أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - امير عزيز - المسيحية الاولي.ريبيكا دينوفا















المزيد.....


المسيحية الاولي.ريبيكا دينوفا


امير عزيز

الحوار المتمدن-العدد: 6097 - 2018 / 12 / 28 - 00:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


منبثقة عن طائفة يهودية صغيرة في القرن الاول الميلادي, فان المسيحية المبكرة قد امتصت و شاركت العالم الاغريقي -الروماني , العديد من تقاليده الثقافية, و الفكرية, و الدينية..في السردية التاريخية للثقافة الغربية, فان ظهور المسيحية في العالم الروماني, يشار اليه بالغلبة, و يعني ذلك انتصار الايمان المسيحي علي المعتقدات و الممارسات الوثنية " الخاطئة’" و التي كانت قائمةً من قبله..و مع ذلك فمن المهم ان نعلم ان المسيحية لم تنشأ من فراغ.


-1-


جذور في مرحلة المعبد اليهودي الثاني



مرحلة المعبد اليهودي الثاني هي المرحلة التي امتدت بين بناء المعبد الثاني عقب العودة من النفي البابلي سنة " 535-515" قبل الميلاد, تحت اشراف فارسي, و حتي تدميره سنة 70 ميلادية, بواسطة الرومان, و قد اتسمت هذه المرحلة بازدهار التقاليد الثقافية اليهودية. و كان اليهود في هذه المرحلة يعتقدون ان لديهم تقاليد قديمة بتشريعات قانونية تنظم الحياة اليومية " قوانين موسي", و الوحي القادم اليهم عبر انبياء اسرائيل, و بينما تعرف اليهود علي وجود قوي مختلفة بالكون, فانهم قد اختلفوا عن الامم المجاورة, بتقديم الاضحيات او الذبائح لالهم الواحد " يهوه" , و بعد المعاناة من سلسة من الهزائم القومية, بواسطة الاشوريين سنة " 733" قبل الميلاد, و البابليين سنة " 587" قبل الميلاد , ترسخ لديهم اعتقاد بواسطة انبياءهم , ان الرب سيعيد اسرائيل مرة اخري الي ارضها الممنوحة لهم بوعد الهي, و سوف يقيم هذا الانتصار من خلال واحد من ابناء داود يكون ممسوحا " مسيحا مخلصا",


و باليونانية


(Christos)



اما بالعبرية


(Messiah)



و سيقيم هذا المخلص " المسيا" مملكة الرب , و يقود الابرار ضد اعداء اسرائيل ,حيث يمتزج الارضي بالسماوي, فمع تحرير اسرائيل من اعدائها , سيقترب ملكوت السماوات او ما كان يعرف في الادبيات العبرية بعدن الجديده..


بعد الحياة القصيرة للثورة ضد الحكم الاغريقي سنة "167" قبل الميلاد, و التي عُرفت بثورة الماكابيين , و هي كلمة عبرية تعني المقاتلين الاشداء .


Maccabean Revolt, 167 BCE


فان يهودية, و الجليل تم غزوهما بواسطة الرومان سنة " 63" قبل الميلاد, و في القرن الاول الميلادي ظهر العديد من المسيانيون الذين حشدوا الجماهير ضد الحكم الروماني, و قتل اغلبهم بواسطة الرومان لاعتبارهم اعداء للدولة و القانون. طائفة من اليهود المتشددين بعد ذلك

(-و ربما كان هم الاسينيون و هم طائفة يهودية كانت تؤول اليهودية تأويلا روحيا, وتعادي السلطة الرومانية , و السلطة اليهودية الرسمية, و هم اصحاب اوراق البحر الميت, و يعتقد ان يسوع الناصري و يوحنا المعمدان كانا اعضاء في هذه الطائفة)


استمالوا الامة للثورة ضد الحكم الروماني, الامر الذي انتهي بتدمير اورشليم و هدم معبدها سنة 70 ميلادية.


و من خلال الادلة التاريخية, فان يسوع الناصري كان نبيا مبشرا باقتراب مملكة الرب, و منذرا بنهاية العالم, و قد تم صلبه بواسطة الرومان بين سنتي "26-36"ميلادية, ربما لانه اثار الحشود في عيد الفصح, و الصلب كان هو العقاب الروماني للتمرد و الخيانة, و التبشير بمملكة اخري غير مملكة روما, كان عملا تخريبيا.

