الملامح البوليفونية في ديوان ( سرديّات وذات ) للشاعرة التونسية : فاطمة سعدالله

كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 5984 - 2018 / 9 / 4 - 19:26
المحور: الادب والفن
    

بعد النجاحات الكثيرة التي حققتها القصيدة السردية التعبيرية وما نتج عن ذلك من اصدارات متنوعة شملت مساحة واسعة في الوطن العربي والعالم والرغبة الشديدة والاعجاب لدى مجموعة كبيرة من الكتّاب اصبحت فكرتها راسخة واصبح لها روّاد وشعراء وشواعر يؤمنون بها ويدافعون عنها , اصبح لها عشّاق يعشون هذا الجنس الادبي الجديد والجميل , وجدوا انفسهم من خلال كتاباتهم وحضورهم المستمر في مجموع تجديد ( السرد التعبيري ) , فكل يوم نجد شعرا سرديا تعبريا نموذجيا بمستوى عال من الكتابة والفنية والجمالية . لقد اصبحت هذه القصيدة معروفة وكثر الجدال حولها وكثرة النقاشات , وتصدى لذلك عدد من شعراء السرد التعبري كـ الدكتور / انور غني الموسوي والشاعر / كريم عبدالله والشاعرة / رشا اهلال السيد احمد وغيرهم لطرح آراءهم وتصوراتهم حول هذه القصيدة وقدّموا دراسات ومقالات نقدية توضّح ملامحها وطريقة كتابتها وتعريف الجمهور عليها . الان اصبح لهذه القصيدة حضور بارز على الشبكة العنكبوتية من خلال نشر القصائد السردية التعبيرية والدراسات النقدية حولها , واصبح شلكها مؤلوفا لدى الجميع وصار بالامكان التعرّف عليها من خلال هندستها ولغتها وخيالها وتعبيريتها .
نحن نؤكد دائما وابدا بان السردية التعبيرية لا تعني السرد الحكائي – القصصي , انما السرد الممانع للسرد حيث تتجلّى طاقات اللغة والايحاء ونقل المشاعر والاحاسيس العميقة والرمزية المحببة والزخم العاطفي , بينما اكتسبت صفة التعبرية مشتقة من المدرسة التعبرية , فهنا نجد بان المفردات اصبحت تعبّر بحرية عن نفسها دون تدخل الشاعر واختفاءه خلف هذه المفردات , واصبحت تنقل لنا هذا الكمّ الهائل من المشاعر والاحاسيس العميقة , لم تعد القصيدة السردية تعتمد على الصورة الشعرية بقدر اعتمادها على الزخم الشعوري والعاطفي .من خلال مطالعتي لـ ( ديوان حبر الياسمين الصادر في تونس 2017 وديوان امواج وشظايا الصادر في تونس ايضا 2015 وديوان سرديات وذات الصادر في تونس عام 2018 ) سنجد الفرق الشاسع ما بين قصيدة النثر والقصيدة السردية التعبيرية ومستوى التقدّم والابداع في ديوان ( سرديات وذات ) وهنا لا نريد ان نقلل من شأن الديوانين الاولين , فهما قدّما الشاعرة بطريقة تليق بها من خلال الابداع الذي وجدناه فيهما , وانما اردنا ان نستعرض مستوى تطور الكتابة الشعرية لدى الشاعرة ( فاطمة سعدالله ) وانتقالها من القصيدة النثرية وكتابتها بالطريقة القديمة / التشطير / ترك الفراغات بين الفقرات / ترك النقاط للمتلقي ان يضيف او يفسّر مابين الفقرات حسبما يعتقد ويريد / وكذلك طريقة توزيع الفقرات الكتابية داخل الورقة الى كتابة السرد التعبيري . مما لاشكّ سيجد المتابع للشاعرة في ديوانها الاخير ( سرديات وذات ) الفرق الشاسع في طريقة الكتابة ومستوى التطور والابداع , بسب طريقة الكتابة الافقية / الكتلة الواحدة / لاننا نؤمن بان القصيدة النثرية او قصيدة ما بعد الحداثة يجب ان تتخلّى عن سطوة القصيدة العمودية من خلال عدم الاعتماد على الوزن والقافية وعدم تشطيرها , فمن خلال الكتابة النثرية الافقية هذا سينبعث الشعر الكثير وتتفجّر طاقات اللغة ومنحت الشاعر حرية وفضاء شاسع حلّق فيه عاليا واستطاع ان يكتب الشعر بطريقة ابداعية رائعة .
سنحاول هنا قراءة بعض ملامح البوليفونية وتعدد الاصوات في هذا الديوان والاشارة اليها قدر المستطاع . ان تجلّى هذه الاصوات في القصيدة السردية التعبيرية يظهر من خلال اربعة عناصر* :
1- تعدد الرؤى والاصوات .
2- بروز شخوص نصيّة .
3- بروز حدثية نصيّة .
4- تعبيرات نصيّة اسلوبية كاشفة عن الرؤى .
في السرد التعبيري نجد بان تعدد الرؤى والاصوات تتجلّى بطريقة واضحة وواسعة عما في السرد الحكائي – القصصي فهنا الاعتماد يكون على الشخوصية القريبة والحدثية الحكائية , بينما في السرد التعبيري فان الانحراف والخروج عن التعابير اللغوية يمكّن من توسعة الشخصية النصيّة لتتعدد الشخصية الواقعية والمعهودة الى ما يمكن تسميته ( بالشخصية النصيّة ) د.انور غني الموسوي.
في ديوان ( سرديّات وذات ) للشاعرة فاطمة سعدالله تتجلّى الاصوات كما فيما يلي :
# تعدد الرؤى والاصوات
في الصفحة 31 النصّ الاول بعنوان ( نداء )
قافلة العمر تنساب نهرا يتلوّى بين النبع والمصبّ / عذارى الحروف في أثوابها الموصليّة الشفافة يرقصن على ضفاف الخريف / تتمدد القصيدة عشبة تطاول قمّة الصمت , تخزّن عصافير الاحلام كي لا تغادر اقفاص الذاكرة / الايقاع متسارع / تنادي وسادة المساء / بحرير الهمس المنسكب في أذن الفكرة / توشوش مرآتي المشعّة بحضور الليل / يهطل الصبر على استار نافذتي رذاذا فضّيا / وبين هدأة ونبض يشعّ شراع الحلم الازرق / ينادي بالحياة .
نجد الاصوات التالية / تنساب / يتلوّى / يرقصن / القصيدة / الايقاع / تنادي / الهمس / يهطل / هدأة ونبض / ينادي . كل هذه المفردات عبارة عن أصوات نستطيع سماعها بوضوح داخل النصّ طاغية بوضوح اختفى وراءها صوت الشاعرة , وهذه احدى جماليات هذا النصّ الممتع .
# حوارات نصيّة
في الصفحة 49 النصّ 10 بعنوان ( بعد الوداع )
عادت الاحلام أدراجها / نسيت حقيبة الحكايا / عند منعطف القلم كان النبض يلهث وهو يؤجل الرحيل / على بريق الذكرى يومض الشوق / يمتدّ درب الكلمات نحو مجرة الوصول يهزّ رأسه المتوّجة بالياسمين / البياض ثلج متجمّد والعشب اخضرار يسيل على وجنات الصمت قطرة قطرة . هذا جزء من نصّ طويل .
هنا تتجلّى الاصوات وتتعدد وكذلك الرؤى عن طريق مجموعة من الحوارات النصّية من خلالها سنسمع الاصوات تتجلّى بوضوح وتتداخل فيما بينها بينما صوت الشاعرة مختفي ايضا ينعكس من خلال صوت / الاحلام / القلم / الكلمات / البياض / العشب , وهذا لا يتحقق الا من خلال اللغة السردية التعبيرية .
# شخوص نصّية
في الصفحة 61 النصّ 16 ( عطر الكلمات )
يتعرّى النبض على عتبة القصيدة / يرتفع جبل البوح بيني وبيني / يتسلّقني عطر الكلمات / يشدّني من ضفائري المجدولة شوقا / يداعب نهسيمُ البياض خصلات الخريف الخجولة / ينسدل وشاح الصمت سميكا على نافذة الذكريات / تظلّ أصص الرياحين تنتظر الغمام / يتعالى ايقاع التراتيل فجر الوصو / يسجد الرجاء في محراب الصبر / انساب انا نهرا اخضر / يقرؤني بخور الكلمات غيمة هطول .
تتجلّى هنا البوليفونية وتتعدد الاصوات عن طريق شخوص نصّية وهي / النبض / جبل البوح / عطر الكلمات / نسيم البياض / الخريف / وشاح / نافذة الذكريات / أصص الرياحين / الغمام / ايقاع الترتيل / فجر الوصول / الرجاء / محراب الصبر / انا / نهرا اخضر / بخور الكلمات / غيمة الهطول / .. هذه عبارة عن شخوص نصّية انزياحية تعبّر عن رؤية وموقف معين نسمع من خلالها وحركيتها داخل النصّ الاصوات بلغة سردية تعبيرية وانزياحات وتشظّي في اللغة استطاعت الشاعرة ان تبعث فينا نشوة واحساسا بالجمال .
هذه بعض الملامح الجمالية في ديوان الشاعرة التونسية / فاطمة سعدالله / سرديّات وذات / على عجالة حاولنا الاضاءة على بعض النصوص والاتكاء عليها من اجل توضيح البوليفونية وتعدد الاصوات , ونترك لغيرنا اكتشاف نواحي جمالية اخرى لان الديوان زاخر ويستفزّ ويحتاج الى اضاءات اخرى تتناسب مع ما فيه من ابداع جميل .
# تمّ الاعتماد على كتاب القصيدة الحديثة د.انور غني الموسوي وكذلك كتاب كريم عبدالله والسرد التعبيري .

#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل