عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 1505 - 2006 / 3 / 30 - 09:11
المحور:
الادب والفن
ثغاء الكريات الحمر0
الآن – والضوء يهبط كتفي اليسرى – أحاول المرور , رغم الكلمات الدامية التي قد تنبثق فوارة في الحنجرة , إلى مقر العاصفة ، مكمن المتغيرات , إلى الشعر , إن كان الزمن ثابتاً , يكون الشعر كذلك , وأي تعريف له , سيكون مجرد ورقة خريف على سطح تياره المدوّم الجاري والمتجدد أبدا ً 0 لاتعريف , لاتحديد , لاوضوح , لاغموض , لاجزئيات , لاشمول – رغم أني لست ُ في مؤتمر الخرطوم – ولكن أل -لا هذه التي أصلها نعم , بالنسبة للشعر , شيء حقيقي , فالشعر رفض , حركة ترفض كل شيء , اليوم ترفض ما كانت قبلته بالأمس , وغداً ترفض ما تدافع عنه الآن هذا شيء تاريخي , أو شبيه بالتاريخ والزمن , وإن كان الشعر يسبق التاريخ ويبشر به , يتنبأ دائما ً بما يمكن أ ن يكون , وبما سيكون , وليس هذا تعريفا ً للشعر , أعوذ بكم أن يكون له تعريف محدود , أو محددّ 0 علينا أن نبتكر الكلمات الجديدة , الحروف التي لا تخضع للجاذبية 0 الحروف التي كالإلكترونات المشحونة , تتجمع لتعطي صعقة كهر بائية , على الشعر أن يكون صداميّـاً , علينا أن نكتب مالا يتوقعه الآخرون , الذي يكون متوقعا ً لا يثير , لا يدهش , لا يصدم , لا يدفع إلى أمام , يتوقعّون أن أكتب عن الألأف الذين قتلوا في العراق ببنادق الإمبريالية أو أخوتهم لافرق , لا لن أكتب , لقد تكـفلـّت الإذاعات والتلفزيون بالمهمّة , عرضت أكثر ما يكون من الصور وحشيّة وإثارة , ً , يدعو للتساؤل , ولماذا ؟! نحن جثث هذا العصر , علينا أن نتلقـّى وحسب , وإذا استطعنا أن نكون فعّالين , فذلك بقدر ما نتوقف عن التطبيل الإعلامي , عن الاندهاش لنفس اللعبة , إنهم يقتلوننا ! وماذا بعد ؟أيها السادة , هم يقتلوننا منذ زمن ٍ سحيق , فيمَ الدهشة ؟
ليس الرد ُّ بامتلاك أسلحة , فهذا مجرد ذريعة جديدة للقاتل كي يستمرَّ بالقتل , وهذا لا يأتي في البداية , بل في النهاية , في البدء علينا بشلَّ القاتل , اعتبارا ًَ من اللغة , كل سلطة في العالم فاسدة ٌ , حتى سلطة الكلمة , لنبدأ من هنا فلندمّر التهذيب الضروري لاستمرار السلطات , إن الإحترام غير لائقْ , أيها السادة لا تحترموا , لا تحترموا , قد تكون صرختي الثانية , على طريقة مظفر ّ النواب – ولكن لا تحترموا , فلنبدأ بالكسر , كسر الأشياء الهينّةِ أولا ً , وعندها سنعتاد , نعتاد أن نكسر , ثم لن يقف شيء في طريق الدمار , للأشياء المحترمة ! أو ليست السلطات شيئا ً محترما ً !00 أيها الآباء المقدّسون , إني مقيّد إلى أعمدة الهيكل, عندما يطول شَعري , أو شِعري , , لافرق , سيكون الأمر كصرخة شمشون أو آراغون , علي َّ وعلى أعدائي يا 00 عندي , كلمة ٌ " للملتزمين " , أولئك الذين يدّعون بوجود أدب ٍ موجّه فلأقصر حديثي هنا عن الشعر وحسب و لاشِعر موجّه للطبقة العاملة ! أرجوكم , ولتسمحوا بالسفسطة التالية : عندما يعمل عامل ثماني ساعات , بأجر ٍ أقل من الحد الأدنى لمعيشته , ويعمل أغلب أيام عطله الأسبوعية , كأيام عمل وطنيّ مجاني فأي وقت ٍ لديه ليقرأ شعركم الموجّه , أيها السادة الشعراء ؟ هذا شيء سخيف , فرضه السياق التافه للنقاش و العامل لايقرأ , حتى المقال أو الموضوع المكّرس له وفي جريدته الخاصّة , والعامل لايقرأ أصلاً لأنّه أميٌّ ,هذا ضوء أحمر في منتصف الطريق وليس على المفارق , كما يعتقد البعض ! أيها السادة الملتزمون , إذا كنتم تخاطبون " المثقفين الثوريين " فهذا شيء آخر , فلتلتزموا بما يعرفونه جيّدا ً , وسيصفقون لكم حتى يسكركم التصفيق , لأنكم تفرغون كل ما لديهم بقصيدة ((ثوريّة )) كما تحّبون أن تكون التسمية ,ولكن لا 00 هذا منتهى السخف والبلادة , أنا قلت أن القصيدة يجب أن تكون مدهشة , أن تأتي حين لا نتوقع ومن حيث لا تتوقّع , وبالذي لا نتوقـّعه أبدا ً , وليس هذه دعّوة للغرابة أو البحث عن الأشياء المثيرة , عذراً لكلمة المثيرة هذه فلا شيء مثير , إلا البساطة نفسها , العفويّة المطلقة الآن هي الشيء الوحيد المثير , تصورّوا , أن البعض كاد يضربني لمجّرد أنني قلت : (( إن سماء الوطن ليست أجمل من السماء فوق أمريكا )) !! , - إشارات التعجّب ليست لعبارتي , بل لمحاولة ضربي –أقول
: فلنكتب الشعر , ولا نبحث عن الحدث , فلنترك الحدث لنشرات الأخبار وبيانات الأحزاب , ولنكتب وقع أقدامنا على هذه الأرض , انفعالنا الحي المباشر , حلمنا , مخيلتنا , حزننا فرحنا , أشياؤنا جميعا ً , بسوائلنا كلها , وليس بالحبر وحده , إنني أدعوا , لكتابة على طريقة الأطفال , (( تبكي أمي ّ عندما تقطع بصلة , أكثر من بكائها في عاشوراء )) (( طلبت ُ من الأزهار العاليّة أن تسقط في حجري من تلقاء نفسها لأهديها لبنت الجيران )) . أمس – أقصد عندما كنت طفلا ً بما فيه الكفاية لطفل ٍ مثلي – سألت أبي : - هل يمكن أن يختفي الزمن؟! 0 لم أقل "يقف" أو" ينتظر" بل يختفي !! – الآن – أنوي أن أكتب هذا السؤال في قصيدة , لكنيّ لا أجد الكلمات المناسبة . كان أبي غائباًَ لفترة طويلة , أمي كانت تنظر ساهمةً وفي عينيها ترقب ورغبة , أمسكت بثوبها وقلت : ( لاتنتظري , أنهم لا يأتون حين ننتظرهم ونرغب بمجيئهم و سيأتون حين لا نتوقع ذلك ) إنها الأشياء البسيطة , والمدهشة التي نرغب بكتابتها نعم فلتكن أوراق الخس ِّ التي نراها في ساعة الشبق تنبت تحت جلدنا , هي الأشياء التي نُبْرِزًها للآخرين بين حروفنا كشفٌ كدوامة تحت وجه الموج , تخرج كما الشرغوف ألاهث في حركات ذيله الأخطبوطي , مفاجئة , لاهثة , راعشة , والى الإمام دائما دائما و إنها الدهشة التي وددت منحها لكم وليس اجتلابها للغريب من التصاوير فقط , أو بالهاث وراء الحدث , فلنكن أطفالا ً دائمين , لنمنح الجنون , السماد اللازم ليبقى على البراءة في أعيننا وثم , وثم 00 لاشيء , إلا , أن نكون شعراء بالضبط 0
* كتب هذا النص بالاشتراك مع الشاعر احمد ونوس 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