أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - السؤال الذي لم أجد له جوابا.














المزيد.....

السؤال الذي لم أجد له جوابا.


نضال الصالح

الحوار المتمدن-العدد: 6053 - 2018 / 11 / 13 - 13:14
المحور: الادب والفن
    


السؤال الذي لم أجد له جوابا.
إحدى نتائج صدم سيارتي والذي تحدثت عنه في مكان آخر من هذه الصفحة، أن كسرت قطعة صغيرة من صابونة ركبتي اليمنى. كانت القطعة تتحرك وتصيبني بآلام شديدة وكان من اللازم إجراء عملية وإخراج القطعة المتحركة.
دخلت المركز المختص بعلاج أمراض وكسور العظام والذي اقامته مجموعة من الأطباء المختصة بهذا المجال وعلى رأسها صديق لي والذي قرر ان يقوم بالعملية بنفسه. العملية بحد ذاتها بسيطة وتجرى بواسطة منظار يجرى إدخاله إلى الركبة وإخراج القطعة المكسورة. في العادة يقوم الجراح المختص بإجراء العملية في مدة لا تزيد عن نصف ساعة ويخرج المريض من المركز إلى بيته في نفس اليوم الذي أجريت فيه العملية. ولكن بسبب تقدمي في السن قرر طبيبي أن يبقيني للمراقبة لمدة ليلة واحدة وفي اليوم الثاني يطلق سراحي.
في الغرفة المخصصة لتحضير المريض للعملية كان رجل طاعن في السن مستلقيا على سرير بجانب سريري والذي جرى إحضاره إلى المركز بسبب كسر في مفصل ساقه اليسرى. لا أدري كم كان عمره ولكن تجاعيد وجهه وخلو عدد من الأسنان من فمه يدل على انه عجوز متقدم في العمر. كان يدعو الله ان يدعه يموت أثناء العملية.
من المعتاد حين إجراء عمليات للمتقدمين في السن أن يجرى تخديره موضعيا بوخزه إبرة خاصة في العمود الفقري وهو ما حدث لي وكنت اتحدث أثناء العملية مع صديقي الجراح في السياسة وفي أنواع المأكولات العربية.
العجوز رفض التخدير الموضعي وطلب من طبيب التخدير ان يقوم بتخديره تخديرا عاما والذي رفضه الطبيب المختص، ولكن العجوز رفض التوقيع على وثيقة خاصة بالتخدير وبأن المريض يعي الخواطر التي قد تنتج عن التخدير. حاول الأطباء إقناعه بأن التخدير العام قد يكون خطرا له لكونه عجوزا يشكو من عدة أمراض، فكان جوابه أنه يريد ويرحب بالموت وهو مخدر. عندما ذهب الأطباء للتشاور في كيفية حل هذه المشكلة، سألت العجوز عن سبب رغبته في الموت فأجاب: " أنظر إلي فأنا عجوز بلا أسنان لا أستطعم طعم الطعام، وأشار إلى عضوه الجنسي وقال، أما هذا فهو ميت منذ أعوام، زوجتي ماتت وابنتي الوحيدة تزوجت ورحلت مع زوجها إلى أمريكا، فبقيت وحيدا، وليس أمامي ما أعيش من أجله، والآن كسر مفصل ساقي وحتى بعد العملية فإنني سأقاسي من تبعاتها طويلا، ولذلك أصلي يوميا لله أن يأخذني ويريحني من هذه الحياة .عاد الأطباء وطلبوا منه التوقيع على وثيقة بأنه رفض التخدير الموضعي وأصر على التخدير العام رغم تحذير الأطباء له، فوقع. بعدها نقلنا كل إلى صالة العمليات، التي ستجرى له فيها العملية.
بعد انتهاء عمليتي والتي دامت أقل من ساعة، أعادوني إلى صالة الطوارئ وكان نصفي الأسفل مخدرا لا أشعر به، ولقد طمأنني طبيبي بأن التخدير سيزول بعد ساعة أو أقل. أما العجوز فلقد أعادوه بعد ساعتين وكان مخدرا بالكامل.
عندما فتح العجوز عينيه واكتشف أنه لا يزال على قيد الحياة، ثار غضبه وأخذ يكيل الشتائم القذرة وتطاول على الخالق الذي يبقيه حيا عن عمد ليتلذذ بتعذيبه، ولقد حاولت الممرضات تهدئته ولكنهن فشلن، فوخزته إحدى الممرضات بإبرة دواء مهدئ للأعصاب حتى هدأ.
في الصباح جاء ابني ليأخذني إلى البيت وكانت الحياة قد عادت لنصفي الأسفل. ساعدني ولدي بلبس ملابسي وخرجنا من المركز متكأ على كتفه وبيدي الأخرى أتكئ على عصا منحني إياها المركز وتوجهنا إلى سيارته. لاحظت أن ابني كان مهموما كأنما شيئا يكدره فسألته عن السبب فصمت طويلا ثم قال:" أمس توفي صديقي ميلان". سالته وعن أي ميلان يتكلم فقال جارنا. صعقت من الخبر وقلت ولكن ميلان صغير في العمر ولم الحظ عليه علامات المرض، فهز رأسه وقال: أصيب بسكته قلبية وغدا الدفن في مقبرة البلدة.
جلست حائرا مضطربا وتساءلت متعجبا، العجوز المريض والذي يطلب الموت، يتخطى عملية معقدة ويعيش وميلان الشاب يموت ويترك خلفه زوجة وطفلين في أمس الحاجة لوجوده، فأين الحكمة من ذلك؟

د. نضال الصالح



#نضال_الصالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسانية في النظام الاشتراكي مقابل النظام الرأسمالي، تجربة ...
- رسالة إلى الله
- كيف عادت كاتكا من الموت
- اللص الفاشل
- خلافة إسلامية ام قبلية عصبية وصراعا على الملك والسلطان
- الديموقراطية الأوربية ماتت ودفنت
- التوراة : الخيال الأدبي في خدمة اللاهوت والسياسة
- الدولة تأكل أولادها، من علامات النزع الأخير للنظام الاشتراكي
- الأعراض المرضية السعودية
- علم بصمة النص وإمكانية تطبيقه على النص القرآني:
- مهمة فاشلة
- المسلمون في أوروبا
- لماذا انقطعت عن الكتابة
- الجد و الحفيد
- حرق القرآن الكريم
- السياسة بين النظرية والتطبيق
- داعش وأخواتها لم تأتيا من فراغ, بل هما نتاج فكر مزروع في وعي ...
- فتوى الإنقاذ
- الضفدع
- رسالة إلى العالم الغربي : تريدون مني أن أكون إرهابيا، سأكون، ...


المزيد.....




- “ابنك هيدمنها” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 لمشاهدة ج ...
- مايكل دوغلاس يزور مستوطنة إسرائيلية ويصف المتضامنين الأمريكي ...
- بتهمة -الفعل الفاضح-.. إحالة سائق -أوبر- بواقعة التحرش بفنان ...
- عز وفهمي وإمام نجوم الشباك في موسم أفلام عيد الأضحى 2024
- فرويد ولندن.. أتاها نجماً هارباً فجعلته أسطورة خالدة
- الروسي بيفول يهزم الليبي مالك الزناد بالضربة الفنية القاضية ...
- وزير الثقافة اللبناني يزور منزل الشهيد عبد اللهيان
- إدارة أعمال الفنان جورج وسوف تكشف عن حالته الصحيه بعد أنباء ...
- كيم كي دوك... المخرج السينمائي الكوري الذي رحل مبكراً
- موت يعقوب ح 163… مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 مترجمة على قنا ...


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نضال الصالح - السؤال الذي لم أجد له جوابا.