أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - كاظم المقدادي - خامسة عشر عاماً على كارثة حلبجه.. والخطر ماثل















المزيد.....



خامسة عشر عاماً على كارثة حلبجه.. والخطر ماثل


كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)


الحوار المتمدن-العدد: 427 - 2003 / 3 / 17 - 02:05
المحور: القضية الكردية
    


 

 

    يشاء القدر ان تحل الذكرى الخامسة عشر للجريمة النكراء، التي إرتكبتها القوات القمعية للنظام الدكتاتوري الحاكم، بحق سكان مدينة حلبجة الكردية العراقية، مستخدمة ضدهم سلاحاً كيمياوياً فتاكاً، وشعبنا العراقي، بعربه وكرده وباقي قومياته، يواجه، من جديد، حمم حرب كاسحة مدمرة، ستستخدم فيها أحدث ترسانة الدمار وأشدها فتكاً، ويحتمل ان تستخدم خلالها، أيضاً، أسلحة دمار شامل، فيكون فيكون ضحية الأولى والأساسية لأضرارها وتداعياتها، التي ستهدد مصير حاضره  ومستقبله.

    ومن المتوقع ان يكون رأس النظام العفن هو البادئ بإستخدامها، حفاظاً على كرسي حكمه، لينفذ تهديده  الشهير" تسليم العراق أرضاً بلا بشر".فإذا فعلها، لن يستغرب أحد، لباعه الطويل في نهج  الإرهاب والقمع والإبادة الجماعية المنظمة، إسلوباً وممارسة يومية ضد شعبنا، منذ أكثر من 3 عقود،حتى بز  هتلر وموسوليني وغيرهما من عتاة النازية والفاشية، بما إقترفته يداه الآثمتان من جرائم يندى لها الجبين، متفوقاَ على أعتى الطغاة ببشاعة ما إرتكبه من جرائم مشينة وخسيسة بحق شعبه قبل غيره. وجريمة إستخدام اسلحة الدمار الشامل، ضد سكان مدينة حلبجة، والعديد من القرى الكردية العراقية، هي واحدة من أبشع جرائم صدام حسين ونظامه المقيت، التي نال عليها بإمتياز " براءة إختراع"، إذ لم يقترف مثلها بحق شعبه مجرم اَخر سواه.. ولكن الغريب ان عدو اليوم،الذي تسعى لنزع أسلحته، كان، عندئذ، صديقاً وحليفاً لحكومات الغرب، التي ساندته، وشجعته، بل وزودته بكل ما يحتاج اليه للحصول على اسلحة الدمار الشامل،المحرمة دولياً، وصمتت، بل وتسترت على إستخدامه لها..

السلاح الكيمياوي وإستخداماته العراقية
   تصنف أسلحة الدمار الشامل الى 3 أنواع: نووية وكيمياوية وجرثومية / بايولوجية، وتتميز بشدة فتكها ودمارها للإنسان والحيوان والنبات والهواء والماء والتربة ومكونات البيئة الأخرى.

    الأسلحة الكيماوية هي اول انواع أسلحة الابادة الجماعية التي انتجها النظام العراقي-بحسب د. حسين الشهرستاني[1], وقد بدأ بشكل حثيث، بعد منتصف عقد السبعينات - بحسب د.علي حنوش-مع بداية تكوين "مؤسسة إبن الهيثم للأبحاث والدراسات"، في التوجه لأجراء الأبحاث والدراسات لإنتاج وتجريب الغازات السامة، القديم منها او المستحدث. وكانت الشواهد الأولى لإستخدامات المركبات السمية الخطرة، أثناء المراحل الأولى من حقبة الحرب مع إيران، وفي الإشتباكات الحامية في هور الحويزة عام 1983، وفي بعض المعارك داخل الأراضي الإيرانية.وبينت المعطيات من أنه كان هناك حوالي 15 مركزاً مكرسة لأنتاج وتطوير الغازات السامة للأهداف العسكرية، وكانت تلك المراكز موزعة على مواقع عديدة من العراق.وأشارت المعطيات الى ان المؤسسات البحثية العراقية قد طورت إنتناج مركبات أخرى، ما عدا غاز الخردل، مثل: سيانبد الهايدروجين، أو غاز الكلورين، وأنتجت مركبات أكثر فاعلية في سميتها من تلك الأنواع القديمة، مثل غازات سارين وتابون( وهي غازات لا تترك أثراً بعد إستعمالها) وغاز الأعصاب.كما أنتج غاز شديد الخطر أطلق عليه إسم" في أكس أي"، الى جانب إنتناج سائل شديد السمية، أطلق عليه إسم Toxic B، والمتميز بقدراته على التدمير الشامل والسريع. بالإضافة الى غازات الدم، مثل حامض الهايدروسيانيك، والغازات الخانقة، كالفوسفين، والغازات المقيتة، مثل اَدمسيت، والمسيلة للدموع، كالكلور و أسيتوفيتون، أو غازات الهلوسة، مثل LSD، وهي غازات قاتلة او مزعجة او تشل القدرة. وتستمر هذه الغازات في البيئة لمدة زمنية معينة.فغازات الأعصاب الكاوية تستمر من 12 ساعة الى عدة أيام.والغازات الأخرى غير المستمرة، تبقى من عدة دقائق الى بضع ساعات، وتؤثر في لون النبات والمزروعات، وتسبب موت كثير من الحيوانات، ويعتبر ذلك من علاماتها[2].

