أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حجاج سلامة - الطبيعة في الشعر العماني















المزيد.....

الطبيعة في الشعر العماني


حجاج سلامة

الحوار المتمدن-العدد: 1520 - 2006 / 4 / 14 - 07:16
المحور: الادب والفن
    


كانت الطبيعة ومازالت ملهماً بالغ التأثير في نفسية الشاعر العربي, وقد مضى أسلافه في الجاهلية يصدرون عنها في أشعارهم, فلم يتركوا كبيرة ولا صغيرة في صمتها ولا في حركتها دون أن يرسموها في أشعارهم, فهم يصورون فلواتها بكثبانها ورمالها وغدرانها وغيثها وسيولها وخصبها وجدبها ونباتاتها وأشجارها وحيوانها وطيرها وزواحفها وهواجرها وما قد ينزل ببعض مرتفعاتها وأطرافها من البرد وقوارصه.
ومضى شعراء عمان على سنة آبائهم, فهام كثير من الشعراء بالطبيعة من رياض وجبال, وبحار وأشجار, واحتفلوا بها فأخذوا يتأملون جمال بنفسجها وأزهارها ونرجسها ويبثونها نجوى خواطرهم, وبلغت مقدرتهم في ذلك شأوا بعيدا.. ففي الرياض والبساتين كان زهر القرنفل يعجب الشعراء بتآلف ألوانه ما بين أصفر وأسود وأخضر, بينما النسيم يداعبه فيرسم لوحة فنية جعلت الشاعر "هلال بن عرابة ينفعل بها قائلاً:

به القرنفل مصفوف يميس كما

غيد يحركها عود بنغمته

فالذي يبدو من منظر القرنفل وسط الرياض انتظام صفوفه وتجاذب الرياح له في حركات متلاحقة, وقد قرب الشاعر ـ هنا ـ بينها وبين الحسناء الراقصة في ثياب زاهية اللون, فجمال الشكل والحركة في كُلٍّ منهما يوحي إلى النفس بالأنس والسرور وتنطبع فيها من كليهما صورة مؤثرة, وهو ما يبدو من بيت الشاعر "خميس أبو وسيم" الذي صور فيه زهر القرنفل وهو مصفوف تحركه الرياح بسير العيس في الصحراء تحمل الظامئات في مثل قوله:

خط القرنفل أسطاراً بهن حكت

سوائر العيس في البيداء بالظعن

وصور أبي وسيم – هنا – منتزعة من البيئة البدوية بينما صور ابن عرابة – السابقة – أقرب إلى البيئة الحضرية.
وعلى غرار صورة "ابن غرابة" الحضرية – تجئ صورة أخرى للشاعر "هلال سالم السيابي" حيث يبدي لنا الشاعر من خلالها إعجابه بالطبيعة, فنجده يصف لنا جمال وادٍ نزل به, فتتألف في قصيدته الصورة الفنية التي تعبر عن تكامل الطبيعة من جداول وأزهار وطيور, حتى تشكل لوحة متناسقة كمثل قوله:

لبست حلة الربيع بروداً

نفحت بالعبير من ريحانه
بين زهر النسرين يبسم للورد

وينصب في هوى أقحوانه
وغناء الحمام حن إلى الإلـف,

فذاك الغناء في تحنانه
وهيام العصفور بلله القطـر

وشدو الشحرور في أغصانه
وتغنى النسيم يلعب بالأغــصان

لعب الهوى بخصر حسانه
أو كهمس الحسان في أذن الصب,

وللحب لوعة في جنانه
يا لواد كأنه جنة الخلــد,

جمالا, لولا فنا أفنانه

فالشاعر – هنا – يبرز أثر الطبيعة وتألفها في الوادي, فالربيع كسا الأرض بخضرته ونفحها برائحة أزهاره, ولو تأملنا تعبيره عن تفتح الأزهار وقد تألفت ألوانها وصوت النسيم وهو يداعب الأغصان كما يداعب الهوى الحسان, لأدركنا مدى استقصائه للصور وتتابعها في نسق جعل الوادي كأنه جنة الخلد, لولا هلاكه وفنائه كما تبرز هذه الصورة خيال الشاعر في تعبيره عن مكنون نفسه, فكثير من الشعراء كانوا يلقون على شعرهم ظلاً من عواطفهم ونبض أحاسيسهم التي تدل على مدى حبهم للطبيعة وتمتعهم بها وانسجام أرواحهم معها.