بعد فترة قصيرة من موته , ادعي تلامذته انه قام من الاموات, و ايا كانت هذه الخبره, فانها حفزتهم لنشر, و اعلان الاخبار الجيدة, باقتراب ملكوت السماوات .


-2-


اندماج الاغيار


اخذ تلامذة يسوع رسالته اولا الي المجتمعات اليهودية الدينية في الجزء الشرقي من الامبراطورية الرومانية. يهود كثيرون لم يصدقوا ان هذا هو المسيا المنتظر, لكن لدهشة الرسل فان الاغيار "الوثنيون", ارادوا الالتحاق بالحركة الجديدة, اثار هذا الحدث غير المتوقع سؤال الاندماج..هل ينبغي علي هؤلاء غير اليهود ان يصيروا يهودا اولا, فيختتنون, و يلتزمون بالطعام اليهودي المصرح به, و يمارسون طقس السبت او الشابات؟


في مجمع رسولي عقد في اورشليم سنة 49 ميلادية, تم تقرير ان الوثنيين غير اليهود يمكنهم الالتحاق بالايمان مباشرةً دون المرور بالمرحلة اليهودية, لكنهم مع ذلك عليهم الانتباه و الالتزام ببعض المبادئ اليهودية, كتخلية اللحوم من الدماء, و النقاء الاخلاقي الجنسي , و التوقف التام عن كل مظاهر التقديس للاوثان و تقديم الذبائح.


بنهاية القرن الاول الميلادي فان هؤلاء الاغيار المتحولون الي المسيحية , سيطروا تماما علي المشهد الايماني فيها. بولس وهو فريسي سابق كان يدعي شاول, قام بتأسيس العديد من هذه التجمعات , ادعي ان يسوع اخبره في رؤية انه رسول الاغيار.

يسوع الان في السماء ,و لكنه سيعود سريعا, عُرف هذا المفهوم باسم المجئ الثاني او


parousia


و عقلن هذا المفهوم سببا لغياب ظهور مملكة الرب الموعودة في حياة يسوع الناصري,


فاعلن الرسل ان مملكة السماء ستتحقق بالمجئ الثاني ليسوع, الذي اصبح هو المسيح الان, و عندها فان المجتمع القائم بتمايزاته الطبقية, و شروطة للالحاق, سيتعرض لتحول جذري.


-3-


ظهور المسيح في الوعي


مع اعتقاد ان يسوع في السماء, فان المسيح اصبح موضوعا للتقديس و الـتأليه, بولس ادعي ان المسيح كان قائما منذ البدء , و كل ركبة ينبغي ان تجثو امامه, " رسالة فيليبي".

في الانجيل الرابع ليوحنا, فان المسيح قد تم تعريفة كالمبدأ الفلسفي للوجوس, او المبدأ العقلي للكون الذي اصبح جسدا " عقيدة التناسخ".

لدينا معلومات قليلة جدا عن كيف قدس المسيحيون الاوائل المسيح, التقديس في العالم القديم كان يدور حول تقديم الاضحيات " الذبائح", هذا العنصر كان قد ازيل مع تحطم الهيكل الثاني 70 ميلادي, و في نفس الوقت فان المسيحيين الحاليين من اصول وثنية اوقفوا الطقوس الخاصة بمعتقداتهم الاصلية.

في سفر الاعمال لدينا قصص عن بطرس و يوحنا يقومان بتقديم الشفاء باسم يسوع الناصري, و كانت هناك مبادرات للترتيل , و التعميد, و الصلاه لاسم المسيح, ووجبة عرفت باسم العشاء الاخير كتذكرة لتعاليم يسوع الاخيرة, و لقب المسيحيون يسوع بالسيد او "The lord"


و هو احد اسماء الاله في اليهوديه.
اليهود يمكن ان يفهموا تسام يسوع الي السماء كمكافأه لدم شهيد, لكن وضع يسوع في نفس مكانة الاله, خلق حاجزا بين اليهود و المسيحيين.


-5-


انتشار المسيحية


في العالم الاغريقي-الروماني , فان الناس ادعوا هوية اثنية تمتد الي اسلافهم, انت حرفيا مولود الي معتقداتك و عاداتك, التحول من دين الي اخر لم يكن شائعا, ذلك ان الدين في الدم, المسيحية علّمت ان الاصل السلالي , و الانتماء الاثني, ليسا حقيقيين بعد الان, بموجب بولس فان الايمان و الاخلاص للمسيح هو كل المطلوب من اجل الخلاص,

هذا الاعتقاد الجديد ادي الي حركة دينية لا تقيدها الابعاد الجغرافية, او الاثنية..المسيحية اصبحت دينا قابلا للانتقال و متاحا للجميع.


فكرة الخلاص كانت اختراعا جديدا, اليهود مفصلوا الخلاص كاستعادة لاسرائيل, الوثنيون لم يكن لديهم مفهوما مشابها, لكن البعض منهم اهتم بما بعد الحياة.


بولس كتب ان موت المسيح كان هو الاضحية " الكفارة" التي نزعت عنا العقوبة المرادفة لخطية ادم و هي الموت. و لهذا الجيل الاول من المسيحيين فان الموت الفيزيائي لم يكن حقيقة, بل هو تحول الي الجسد الروحي عندما يعود المسيح..عندما مر الوقت و لم يعد المسيح , فان المسيحيين تقبلوا الموت الجسدي و لكنهم وُعدوا بتعويض في السماء.

استعارت المسيحية بعض العناصر من معتقدات سرية " كمعتقدي ديونيسيوس و ديمتر" و غيرها, و التي كانت شائعة في المرحلة الهيلينستية, هذه المعتقدات تطلبت طقوس ابتدائية للالحاق, و قدمت معلومات سرية لتطوير حياة المُعتقد في العالم. و تحول هادئ لحياة ما بعد الموت. هذه المعتقدات السرية ايضا استخدمت مفهوم موت الاله و قيامته.


المسيحية لم تنتشر في ليلة " كنار برية", فكما كان قد اقترح سابقا, كان علي المُعتقد الجديد ان يمضي ثلاث سنوات يتعلم فيهم المبادئ و التعاليم الجديده, بعد ذلك تأتي المعمودية. المُعتمد يكون عاريا كدلاله علي رفض حياته السابقة, يُغمر في المياه و بعد ذلك يعطي روبا او ملبسا جديدا كعلامة علي الميلاد من جديد. معمودية البالغين كانت هي الاساس حتي القرنين الرابع و الخامس الميلاديين, عندما اصبحت معمودية الاطفال هي الاساس بسبب معدلات الوفيات المرتفعة بين الاطفال.


-6-


التراتبية و التبتل و الرهبنه


انتشرت المسيحية في مجتمعات صغيرة , من بريطانيا و حتي جنوب الصحراء الكبري في افريقيا, و مع ذلك لم تكن هناك سلطة مركزية كالفاتيكان حتي تتحقق من صحة المعتقدات و الممارسات المختلفة, مجموعات كثيرة و متنوعة انتشرت بطول الامبراطورية, و اساقفة تبادلوا بين بعضهم البعض مراسلات, اتسمت بالجدل و الحقد و المرارة. المسيحيون استعاروا نظام المجالس السياسية الاغريقية فظهرت الكنائس



( ecclesia in Greek, English church)


و النظام الروماني الذي يقضي بوجود مشرف "الاسقف" لجزء من المقاطعة " الايبارشية", في القرن الاول كان الاساقفة يتم اختيارهم كقيادات ادارية. تغيير في دور الاسقف حدث بين القرنين الاول و الثاني الميلاديين. الاسقف الان لديه القدره علي مغفرة الخطايا من خلال الروح القدس الذي يتملكه, الشمامسة اختيروا في البداية كمساعدين في الاعمال الخيرية, بالنهاية تحولوا الي قسوس.


الرؤيه الدينية في العالم الوثني تضمنت اهمية الاخصاب ( للمحاصيل الزراعية, و القطعان الحيوانية, و البشر) كضرورة حياه, الايلاج الجنسي اُعتبر هاما, و طبيعيا, و فعلا ممتعا لكل من البشر و الالهه. اباء الكنيسه عبروا عن ازدراء لهذا السلوك , متأثرون باراء فلسفية انبنت علي مكانة الزهد. دعت قيادات الكنيسة الي العفة و التبتل كمتطلبات لتولي الاسقفية و القياده الكنسية, لكن بعيدا عن القيادة فان المسيحيين تم تشجيعهم علي الزواج, " ليتكاثروا و يثمروا", لكن الايلاج الجنسي كان قد تم اختزاله لهدف وحيد و هو التكاثر, و عندما تكون المرأه عاقرا فان الايلاج اُعتبر مقدم للشهوه اي للخطية, و امرا يليق فقط بالشهوانيين غير الاخلاقيين من عبدة الاصنام.


و قد بلغ منطور الزهد هذا ذورته مع انطونيوس المصري " القديس انطونيوس ابو الرهبنه", " 251-356 " ميلاديه, الذي ادار ظهره للمجتمع و ذهب للعيش في كهف في الصحراء, و تبعه اخرون عُرفوا باسم اباء الصحراء, و بالنهاية التقوا في اديرة, و قدموا مستوي مضاف من رجال الدين, و المتعلمين منهم نسخوا و اوضحوا المخطوطات المسيحية.


-7-


الاضطهاد و الشهادة


من خلال التاريخ "المدون" فان الامبراطور الروماني نيرون " 54-68" ميلادية, كان اول مسئول روماني يضطهد المسيحيين. المؤرخ الروماني تاكتيوس


Tacitus (56-120 CE)


قال ان نيرون حمل المسيحيين مسئولية الحريق الكبير الذي شهدته روما سنة 64 ميلادية, علي الرغم من انه لم يكن شاهدا علي الحدث, الا ان القصة اصبحت متضمنه في التاريخ المدون و متفق عليها في نفس الوقت. ولو كان نيرون اضطهد المسيحيين بالفعل, فانها لم تكن سياسية رومانية رسمية في ذلك الوقت.

القرار باضطهاد المسيحيين بدأ اغلب الظن مع مملكة دوميتيان " 83-96 ميلادية, نضوب في الثروات حفز دوميتيان ان يقوم بفعل الاضطهاد في مجالين مختلفين, فاولا فعّل جمع الضرائب من المعبد اليهودي ,و امر الجميع بتقديس و تقديم القرابين للمعبد الامبراطوري, و كان ابو دوميتيان الامبراطور فيسيبان " 69-79" قد امر اليهود باستمرار دفع ضرائب هيكلهم الثاني بعد هدمه سنة 70 ميلادية, لكن القرار لم يكن مفعلا حتي عصر الابن دوميتيان, و بالبحث عن المتهربين الضرائب بين اليهود, فان مسئولي الامبراطور اصحبوا اكثر اهتماما بمجموعة اخري عبدت نفس الاله اليهودي رغم كونهم ليسوا يهودا ..


بدأ المعتقد الامبراطوري بتأليه يوليوس قيصر و ذلك بعد موته سنة 44 قبل الميلاد, رأي الانسان العادي ان قيصر الان بين الالهه, اوكتافيوس بني معبدا امبراطوريا لتكريم كل من قيصر و العائلة الامبراطورية, المعبد الامبراطوري لعب دورا في الدعاية و جلب الاموال للامبراطورية من خلال بيع الكهنوت, دوميتيان اصر علي ان يتم تقديمة كسيد


lord


و كأله, و امر الجميع ان يكونوا جزءً من المعتقد الامبراطوري, اليهود كانوا قد حصلوا علي استثناء قديم من يوليوس قيصر من الانخراط في المعتقدات التقليدية , و ذلك كمكافأه علي مشاركة مرتزقه يهود في حروبه, المسيحيون علي الجانب الاخر لم يحصلوا علي هذه المزيه.

المسيحيون تمت محاكمتهم كملحدين, رفضهم لتقديم الذبائح للالهة الرومانية, اُعتبر تهديدا للرخاء الامبراطوري, الامر الذي كان بمثابة الخيانة العظمي .

المسيحيون علي اثر ذلك تم اعدامهم في الساحات, و غالبا نُهشوا و اكلوا بواسطة اسود. الاسود و الضواري الاخري كان يتم تدريبها بواسطة محترفين , و كانت تُستخدم في عمليات اعدام اعداء الامبراطورية.