   ويؤكد د. علي حنوش  تمكن النظام الحاكم، خلال الثمانينات، من إنشاء صناعة كيمياوية متكاملة، ونجح في إنتاج الرؤوس الحربية المخصصة لحمل الذخائر الكيمياوية وتركيبها على وسائل إيصال متنوعة،إشتملت على صواريخ أرض-أرض الباليستية قصيرة المدى،ومتوسطة المدى.ونجح في إنتاج ذخائر كيمياوية مخصصة لأطلاق مدافع الميدان والهاون وراجمات الصواريخ الميدانية، الى جانب الكيمياوية التي تلقى من الجو.وقدرت مصادر الدفاع الغربية بان الترسانة الكيمياوية العراقية تتكون مما يقرب من 30 ألف طن من المواد الغازية والسائلة السامة، والتي دمرت كلها بإشراف فرق التفتيش الدولية

    أما الآثار المترتبة على إستخدامات وتجارب وتدمير الأسلحة الكيمياوية بالمعيار البيئي، فان نتائجها تبدو أعقد، وذات أبعاد وتأثيرات طويلة الأمد،خصوصاً إذا أخذت بنظر الإعتبار النتائج التي توصل اليها فريق البحث العلمي البريطاني في أواسط عام 1993 بعد تحليل تربة المناطق التي تعرضت للقصف بغاز الخردل في حلبجة، والتي عززت نتائج سابقة لفريق علمي أمريكي.فالغازات السامة المستخدمة للأغراض العسكرية تتميز-  بخلاف غالبية المركبات السامة المكرسة لمكافحة الحشرات والفطريات والبكتريا وغيرها، والتي أنتج العالم الغربي منها أكثر من 1500 نوع منذ عام 1948 وحتى اليوم- بان غالبيتها ذات تركيب عضوي سريع التحلل، وكذلك بشدة فاعليتها وقدرتها على الإحتفاظ بحيويتها لفترة أطول بكثير من مركبات المبيدات.وهاتان الخصوصيتان لهما أبعاد خطيرة ومتأخرة على جميع مكونات البيئة الإجتماعية والطبيعية [3].

إمعان بنهج الإبادة  الشوفينية
    تتوجت جرائم النظام الحاكم ضد الشعب الكردي، وخاصة إبادة سكان حلبجة ومجازر" الأنفال"، بتسلم المجرم على حسن المجيد، في 29 آذار/ مارس 1987، مسؤولية امين سر مكتب "تنظيم الشمال" لحزب البعث، و منحه من قبل ما يسمى بـ" مجلس قيادة الثورة" صلاحيات مطلقة في كوردستان، بموجب القرار رقم 160 في 29 آذار/ مارس 1987، لـ" ينوب عن القيادة القطرية لحزب البعث، و مجلس قيادة الثورة، لتنفيذ سياساتهما في الشمال، بما فيها منطقة الحكم الذاتي". واعتبر المجلس، في قراره المذكور، قرارات المجيد" الزامية لجميع مؤسسات الدولة العسكرية و الأمنية، وعليها جميعا تنفيذها بما في ذلك المسائل الداخلة في نطاق صلاحيات مجلس الأمن القومي و لجنة شؤون الشمال". وكانت تلك الصلاحيات مساوية لتلك التي يتمتع بها رئيس الجمهورية في هذه المنطقة. وأصدر صدام حسين في 20 نيسان/ أبريل 1987 قرارا آخراً منح بموجبه صلاحيات اضافية للمجيد لوضع" ميزانية خاصة بلجنة شؤون الشمال"، وقضى بربط الفيلقين الأول و الخامس من الجيش العراقي النظامي، ودوائر الأمن، والأستخبارات العسكرية، و قوات الطوارئ، و افواج الدفاع الوطني، و المفارز الخاصة، و غيرها من المؤسسات القمعية، بعلي حسن المجيد، و تلقي الأوامر منه فقط. و ايقاف تنفيذ جميع القوانين والقرارات و الأجراءاب الأدارية العراقية التي كانت تتعارض مع نص القرار، الذي جعل من علي حسن المجيد عملياً حاكما مطلقا على كوردستان العراق.

   وكانت سياسات المجيد-بحسب د.جبار قادر- تنفذ تحت شعار:"حل القضية الكردية، والقضاء على المخربين"  وتتلخص مظاهرها الرئيسية،على مدى العامين اللذين قضاهما المجيد كحاكم مطلق، من 29 آذار/ مارس 1987 و حتى 15 نيسان/ أبريل 1989، في مايلي:

-          الأعدام الجماعي، وإخفاء أثر عشرات الالآف من المدنيين الكرد، بمن فيهم عدد كبير من النساء و الأطفال، و أحيانا سكان قرى كاملة.

-           استخدلم الأسلحة الكيمياوية بصورة واسعة، كغاز الأعصاب و السارين و الخردل في حلبجة و 40 موقعا آخراً .

-      تدمير أكثر من 2000 قرية- تشير اليها الوثائق الحكومية بصيغ: أحرقت ، دمرت ، سويت مع الأرض و جرى تطهيرها، فضلا عن عشرات القصبات و المراكز الأدارية، بما فيها مدينة قلعة دزة، التي بلغ عدد سكانها اكثر من 70 الف نسمة.

-           تدمير المراكز المدنية كالمدارس ، الجوامع ، الكنائس ، آبار المياه و الينابيع، و محطات الطاقة الكهربائية، و المباني الأخرى .

-           نهب ممتلكات السكان المدنيين ومواشيهم من قبل الجيش و قوات الجحوش.

-          اعتقال القرويين بحجة التواجد في المناطق المحظورة رغم انهم كانوا في بيوتهم وعلى ارضهم .

-      الحجز الكيفي لعشرات الالاف من النساء و الأطفال و الشيوخ، لأشهر عديدة، و في ظروف جد قاسية، بدون أوامر صادرة من المحاكم، و بدون أية اسباب منطقية سوى الشك في كونهم من انصار الحركة الكردية. وقد مات عشرات الالاف منهم بسبب سوء التغذية و المرض.التهجير القسري لمئات الالاف من القرويين، بعد تدمير قراهم، الى المجمعات القسرية التي كانت الدعاية الحكومية تطلق عليها ظلما و بهتانا اسم "المجمعات العصرية".

-           تدمير البنية التحتية و الأقتصادية للريف الكوردستاني[4].

