أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاتح جاموس - ردّاً على محمد سيد رصاص: وقائع مغيّبة وتمريرات واتهامات















المزيد.....


ردّاً على محمد سيد رصاص: وقائع مغيّبة وتمريرات واتهامات


فاتح جاموس

الحوار المتمدن-العدد: 6116 - 2019 / 1 / 16 - 10:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1 ــ استدراك


بالطبع وقاصداً، أنا أحاور هنا الصديق محمد سيد رصاص، وأحاور ما ورد في مادته(خلافات المعارضة السورية في أزمة 2011 ــ 2018)، على الرغم من أن المادة تكثيف شديد في بعض الوقائع الانتقائية، بتغييب وقائع أخرى أكثر أهمية، كذلك فإنها مشبعة بتمرير مفاهيم غير صحيحة وغير دقيقة، مضافاً إلى تمرير اتهامات. والمادة عموماً ذات طابع وصيغة تقريرية، من دون مقاربة تحليلية سببية، على عنوان مهم وخطير (خلافات المعارضة السورية) في مقال صحافي يومي. يغفر له أنه ليس باستطاعته بمرة واحدة أن يكون تحليلياً، كما ليس باستطاعته حتى الاستعراض المحدد والدقيق للخلافات. لكن كان بإمكانه أن يضيف الوقائع الأخرى المهمة، وأن لا يمرر مفاهيم واتهامات، وهكذا بدا السيد محمد ومقالته، وكأنه يريد فقط القول: إن منظومة «هيئة التنسيق» وموقفها وموقعها (حيث يصطف السيد رصاص) وسياق سلوكها هي وحلفائها، في الأزمة والانقسام الوطني السوري، كانت من البدء، واستمرت ولا تزال، «ثورية وصائبة» وواقعية وعملية... إلخ، بينما المنظومة الأخرى في المعارضة متهمة، ووضعها «مكتفة» في صف السلطة. لنرَ كيف؟

2 ــ في الوقائع المغيّبة وأهميتها
ــ دخلت المعارضة الأزمة وهي تعرف بدقة، بل تعيش أيضاً كل العناوين المطروحة خلافياً بين صفوفها. وعرفت المحتوى نفسه في الكثير منها: الموقف من السلطة السورية، التغيير الديموقراطي ووسائله، التحالفات المطلوبة من أجله، دور الخارج العسكري والسياسي في ذلك، تحديداً الدور الأميركي، الموقف من الاحتلالات والقبول، أو عدمه، بها، الموقف من الإسلام السياسي، وتحديداً «الإخوان المسلمين»، مقاربة موجة الصراع الأولى بين السلطة و«الإخوان» وتقييمها، موضوع الأكثرية المذهبية، وموقع الأقليات المذهبية الأخرى، وبنية النظام وتأثرها بالطابع المذهبي، أو وجود جذر طائفي في بنيته، الموقف من إيران... إلخ.
ــ وصل الأمر إلى حدود تجميد «الاتحاد الاشتراكي» و«حزب العمل الشيوعي» لنشاطهما داخل «إعلان دمشق»، بعد محاولتهما الجادة لتصويب بيان الإعلان الأول في العديد من النقاط السابقة، وصدور بيان توضيحات مختلفة بصورة فعلية. لكن بقيت الخلافات وتعمقت، واتضح الاستقطاب عليها وعمل كل فريق على بيان ومحتوى مختلف، ما دفع الحزبين («العمل الشيوعي» و«الاتحاد الاشتراكي») إلى مغادرة «إعلان دمشق»، والعمل الحثيث على تشكيل تحالف جديد، بدأ باجتماع واسع في بيت فاتح جاموس، حضره السيد رصاص، تابع ذلك الجهد واشترك فيه بجدية، ضمّ فعاليات عديدة مختلفة مع الطرف الآخر في إعلان دمشق، وأعدت كل الوثائق لإعلانه، وصولاً إلى زمن «الربيع العربي» وانطلاق الحراك السوري، فتوقف ذلك الجهد كلياً، ليصبح الجميع تحت تأثير وقائع الأزمة، وطابعها والقوانين التي تحكمها، وتطوراتها، ليعيد خلط الأوراق، والمواقف والانزياحات مجدداً.
