|
-الفِتنةُ- لم تكن فتنةً!
محمد كشكار
الحوار المتمدن-العدد: 6061 - 2018 / 11 / 22 - 11:19
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تحليلٌ تاريخيٌّ-أنتروبولوجيٌّ مُخالِفٌ للسائدِ. تأليف د. عبد الحميد الفهري، نقل مقتطفات مختارة وإعادة ترتيبها مواطن العالَم
"الفتنة الكبرى" في تاريخ العرب لم تكن فتنة بالمعني السلبي للكلمة بل كانت قفزة أو قطيعة إسلامية اجتماعية مع النظام القبلي قبل الإسلام. مقتطفات مختارة ومقتضبة من نص المؤلف، مقتطفات لا تُغني القارئ عن قراءة كامل الأثر، مقتطفات تهدف إلى التحسيس، لا أكثر ولا أقل، بوجود مقاربة تاريخيّة-أنتروبولوجيّة لحدثٍ جَلَلٍ اسمه "الفتنة الكبرى": "انفجر بين قوى تقليدية قديمة وأخرى جديدة على المجتمع العربي القبلي صنعها الإسلام في دولة المدينة النبوية (في عهد محمد)، فدارت الأحداث بين جيوش سلطة أو دولة من جهة، وجيوش منشقة عنها بقيادة القرّاء بالأساس من جهة أخرى. والقرّاء فصيل اجتماعي-ديني-سياسي أفرزه مخاض طريف لعناصر فهمت الإسلام بعقل قبلي ممزوج بروح إسلامية في بداية نقاوتها لا يرى في غير القرآن مصدرًا للتشريع... (...) رفضُهم الراديكالي (القرّاء) لمسألة الشورى (...) باعتبار أن الشورى في السياق القرآني يمكن أن تعني مجمل المؤمنين وليس خيارهم وأشرافهم فحسب. وهنا لا بدّ من إثارة دور الأمصار كأوطان جديدة سمحت، بحكم بعدها عن البؤر التقليدية الحجازية، بقيام حركة فكرية وسياسية متحررة من كل نفوذ وقيود. فأفضت إلى تجميع أصناف مختلفة من العرب في هذه الفضاءات "المستحدثة" إلى مواجهة مصيرها برصيدها القديم وبرواسبها الدفينة لتنحت بها مكانة في الدولة الجديدة. (...) ستحتج على الشرائح الحجازية المحتكِرة لمآثر الدين الجديد بصور مختلفة. فكان عرب الاستقرار في الأمصار يفتخرون على الولاّة بمجدهم وصراحة نسبهم وعراقة أصولهم. (...) صِفِّين مفترق عظيم أيضًا لأنه كان رغم قعقعة السيوف نقطة إعلان التمرّد على الاستبداد وأساس الاختلاف في الرؤى بين السلطة من جهة إحدى أهم مؤسساتها: الجيش وقياداته. وبحكم طبيعة التعامل، كان العنف هو أداة الحسم الأولى بين الطرفين. فكان النزال والقتال. (...) صِفِّين هي في الأصل هضبة تقع بين الشام والعراق. (...) ومفترق عرى اللاتكافؤ الذي أضحت عليه فتات المجتمع العربي بين الحضر والبدو، ثم بين كل العرب ومواليهم وعبيدهم. وصِفِّين كذلك مرجعية كل المصنِّفين والمفكرين والمؤرخين عند بحثهم عن جذور الانشطار في الدين والمجتمع في الفكر وفي النظر إلى الدنيا والآخرة. هي صِفِّين المفترق الأهم في تاريخ الدولة والدين، فالشحنة التي تحملها معاني الفتنة تترجم الأبعاد والتداعيات والانعكاسات المباشرة وغير المباشرة لهذا الحدث (...)
أولا، بروز الاحتجاج العربي واضحا في صِفِّين على نتائج قيام جهاز دولة لها نفوذ إنزال قسم من قبائل العرب إلى أسفل السلم الاجتماعي، لصالح رموز أمة المؤمنين (J. C.: Les plus engagés parmi les musulmans)، القوة الصاعدة التي صنعها الدين الجديد واعتمدتها السلطة بديلا عن الهياكل العربية التقليدية. وهل نحتاج إلى التذكير بأن لفظ عرب ذُكر مرتين في القرآن بالإماء، في حين ذُكر لفظ أمة المؤمنين في الفرد والجمع والرفع والنصب 514 مرة. ومعلوم أن مواقع السلطة التي تشكلت منذ زمن محمد، كانت على أساس الموقع من دولة الإسلام لا من هيكل القبيلة. ثانيا، اكتمل الافتراق وتبلور بعد فشل منظومة التقوى التي جعلتها السنّة شرط الإيمان، "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فصار بذلك الإيمان جزءًا من التقوى. لكن هذا المبدأ الأساس قابله فعل إسلامي عملي بيّن أن أفضل عناصر الأمة حسب سلّم عمر هن زوجات الرسول وآل بيته (C. M.: La rupture épistémologique entre la religion et la spiritualité)، فكان المولود الجديد في هذا البيت يحصل على أعلى درجات العطاء لشرف نسبه (3000د سنويًّا)، في حين تم وضع بقية السلم على أساس الأسبقية في المشاركة في القتال. فكان بيت الرسول فوق كل قريش وقريش فوق كل المضرية والمضرية فوق كل العدنانية والعدنانية فوق كل القحطانية وكل هؤلاء العرب فوق الموالي (15د سنويًّا) وهؤلاء الموالي والعرب فوق كل العبيد الذين لا يحصلون مطلقا على العطاء حتى لو آمنوا (0د سنويًّا). وقد جاء الفقه الإسلامي مستجيبا في أحكامه لهذه التراتبية التي فجرها مفترق صفين. ويبرر ابن حزم ذلك الإلغاء بحق العبيد في كتاب المحلى بقوله: "فإكرام العبد في تحريره وليس في تنفيله". فكان الفرق بحساب النسب من أعلى درجات العطاء إلى أسفلها 200 مرّة في "الراتب الشهري" وهو ما نعبّر عنه راهنا بالفارق في "المقدرة الشرائية" الذي يعكس الفرق في مستوى العيش، هذا دون احتساب الذين لم يُسجّلوا في ديوان العطاء أصلا لأنهم لم يحضروا في الأمصار بعد أن استنفرت المدينة القبائل ليتحول المقاتلة بعيالهم وزوجاتهم إلى مواطن الفتح في شكل زحف بشري يغامر فيه المشاركون بكامل كيانهم الأسري. ونذكّر فحسب بأن حجم هؤلاء الموالي والعبيد كان إلى حدّ النصف الثاني من القرن الأول يمثل عُشر سكان الأمصار...". Conclusion du C. M: Les religions sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites
المصدر: مقال: "الفصل الثاني - دراما الفتنة ومفهوم صِفِّين - صِفِّين مفترق الإسلام الأكبر، د. عبد الحميد الفهري"، ص.ص. 43-67 في كتاب: "جدل الهوية والتاريخ - قراءات تونسية في مباحث الدكتور هشام جعيط، منشورات سوتيميديا، شركة دلتا للطباعة، الطبعة الأولى، تونس - جانفي 2018".
إمضائي أجتهدُ فإذا أصبتُ فلي الأجرُ الموعودُ، وإذا أخطأتُ فلي بعضُه! و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
#محمد_كشكار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بتصريحاتها العنترية الأخيرة، يبدو لي أن النهضة بدأت تهدد أرك
...
-
دفاعًا عن منهجيتِي وأسلوبِي في الكتابةِ والنشرِ
-
أشياءٌ كنتُ بالأمسِ معها وأصبحتُ اليومَ ضدها!
-
بطاقة تعريف مواطن العالم محمد كشكار
-
فكرةٌ مخالفةٌ للسائدِ: هل حقًّا إن المرأةَ العربيةَ المسلمةَ
...
-
نساء مناضلات في جمنة الستينيات
-
جمنة وروزا؟
-
سيرة فكرية، تُقرأ ولا تُحتذى: خطاب الهوية، المختلف، المتعدد،
...
-
سيرة فكرية، تُقرأ ولا تُحتذى: خطاب الهوية، المختلف، المتعدد،
...
-
جولةٌ علمية داخل المخ صحبة دليلٍ عالِمٍ اسمه جان دِيدْيي فان
...
-
حضرتُ اليوم بحمام الشط حفلاً دينيًّا بَهائيًّا
-
عركة حامية الوطيس بين المخ والقلب!
-
أحداثٌ طريفةٌ وَقعت لِي أثناء ممارستي لمهنة التدريس؟
-
كِذبة هجرة الفقراء من الدول الإفريقية إلى الدول الأوروبية!
-
هويتي: هويةٌ واحدةٌ أم هويةٌ متعددةٌ؟
-
تمجيدٌ ودفاعٌ عن مجانية الخدمات.
-
ردٌّ وديٌّ وموضوعيٌّ على نصيحةٍ صادقةٍ قدّمها لي زميلٌ متديّ
...
-
عقدة أوديب (الابن يتمرّد على أبيه): يبدو لي أن حزب النهضة ال
...
-
يساريي غير ماركسي وغير ملتزم حرفيا بمقولات اليسار الماركسي ا
...
-
محاضرة علمية -هل نُدرّسُ معارفَ أو قِيمًا في حِصَصِ العلومِ؟
...
المزيد.....
-
ليبيا.. استنفار أمني واسع في الزنتان بعد توقيف منفذ عملية ا
...
-
متظاهرون ينصبون الخيام أمام منزل نائب يهودي في أوهايو تنديدا
...
-
أبو عبيدة: بعد عام من طوفان الاقصى جمهورية ايران الاسلامية ت
...
-
القوات المسلحة اليمنية: نحيي مجاهدي المقاومة في غزة والضفة و
...
-
امين عام كتائب حزب الله العراق: على المقاومة الاسلامية الاست
...
-
“اضبطها الآن ودلعهم” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال
...
-
مصر.. إحالة متحدث جماعة الإخوان وشقيقه و18 آخرين للمحاكمة بت
...
-
باسم يوسف يطلق أغنية ساخرة لمحاكمة نتنياهو أمام الجنائية الد
...
-
” عالم من المرح والسعادة “.. استقبال تردد قناة طيور الجنة بي
...
-
أبو عبيدة: ندعو الى اطلاق اكبر حملة عربية واسلامية ودولية لا
...
المزيد.....
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
-
جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب
/ جدو جبريل
المزيد.....
|