وثائق سرية تثبت جرائمهم المشينة
    إدناه مجموعة من البرقيات الرسمية السرية، نستعرضها كما هي، وبأخطائها الإملائية، وبدون تعليق، لكون مضامينها كافية لأدانة أصحابها [5]:

O برقية سرية وفورية، وقت الانشاء ويومه 21/6 ،من / قاطع زاخو ف.م. القيادة الى القائد (م) ....رقم المنشئ 5/اس/34181/(0) رسالة قيادة قوات / 38 سرية وفورية 14665 في 20/6(0) عطفا مايلي (0) وصل الى مقر الفرع الاول لزمرة سليلي الخيانة (4000) قناع للوقاية من الغازات السامة وسوف يستخدمها المخربين عند استعمالنا المواد الكيمائية لضرب تجمعاتهم (0) نرجو تحقيق صحة المعلومات واتخاذ مايلزم واعلامنا .

الرائد     سعدي محمود حسين، ء/آمر قاطع زاخو

O بسم الله الرحمن الرحيم، سري للغاية وشخصي، آمر قاطع اربيل، الحركات، العدد / ح1/277، التاريخ 3/8/ 1986، الى وحدات القاطع : ف 24 د.ر.و، السيطرة على قنابل البايولوجية الكيماوية: كتاب وزارة الداخلية السري للغاية والشخصي 288 في 18/5/1986 وكتاب وزارة الدفاع السري للغاية والشخصي 10135 في 25/4/1986 المبلغ بأعلاه دائرة التدريب 136 في 27/5/1986 المثبت على اصل كتاب رئاسة اركان الجيش المكتب الخاص السري للغاية والشخصي 5801  في 26/5/1986 المبلغ بكتاب قيادة الفيلق الخاص السري للغاية والشخصي 1530 في 2/6/1986 والمعطوف على كتاب اللجنة المختصة المسيطرة على تداول المواد البايولوجية والكيمائية السري للغاية والشخصي 22 في 23/6/1986 والمبلغ الينا بكتاب قيادة قواة جحفل الدفاع الوطني / 5 السري للغاية وشخصي 292 في 24/8/1986 . ننسب اجراء جرد نصف سنوي لكافة المواد المسيطر عليها في الوحدات التي تتعامل بها على ان تصلها قوائم الجرد قبل يوم 6/8/1986 وبالسرعة لطلبها من المراجع واعلامنا .العميد ضياء عبد الوهاب عزت، آمر قاطع اربيل، توقيع

O سري للغاية وشخصي،رسالة سرية وفورية، رقم المنشئ 75، تأريخ الإنشاء 26/10/1989،

الى / وحدة 5013 ( و. م. ب ) من / مخازن الصويرة:لقد ارسلنا – حسب طلبكم – الوجبة الثانية من المخربين الاكراد والبالغ عددهم (1860) لاتمام تجارب عملية مزدوج (24) . ودمتم من اجل الحزب والثورة،

 العقيد          آمر وحدة مخازن الصويرة

 O الى مدير الامن العام في بغداد، من المسؤولين في (وحدة المجازر البشرية)، تحية الكفاح في سبيل العراق .... اما بعد: وصلتنا قبل مدة الوجبة الثالثة من المخربين المحتجزين والذين بلغ عددهم لحد الان 2400 / الفين واربع مائة .. ان الكمية المطلوبة من الدم لنجاح عملية مزدوج 24 ينقصها الكثير يجب ارسال الوجبة الرابعة باسرع ما يمكن لان القيادة العامة تنتظر النتيجة الحتمية . يجب اتخاذ كل التدابير اللازمة ومراقبة السواق والضباط الذين يقومون بنقلهم من جانبكم واحراق كل الوثائق لدى المسؤولين وخاصة الوثائق العلمية والتخلص من كل من لديه معلومات حول عملية مزدوج 24 وخاصة الاكراد .
الدكتور هـ . م . ر- رئيس اللجنة المشتركة لفريق (1)  م. كيماوي ، في . ج. أ، عضو لجنة فريق (1)

O من مدير مخازن الصويرة، الى رئيس (وحدة المجازر البشرية)

ردا على كتابكم المرقم 243/ج/15 في 6/7/1990 الموقع من قبل العميد حاتم عبد الله صكر عضو اللجنة المشرفة لفريق عملية (مزدوج 24) والمخول من قبل السيد مدير الامن وعدد من موظفي الابحاث العلمية التابعين للاستخبارات العسكرية ،  نرسل لكم الوجبة الثالثة من المخربين البالغ عددهم ثمانمائة وخمسون وبالارقام التسلسلية ، اتمنى لكم النجاح والموفقية لانجاز هذا المشروع لخدمة الحزب والامة .

اخوكم الامين د. عبد الجبار احمد الزبيدي- مدير مخازن الصويرة، 27/7/1990

O رسالة سرية وفورية، رقم المنشئ 176، تأريخ الإنشاء  28/10/1989، الى / وحدة مخازن الصويرة، من /  وحدة 5013 ( و . م . ب )

نرجو ارسال الوجبات الاخرى من المخربين الاكراد باسرع وقت ممكن لان العملية مزدوج 24 تحتاج الى المزيد . لقد وصلتنا لحد الان وجبات من المخربين والقيادة العامة تريد منا نتائج عملية مزدوج 24 باسرع وقت ممكن . ودمتم من اجل الحزب والثورة  العقيد          آمر وحدة 5013 ع . ك .  ك

مأساة حلبجة
   لم ينتج  نظام صدام حسين  أي سلاح كيماوي او جرثومي قبل ان تتم تجربته على الشعب العراقي او الآخرين، وهذه مسألة معروفة- كما يؤكد عالم الذرة العراقي حسين الشهرستاني.وكانت الأسلحة الكيماوية اول انواع أسلحة الدمار الشامل، التي انتجها النظام العراقي، وقد انتج التصنيع العسكري العراقي غازات الخردل والسارين والتابون. وكان النظام العراقي قد استخدم هذه الأسلحة في الحرب العراقية ـ الايرانية منذ عام 1984 وكل العالم يعرف ذلك جيداً، بل ان النظام العراقي انتج هذه الأسلحة المحرمة دولياً بمساعدة شركات اوروبية وأميركية.وعندما لم يجد النظام العراقي أية ردة فعل عالمية لاستخدامه أسلحة الابادة الجماعية في الحرب العراقية ـ الايرانية، تمادى في استخدامها ضد الشعب العراقي وفي عمليات اطلق عليها اسم «الانفال» لابادة الأكراد العراقيين في كردستان العراق. وأشهر استخدام لهذه الأسلحة عندما قصف مدينة حلبجة الكردية العراقية[6].