المسيحيون استعاروا مفهوم الشهادة من اليهود, فمن يموت من اجل ايمانه يؤخذ علي الفور لمعاينة الرب, الشهادةُ اصبحت جاذبةً تماما للمسيحيين, ورويت قصصا كثيره عن شجاعتهم و قناعتهم و ثباتهم بمواجهة الموت. و لعب هذا الاخلاص دوره في انتشار الايمان.


و بالرغم من السرديات التاريخية المسيحية , و الهوليودية ايضا, فان الاضطهاد لم يكن ممارسة منهجية واسعة تعززها فرمانات رسمية حتي النصف الثاني من القرن الثالث , و بداية القرن الرابع الميلاديين, و لا كان هناك الالاف من الضحايا في الثلثمائة عام الاولي من تاريخ المسيحية..لدينا سجلات تشير الي الطبيعة غير المنظمة و العشوائية للاضطهادات, و التي اعتمدت علي ظروف مختلفة, فحيثما كان هناك ازمات حرجة" غزو اجنبي-مجاعة-طاعون", فان المسيحيين كانوا يُقدمون ككباش فداء و يتحملون مسئولية غضب الالهة, و فيما بين هذه اللحظات الاستثنائية, فان الرومان تركوا المسيحيين لشئونهم.


-8-


ارثوذكسية و هرطقة


العالم الوثني قبل تعدد و تنوع المنظورات للاله, مع بعض التاكيد علي الطقوس الصحيحه بلا اجماع علي العقائد, اباء الكنيسة في القرن الثاني طوروا مفهوما ارثوذكسيا عن عقيدة صحيحة او ايمان واحد مستقيم, و كان هذا الايمان يقاس بنقيضه "الهرطقة", و هي كلمة اغريقية الاصل تعني الاختيار, او الاختيار من نسيج فلسفة بعينها.


تحت مظلة مفهوم غنوصي عن المسيح, فان بعض الغنوصيين قدموا مفهوما مغايرا للكون و الخلاص, و الغنوصية ايضا من اصل يوناني بمعني المعرفة, و يري كثير منهم ان كل المادة في العالم مصدرا للشر, بما في ذلك الجسد الانساني, و المسيح لم يتجل في جسد انساني " مصدر الشرور" بالمعني الحقيقي, لكن جسده كان جسدا سماويا ذو مظهر انساني, و معاناته علي الصليب كانت معاناة ظاهرية و غير حقيقية..و بهذا المعني فان الصلب و القيامة ليستا ضرورتين من اجل الخلاص..اما لماذا اخذ المسيح هذا الجسد الظاهري؟

ليكشف ان الانسان يحوي شراره الهيه تم تعطيلها في هذا الجسد, و ستقدم تعاليمة المفتاح لتحرير هذه الشراره و استعادتها الي طبيعتها السماوية..


-9-


تحول قسطنطين


في العام 300 ميلادية قسّم الامبراطور الروماني ديوسيلتيان "284-305" الامبراطورية الرومانية الي شرق و غرب, و عندما مات سنة 306 , فان مساعدين كثيرين له تنافسوا من اجل عودة سلطة الرجل الواحد, في الغرب من الامبراطورية كان الصراع يجري بين قسطنطين " 306-337" و ماكينيوس.

اخبر قسطنطين فيما بعد انه في ليلة معركته الحاسمة, رأي في السماء علامة تشبه الصليب, و انه سمع صوتا يقول بهذه العلامة تغلب. و قال انه كسب المعركة بمساعدة الاله المسيحي, و بالاتصال بامبراطور الشرق ليسنيوس , فان قانون ميلان سنة 313 ميلادية قد صدر, و فيه تم الضمان للمسيحيين بالحق القانوني في التجمع وممارسة شعائرهم, دون الخوف من المطاردة او الاضطهاد, و التحقت الان المسيحية بمئات المعتقدات الوثنية, علي الرغم من ان قسطنطين اعطي الافضلية للمسيحية, في الاعفاء من الضرائب , و تقديم الدعم لبناء الكنائس.