على أن أكثر ما جاء من صور شعرية كان حسياً مستمداً من البيئة بما تشتمل عليه من جبال ممتدة وسحب داكنة ووديان خضراء ويكثر ذلك في التشبيهات التي تدل على أن خيالهم كان ثرياً بالألوان والماديات, فهم يصورون ألوان الحياة المادية كما يصورون مظاهر الطبيعة بما فيها من سحر وجمال رتيب, ولا يوجد أثر لتشبيه الوجدانيات إلى غيرها إلا من خلال أبيات قليلة كقول الشاعر "عبد الله علي الخليلي":

كأن بياض الوعد في خضرة الوفا
كأن اخضرار الوصل في أبيض اللقا
مصابيح في روض الهناء تنير
هداهد خضر والجليد وقور

إلا أنه لا يفوتنا القول أن بعضهم بلغ درجة من دقة التصوير وحسن ائتلاف الصور وتناسقها, فقد ضمت إلى الصورة كل ما تنتظمه أو توحي به من ألوان وأصباغ وظلال, بحيث تجئ الصورة متناسقة الظلال, متلائمة الألوان والأضواء, وأكثر ما يكون ذلك في الصورة التشبيهية كتشبيه تفتح الروض بمقلة العاشق, أو تشبيه انبثاق ضوء الفجر بوجه الحبيب الذي شغله موعد اللقاء كقول الشاعر "ابن شيخان السالمي":

كأن عيون الروض مقلة عاشق

كأن طلوع الفجر في ذنب الدجى
كأن الذي يعنوا المحب عناها

محيا حبيب أزعجته المواعد


ودقة الخيال بادية في تصوير ظهور الفجر في حمرة بما يكون لوجه الحبيب الذي همه موعد وشغله لقاء حبيبه, حتى قدم على عجل وترقب بوجه فيه حيوية وإشراق.
ومما يسترعي نظر الدارس لديوان الشعر العماني, ميل شعراء عمان نحو مناجاة الطبيعة بكل مفرداتها وذلك عندما كانوا يضجرون بالمدينة ومشاكلها فيهربون لمناجاة الطبيعة مثل الشاعر "عبد الله محمد الطائي": الذي يرى في جمال البحر شيئاً يؤنس وحدته ويذهب أحزانه عندما قال:

مرحبا بالبحر.. قد صاغ على الماء عقوده
والسما تمنحه الدر فيختار نضيده
وضياء البحر أغناه بألوان جديدة
فبدا الشاطئ روضاً نثر الأفق وروده

ومن الشعراء من درج على مخاطبة الطبيعة من وديان وطيور يبثونها أشجانهم وعواطفهم ويدعونها أن تقاسمهم حظوظهم وتشاركهم آلامهم كما هم يشاركونها مآسيها فالشاعر "حمد بن عبد الله أبو سرور" سمع حمامة تغني بصوت باكٍ حزين فأدرك ما تعانيه وتكابده من ألم لفقد حبيب أليف أو صغير فخاطبها متسائلاً:


أجار عليك الدهر في دوحة الربى
أم الألف أقصاه الزمان عن الحمى
دعاك الهوى ذات الجناحين إنني
فلا تعتبي الأيام, فالدهر دائماً
تعالي بجنبي في حديث مع الهوى
وفي شذرات الورد من خير مزرع
فعدت بلا إلفٍ أليف لأضلع
وإياك في دعواك سيان فاسمعي
يفرق للأحباب في كل مرتع
وكيف صنيع الدهر يا هذه معي


وقريب من ذلك – أيضاً- قول الشاعر "سعيد بن مسلم المجيزي":

خيام ما يطاولها السحاب
وأطناب بأوتاد "أنيطت
وأعمدة تجللها سماء
وتلك مصانع شيدت بأيد
وشهب في البسيطة أم قباب
أم الجوزا بأيديها شهاب
من الياقوت يكسوها ضباب
أم الأفلاك ليس لها حجاب

ولعل من الواضح أن الميل نحو الطبيعة ومحاولة مناجاتها واستكناه كل ما يدور حول الشاعر أصبحت لمحات دالة عند بعض شعراء عمان يبثونها نجواهم كلما ضاقت بهم الحياة وفي الأبيات التالية نجد الشاعر "عبد الله علي الخليلي" يسائل الطبيعة في أطيارها وأشجارها ومياهها فيقول:

ما للأغصان تأودها
أم ما لشذا الأرواح على
أم ما للورق بأغصنها
فترى الأغصان بدوحتها
والطير تهيم فيعدمها
أتراها ذكرت ماضيها
نسمات الشعب وتسندها
هذي الأرواح بأوردها
يشجى الولهان مغردها
سكرى يتثنى أملدها
ذاك الهيمان ويوجدها
مثلي فازداد تنهدها


ولشاعرنا "الخليلي" أيضاً موشح طويل عن الطبيعة يقول فيه:

يا طائر الجمال
رفرف على الدلال
على قدود السمر
فوق الغصون الخضر
تحت الهواء الطلق
يا خافق الجناح
انزل بلا جناح
فوق غصون الآس
باللدن المياس
أنزل بلا توق
في همسة النسيم
في لذة النعيم
في نفحة الزهور
في بسمة الثغور
تلثمها برفق

وبعد "كانت تلك وقفة النهاية من وقفاتنا القصيرة مع الطبيعة في الشعر العماني.. ذلك الشعر الذي جاء من حيث اللفظ والمعنى مرآة لحياة الشعراء والبيئة التي عاشوا فيها, سواء كانت بيئة بدوية لها سماتها, أم حضرية توحي بما حولها من مظاهر مختلفة, وعلى هذا النحو جاءت قصائد شعراء عمان فياضة بالصدق ومعبرة عن حضارة عريقة نشأت على ضفاف الخليج العربي, كما اتسم هذا الشعر بطول النفس, والأصالة والتجويد والعمق, مصوراً للطبيعة ومعبراً عنها في صورة موحية ومؤثرة, وفي خيال عميق أخاذ, كما دلت الصورة الأدبية على مدى اقتدار الشعراء في نقل الطبيعة وتصوير المواقف بخيال خصب متقد وما كنا محيطين ولكن نضرب الأمثلة.
------------------------------------------------------------------------------------
إحالات :
اعتمدنا على وقفاتنا المتواضعة هذه على كتاب "الشعر العماني ومقوماته واتجاهاته وخصائصه الفنية" للدكتور علي عبد الخالق, الصادر عن دار المعارف المصرية ضمن مكتبة الدراسات الأدبية.
تاريخ الأدب العربي للدكتور/شوقي ضيف الصادر عن دار المعارف المصرية.



#حجاج_سلامة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان المصري جورج البهجورى والإله مين ..
- الفراعنة عرفوا تكريم الأم قبل خمسة آلاف عام
- حتحور وإيزيس وحتشبسوت دليل المصريين على مكانة النساء عند قدم ...
- ماذا فعل المجلس القومى للمرأة المصرية البسيطة والمهمشة؟
- السرقة ليست أخطر جرائم الآثار فى صعيد مصر
- القودة : علاج مصري لظاهرة الثأر 00
- الندابات .. جزء من الحياة الفلكلورية الحزينة فى صعيد مصر
- صحراء مصر الغربية قبلة سياحة السفارى فى أفريقيا
- ردا على سليم نجيب وهالة المصري : في أحداث العديسات : الكل مس ...
- أصغر قارئة للكف فى العالم العربى :الغيب يعلمه الله ورؤيا فى ...
- الغربة والوطن .. وشاعر الأنغام
- إبراهيم سمك فرعون مصرىنقل الشمس الى المانيا
- جداريات الحج فن مصرى يقا وم الاندثار 00
- المعابد والآثار فى الاقصر
- النيل تاريخا وحضاريا
- صورة الوطن في كتابات ثلاثة عشر كاتبة سعودية
- الرموز الانتخابية جزء من تراثنا الانسانى
- المرأة لماذا يرونها عارا فى صعيد مصر
- احتفالات العالم بالاعياد فى التاريخ 00
- من اغانى الأفراح في صعيد مصر


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حجاج سلامة - الطبيعة في الشعر العماني