعديل الدستور، وهي أبداً لم تمنع أو تدفع لحدوث أى عمل تاريخي، فالمعارك الكبرى والأحداث التاريخية لا تحسم بشكل سلمي بل أن القوة هى التى يفرض من خلالها المنتصر إرادته، تلك القوة التى استخدمها السيسي في الأساس للوصول للحكم عبر الانقلاب العسكري، ومازال يستخدمها كآلية رئيسية لحكم البلاد بالقمع والسجن والترهيب وذلك عبر أدواته الأمنية الأشرس من أجهزة مخابرات -والتى تدير عملية تعديل الدستور كما اسلفنا- وجهاز شرطة يمثل كلب حراسة النظام، والجيش الجمهوري القوة الضاربة الرئيسية للنظام وعموده الفقري، تلك الأدوات هي التي لا شك يعول السيسي عليها بشكل حاسم لتمرير تلك التعديلات.


فالنضرب مثلاً إذا أردت أن توقف ماكينة ضخمة عن العمل فسيكفي وقف عجلة أو ترس معين لكي تتوقف الماكينة، لكن هل يكفي أن تقف بجوار هذا العجلة وتناشدها التوقف لكي تتوقف!!.. بالتأكيد لا، سيكون عليك وضع عصا في العجلة لتوقفها لكي تتوقف الماكينة الضخمة، نحن هنا أمام نفس الوضع، وأيضاً بالتأكيد لا تكفي المناشدات -مثلما يفعل بعض النواب البرلمانيين والسياسيين المصريين- بل علينا أن نضع العصا في عجلة النظام لعرقلته ومنعه من إجراء هذا التعديل وبأي ثمن.


وكل من سيروج من أحزاب أو نواب برلمان أو شخصيات سياسية أن الدعوة للمشاركة في الإستفتاء بقول "لا" في الصندوق هي وسيلة لرفض تلك التعديلات هم محض افاقون موالون للسلطة حتى لو اتخذت موالاتهم شكل المعارضة، فأقصى ما قد ترغب فيه السلطة أن تذهب أعداد كبيرة من الناس للإدلاء بأصواتهم لكى تضفي على الإستفتاء شرعية وأيضاً لكي تتمكن من أن تخرج النتيجة 99% نعم للتعديل، حتى وأن كان 100% قد رفضوا التعديل، ومن يروج للمشاركة يعلم ذلك تمام العلم لكنه الارتزاق السياسي والعمالة للنظام هي التي تدفعه لذلك.



أن الآلية الفعالة الوحيدة التي نمتلكها لوضع العصا في عجلة النظام ومنع تمرير تلك التعديلات هي الإضراب العام الذي يعنى في حالة الدعوة إليه ونجاحه أن يمتنع العمال والموظفين والطلبة عن العمل والدراسة الأمر الذي يعني توقف حركة الإنتاج وتوقف سير انتظام المرافق العامة والأعمال الحكومية والخاصة ما يترتب عليه وقف المصانع والمرافق العامة والخاصة ما يعني أن يمنى النظام بخسائر فادحة وأن يصاب بشلل تام، الأمر الذي سيدفع النظام لأن يتخذ موقف من اثنين فإما أن يرضخ للإضراب ويتخلى عن تعديل الدستور لكي لا تتسارع الأمور بشكل أكبر فيمثل ذلك تهديد وجودي له وسيؤدي ذلك لازدياد ثقة الجماهير بنفسها وقدرتها على التأثير في الأحداث، أو سيتعامل مع الإضراب بوسائل قمعية ما سيثير استفزاز قطاعات أكبر من الجماهير الأمر الذي سيدفع الإضراب لأن يتحول لانتفاضة رداً على القمع الحكومي، في كلتا الحالتين سيتم قطع الطريق على السيسي ونظامه ومنعه من تعديل الدستور لكن فى الحالة الأولى سيحافظ النظام على تماسكه ولو بطريقة شكلية، أما فى حالة الثانية وهي الانتفاضة الجماهيرية فسيكون النظام كمن وضع رأسه داخل برميل بارود ثم أشعل النار فيه.




الأمر كله إذن منوط بأن ينجح إضراب عام، فأما نصر مؤجل عن طريق منع تعديل الدستور ما يسمح في المستقبل بتداول سلمي للسلطة وانفراجة في الحياة السياسية، وإما نصر مؤزر بإسقاط النظام عبر انتفاضة جماهيرية يدفع لها صلف السلطة العسكرية وعنادها.


لكن لكي ينجح إضراب عام يجب أن تتوفر له الدعاية المناسبة، ما يجعل الدعوة للإضراب تصل لكل عامل وموظف وطالب وتحولهم بدورها لمحرضين على الإضراب لزملائهم في العمل وفي الجامعات وفي الأوساط الإجتماعية التي ينشطون فيها، ما يجعل الدعوة للإضراب تنتشر انتشار النار في الهشيم، ومع ذلك قد لا ينجح الإضراب من المرة الأولى، لا يعني ذلك أن الإضراب قد فشل بل يعني أن الدعوة للإضراب لم تصل للعدد الكافي من العمال والموظفين والطلبة بعد.


هذا المقال هو دعوة للنقاش والعمل الجادين لكل من الأفراد والكيانات والحركات والأحزاب التي ترغب في مقاومة مشروع السيسي لتعديل الدستور ومنعة من تمديد حكمه إلى الأبد، وذلك بإستخدام الإليه الوحيدة الناجزة لذلك وهي الدعوة للإضراب العام وليس الاكتفاء ببيانات الرفض وإثبات المواقف، أعلم أن الطريق أمامنا ليس معبداً بالورود لكنه أيضاً ليس معادلة رياضية أمتلك السيسي ونظامة فيها وحدهم شفرة الحل، بل تؤكد كل الشواهد وحالة التعبئة والحشد الحثيثة التى يقوم بها النظام الآن إلى أي مدى يشكل الأمر صعوبة عليه ما يجعل من انفلات الأمور وخروجها عن سيطرته أمر وارد الحدوث، كما أعلم أننا لسنا ولن نكون جميعاً على أرضية سياسية واحدة لكن أن نتجاوز الأن خلافاتنا وأن نستجيب للمسؤولية التاريخية التي يضعها في عنقنا هذا التحدي المفروض علينا لهو الحد الأدني لمستويات التفكير العقلاني والمنطقي الذي تفرضه غريزة حب البقاء لبشر أحرار وليس لعبيد مهانون.


إن النصر معقود على عزيمة وإصرار كل من سيقرر بإرادة حرة وضمير حى أن يتصدى لطوفان الاستبداد القادم بهذه التعديلات، فلم يبقى اختيار، صدرنا يلمسهُ السيفُ، وفي الظّهر الجدار. لن نقوى على أن ننظر في عيون أبنائنا في المستقبل إذا لم نمنع هذا الطوفان من أن يجتاح حاضرنا ومستقبلهم.




نستطيع منع السيسي من تعديل الدستور


نستطيع أخذ زمام المبادرة من جديد


تعديل الدستور لن يمر سوى على أجسادنا



هوامش


1- قانون رقم 161 لسنة 2018 بشأن معاملة بعض كبار قادة القوات المسلحة، نشر بالجريدة الرسمية في 26 يوليو 2018.

2- يتخذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وحكومته من الرياض مقراً لهم وتشير تقارير أن تحركات الرئيس اليمني تخضع لقيود مشددة من قبل السلطات السعودية التي تسمح له بالسفر إلى الإمارات فقط، فيما يجعله في وضع أشبه بوضعه تحت التحفظ.

في زيارة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري للرياض تم احتجازه وإجباره على الاستقالة وتلاوة ذلك في بيان أذاعته المحطات السعودية، وورد في تقارير لم ينفها سعد الحريري أنه تعرض للإيذاء البدني أثناء فترة احتجازه.

3- محمد مغاور، أبناء السيسي يصنعون إمبراطورية بالرقابة والمخابرات، موقع عربي 21، 22 يوليو 2018.

4- عز الدين مقساط، شاب يسأل السيسي عن الرؤساء الذين يريدون حكما للأبد.. الإجابة كانت مثيرة للسخرية، جريدة مغرس، 9 نوفمبر 2018.

5- أسمهان سليمان وأشرف حكيم، "مشاورات التعديل الدستوري: أعوام إضافية للسيسي.. ثم رئاسة أبدية لمجلس "حماية الدستور"، موقع مدى مصر، 22 نوفمبر 2018.



#حسن_مصطفي (هاشتاغ)       Hassan_Moustafa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فُجر أبواق النظام وتردد ووجل المعارضة
- عن المهمشين والثورة
- إدلب.. المجزرة علي وشك الوقوع
- تعليق علي مبادرة معصوم مرزوق
- الجزر للسعودية والسلام الدافئ للصهيونية والموت والإفقار للمص ...
- مقبرة النظام الجمهوري .. الاصلاحية أم الثورية؟
- لماذا لم يسلم الرفيق ابوحديد نفسة ؟
- لماذا الحزب الثوري ضرورة ؟
- ثورتنا المغدورة*


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن مصطفي - تعديل الدستور للّتمديد.. السيسي يحفر قبره