ــ غيّب السيد رصاص واقعة حاسمة في المواقف والخلافات. إنها واقعة وجود ثلاثة مقاربات أساسية، وثلاثة أطراف تصنف في إطارها استقطابياً بصورة أو بأخرى، في الحراك وطابعه وتطوراته: أولها، مقاربة النظام بأن الأمر أمر مؤامرة خارجية تتقصد الوطن والنظام ومواقفه ودوره... والثانية، لمجموعة قوى واسعة، كانت ولا تزال تعتقد أن الحراك وشروطه (ثوري، وثورية) تسمح بإنجاز تحديات ومهمات وأهداف ثورية، على رأسها وأولويتها التغيير الديموقراطي بإسقاط النظام. وتناسى السيد محمد أن هذه المقاربة جذر موقف «هيئة التنسيق» وتطور مواقفها في أولوية المهمة، وفي التحالفات، وفي التقارب الشديد مع بعض القوى الأصولية، والتحالف العميق مع قوى تمثل لسان حال الفاشية السياسي، وصولاً إلى الوجود في الهيئة العليا للتفاوض، وكل ما تعنيه. والمقاربة الثالثة من قبل فعاليات ومجموعات محدودة بداية، ترى الحراك وشروطه وطابع الأزمة غير ثورية إطلاقاً، ولا تسمح بتحقيق أهداف ثورية أبداً، بل ترى فيها ثورة مضادة بكل ما تعنيه الكلمة، لأن الصراع الرئيسي هو بين مشروعين استثنائيين (غير ديموقراطيين). ويدعي أصحاب هذه المقاربة تمثيل غالبية اجتماعية خارج حاضنتي السلطة، والقوى الأخرى بكليتها (الأصولية الفاشية ولسان حالها السياسي) طرف ضعيف، وغير فاعل، لكنه طرف حقيقي بكل المقاييس، والمستقبل لمنظومة تفكيره، وتطور قواه، وهو ما حصل ويحصل بصورة تراكمية، خاصة أن الأزمة مستمرة، إن لم نقل مفتوحة.



ــ نسي السيد محمد رصاص، أو غيّب وقائع عديدة، تؤكد كلامنا السابق، تتعلق بانقسامات عدة، وعمليات ترك لـ«هيئة التنسيق» من داخلها كتحالف، ومن داخل بعض الأطراف الأساسية المكونة لها، «هيئة العمل الوطني» (السيد محمود مرعي)، «تيار قمح» (السيد هيثم العودات)، و«هيئة التنسيق - التغيير الديموقراطي» ( د. منذر خدام، زياد وطفة)، ومجموعات كادرية أخرى واسعة منها: د. فايز الفواز، وسليم خير بك، وعبد الوهاب الخطيب، ولم يهتم إطلاقاً بأسباب ترك هذه المجموعات، ولم يهتم بأي مسار اتخذوه، أو تقاربوا معه بعد تركهم.
ــ نسي أن يهتم بأسباب التقارب المتسارع ووقائعه بين «هيئة التنسيق»، أو من بقي فيها، وإطار «الائتلاف الوطني»، والمسميات اللاحقة، أو بين «هيئة التنسيق» واتجاه الدكتور قدري من منصة موسكو، ووصول الجميع إلى الهيئة العليا للتفاوض، باسم وحدة عمل المعارضة ووحدة برنامجها بالمهمات الأساسية فيه، والمهمة المركزية فيها (التغيير الديموقراطي والموقف من النظام وما يستتبعه من عناوين) وذلك من البيان الشهير الأول بتوقيع د. هيثم ود. برهان، وفي كل مرة تصرّ «هيئة التنسيق» على التقارب، وتتعزز قوى الائتلاف حتى الشكل التمثيلي والتوافقي الأخير في الهيئة العليا، على أساسيات منظومة معارضة الائتلاف، وكانت أساسيات مشتركة بمنظومة واحدة بالتأكيد، مع فروقات مختلفة بسيطة هنا وهناك، لم تؤثر بشيء في تحوّل كل تلك الفعاليات إلى معارضة تقف في صف واحد، في الحوار أو التفاوض أو مواجهة النظام.
ــ نسي بشكل خاص أن يذكر أن «هيئة التنسيق» لم تثبت عند إدخالها الخاص على شعار «إسقاط النظام الاستبدادي الأمني»، بل حذفت اللواحق الخاصة بها، والتحقت شكلاً ومحتوى بشعار مجلس إسطنبول (إسقاط النظام). بالتالي لا يعود ما أورده صحيحاً من زاوية تميّز «هيئة التنسيق» بقضية الشعار، وقضية المرحلة الانتقالية، بكل ما يعنيه هذا وذاك من أن المقصود مع الوثيقة التأسيسية للهيئة، تغيير وطني ديموقراطي، عبر اتفاق مصالحة مع الجهاز السياسي للسلطة.
ــ لا بأس، كيف نفسر إذاً جواب «هيئة التنسيق» على مندوبين اثنين من قبل السلطة (ابن السيد طلاس، ومرافق آخر) وطلبهما حواراً علنياً مع «هيئة التنسيق»، ورفض الأخيرة ذلك، وقولها على لسان السيد حسن عبد العظيم، إن الهيئة ترفض الحوار مع السلطة (بالتغاضي عن موقفنا من صدق نيات السلطة من عدمه) وتعتبر قبولها باللقاء ذلك واستعدادها لمتابعته أنه مجرد خط اتصال سري، والسيد رصاص يعرف ذلك.
ــ نسي أن الحوار الوحيد الذي حصل بين أكثر من اتجاه معارض والسلطة في موسكو1 و2، برعاية الخارجية الروسية، وحضرته «هيئة التنسيق» بالطبع، خارج الوطن هناك وبعد جهود كبيرة، وإنجاز النقطة الأولى من جدول العمل وإصدار وثيقة مشتركة بخصوصها والانتقال إلى النقطة الثانية المتعلقة بالإرهاب، فإن «هيئة التنسيق»، على لسان عبد العظيم، رفضت التوافق والوثيقة وأوقفت الحوار بشروط جديدة خارج سياق جدول العمل، ولحق السيد صالح مسلم بحسن عبد العظيم ورفض الاتفاق والوثيقة لأسباب مشتركة وأخرى مختلفة، وفاتح جاموس اشترك في موسكو1 و2، وكان شاهداً على ذلك.
ــ نسي الصديق محمد أنه كان للفريق المقابل لجهة السلطة على طاولة جنيف من البدايات الأولى، وصولاً إلى فريق الهيئة العليا للتفاوض الواحد تنسيقياً، جبهة عمل خارجي واحدة ومتماسكة، تفكر وتدعم بكل السبل المتاحة ذلك الفريق، وماذا يمكن تسميته غير جبهة، أو طرف، أو الصف الأميركي - الأوروبي - السعودي.
ــ نسي الصديق محمد أن السلطة السورية اشتركت مع فريق «هيئة التنسيق» و«الائتلاف» (أي الهيئة العليا للتفاوض) بعدم الاعتراف بأن هناك منظومة معارضة أخرى (المعارضة الوطنية الداخلية) أو أن تجري أي احتكاك معها، عداكم عن الحوار الجدي بأي مستوى، واستمرت قوى معارضة «الائتلاف» بتوجيه الاتهامات إلى ذلك الفريق بأنه فبركة النظام، أو حديقة خلفية له، مع إصرارهم دائماً على أن ذلك الفريق يجب أن يكون على جهة النظام من طاولة التفاوض أو الحوار. بينما كان موقف النظام، الشكلاني والفعلي، إهمال الحوار الداخلي بخطاب ديماغوجي، يشبه خطاب «الائتلاف» على مقلب آخر. أي إن فريق الهيئة والهيئة العليا أصرّ على اعتبار أن هناك ثورة وفريق وصف ثورياً واحداً مع المجتمع في مواجهة الطرف الاستثنائي (النظام). بينما كان الأخير يتابع مسار الحوار الخارجي ويصرف الوقت فحسب، ويوسّع جغرافيته وانتصاراته، ويعيد إنتاج نفسه، بينما صف المقاربة الثالثة، الكتلة الاجتماعية الغالبية، ونخبها، ضعيف التأثير.