-10-


امبراطورية مسيحية


اراد قسطنطين توحيد كل من الامبراطورية و الكنيسة, و تبني تعاليم اباء الكنيسة كجوهر للايمان المسيحي, و مع ذلك فان تعاليم مثيرة للجدل , من كاهن مصري من كنيسة الاسكندرية " اريوس", تسببت في اعمال شغب و اخلال بالامن في انحاء الامبراطورية, بموجب اريوس لو كان الاله هو خالق كل شئ, فان المسيح ايضا مخلوق, و خاضع له.

في سنة 325 ميلادية دعا قسطنطين اساقفة الكنيسة ليقيموا اجتماعا في نيقية لمناقشة العلاقة بين المسيح و الله, و النتيجة كانت ان مجمع نيقية اقر مجموعة من المبادئ يتعين علي كل مسيحي الاقرار بها تشكل قانونا للايمان..الله و المسيح من نفس الجوهر, و كلاهما شارك في الخلق, و لهذا تم الابقاء علي التوحيد, فالله واحد بتعينات او تجليات او اقانيم ثلاثه, و الروح القدس لهذا الاله هي تجلي قداسته او لاهوته علي الارض. عرفت هذه التعاليم باسم التثليث, و المسيحيون الذين تحدوا هذه التعاليم صاروا هراطقة, و هو الامر الذي يعني الخيانه كما ذُكر سابقا, و عدم امتثالهم اصبح يهدد رخاء الامبراطورية.

سنة 381 اصدر ثيوديوس الاول مرسوما جرم فيه كل المعتقدات باستثناء المسيحية, و في عام 390 اوقف الالعاب الاوليمبية التي كانت تكرس للالهه القديمة, و اغلق الاضرحة الوثنية و المعابد .. بعضها تم هدمه, و البعض الاخر تحول الي كنائس.


مع بزوغ القرن الرابع الهجري , جمع المسيحيون بين مفهوم الشهادة اليهودي , و مفهوم مجمع الالهه للمدن الصغري و الكبري الاغريقي و الروماني, الشهداء المسيحيون تم فهمهم الان كمنسقين سماويين, و ممارسة طقوس الحج لمقابرهم اصبحت تسمي معتقد القديسين.


عندما تحرك قسطنطين بالعاصمة الي القسطنطينية سنة 330 ميلادية, اوجد فراغا في القيادة في الغرب, و مع بدايات القرن الخامس الميلادي فان اسقف روما تمتع بسلطة دنيوية بالاضافة لسلطته الروحية بمسمي جديد هو البابا. في الامبراطورية الرومانية الشرقية او البيزنطية, فان الامبراطور ظل رأس الدولة و رأس الكنيسة ايضا. و ذلك حتي سقوط القسطنطينية في ايدي الاتراك سنة 1453ميلادية.


لماذا نجحت المسيحية؟


تحول قسطنطين الي المسيحية اعطي سببا عمليا لتحول الوثنيين ايضا . لكن ربما يكمن السبب الاهم ان المسيحية رغم اضافتها لبعض المفاهيم الجديدة, فانها كانت قد امتصت و شاركت الكثير من العناصر الثقافية من الحضارة الاغريقية-الرومانية, و قد شجع ذلك الافراد الي اعتناقها, و التحول من نظرة قديمة الي العالم الي نظرة جديدة تشاطرها الكثير من مفرداتها..

ريبيكا دينوفا









#امير_عزيز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الامهات المقدسات في مصر القديمة..اثر ايزيس علي مريم العذراء ...
- حول مفهوم التاريخ..فالتر بنيامين -1-
- A secular age..عصر علماني..تشارز تيلور
- سرديات القيامه- جوهانس ليبولدت
- الطبقات و التصنيفات..بيير بورديو-2-
- الطبقات و التصنيفات..بيير بورديو -1-
- غروب الاوثان-نيتشه -3-
- غروب الاوثان..نيتشه --2- العقل في الفلسفه-
- غروب الاوثان..-نيتشه-
- نحن كلاجئين -جورجيو اجامابن-
- بين الاسلام و التاريخ مقاربات اوليه..قبل التاسيس


المزيد.....




- سلي عيالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على النايل سات ولا يفو ...
- الاحتلال يستغل الأعياد الدينية بإسباغ القداسة على عدوانه على ...
- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - امير عزيز - المسيحية الاولي.ريبيكا دينوفا