أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منوّر نصري - الشهقة أمام الألوان














المزيد.....

الشهقة أمام الألوان


منوّر نصري

الحوار المتمدن-العدد: 6016 - 2018 / 10 / 7 - 21:11
المحور: الادب والفن
    


لطالما حدّثتكِ عن الشهقة أمام الألوان. الشهقة والانبهار والسفر في تفاصيل المساحات الملونة والخطوط الخافتة أو الواقفة كالأشجار، جذورها ضاربة في الأرض، وفروعها في السماء. الخطوط والألوان والمساحات والشهقة أمامها.... والانبهار.... وتلك الغفلة المريحة عن الدنيا.... ونسيان الصخب اليوميّ المقرف.... والعبور إلى دنيا اللوحة الآسرة.... والتجوّل في مساحاتها بمتعة... واستنشاق روائحها العطرة.... والتملّي في تفاصيلها بشهوة..... والتمتع بأجوائها بنفس مفعمة بالبهجة.
تستغربين صمتي الطويل أحيانا وأنت تحدثينني فلا أجد مبرّرا ألوذ به لأقنعك بأنني أهتمّ بكلامك وأحبّ أن تكلميني بل وأقلق كثيرا عندما لا يرنّ الهاتف لأرى الاسم الذي أسنَدْتُهُ لكِ على شاشة الهاتف. ينبغي أن يَحْدُثَ ذلك مرارا في اليوم الواحد لكي أحافظ على بعض توازني. وقد فعلتِ حسنا لأنكِ شاركتِ منذ سنوات، حين تقابلنا، في اتفاقية الودادية مع اتصالات تليكوم، ليصبح بإمكانكِ مكالمتي هاتفيا باستمرار مقابل مبلغ شهريّ قارّ. ومنذ ذلك الحين وأنتِ تكلمينني مرّات كلّ يوم وفي كل مرّة تستغرق المكالمة ساعات. لكن كثيرا ما أبقى صامتا وأنتِ تتكلمين أو تقرئين لي مقالة أعجبَتْكِ، تقاسَمْتِها على صفحتِكِ على فايسبوك. أبقى صامتا جلّ الوقت ولا أردّ إلاّ ببعض الجمل القليلة التي تثير غضبكِ أحيانا. فأنا في أحيان كثيرة، لا أجاملكِ. لآ اُبدي اهتماما بما تقولين رغم أنني أنا من يبادر بالطلب على الهاتف. وعندما يصلكِ الطلب تغلقينه وتطلبينني في إطار استعمال خدمة اتصالات تليكوم. أستمعُ إليكِ ونفسي مثقلة بمشاغل شتّى تقلّل من اهتمامي بحديثكِ رغم حاجتي إليه.
أقولها بصراحة، أنا لآ أستطيع أن أبقى بدون حديثك. لا أستطيع أن أقضي يوما كاملا دون أن أستمع إليك عدّة مرات في اليوم. كثيرا ما تصوّرتُ أنه بإمكاني أن أغضّ الطرف عن مكالماتك، لكن في كلّ مرّة أجدني عاجزا، بعد مدّة وجيزة لا تتجاوز بعض الأيام. وخلال تلك الأيام التي ينقطع فيها صوتكِ عني، أشعر بفراغ يبتلعني. تضيق بي الدنيا وتفقد الأشياء معناها ولا أرغب في القيام بشيء. كلّ شيء بدونك خاوٍ من المعنى ولا لون ولا طعم له... عندما يختفي صوتك عني، تزداد دنياي ظلمة ووحشة وترحل الألوان التي طالما أحببتُها لتحلّ محلّها الوحشة والفراغ المقيت. أجدُني أتقلب في ضياعي وضياع أوقاتي وضياع كل ما كان يؤثّث دُنْيَايَ. لا أفهم ماذا يعتريني عندما يغيب صوتك عني. تصبح الساعات ثقيلة. وأنبذ الكتب التي كانت تِؤثّث جزءا من وقتي وأستصغر اهتماماتي الجميلة والمحاولات على الألوان في الواقعيّ والرقميّ ويظل وجهكِ يطوف بمخيلتي وأراه بمقاييس وألوان شتى وأراك تجيئين وتذهبين وتجيئين وتغادرين، وأراك مبتسمة تارة، وتارة واجمة أو حزينة، وقد أراك في أوضاع أخرى أحبّها ولا يعرفها سوانا.... أظلّ أنتظر أن يرنّ هاتفي وأرى الاسم الذي أسندْتُهُ إليكِ على شاشة الهاتف. لكن يطول انتظاري، ويطول عذابي. وأنتظر بأكثر لهفة. وأنتظر، وتزيد لهفتي. ويكبر يأسي ويعشّش الحزن في نفسي. ويزداد إحساسي بالشقاء. وتبكي الألوان العالقة بنفسي وتظلّ تنتظر أن يعود صوتكِ ليعود إليها إشراقها...
وتعودين. ويعود الفرح. وتشرق الألوان من جديد. لكن ثَمَّةَ شيءٌ ينقصني وينغص عليّ الساعات الجميلة التي أقضيها معك على الهاتف. أنا مَهُوسٌ بذلك الشيء يا من أحببتً. مَهُوسٌ إلى حدّ كبير، قد لا تتصوّرينه. أنا أُومِنُ بالشهقة أمام الأشياء الجميلة، وأمام العمل التشكيليّ الجميل. أنا مبعثر المشاعر. أُومِنُ بأنني متعلّق بك. وأومن أيضا بأنّني مَهُوسٌ بالألوان وبالفنّ الجميل. لكن ما يشقيني هو أنني رغم عودتي الأخيرة إلى الرسم بالألوان الحقيقية والرقمية، ورغم عودتي إلى اهتمامي القديم جدّا بالتصوير الفوتوغرافي وشغفي بمعالجة الصور على الحاسوب بواسطة برمجية فوتوشوب، أشعر أنني مبعثر المشاعر. لا أدري هل يعود ذلك إلى تقلّص اهتمامي، دون أن أشعر، بالفنون، أم إلى إحساسي العميق بأنّ مَنْ حولي لا يشاركونني الاهتمام بالألوان، ولا يشهقون إعجابا أمام الأعمال الفنّية الساحرة.
حتّى وأنتِ تتّصلين بي، أشعر أنّ حزني كبير وعميق وأن شقائي مركّب.



#منوّر_نصري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سألوّن السحاب - مقاربة تعدّدية لأشعار فريدة صغروني
- دنيا جديدة
- امرأة افتراضية
- نتائج البكالوريا 2015 : الواقع والتأويل - المعاهد العمومية ب ...
- أزمة الهوية المهنية للمتفقدين البيداغوجيين وموقع المتفقدين ا ...


المزيد.....




- فيلم -أوسكار: عودة الماموث-.. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم ...
- أنغام في حضن الأهرامات والعرض الأول لفيلم -الست- يحظى بأصداء ...
- لعبة التماثيل
- لماذا يا سيدي تجعل النور ظلاماً؟
- نشطاء يريدون حماية -خشب البرازيل-.. لماذا يشعر الموسيقيون با ...
- -ماء ونار-.. ذاكرة الحرب اللبنانية في مواجهة اللغة وأدوات ال ...
- أردوغان يستقبل المخرج الفلسطيني باسل عدرا الفائز بأوسكار
- توقيع اتفاق للتعاون السينمائي بين إيران وتركيا
- تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية ...
- إطلالة على ثقافة الصحة النفسية في مجتمعنا


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منوّر نصري - الشهقة أمام الألوان