* تحصيل: تغييب تلك الوقائع، سمح للسيد رصاص، أو أجبره على تمرير العديد من المفاهيم والاتهامات لتبقى «هيئة التنسيق» (حيث موقع رصاص منهجياً وسياسياً وتنظيمياً) على الخط والمسار والموقف الثوري، وبالتالي حلفاؤها في الهيئة العليا للتفاوض، وكذلك لوضع بقية القوى في الصف الآخر غير الثوري (صف السلطة)، كيف ذلك؟

3 ــ في التمريرات والاتهامات
1) من الصعب (كما فعل السيد محمد) تمرير وقبول المفهوم الذي يفيد بأنّ كل أزمة وطنية هي أزمة ثورية، فلكل أزمة وطنية (على المستوى الوطني الشامل كبيرة وعامة لا جزئية) محتوى وطابع وشروط تسبقها، وقوى وتناقضات وصراعات ووسائل، عبر ذلك يمكن القول إن هذه الأزمة الوطنية ثورية، أو غير ثورية (مضادة)، أو تحولت لأسباب محددة من... إلى.
2) بينما يعرض السيد محمد موقف تيار «طريق التغيير السلمي» الذي انطلقت منظومته من مقاربة مختلفة، تمثل مقاربة ثالثة في الأزمة والصراع والانقسام الوطني السوري، انطلقت من موقف نقدي جذري للتطور السريع في مواقف «هيئة التنسيق» وبدء التصاق منظومتها الجديدة بمنظومة المعارضة الخارجية (والتعبير غير جغرافي، بل سياسي)، أي معارضة أنقرة وواشنطن والسعودية، بمذكرة وقّعها نحو ثلاثين كادراً من أطراف مختلفة في داخل «هيئة التنسيق»، وليس للأسباب التي ساقها السيد محمد كما كتب عن موقف «فاتح والتيار كان هناك رأي سلبي في ما جرى بسوريا بعد 18 آذار... خالف فيه فاتح أكثرية المعارضين، ومنهم رفاقه في العمل الشيوعي الذي كان أحد الأحزاب المؤسسة لهيئة التنسيق».
ببساطة إذاً، ذلك الرأي سلبي. بالمقابل الرأي الآخر إيجابي بداهة، خاصة وصاحب الرأي يتجرأ بموقف يخالف به رأي أكثرية المعارضة، وبينهم رفاقه في الحزب. بالطبع كان الأفضل لو ناقش السيد محمد ذلك الرأي على أنه خاطئ أو صائب، بسيط غير عميق، أو بالعكس، وفي كل مرة بضرورة ذكر الأسباب ليكون حواراً وليس تمريراً يبتغي، مع كل حسن الظن، تشويه الرأي ومتبنيه.
3) لأنني أعرف أن الصديق محمد في العادة يطلع بصورة جيدة على خطاب الطرف الذي يكتب عنه ونتاجه، يصبح من حقي أن أؤكد أنه يمرر بعض الأشياء ليتهم، أي ليضعنا في صف السلطة. فيكتب عندما يتابع عرض وجهة نظر فاتح والتيار: «وأن هناك أولوية في هزيمة الفاشية الإسلامية بالقياس إلى المهمات الأخرى التي منها التغيير السلمي الذي يجب إجراؤه بعد دحر وهزيمة الفاشية الإسلامية...». بذلك يعرض وجهة نظرنا بصورة منقوصة لتصبح مشابهة لوجهة نظر السلطة، بينما تتمايز منظومات الانقسام الوطني بثلاث وجهات نظر في ما يتعلق بالمهمة المركزية، أو الأساسية، وجدل علاقتها بالمهمات الأخرى. منظومة السلطة تؤكد أن المهمة التي تتوقف عليها بقية المهمات، بما فيها جدية أي حوار، هي مهمة هزيمة الإرهاب، بعد ذلك لكل حادث حديث، وأي حديث آخر من جهة النظام تصريف وقت. ومنظومة المعارضة الخارجية غير مهتمة فعلياً إلا بمهمة «التغيير الديموقراطي» أو «إسقاط النظام» أو «تغيير النظام»، والتفاصيل المتعلقة بذلك من خلال هيئة الحكم الانتقالي والمرحلة الانتقالية. وهذا هو موقف كل القوى التي تحالفت ونسقت في الهيئة العليا للتفاوض، على رأسها «هيئة التنسيق» ومكوناتها، وأي خطاب آخر مرافق حول الإرهاب صفّ كلام. أما المنظومة التي طرحناها بادعائنا أنها منظومة معارضة وطنية داخلية، فهي تميّز تمييزاً دقيقاً بين أولوية المهمة، وضرورة التركيز عليها وبذل الجهود الرئيسية من أجل إنجازها. وهي مهمة مواجهة الأصولية الفاشية وهزمها، وبين مفهوم السلطة، أو المفهوم الذي اتهمنا به السيد محمد، فالمهمات في منظومتنا لا تصطف وراء بعضها في انتظار الدور، بل هي حزمة يجري العمل عليها بجدل ترابطي خاص. ولو كتب السيد محمد «إنجازه عوضاً عن إجرائه» لعبّر عن موقفنا من دون تمرير.
4) من أجل تمرير الاتهام، يمرر السيد محمد مفهوماً ماركسياً حول الفاشية بالتباس خاص، فيكتب «عند الماركسيين في تراثهم التقليدي، تعني مجابهة الفاشية الاصطفاف مع كل القوى التي تقف في وجهها ومنها اليمين». ومن الواضح أن الغاية هنا من إيراد تعبير اليمين هي الإساءة السياسية، لأن تعبير يمين مرتبط دائماً بإساءة السمعة «التوسيخ السياسي» أو تلويث السمعة. فاليمين المعني هو السلطة، ما دام التحالف المطلوب والمعني هو بين كل الأطراف التي تواجه الفاشية. سنوضح ما يعرفه ويتكتم عليه السيد محمد، إذ في حالات وجود خطر فاشي، وشروط غير ثورية وأزمة غير ثورية، يصبح المطلوب مواجهة خطر الفاشية بتحالف واسع يضم كل الأطراف التي تقف ضدها. ما هو خطأنا سيدي في سوريا، هل الوضع والأزمة ثورية لننضم إلى صفوف المعارضة الخارجية، بتمثيلها الأكثر صراحة (الهيئة العليا للتفاوض) والأصح لسان حال الفاشية السياسي، أم نطرح موقفاً تاريخياً بمقاربة صحيحة، ولا يشابه أبداً موقف السلطة، أو ما تسميه أنت «الموقف التقليدي للماركسيين» لمواجهة الخطر الفاشي، وما العيب في هذا الموقف التقليدي؟ بالمناسبة، هل يمكن أن نتحاور على موقف لديك غير تقليدي (معاصر) أم تعتقد أن الديكتاتورية أكثر خطراً من الفاشية، أم أن هناك وضعاً ثورياً وقوانا تسمح بتحقيق أهداف ثورية. كل هذه القضايا والعناوين هي في قلب القضية السورية، ومن حق الأطراف وأي أحد اختيار أي موقف، ومن جهتي وجهة تيارنا جاهزون للحوار، لكن مع رجاء الوضوح في كل هذه المسائل (مفهومياً، وسياسياً).
5) يمرر صديقنا محمد، من أجل المزيد من تلويث السمعة، فيكتب: «كان رهاب الإسلاميين الذي يشبه رهاب الشيوعية عند مكارثي في الخمسينيات في واشنطن... محدداً رئيسياً للمواقف والاصطفافات عند هؤلاء... وهو ما لم يوافق عليه أغلب المعارضين السوريين بمن فيهم يساريون ماركسيون، وعروبيون في أزمة 2011 - 2018». إذاً، الاتهام هنا مرضي، يتعلق بقضية رهاب وهمي لا أساس له أو مبالغ بخطورته.



أولاً: المقارنة حتى لو كانت مرضية مع المريض مكارثي، ذلك الرمز الإمبريالي المعادي والناضج بامتياز، هي مقارنة من المؤسف أن تأتي على لسان السيد رصاص، وثانياً: لأن مكارثي لم يتصرف بدوافع الرهاب، بل كان في كامل القضية تصرفاً على مستوى عالٍ من السلطة الأميركية، عدائياً جداً ضد الشيوعية، وتطهيرياً، بالتغاضي عن مستوى الخطورة في حينه، وثالثاً: وهنا الخطورة عندما يؤكد رصاص أن موقف هذه المجموعة كان خارج موقف الأكثرية، كان أقلياً، أما لماذا لديها رهاب هذه الأقلية، فلم يذكر. ولا يكفي القول إن موقفها كان أقرب لموقف السلطة كي يكون لديها رهاب، بل على العكس، فالاستقواء بالسلطة لا يخلق رهابات، أو يخفف منها. قد يستبطن موقفه فكرة أكثر خطورة تفيد بأن هذه الأقلية تمثّل موقفاً أقلياتياً مذهبياً، أو طائفياً، ومن دون هذا الاستبطان لا يمكن تفسير وجود الرهاب من الإسلاميين الذين تحركوا في سوريا، لكونه استبطاناً سنرجئ الحوار به، ونعتبره اتهاماً للسيد محمد إلى حين معرفة الأسباب من قبله. وفي كل الأحوال، لو قال إن لدينا خوفاً شديداً من الأصولية بصفتها حاملة مشروع سياسي فاشي لساعدناه في التمرير، أما رهاب الإسلاميين هكذا فهو اتهام مزدوج، لأننا مثله نقدر ونعرف الفرق بين إسلاميين وإسلاميين، بين إسلام سياسي وآخر، وكانت لنا صداقات وحوارات مع إسلاميين من دون رهاب مرضي، بل كان فاتح جاموس أول من طالب في منتدى جمال الأتاسي بضرورة الحوار مع الإسلام السياسي ببعض اتجاهاته وشخصياته. لكن عندما يحمل أي اتجاه فكري إسلامي أو غيره مشروعاً سياسياً فاشياً، فالموقف سيختلف، ولا يمكن الفخر حينه بأن موقف السيد محمد مع أكثرية المعارضة «من دون رهاب».
6) أخيراً، وصل السيد محمد إلى الجوهر والاتهام الرئيسي في مقاله: «تيار طريق التغيير السلمي الذي تم تأسيسه أوائل 2012، والذي عملياً كانت مواقفه بالسنوات الست ونصف السابقة أقرب إلى مواقف السلطة، وتقاطع معها في القضايا الرئيسية». جيد، وصلنا تقريباً إلى نهاية الأمر. بهذا الاستنتاج، يصرّ رصاص على أن الصراع في سوريا بين طرفين واتجاهين، أحدهما ثوري (وهو معه من «هيئة التنسيق» إلى الهيئة العليا للتفاوض إلى مجموع الإسلاميين بشتى مسمياتهم، وهم غير فاشيين)، وأقل خطورة حتماً من النظام، ويحق لنا بداهة أن نصل إلى مثل هذا الاستنتاج، وبذلك يضعنا في صف النظام. سنساعد رصاص في فهم موقفنا الاصطفافي وكذلك موقفه والصف الذي هو داخله.
في مطالبتنا بجبهة واسعة موحدة، وفيها السلطة السورية، أو النظام إن شئت، لمواجهة الخطر الفاشي وهزم جبهته، هو شيء مختلف جداً عن الحقائق التي قامت على الأرض، وهي تصرّ على تمييز موقفنا عن النظام وعن معارضة الخارج. النظام أصرّ على فكرة المؤامرة، والنظام لزمن طويل لم يعترف بأي معارضة داخلية، ويعتبر المعارضة الخارجية خائنة ويفضّل حوار أسيادها عنها. ولاحقاً، مع بعض تصريحات النظام بخصوص المعارضة الداخلية، أصرّ على عدم القيام بأي خطوة جدية في الحوار الداخلي معها، بل أصرّ على تغييبها، وخلق أخرى بديلة إن استطاع، والإمساك بفعاليات المجتمع المدني. أي أصرّ النظام، كما تفعل وجهة نظرك بإرادتك ووعيك طبعاً، على عدم الاعتراف بوجود طرف ثالث في الصراع بالتغاضي عن ثقله. من يلتقي مع من بهذه القضية ولماذا؟ الموضوع للنقاش، وللمزيد من التوضيح صديق محمد، لو ناقشت حضرتك وكتبت أن فاتح جاموس وتيار «طريق التغيير السلمي» هم، موضوعياً (أرجو التدقيق «موضوعياً»)، يفيدون ويخدمون وأكثر قرباً للسلطة لصمتنا على موقفك ولبلعنا ريقنا بسبب تحسرنا على ضعفنا. لكن، يجب أن تضيف أنهم، ذاتياً وحتى الآن، لم يقطعوا أي شوط في تحالف تلك الجبهة، وبسبب السلطة تحديداً ورفضها للحوار الداخلي حتى الآن، لكنت أكثر دقة أيضاً. أي إننا حتى الآن لم نقطع أي شوط ذاتي في تحالفنا مع السلطة، ولا تستطيع صديقي أن تتهمنا بالتالي بأننا أدوات وملحقون وقبض اليد، أي إنك حتى الآن لم تختبر ممارستنا لمنظومتنا. كأنك لم تعرف شيئاً بعد عن استحالة إقدامنا على أي موقف انتهازي، سياسي عام أو شخصي، مع أنك تعرف أن السلطة لا تزال تعاقب فاتح جاموس بإصرار شديد مادياً ومعيشياً، وبمحاكم وتهم جديدة، حتى زمن قريب جداً، والآثار العقابية للمحاكم. ونطمئنك إلى أنه فات الوقت على تحالفات انتهازية مع السلطة، وفات الوقت على سلوك ذاتي شخصي وإرادي انتهازي. ويستحيل علينا أي توافق ذاتي بأي خطوة معها إن لم تكن تشاركية وديموقراطية. نعم، ونحن الداعون، حتى الآن، إلى جبهة واسعة معه لمواجهة الأصولية الفاشية والاحتلالات الخطيرة (التركي والأميركي ــ الأوروبي، والصهيوني)، وهو الطرف الذي يصرّ حتى الآن على منع قيام أي خطوة في ذلك الاتجاه. وربما صديقي، وغيرك، ستتعب من الانتظار طويلاً لتلحظ مواقف انتهازية بل حتى خاطئة في القضايا الكبرى (أرجو أن تسامحني على بعض التعالي هذا... فكامل القصة تستدعيه).
لكن، على المقلب الآخر، اسأل نفسك: أليس تحالفكم، وصولاً إلى تمثيله الفعلي في الهيئة العليا للتفاوض، هو موضوعياً وذاتياً في صف الأصولية الفاشية، وبعض الاحتلالات التي تدعمها بصورة صريحة (أليست أرتال من الإسلاميين وسياسيي الهيئة في صف القوى الإسلامية المسلحة المعارضة باسم «معتدلة»؟ أليسوا مع السلطة التركية ووضعية الاستقواء بها؟ ألم يموتوا بكاءً ونحيباً بعد الموقف الأميركي بالانسحاب، وهم في مرحلة نزع الوهم كما يطالبهم برهان غليون؟). إن سبب هذه المفارقات، خاصة في داخل المعارضات، هو طابع الأزمة السورية، وطابع الانقسام الوطني الثلاثي، وليس كما تقول أنت وصفك، أو كما تقول السلطة.
7ـــ أخيراً: يختتم الصديق رصاص: «عند أغلب المعارضين السوريين ما زال هناك تفضيل لمسار جنيف، يبنى على الواقعية السياسية، والنزعة العملية، على الحوار السوري السوري الداخلي، ما دام هناك تدويل للأزمة السورية، وتحكم عند موسكو وواشنطن، ومعهما أنقرة وطهران بالأزمة بدءاً من 2012».
ما هو الذي عمره من عام 2012؟ الموقف الواقعي والعملي بحكم التحكم الدولي؟ أم تفضيل مسار جنيف؟ أم سارا مع بعضهما من حينه؟ هل نفهم أن هذا موقف يقوم على البراغماتية والنفعية، ويحتمل الانتهازية بالتالي؟ وأين تبخّر الموقف المبدئي حول الشروط الثورية والثورة وقوى الثورة والشعار المركزي الثوري؟ أين كل تلك التدبيجات؟ ومن أين جاء الصديق محمد هنا بفكرة الحوار الداخلي؟ ومن الذي يطرحه وبأي شروط؟ على حدّ علمي لا يطرحه ولا يهتم به أي طرف من تحالف الهيئة العليا للتفاوض، بما فيه «هيئة التنسيق» أو منصة موسكو التي تركنا التحالف مع الطرف الرئيسي الباقي فيها («الإرادة الشعبية»، د. قدري) بعد انتقاله إلى منظومة المعارضة الخارجية. ومحق السيد محمد بما أورده بهذا الخصوص، وإن كان هناك أحد يطرح من ذلك الفريق فكرة الحوار الداخلي، وكما نعرف تأكيداً فهي باشتراط الإشراف الدولي وقرارات مؤسساته (أي الشروط الحاسمة التي تميز المعارضة الوطنية الداخلية عن تلك الخارجية). وعليهم أن ينتظروا واقعية وعملية السلطة وليس واقعيتهم وسلوكهم العملياني، وإذا كانت هذه فكرة السيد محمد، بالإضافة إلى فكرة الواقعية والعملية، فهل يشكل هذا موقفاً جديداً مُراجعاً؟ وفي هذه الحدود غير الواضحة والملتبسة، من الضروري بمكان التوضيح والتدقيق، ماذا حدث للثورة والشروط الثورية والشعارات الثورية؟ ما هو المطلوب في إطار التحالفات؟
تعقيب أخير: لقد راجعت أطراف عديدة من «هيئة التنسيق» مواقفها وغادرتها بانتقاد صريح، كما ذكرنا بوضوح وتحديد دقيق في السياق. وهي الآن أكثر قرباً بكثير إلى موقف المعارضة الوطنية الداخلية والكتلة الاجتماعية الغالبية (قل المنظومة، أو الخط، أو الصف الثالث، نعم) وغدت تختلف كثيراً عن موقف «هيئة التنسيق» ومن بها، كحالة الصديق محمد، وأي واقعية وعمليانية يسترشدون بها؟ ألم يدركوا بعد أن النظام وحلفه يصرفون الوقت وحسب لثقتهم بأن مشروع الفاشية وحلفائها الداعمين في طريقه للهزيمة. ألم يدركوا بعد أن انتصار أي طرف يعني إما انتصار الفاشية الكارثي أكثر فأكثر، أو عودة إنتاج الديكتاتورية لذاتها، بالتأكيد ليس بالطابع نفسه تماماً فهذا مستحيل؟ ألم يدركوا أن أي حل تفاوضي فعلي بينهما (ولا نرجح ذلك أبداً)، وإن كنا مخطئين وحصل فإنه لن يكون إلا حل اقتسام كعكة بين السلطة وأكثر أعداء الوطن خطورة وصراحة (كل الأصولية الإسلامية، وكل جهات الإسلام السياسي العنيف والمسلح في سوريا، وكامل الصف الأميركي على رأسه السلطة التركية الخطرة، والصف الخليجي). هل ينتظرون مثل هذا الاحتمال تحالفاً كما يفعلون موضوعياً وذاتياً مع صفه وأطرافه، صراحة، والتباساً وتستراً «موضوعياً وذاتياً» (أي الجبهة الفاشية والأميركية والتركية)، وحان الوقت ليعود الصديق محمد إلى صفه الحقيقي. ألا يلاحظ الفوضى العارمة، والندم والتوبة والاستجداء كما الهروب إلى الأمام بأكثر المواقف تطرفاً وانتهازية؟ كل ذلك في صفوف وجبهة المعارضة الخارجية التي لا يزال الصديق محمد في صفوفها؟ أحييك وشكراً.



#فاتح_جاموس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ردّاً على محمد سيد رصاص: وقائع مغيّبة وتمريرات واتهامات


المزيد.....




- البحرية الأمريكية تعلن قيمة تكاليف إحباط هجمات الحوثيين على ...
- الفلبين تُغلق الباب أمام المزيد من القواعد العسكرية الأمريك ...
- لأنهم لم يساعدوه كما ساعدوا إسرائيل.. زيلينسكي غاضب من حلفائ ...
- بالصور: كيف أدت الفيضانات في عُمان إلى مقتل 18 شخصا والتسبب ...
- بلينكن: التصعيد مع إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة أو إس ...
- استطلاع للرأي: 74% من الإسرائيليين يعارضون الهجوم على إيران ...
- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..الصدر يشيد بسياسات السعود ...
- هل يفجر التهديد الإسرائيلي بالرد على الهجوم الإيراني حربا شا ...
- انطلاق القمة العالمية لطاقة المستقبل
- الشرق الأوسط بعد الهجوم الإيراني: قواعد اشتباك جديدة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فاتح جاموس - ردّاً على محمد سيد رصاص: وقائع مغيّبة وتمريرات واتهامات