    في السادس عشر من اَذار/ مارس 1988 أغارت عدة طائرات حربية عراقية على حلبجة ذات الـ 45 ألف نسمة وقصفتها بقنابل معبأة بخليط من الغازات السامة المميتة،كغاز الخردل وغاز الأعصاب ( سارين) وغاز التابون وغاز (في أكس). في الحال مات 5 اَلاف شخص من سكان المدينة، معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، وتأثر 15 ألفاً اَخرون ممن كانوا بعيدين نسبياً عن مركز الهجوم المباشر، لكن السموم إنتقلت اليهم عن طريق الهواء ومات مئات منهم في السنوات اللأحقة.ولم يخلف الهجوم الموت والإصابات فقط، فبعد 3 سنوات على زيارة المدينة إثر إنسحاب القوات العراقية من المناطق الكردية في خريف 1991 كانت معظم بيوت حلبجة وأبنيتها مدمرة، وبدت لي كما لو ان زلزالاً قوياً ضربها[7].

   إن كارثة حلبجة تعتبر- بحسب جمال حميد-،من جامعة ساوث بانك البريطانية- كارثة تلوث بيئي شامل، نظراً لتغير الصفات الطبيعية لعناصر البيئة من الماء والهواء والتربة،إضافة الى قتل الإنسان والحيوان وتدمير المزارع وإلحاق الضرر بالنباتات.ويقول أنه بعد كارثة حلبجة، وما سبقها من كوارث هيروشيما وناكازاكي،إستوجب إعادة تصنيف الكوارث البيئية الى كوارث بيئية تحدث نتيجة الفعاليات الصناعية للأنسان، وكوارث بيئية نتيجة الفعاليات العسكرية للأنسان. ووفق هذا التصنيف تعتبر كارثة حلبجة ثاني أكبر كارثة بيئية بعد هيروشيما وناكازاكي، حيث تم إستخدام أسلحة التدمير الشامل من غازات سامة في حلبجة وقنبلة نووية في هيروشيما وناكازاكي ضد السكان المدنيين، وقتل أعداد كبيرة من البشر.وهي تتميز عن كارثة هيروشيما وناكازاكي من حيث ان الفعاليات العسكرية وإستخدام أسلحة الدمار الشامل كانت من قبل سلطات نفس البلد ضد مواطنيها[8].
    وعدا حلبجة، قصفت قوات النظام العراقي المجرم، قبلها وبعدها، العديد من المناطق الأخرى بالسلاح الكيمياوي.الصحفي جاسم الولائي عدد، قبل 13 عاماً، كافة القرى والقصبات الكردية في كردستان العراق التي تعرضت للقصف بالسلاح الكيمياوي العراقي منذ أواسط نيسان/ أبريل 1987 وحتى أواسط تشرين أول/ اكتوبر 1988، بحسب تواريخ القصف [9]. وقد كتب كارل فيك،على سبيل المثال، من كردستان العراق، يقول:" طبقا لتقارير بعض المؤرخين، ومنظمات حقوق الانسان، فان القوات الجوية العراقية ألقت 13 حاوية معبأة بالغاز على قرية قوبتبه حوالي الساعة السادسة وبضع دقائق من مساء يوم 30 آيار/ مايس 1988 ضمن عملية «الأنفال» التي خصصت لمعاقبة المسلحين الاكراد واسرهم بسبب وقوفهم في وجه السلطات العراقية بالتعاون مع ايران التي كانت في ذلك الوقت عدوا للعراق. ويقول الاكراد ان تلك العملية اسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 180 ألف شخص في القرى الكردية" [10].
شهادات حية
    أحد الناجين من كارثة حلبجة قال يومذاك متذكراً لحظات الهجوم الجوي الكيمياوي ان كل شيئ تم بسرعة فائقة. أغارت الطائرات لدقائق، فمات من مات على الفور، وإستغرق اَخرون، وهو منهم، في إغماءة، ليستفيقوا بعدها غير مدركين لما حدث، كما لو ان كولبيس ليلية داهمتهم.وقال اَخر كان ما يزال- بعد 3 سنوات- يتعرض لنوبات إضطراب عصبي وعقلي:" كانت رائحة الكيمياوي  طيبة،تشبه رائحة التفاح.كتم يخرج من فمي وأنفي سائل يشبه الماء" [11] .

    ووصف المواطن اسماعيل قادر علي ذلك اليوم الأسود، حيث وجد عددا كبيرا من الجثث مسجاة على الارض في قوبتبه الى درجة انه مر عبرها دون ان يتعرف في اول الامر على جثث زوجته هاجر- 50 سنة، وابنته الكبرى امينة- 18 عاما، كما لم يتعرف ايضا على جثث ابنتيه آسكا- 12 سنة، وكوتشا- 10 سنوات، وابنائه الثلاثة سادر- 11 عاما، وجارا- 6 سنوات، وسرباست- 5 سنوات. ولم يلحظ ايضا وجود جثة الطفلة هوزين- 18 شهرا، التي وضعت مع الجثث الاخرى في باحة منزل احد الجيران. و قال قادر اسماعيل علي، وهو يقف الى جانب مجموعة القبور التي تضم غالبية افراد اسرته: «لا يمكن ان ننسى... لا يمكن ان نتعافى من اثر هذه الصدمة... نتمنى ان تنشق الارض وتبتلعنا، ولكن ليس بيدنا ما يمكن ان نفعله».[12].

