البتاني

عايد سعيد السراج

الحوار المتمدن-العدد: 1511 - 2006 / 4 / 5 - 01:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

متثاقلة جاءت على رصيف القلب تمشي , تجر خلفها أطيافا من ذكرى الأمس , أطيافٌ تزف بين ظهرانيها عناكب الدمل والحمى والموت البطيء , وجه رحماني مثقل بليالٍ أضناها السهر , دائماً تستعر في نفسها قناديل مطفأة , فاحم ضؤها ومشرئب , يطل من علٍ على وادٍ لانهائي الصخور , هي المرآة التي أخلصت للحياة لدرجة أنها لم تنمْ يوماً , تسبح بحمد شوقها إلى لحظة الذبح , وفي مواسم الذبح الجماعي تصهل أفراسُها , تًدكُّ حيطان السور وأبراجه , تُدَليِّ نفسها من أعلى قبة الجامع العتيق , ومن فتحات أبراج السور , ترى خيول الروم والفرس تــُدَكّ عند ضفاف النهر , تسرجل حوائجها , تطل من باب بغداد على عمار- وأويس- وأ ُبَيْ , وهم يتسربلون وأفراسهم بحمر الدماء , كلما كان ذلك , ألقوا بأنفسهم وجيادهم إلى أعماق النهر الفرات , وعادوا بعد قليل مُسَرْبَلين بالدماء ثانية , هي قصة تلاها الأجداد والأحفاد , وكلما تــُليت , طُعِنت الخاصرة بآلاف الحراب , أصبحت فاتحة عصور ما خلت من نفوسنا , وبعد أن تساءلت المرأة عن دوار البرازي , أجاب : هي ساحة سُمّيت على اسم عالم ٍ أشتهر بعلوم الفلك والجبر والهندسة , رجل عظيم راح يُدَوِّخ العالم بنظرياته العلمية , وبعد زمن طويل , جاء رجل من عامة الشعب يدعى " البتاني " وفتح محل بقالة بجانب بيت العالم " البرازي " وبعد ذلك صارت مودة بينهما , أسرّ البقالُ ببعض أسرار البقالة ,أفاد منها العالم , ولكثرة ولع شعبنا بالعلوم والثقافة , وإخلاصاً منه لعظمة هذا العالم ( البراز00ي) نصبوا له تمثالاً وأسموا المنطقة التي وجد بها التمثال – ساحة البرازي – قال ذلك , وابتلع أحناشاً وعرا بيدا , بدأت تتعارك في أمعائه , مما أشعره بالدُوار , بدأت المرأة تـَحُمُّ ليلاً , كلما وردت إليها الطيوف , طيوف ٌ تراودها في الحلم , وفي يقظة الحلم , بدأت تأكل نفسها , تعضّ جسدها , تتلذذ بسيلان دمها , المرأة ترتفع تتدلى من أعلى السور , الجامع العتيق , قصور البنات , باب بغداد , تتداخل المرأة مع الطيوف , ترتقي قمة تل البيعة , تغتسل بالنهر , المرأة والرجل يِحُمّان , يهذيان , يسيران في الشوارع , يبتلعان الرمل , الصحراء في داخلهما تذرو الرمال , المرأة والرجل يرتشفان الفرات , يرتشفان بنهم , الصحراء تغضب , فرسٌ جموح ٌ تصهل في الأعماق , الفرات يهدر يبتلع البيوت الطينية , يقتلع أشجار الطرفاء , البتاني يصطاد النجوم , البرازي يأكل العجوز , المرأة تهذي , أبو جعفر المنصور , هارون الرشيد , هر قلة , الدَوّار , ودُوارِ ينتابها , تبكي المرأة الأعمدة والأبراج , وتزُفّ البتاني إلى تل البيعة 0

1 - البتاني : هو أبو عبد الله محمد بن جابر بن سنان البتاني من أكبر علماء الفلك تعتمد كتبه في جامعات العالم ولفترة غير بعيدة , وهو على دين الصا بئة, الذين يتكلمون لهجة آرامية قريبة من السريانية , وهم يقدسون الماء ودينهم مزج بين روحانيات الهرمزية المصرية والمسيحية الشامية القديمة ومن رموز عبادتهم الكواكب البابلية وهم يقدسون يحيى المعمدان, وقد انتشرت ديانة الصابئة قديما ً في كل من – الرها ونصيبين بلاد الرافدين , وحران في سوريا , وكذلك في مناطق من العراق 0

2 – البرازي : رجل بقال فتح محل للبيع في ساحة العالِم الكبير البتاني حيث يقام له تمثال بجانب سور الرقة السورية من جهة الشمال – والمؤسف أن أهل الرقة يسمون الساحة " بدوار البرازي " وليس البتاني 0

3 – عمار – أويس – أبي – هم صحابيون وتابعون أجلاء – فأويس رجل مقدس عند أهل مدينة الرقة – إذ بدأ يفقد أهميته بعد غزو الفكر الشيعي للمدينة 0
4- تل البيعة : مقبرة لأموات المدينة وهي موجودة الآن فوق أهم التلول الآثرية الإسلامية في العصر العباسي0

#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل