أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عبيد - الحطيئة .. فاجعة الحقيقة















المزيد.....

الحطيئة .. فاجعة الحقيقة


كريم عبيد

الحوار المتمدن-العدد: 5976 - 2018 / 8 / 27 - 03:24
المحور: الادب والفن
    


لاشكّ أنّ الهجاء يستدعي العنف في ثناياه , كما يستدعي السخرية التي تثير الضحك من الآخر المهجوّ , فكيف إذا كان هذا الآخر المهجوّ هو الذات عينها ..
" أن نسخر من سوانا , هو أن نغيّب حقيقتنا , كمادة للسخرية " ( 1 )
أمّا أن نسخر من أنفسنا , فهو تغييب للآخر / الآخرين وجوديا ً , ومعرفيا ً , ومن ثمَّ , فإنه احتجاج ضمنيّ على استلاب يعيشه الشاعر , ضمن مجموعة من القيم التي يرفضها ,
ويعيش معها صراعا ً عجز الآخرون عن التعبير عنها بصدق , فتصبح السخرية من الذات سخرية من الآخر , تغدو معه دونية الأنا سموا ً , وسموُّ الآخر / المنافق العاجز عن قول الحقيقة دونية ً ...
ويصبح الشاعر بهذا المعنى مرآة معكوسة , تظهر فيها بشاعة الآخر الذي يضحك منا , وفي الحقيقة : إنه يضحك من نفسه ..
وفي ضوء هذا التمهيد , يمكن أن نقرأ بيتي الحطيئة في هجاء نفسه حيث يقول : ( 2 )
- أبتْ شـــــفتاي اليومَ إلا تكلما بشرٍّ فما أدري لمن أنا قائلهْ
- أرى ليَ وجها ً شوّهَ الله خلقـَه فقبِّحَ من وجــهٍ وقبِّحَ حاملهْ
إنّ هذا الكلام , وإن كان موجّها ً للذات , فإنه يكسر كلّ حدودها , وينفلت من عقاله , ليجتاح العالم بأكمله , ويفتح أبواب الغياب , ليتوغّل أكثر فأكثر في أعماق النفس المنكسرة ..
إنّه يجرّد نفسه من حضورها المنتـَهك , هو المقموع , المنبوذ , من واقع لا يتقبّله , ولا يرضى به , ولذلك فهو يصبّ جام غضبه على صورته , هذه التي تغدو بحال من الأحوال صورة للعالم كله.
إنّه يهتك كلّ مقدّس , ويتمرّد على كلّ سلطةٍ , ويصدم المتلقي في ذاكرته القيَمية التي تأسّست عبور عصور مديدة , والتي تعلي من شأن الجمال الإنساني , فيرى في القبح
وسيلة للسخرية من كلّ قانون أخلاقي , ودينيّ , فلا يعود لقوله تعالى " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " ( 3 ) أية قيمة تذكر في عرف الحطيئة .
إنّ وجهه المشوّه يفقد قيمته الحقيقة , ليأخذ قيمة رمزيّة أسطورية , يصبح معها أشبه بالشيطان المنبوذ , الذي يخشاه البشر لقبحه وبشاعته , هذا الشيطان الذي يقف ساخرا ً من خالقه , متحدياً له ,
ليصبح هو الحقيقة التي يخشى الآخرون ذكرها , أو رؤية حقيقتها .
وبالموازنة مع قول الشاعر الصوفيّ ابن الفارض : ( 4 )
وأنظرُ في مرآةِ حُسنِي كي أَرى جمالَ وجودي في شُهوديَ طلعَتِي
تتجلـّى حقيقة الرؤية من منظار آخر , لا يقلّ غيابا ً وألما ً عن الحطيئة ..
فالبصر عند ابن الفارض عين البصيرة , يرى من خلالها جمال الذات الإلهية المتجسّدة في
خلقه : فالألفاظ والتراكيب عنده , تخرج من سياقها المعجمي , لتدخل في سياق الصوفيّ / الرمزيّ : أنظر , مرآة حسني , أرى , جمال وجودي , شهودي , طلعتي ..
إنها حالة الحلول في الكليّ المطلق , ورغبة في نشدان التوحّد مع الذات الإلهية .. إنها أنا متعالية على الواقع , تكسر كلّ حدود المتوقـّع , تلغي حضور الآخر ماديا ً ,
لتدخله في غياب رمزيّ , يحقـّق المتصوّف , من خلاله , معادلة الكلّ في الأنا , والأنا في الكلّ .
بينما أنا الحطيئة مقموعة , مقهورة , منبوذة تنشد الانفصال عن الآخر / الجميل , وتصدمه في عمق وحدته الرمزية . إنها الأنا التي لا تخفي الحقيقة , ولا تغيّبها ,
وبذلك يظهر الآخر ببعده الواقعي , من خلال هذه الأنا الرمزيّة التي يصطنعها الحطيئة لنفسه .
كلاهما : الحطيئة وابن الفارض يحرثان في الأرض نفسها , وجهان لعملة واحدة , لا يصحّ وجود أحدها دون الآخر .
رأى القدماء في بيتي الحطيئة مجرّد تفريغ نفسيّ , وقلقٍ يعيشه الشاعر الهجّاء , لأسباب كثيرة : نسبه المضطرب , فقره المدقع , وشكله القميء المزري ...
وقد نقل القصة أبو الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني : ( 5 ) " أخبرنا ابن دريد قال حدثنا أبو حاتم قال قال أبو عبيدة: كان الحطيئة بذيا ً هجَّاءً، فالتمس ذات يوم إنساناً يهجوه فلم يجده، وضاق عليه ذلك فأنشأ يقول :
أبتْ شفتاي اليوم إلا تكلماً بشرٍّ فما أدري لمن أنا قائله
وجعل يدهور هذا البيت في أشداقه ولا يرى إنساناً ، إذ اطلع في رَكيٍّ أو حوض فرأى وجهه
فقال :
أرى لي وجها ً شوّه الله خلقه فقبّح من وجهٍ وقبح حامله
وإذا كان هذا العرض البسيط يكشف جانبا ً مهما ً في سبب قول الشاعر لبيتيه , فإنه لا يكشف عن النسق الثقافي الحقيقي , وما تخفـّى خلف كلمات البيت من أبعاد مفتوحة الدلالات .
ومن الغريب أنّ كلّ من تناول هذين البيتين اكتفى برواية أبي عبيدة دون إضافات تذكر, إلا ما ذكره أبو العلاء المعري في رسالة الغفران يقول : " فيذهب , عرّفه الله الغبطة في كلّ سبيل ,
فإذا هو ببيتٍ في أقصى الجنة، كأنَّه حفش أمةٍ راعيةٍ ، وفيه رجلٌ ليس عليه نور سكّان الجنّة ، وعنده شجرةٌ قميئةٌ ثمرها ليس بزاكٍ . فيقول: يا عبد الله ، لقد رضيت بحقيرٍ شقنٍ . فيقول :
والله ما وصلت إليه إلاَّ بعد هياطٍ ومياطٍ وعرقٍ من شقاءٍ ، وشفاعةٍ من قريشٍ وددت أنّها لم تكن : فيقول : من أنت ؟ فيقول أنا الحطيئة العبسي فيقول : بم وصلت إلى الشّفاعة ؟ فيقول بالصَّدق .
فيقول : في أيِّ شيءٍ ؟ فيقول : في قولي :
أبت شفتاي اليوم إلا تكلـُّمــــاً بهجرٍ، فما أدري لمن أنا قائله
أرى لــي وجهاً شوَّه الله خلقه فقبِّح من وجــــــه وقبِّح حامله
فيقول: ما بال قولك :
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والنّاس
لم يغفر لك به ؟ فيقول : سبقني إلى معناه الصّالحون، ونظمته ولم أعمل به، فحرمت الأجر عليه. فيقول: ما شأن الزبرقان بن بدرٍ؟ فيقول الحطيئة: هو رئيسٌ في الدُّنيا والآخرة، انتفع بهجائي ولم ينتفع غيره بمديحي . ( 6 )
حاول المعري في هذه القصّة , أن يتناول قضية الصدق الفنّي , فقد جعله سببا ً لدخول الحطيئة إلى الجنة بشفاعة قريش , التي لم يرضها الحطيئة إلا على مضض " وددت أنها لم تكن " وهذا إمعانا ً في تأكيد صدق الحطيئة .
ويكشف المعري , من خلال الموازنة التي يعقدها , أنّ هجاء الحطيئة لنفسه كان إبداعا ً لم يسبقه إليه أحد .
ويذهب فرويد أن الإنسان يخفي كلَّ ما يراه مستقبحاً لدى المجتمع , مما يؤدي به إلى الكبت, وهذا بدوره يؤدي إلى المرض النفسي . ولا نذهب إلى أنّ الحطيئة لم يكن مريضا ً نفسيا ً , وهذا أمرٌ مسوّغٌ في عرف التحليل النفسيّ ,
ولكنه استطاع أن يرى ذاته على حقيقتها , دون اعتبار كبير لقيم مجتمعه .
لقد نظر معاصرو الحطيئة إليه نظرة ازدراء واحتقار , وعدوّه شخصا ً شاذا ً خارجا ً على كلّ الأعراف , فتحاشاه الناس لسلاطة لسانه , وبذاءة قوله ,
وليس غريبا ً أن يخصص له عمر بن الخطاب راتبا ً شهريا ً ليقي به أعراض الناس من هجاء الحطيئة . لقد رأى فيه عمر تحديا ً للسلطة , وللقيم الاجتماعية , فاشترى صمته بالمال.
يقول الناقد إبراهيم محمود في سياق آخر : الكلمة أكبر من صاحبها , ولذا تكون محطـَّ تأويلات مختلفة , إنه أشبه بنافخ الصور , فالصور يُوقظ الآخرين هنا بأشكال مختلفة , حيث كلّ كلمة تقترن بحالات ومواقف متمايزة ومتنوعة ,
في ضوء ذلك يكون حامل الصور , الكاتب هنا, هو نفسه تابعا ً مؤولا ً.. ( 7 )
ومن هذا يصبح الحطيئة نافخ صور الحقيقة , في صمت المجتمع الذي لا يعتدّ إلا بالقوة والمال , والقدرة على الظلم . إنّ بيتي الحطيئة نصٌّ يخفي في طياته بحثا ً عن الحقيقة , ويكشف في الآن نفسه
عن طبيعة النفس البشرية القائمة على الظلم , الظلم الذي عبّر عنه غير شاعر :
- يقول زهير بن أبي سلمى : ( 8 )
ومن لا يذدْ عن حوضه بسلاحه يُهدَّم ومن لا يظلم الناسَ يُظلم ِ
- أو المتنبي في قوله : ( 9 )
والظلم من شيم النفوس فإن تجدْ ذا عفَّــــــةٍ فلعلـَّـةٍ لا يظلــــمُ
إنّ رؤية الحطيئة وجهه تتجاوز الرؤية البصرية , لتدخل في الرؤيا المعرفية , ليصبح
الوجه القبيح دلالة على السلطة القبيحة , فوجه القوم سيدهم . إنّ الهمّ الشخصيّ الذي يعيشه الشاعر ( مسألة القبح ) تتجاوز أفقها الضيّق وبعدها النفسيّ , لتنفتح على أبعاد دلالية ثرّة .
إنّ مسألة الدهشة أو المفارقة المضحكة التي يقدّمها الحطيئة هنا , هي عملية امتصاص وتحويل لدلالة الذات , إنّه يجعل من ذاته موضوعا ً, ليثبت لنفسه أنه يراها على حقيقتها ,
من خلال آلية المرآة المتجسدة في الحوض الذي نظر فيه . إنه يخرج من حالة العماء , باكتشاف الصورة , صورتِه , ويوجّه نقده اللاذع إلى الآخر / الخالق , الذي خلقه على هذه الصورة ( فقبّح من وجهٍ وقبّح حامله ) ,
فإذا كان الله قد خلق الإنسان على صورته , أصبح الفعل موجّها ً إلى هذا الخالق .
وما يسوّغ هذا الكلام , أنّ الحطيئة , على الرغم من دخوله الإسلام , ظلّ ضعيف الإيمان , غير مؤمن بهذا الفكر الجديد .. لقد استطاع أن يعي ذاته جيّدا ً . وتظهر وصيّته وهو على فراش الموت ذلك ,
بوضوح لا يحتاج إلى معه إلى شيء . وتردُ القصّة عند الأصفهاني كما يلي : ( 10 )
أخبرني بها محمد بن العباس اليزيدي قال حدثنا أحمد بن يحيى ثعلبٌ قال حدثنا عيينة بن المنهال عن الأصمعي، وأخبرني بها أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة،
وأخبرني إبراهيم بن أيوب عن ابن قتيبة، ونسختها من كتاب محمد بن الليث عن محمد بن عبد الله العبدي عن الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عبد الرحمن ابن أبي عمرة عن أبيه،
وأخبرني الحسين بن يحيى عن حماد بن إسحاق عن أبيه عن أبي عبيدة، وأخبرني هاشم بن محمد الخزاعي قال حدثنا أبو غسان دماذ عن أبي عبيدة قالوا :
لما حضرت الحطيئة الوفاة اجتمع إليه قومه فقالوا : يا أبا مليكة : أوصِ فقال : ويلٌ للشعر من راوية السوء؛ قالوا : أوص رحمك الله يا حطيء؛ قال : من الذي يقول :
إذا أنبضَ الرامون عنها ترنـَّمت ترنـُّم ثكلى أوجعتها الجنائزُ
قالوا : الشماخ ؛ قال : أبلغوا غطفان أنه أشعر العرب ؛ قالوا : ويحك ! أهذه وصيةّ ؟! أوص بم ينفعك ! قال : أبلغوا أهل ضابئٍ أنه شاعرٌ حيث يقول:
لكلِّ جديدٍ لذةٌ غيرَ أنني رأيت جديدَ الموت غيرَ لذيذ
قالوا: أوص ويحك بما ينفعك! قال: أبلغوا أهل امرئ القيس أنه أشعر العرب حيث يقول:
فيا لك من ليلٍ كأن نجومه بكل مُغار الفتل شدَّت بيذبل
قالوا: اتق الله ودع عنك هذا؛ قال: أبلغوا الأنصار أن صاحبهم أشعر العرب حيث يقول:
يَغْشون
حتى ما تهرُّ كلابُهم لا يسألون عن السواد المقبل
قالوا: هذا لا يغني عنك شيئاً، فقل غير ما أنت فيه؛ فقال :
الشعر صعبٌ وطويلٌ ســلمُهْ إذا ارتقى فيه الذي لا يعلمه
زلـَّت به إلى الحضيض قدمُه يريد أن يعربــــــــه فيعجمُه
قالوا: هذا مثل الذي كنت فيه؛ فقال:
قد كنت أحياناً شديد المعتمدْ وكنت ذا غَربٍ على الخصم ألدْ
فوردتْ نفسي وما كادت تردْ
قالوا: يا أبا مليكة، ألك حاجة ؟ قال: لا والله، ولكن أجزع على المديح الجيد يمدح به من
ليس له أهلاً. قالوا: فمن أشعر الناس؟ فأومأ بيده إلى فيه وقال: هذا الحجير إذا طمع في خير (يعني فمه) واستعبر باكياً ؛ فقالوا له : قل لا إله إلا الله؛ فقال:
قالت وفيها حيدةٌ وذعرُ عوذٌ بربي منكمُ وحِجْرُ
فقالوا له: ما تقول في عبيدك وإمائك؟ فقال: هم عبيدٌ قِنٌّ ما عاقب الليل النهار؛ قالوا :فأوص للفقراء بشيء؛ قال: أوصيهم بالإلحاح في المسألة فإنها تجارةٌ لا تبور، واست المسؤول أضيق.
قالوا: فما تقول في مالك ؟ قال: للأنثى من ولدي مثل حظ الذكر؛ قالوا: ليس هكذا قضى الله جلّ وعز لهن؛ قال: لكني هكذا قضيت.
قالوا: فما توصي لليتامى؟ قال: كلوا أموالهم ونيكوا أمهاتهم؛ قالوا: فهل شيء تعهد فيه غيرَ هذا؟ قال: نعم، تحملونني على أتانٍ وتتركونني راكبها حتى أموت فإن الكريم لا يموت على فراشه،
والأتان مركبٌ لم يمت عليه كريمٌ قط؛ فحملوه على أتان وجعلوا يذهبون به ويجيئون عليها حتى مات وهو يقول:
لا أحدٌ ألأم من حطيه هجا بنيه وهجا المريه
من لؤمه مات على فريه
الحطيئة ابن الشعر , حتى وهو على فراش الموت , لا يحضره إلا الشعر والشعراء , ويحاول أن ينصف نفسه , أمام أشعر العرب , ويظلّ صادقا ً أمام مرآة ذاته , وإن كان هذا الصدق منبوذا ً ومرفوضا ً من الآخرين ..
وما أقرب الرؤى البنيوية الحديثة في فهم الذات التي تتحوّل إلى موضوع لذاتها ..
- سواء كان شتراوس وهو يألف الغريب الموسوم عنده بالمتوحش , وهو المتوحش أو الهمجيّ , أو الملفوظ المنبوذ من الذات ذاتها . كما في كتابه ( الفكر البرّي ), أو ( الوحشيّ ), أو (الهمجيّ) ذلك الفكر ,
الذي يثير قصية الإنسان مع نفسه بموازنته بين الجانب العلمي والجانب الأسطوريّ,
وإن كانت المعالجة جاءت إجرائية ومنمذجة مسبقا ً – فالأوربيّ عند ( ك . ل . شتراوس ) قد امتلك العالم معرفيا ً , إنه ( برومثيوس ) الكونيّ , ولكنه جهل وتجاهل أهمّ ما كان يجب عليه إدراكه واستيعابه هو وعي الذات ,
الذات المغيّبة التي صارت عنده اللوح المحفوظ , وهي في جوهرها صارت على أكثر من صعيد ( صندوق باندورا ) المملوء بالمصائب , كذلك يتـّضح عند ميشيل فوكو , وهو يتحدّث عن الخطاب ( العلة القاتلة ) ,
ذلك الشيء الذي يظلّ عصيّا ً على المعرفة رغم تقنيات العلم الهائلة , في أركولوجيا المعرفة , وهو يقابل ( ذلك الشيء في ذاته ) الملغز عند كانط .. وكذلك عند جاك دريدا وهو يبحث عن الاختلاف , عن المغايرة ,
من خلال الأثر, ليؤكد حالة العجز في الوعي الإنساني , عن استيعاب ذاته , ويرفض الاستقرار الذي يقابل الموت تماما ً .. ( 11 )
وأخيرا ً يمكن القول :
إنّ النسق الثقافي الذي يتكشـَّف في شعر الحطيئة عموما ً , وفي البيتين المذكورين خصوصا ً , سيظلّ يفتح أبوابا ً من الأسئلة المحظورة في الثقافة العربية على امتداد العصور , تستدعي منا إعادة قراءة هذا التراث الثرّ ,
الذي غيّبته القراءات المسطـَّحة , التي لا ترى في الشعر إلا ما يعلي من شأن الأنا في حضرة الآخر , لتصبح ذاتا ً متورّمة متضخّمة , أشبه بصور الكاريكاتور المضحكة , ويغدو معها قول عمر بن كلثوم :
إذا بلغ الفطامَ لنا صبيٌّ تخرُّ له الجبابر ساجدينا
عنوانا ً عريضا ً لعصور مديدة , ما زلنا نجني ثمارها السامّة حتى الآن , ونغمض أعيننا , ونحن نقف على مزبلة التاريخ , ونصمّ آذاننا , ونحن نسمع صوت انهيارنا , ونسدّ أنوفنا , ونحن نشمّ رائحة غبائنا المتفحّل حدّ الفاجعة ..
* * *



#كريم_عبيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريم عبيد - الحطيئة .. فاجعة الحقيقة