   وفي باريس أكد الطبيب الفرنسي برنار برنديني-مندوب منظمة" أطباء بلا حدود" لمراقبة الموقف في المنطقة الحدودية، في رسائل بعث بها الى الأمين العام للأمم المتحدة، ان الشهادات العديدة، المستقاة من اللاجئين الأكراد العراقيين، لا تدع أدنى مجال للشك في العنف والقمع اللذين تمارسهما القوات العراقية.وطلب من السيد ديكويلار التدخل بصورة عاجلة لدى الحكومة العراقية حتى لا تتم إبادة المزيد من اَلاف النساء والأطفال والرجال الأكراد. وفي وقت لاحق أعرب الأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر صحفي عقده في لاهاي عن قلقه البالغ للمحنة التي يعانيها الأكراد [13].

    وفي تشرين الأول 1988 قال الطبيب الأمريكي روبرت كول،الذي إلتقى مع اللاجئين العراقيين الى الأراضي التركية:" ثمة أدلة تأريخية ثابتة، وعلامات جسمانية محددة تشير الى إستخدام الحكومة العراقية لغازات سامة ضد الضحايا[14]. وجاء في بيان اللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية السكان التابعة للأمم المتحدة: إن أبشع الأنظمة الفاشية لم يتجرأ على إستخدام أسلحة الإبادة الجماعية ضد مواطنيه كما فعل نظام بغداد.

    وعقب زيارته لحلبجة، كتب الصحفي عدنان حسين يقول: ذكر أحد الأطباء في مستشفى حلبجة ان النسبة الكبيرة من المراجعين في ذلك الوقت كانوا يشكون من حالات مرضية ذات صلة بالهجوم الكيمياوي، وتوقع ان بعضهم سيموت في غضون سنوات قليلة، بينما سيظل الآخرون يعانون مدى الحياة.ويبدو ان ذلك الطبيب لم يكن بالقدر من المعرفة والخبرة التي تؤهله لكي يخبرني ان مدى الكارثة سيكون بمرور الأيام أبعد من موت ذوي الحالات الخطيرة وإستمرار معاناة ذوي الإصابات الأخف.فأخبر كشف أستاذة جامعية بريطانية عن جانب أكثر مأساوية للكارثة التي وقعت قبل 10 سنوات،إذ وجدت ان الآثار والأعراض المرضية إنتقلت الى الجيل الثاني من بنات وأبناء الذين أصيبوا في هجوم حلبجة الكيمياوي[15].

   وكشف عن هذه الحالة فيلم وثائقي بثته القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني في مطلع اَذار/ مارس 1998، ضمن برنامجها الشهير Dispatches وعنوانه" قنبلة صدام الموقوتة السرية"، وهو الفيلم الثاني للمخرج جوين روبرتس عن كارثة حلبجة بعد فيلم " رياح الموت". ويظهر المخرج في الفيلم الأخير برفقة كريستين جوسدين - أستاذة الطب الوراثي Genetics Medicine في جامعة ليفربول، التي أجرت في حلبجة أبحاثاً اولية حول اَثار القصف الكيمياوي على الذين أصيبوا فيه مباشرة وعلى أبنائهم.

أبحاث ميدانية متأخرة
    أعلنت البرفسورة كريستين جوسدين إن ما وجدته في حلبجة، بعد 10 سنوات من إستخدام السلاح الكيمياوي ضد سكانها، كان أسوأ بكثير مما كانت تتصوره.وهي بحكم معرفتها وخبرتها كانت تتصور أنها ستلاحظ على بعض السكان أشكالاً من السرطانات والتشوهات الخلقية والعقم والعمى والتلف العصبي، وقد وجدت كل هذا في حلبجة، وفي حالات أكثر خطورة، وأوسع نطاقاً مما كانت تعتقد.وإستطردت:عملنا مع الأطباء، وأجرينا تحديداً لنسبة حالات العقم والتشوهات الخلقية والسرطان، بما في ذلك سرطانات الجلد، والرأس، والعنق، والجهاز التنفسي، والصدر، وسرطانات الأجنة، لدى سكان المدينة، الذين كانوا فيها يوم الهجوم ، وقارناها مع سكان مدينة أخرى في المنطقة.فوجدنا ان هذه النسبة تفوق بـ3-4 أضعاف على الأقل لديهم حتى بعد 10 سنوات على الهجوم.

ولاحظت الباحثة ان عدداً من أطفال حلبجة يموتون كل عام متأثرين بأمراض سرطان الدم (لوكيميا) وأورام الغدد اللمفاوية.وأن نسبة إصابة الأطفال والشباب بالسرطانات أعلى مما في أي مكان اَخر في العالم.وأضافت ان مما يزيد الأمر سوءاً هو النقص الكبير في وسائل الجراحة الخاصة بأمراض الأطفال لمعالجة العلل القلبية الخطيرة وتشققات الشفتين واللثة والتشوهات الخلقية الخطيرة الأخرى لدى الأطفال، ما يعني ان الكثيرين منهم يموتون بينما كان بالإمكان إنقاذ حياتهم.

   وأشارت العالمة الى الآثار النفسية والعصبية للهجوم على حلبجة بالسلاح الكيمياوي،فقالت: تواجهك المحنة الإنسانية هنا في كل شارع وبيت وردهة في المستشفى.أشخاص ينتحبون ويشعرون بضيق نفسي شديد بسبب ما يعانون من كاَبة حادة، وتكون محاولات الإنتحار بشكل مرعب.

   وإستنتجت البرفسورة جوسدين من أبحاثها ان التشوهات الخلقية والأعراض المرضية الخطيرة، التي ولدت مع الأطفال، الذين جاءوا الى الحياة بعد سنوات عديدة من الهجوم الكيمياوي، تشير الى ان هذه الآثار تنتقل الى الأجيال اللاحقة.والكثير من أطفال حلبجة الصغار يعانون من مشاكل في التنفس، وفي البصر، وفي الجلد، ومن سرطانات وتشوهات خلقية وعاهات وإضطرابات عصبية، وتخلف عقلي،وشلل دماغي. وأضافت: ان هذه السلسلة الواسعة من الأعراض المرضية يمكن عزوها الى التلف طويل الأمد للحامض النووي منقوص الأوكسجين DNA للذين أصيبوا في حلبجة ولأبنائهم.[16]

    وأكد هذه الإستنتاجات البرفسور حسين الشهرستاني، بعد 3 أعوام، عند زيارته لمدينة حلبجة، حيث التقى بمن تبقى من الأحياء هناك، وقد رووا له لحظات القصف العصيبة. فقال له أحدهم ان الطائرات العراقية عندما بدأت تقصف المدينة اختبأ الجميع في الملاجئ والسراديب، ثم تنفسوا رائحة تشبه رائحة التفاح. وهذا يشير الى ان النظام العراقي تعمد صنع رائحة تشبه رائحة التفاح لاغراء الناس على تنفسها ولطمأنتهم الى انها غير ضارة.وأوضح الشهرستاني لكون هذه الغازات ثقيلة فهي تنزل الى الأعماق والمناطق المنخفضة وهكذا قتلت الأبرياء الذين لاذوا بالسراديب اضافة الى من قتلتهم فوق سطح الأرض والذين كانوا في طريقهم للفرار من المدينة.وأضاف: كانت القوات الايرانية قريبة (حلبجة مدينة حدودية بين العراق وايران) وقد تمكنت هذه القوات من انقاذ البعض ونقلهم الى الوحدات الطبية والمستشفيات القريبة.وقال: نحن اليوم نتحدث بعد 13 عاماً على الحادث وهناك من أهالي المدينة الذين بقوا على قيد الحياة ظهرت عليهم أعراض صحية سلبية، فالرجال أصيبوا بالعقم. أما النساء فيعانين من حالات الاسقاط، كما ظهرت حالات تشوه خلقي في المواليد الجدد وأنواع من مرض السرطان لم تكن معروفة في تلك المناطق. ان التأثيرات الصحية السلبية لم تظهر فقط على الذين تلقوا الضربة بشكل مباشر، بل ستظهر هذه الأعراض حتى على الأجيال المقبلة [17].

مجرمو حرب ومجرمون بحق الجنس البشري العراقي
    في بحث أكاديمي قيم، إ ستند فيه البرفسور منذر الفضل الى إتفاقية منع إبادة الاجناس البشرية والمعاقبة عليها لعام 1946، وعلى احكام الجريمة المذكورة، وتعريف الإبادة (التي يقصد بها التدمير المتعمد للجماعات القومية او العرقية او الدينية او الاثنية)، وما يراد بكلمة او مصطلح genocide  في اللغة اللاتينية ( قتل الجماعة) ، وبالإشارة الى اقتران اسم وشيوع مصطلح "جريمة الابادة" مع النازية اولا، حيث جرى قتل ملايين البشر بسبب دينهم او اصلهم العرقي، وأعتبار الجريمة من نمط الجرائم ضد الانسانية، حتى ولو لم تكن الجريمة اخلالا بالقانون الداخلي للانظمة المنفذة لها..

    ووفقاً لنص المادة الثانية من الاتفاقية المذكورة :" في هذه الاتفاقية تعني الابادة الجماعية ايا من الافعال التالية: المرتكبة عن قصد التدمير الكلي او الجزئي لجماعة قومية او اثنية او عنصرية او دينية , بصفتها هذه: قتل اعضاء من الجماعة. الحاق اذى جسدي او روحي خطير باعضاء من الجماعة. اخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا او جزئيا. فرض تدابير تستهدف الحؤول دون انجاب الاطفال داخل الجماعة. نقل اطفال من الجماعة عنوة الى جماعة اخرى"، وهي افعال اجرامية يعاقب عليها القانون، سواء من خلال الابادة فعليا، او بالتامر على ارتكاب الابادة الجماعية، او التحريض المباشر والعلني على ارتكابها، او في محاولة ارتكابها، او الاشتراك فيها، تعرض للمسؤولية القانونية اي شخص كان حتى ولو كان مسؤولا دستوريا، او موظفين عامين، او افرادا،ولا تسقط هذه الجريمة  بمرور الزمان..

   وتوضيحاً لكيفية حصول قتل الجماعات، طرقه ووسائله، ومنها:

-الابادة الجسدية، وتتمثل في قتل الجماعات بالغازات السامة، او الاعدام، او الدفن وهم احياء، او القصف بالطائرات او الصواريخ، او باي وسيلة اخرى تزهق الروح، وهو ما حصل مع مئات الالوف من المواطنين في جنوب العراق اثناء الانتفاضة وخلالها في اذار ونيسان وما بعدها عام 1991 ، بدون محاكمة، وفي سجن ابو غريب ببغداد، وهو مما ينطبق علية وصف الجريمة الدولية في ابادة الجنس البشري، وقد جاءت هذه الجريمة ضمن حملة ما يسمى بـ ( تنظيف السجون ).

-الابادة البايولوجية، وتتمثل بطرق تعقيم الرجال، او اجهاض النساء وبوسائل مختلفة، بهدف القضاء على العنصر البشري( الفقرة د- من المادة الثانية ) من اتفاقية منع ابادة الاجناس والمعاقبة عليها، الخ…

أثبت البرفسور الفضل، بما لايقبل أدنى شك، ان الطغمة الحاكمة في العراق إقترفت جرائم إبادة جماعية، وجرائم حرب دولية ضد الجنس البشري في العراق.

    وسرد الباحث نماذج من جرائم الحرب الدولية المرتكبة في العراق، مثل:

-     جريمة إبادة الجنس البشري genocide ، التي تعتبر من اخطر الجرائم الدولية التي ارتكبت في جنوب العراق، وضد الشعب الكردي في كردستان العراق، من خلال تطهير العرق الكردي جغرافيا, أي من المناطق الكردية, والإبادة الثقافية وفي  سياسة تعريب الكرد.

-          من خلال استعمال السلاح الكيماوي ضد الكرد، و ضد العرب في جنوب العراق وفي الاهوار.وقد حصل ذلك في الأعوام  1988 و في 1991.

-          ضرب الأهداف المدنية بالصواريخ و الطائرات أو من خلال القصف المدفعي كما حصل مع القرى الكردية الآمنة[18] ..

 

للمجرمين شركاء..!
    :تنطوي تجربة الشعب العراقي مع إستخدام النظام للأسلحة الكيمياوية في مدينة حلبجة في اَذار 1988 على حقيقة مرة، إذ ظلت الدوائر الغربية ترفض-كما يؤكد الكاتب أحمد بشير- إدانة صدام وأسرته الحاكمة رغم علمها باسبخدام النظام لأسلحة كيمياوية في قتل نحو 5 اَلاف مواطن عراقي، لكنها فضلت الصمت، وحاولت رمي التهمة على إيران ولم تفلح. وكان يعنيها في ذلك الوقت ان يخرج نظام صدام من الحرب العراقية-الأيرانية دون خسائر كبيرة، وبالتالي تم سحق العراقيين بهذه الذريعة، وخاصة من قبل فرنسا، التي إشتركت مع ألمانيا وغيرها من العواصم الغربية، في إمداد النظام بالأمكانيات الكيمياوية والبايولوجية[19].

  والحق إن القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، الذي اقترفته السلطة الدكتاتورية في العراق" يعد جريمة  يندى لها جبين التاريخ، وتعد وشم عار على جباه الديموقراطيات الغربية التي تتغنى بحقوق الانسان بينما تطلق العنان للانظمة الدكتاتورية التي تخدم مصالحها لتنفيذ جرائم ومذابح وحشية بحق الابرياء مستخدمة الاسلحة التي تتنتجها مصانع دولها، التي لم تكن غافلة بالجرائم والسياسات اللانسانية، فحسب، وانما كانت تساهم مساهمة مباشرة في ترسيخ كيان تلك الانظمة الدكتاتورية وامدادها بشتي انواع وسائل القمع والابادة والتدمير لتلك الاغراض. فحري بكل انسان حر ان يستذكر تلك الجريمة الوحشية ويساهم في تعرية تلك السياسات التي تجري ضد الانسانية في سوق مزايدات السياسة الدولية" [20].

  حيال ذلك الواقع،إعتبر السناتور الأميركي كابيون بيل-رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي،اَنذاك: " إن عدم إقدام الكونجرس على إتخاذ إجراء ضد النظام العراقي لإستخدامه الغازات السامة والأسلحة الكيمياوية ضد المواطنين العراقيين والمعارضة، هو أشبه بمأساة" [21]..

     ويذكر أن الإدارة الأمريكية لم  "تتكرم " بإدانة الجريمة البشعة إلا بعد مرور 10 سنوات عليها.عندئذ أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية،لأول مرة، بياناً نددت فيه بقصف الطائرات الحربية العراقية الغاشم لمدينة حلبجة.وأكدت فيه ان سكان هذه المدينة الضحية ما زالوا يعانون من مشاكل صحية خطيرة بسبب ذلك الهجوم، مؤيدة بذلك نتائج البحث الميداني الذي أجرته الأستاذة الجامعية البريطانية كريستين جوسدين.وجاء في البيان: إن سكان حلبجة يعانون من معدلات أكبر كثيراً من المتوسط للإصابة بالسرطان وأمراض خطيرة أخرى وتشوهات المواليد وحالات الإجهاض.وأفاد  بيان الوزارة الذي قرأه المتحدث الرسمي بإسمها اَنذاك جيمس روبن أنه بين عامي 1983 و 1988 قتل أيضاً ما يقدر بنحو 20 ألف جندي إيراني في هجمات كيمياوية أخرى شنها العراق.

    ولا غرابة في ذلك، فالولايات المتحدة كانت قد دعمت العراق في حربه ضد إيران،ولذا رفضت إتهام الحكومة العراقية بإستخدام الأسلحة الكيمياوية، سواء ضد القوات الإيرانية،أو ضد سكان مدينة حلبجة وغيرهم. .وبرر مسؤولون في حكومة رونالد ريغان ذلك بـ" عدم وجود" أدلة تثبت مسؤولية بغداد عن إستخدام تلك الأسلحة، رغم أن منظمات إغاثة دولية، ووسائل إعلام أمريكية وبريطانية، نشرت تقارير مفصلة، وقدمت أدلة واضحة عن الكارثة.

لنعمل معاً !

    في هذه الذكرى الأليمة، ذكرى مأساة حلبجة، وجه مركز حلبجة لمناهضة انفلة وابادة الشعب الكردي CHAK رسالة الى السيد كوفي انان الامين العام للامم المتحدة، والى جميع الاحزاب السياسية، والجمعيات الثقافية في العالم، والى جميع الحكومات والبرلمانات في دول العالم، دعاهم فيها الى العمل معاً من اجل اعتبار 16 مارس يوما عالميا لمنع الاسلحة الكيمياوية،لاجل جلب انظار العالم الى جريمة القصف الكيمياوي التي تعرض لها الشعب الكردي في حلبجة من قبل النظام الدكتاتوري، ولمنع تكرار تلك الجرائم، في اي مكان في العالم. وأعلن المركز عن قيامه بحملة جمع تواقيع على نص الرسالة، اَملاً التوقيع عليها الكترونيا:

http://www.petitiononline.com/Halabja/petition.html

    إن أقل ما ينبغي- بتقديرنا- ان نقوم به كعراقيين لذكرى الضحايا الأبرياء هو التوقيع على الرسالة، وحث الآخرين على ذلك، في حملة واسعة. وأن نعمل جميعاً، مع كل الخيرين في العالم، لمنع إستخدام أي نوع من أسلحة الدمار الشمل في الحرب الأمريكية الوشيكة على العراق، ولا في أي حرب أخرى، من قبل أي كان، وحيثما وجد !  

                                                                                   16 / 3/ 2003

 

 


--------------------------------------------------------------------------------

[1] - معد فياض،عالم الذرة العراقي حسين الشهرستاني لـ«الشرق الأوسط»: حلبجة الكردية قصفت بـ3 أنواع من الغازات السامة،في 19/3/2001

[2] - د.علي حنوش، ملف "البيئة في العراق"،أسلحة الدمار الشامل والتلوث البيئي،"المؤتمر"، العدد 174، في 25/10/1996.

[3] - د.علي حنوش - المصدر نفسه

[4] - د. جبار قادر، الأنفال: تجسيد لسيادة الفكر الشمولي والعنف والقسوة، مداخلة قدمت في سمينار نظمته جمعية التقدميين الكوردستانيين في لاهاي ( دنهاغ ) بهولندا ربيع عام 2001 .

[5] - زودنا بها " دليل المواقع العراقية" الإنترنيتي  http://www.geocities.com/iraqisitesguide/

 

 

[6] - معد فياض،عالم الذرة العراقي حسين الشهرستاني لـ«الشرق الأوسط»: حلبجة الكردية قصفت بـ3 أنواع من الغازات السامة،في 19/3/2001

[7] - عدنان حسين، تقرير إخباري: 10 سنوات على قصف حلبجة الكردية العراقية بالغازات السامة:أمراض الأسلحة الكيمياوية تنتقل من جيل الى اَخر،" الشرق الأوسط"، في  17/3/1998.
[8] - جمال حميد، قراءة بيئية في مذبحة حلبجة،" الشرق الأوسط"-فاتني للأسف ان أدون العدد وتأريخه 
[9] -راجع: جاسم ولائي، نتائج واَثار إستخدام النظام اللعراقي للسلاح الكيمياوي،"الثورة" السورية،في 10/2/1990
[10] -كارل فيك-قوبتبه (كردستان العراق): أكراد العراق يتوقون للمشاركة في الحرب ضد صدام للانتقام لمئات الآلاف من ضحاياهم،خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط، في 21/2/2003

[11] - عدنان حسين، تقرير إخباري: 10 سنوات على قصف حلبجة الكردية العراقية بالغازات السامة:أمراض الأسلحة الكيمياوية تنتقل من جيل الى اَخر،" الشرق الأوسط"، في  17/3/1998.
 
[12] - كارل فيك-قوبتبه (كردستان العراق): أكراد العراق يتوقون للمشاركة في الحرب ضد صدام للانتقام لمئات الآلاف من ضحاياهم،خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط، في 21/2/2003

[13] -"رسالة العراق"،إدانة شاملة لحرب الإبادة الشوفينية في كردستان العراق، العدد 94، تشرين الأول 1988

[14] -جاسم ولائي، نتائج واَثار إستخدام النظام اللعراقي للسلاح الكيمياوي،"الثورة" السورية،في 10/2/1990
[15] - عدنان حسين، تقرير إخباري: 10 سنوات على قصف حلبجة الكردية العراقية بالغازات السامة:أمراض الأسلحة الكيمياوية تنتقل من جيل الى اَخر،" الشرق الأوسط"، في  17/3/1998.
 
[16] - المصدر نفسه.

[17] - معد فياض،عالم الذرة العراقي حسين الشهرستاني لـ«الشرق الأوسط»: حلبجة الكردية قصفت بـ3 أنواع من الغازات السامة،في 19/3/2001

[18] - د.منذر الفضل،إبادة الجنس البشري والجرائم الدولية في كردستان وجنوب العراق، بحث قدم الى المؤتمر العلمي عن ابادة الجنس البشري في العراق، انعقد في جامعة لندن، في 26/7/2002
[19] -أحمد بشير،أسلحة محرمة دولياً إستخدمها النظام ضد شعبنا،"بغداد"، العدد 302،في 18/10/1996.

[20] -صلاح حسين كرميان/ سيدني،القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة  جريمة،بين سياسات الامس واليوم، نشرت على الإنترنيت.
[21] -"رسالة العراق"،إدانة شاملة لحرب الإبادة الشوفينية في كردستان العراق، العدد 94، تشرين الأول 1988

 



#كاظم_المقدادي (هاشتاغ)       Al-muqdadi_Kadhim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للحقيقة والتأريخ وفاءاً لذكرى شهيد الشعب والوطن وصفي طاهر ور ...
- الحرب الأمريكية القادمة لن تجلب للعراقيين سوى الكوارث والمحن ...
- وكالات الأمم المتحدة المتخصصة وضحايا سلاح اليورانيوم المنضب ...
- وكالات الأمم المتحدة المتخصصة وضحايا سلاح اليورانيوم المنضب ...
- وكالات الأمم المتحدة المتخصصة وضحايا سلاح اليورانيوم المنضب ...
- وكالات الأمم المتحدة المتخصصة وضحايا سلاح اليورانيوم المنض ...
- وكالات الأمم المتحدة المتخصصة وضحايا اليورانيوم المنضب - الق ...
- صحيفة إستبيان لبحث علمي خاصة بالعراقيين
- مبروك لدعاة الحرب !!!
- لمصلحة من تشويه المواقف والحقائق ؟!
- - مبروك - عليكم جرائم البرابرة !!
- إدارة بوش وضحايا الحروب ومحكمة الجنايات الدولية
- كلام الناس والتدخين
- ضربة موجعة لوزارة الدفاع البريطانية والبنتاغون
- النظام العالمي الجديد" وأطفال العالم . . حصاد مر
- الكشف عن تأثيرات اليورانيوم الناضب مهمة إنسانية آنية ملحة !


المزيد.....




- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...
- واشنطن تريد -رؤية تقدم ملموس- في -الأونروا- قبل استئناف تموي ...
- مبعوث أمريكي: خطر المجاعة شديد جدا في غزة خصوصا في الشمال
- بوريل يرحب بتقرير خبراء الأمم المتحدة حول الاتهامات الإسرائي ...
- صحيفة: سلطات فنلندا تؤجل إعداد مشروع القانون حول ترحيل المها ...
- إعادة اعتقال أحد أكثر المجرمين المطلوبين في الإكوادور
- اعتقال نائب وزير الدفاع الروسي للاشتباه في تقاضيه رشوة
- مفوض الأونروا يتحدث للجزيرة عن تقرير لجنة التحقيق وأسباب است ...
- الأردن يحذر من تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين على أراضي ...
- إعدام مُعلمة وابنها الطبيب.. تفاصيل حكاية كتبت برصاص إسرائيل ...


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - كاظم المقدادي - خامسة عشر عاماً على كارثة حلبجه.. والخطر ماثل