أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عبد الشفيع عيسى - طه حسين والفكر العربي المعاصر: الأدب والتغير الاجتماعي













المزيد.....

طه حسين والفكر العربي المعاصر: الأدب والتغير الاجتماعي


محمد عبد الشفيع عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 5975 - 2018 / 8 / 26 - 23:10
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


لا يكاد الحديث ينتهى عن طه حسين حتى يتجدد مرة أخرى. ولعلها ظاهرة ينفرد بها هذا العلم من بين رواد النهضة الفكرية العربية المعاصرة. وقد تراوحت التقويمات لفكر وحياة طه حسين بين ما يشبه " التخوين "، وما يشبه "التقديس ". فما أشد حاجتنا إلى دراسة موضوعية منصفة بين ما لطه حسين وما عليه، على أن ينهض بها، ضمن مشروع شامل لدراسة الفكر العربي المعاصر، فريق من الباحثين يتمتع بالتكامل في التخصصات والدأب فى التوفر على مصادر البحث.
والصفحات التى نقدمها اليوم هى مجرد محاولة فردية فى هذا السبيل. وهدفها استشراف الأثر الرئيسي لطه حسين فى فكرنا العربي المعاصر بالعرض والتقييم، مع تركيز خاص على علاقة الأدب بالتغير الاجتماعي.
وليست الموضوعية حيادًا مجردًا بين الحق والباطل، كما أنها ليست "طوطما " يحجب الحقيقة، وإنما هي تجرد وحرية، ومن ثم فهى تسمح فى النهاية بتبنى موقف محدد، شريطة أن يتم التوصل إليه بالتجرد من أسر الهوى وبالحرية من الخضوع لأى سلطان.
ومن هنا فقد رأينا أن من حقنا أن نقرر وجهة نظرنا منذ البدء وأن ننازع دونها، وهى أن طه حسين قد مارس تأثيرًا إيجابيًا بالغ العمق فى تطور الفكر العربي الحديث، بما فيه تأثيره في المنظور الاجتماعي للدراسة الأدبية.
والصفحات التالية هى إجابة على التساؤل الكبير: ما هو جوهر هذا التأثير على وجه التحديد؟
وفى رأينا أن جوهر هذا التأثير- وإن شئت فقل جوهر الإسهام الرئيسي لطه حسين فى تاريخ نهضتنا الفكرية المعاصرة- هو فى الدعوة إلى اتباع طريقة " العلم الحديث " فى الفكر والحياة. وليس هذا بالأمر المستغرب. ذلك أن مسيرة النضال الوطني الديموقراطي لشعبنا العربي فى مصر منذ يقظته ضد الحملة الفرنسية وحتى تفجر ثورة 1919 قد أكدت أن السلاح الرئيسي لهذا النضال ذو حدين: التنظيم والعلم. فالتنظيم يضمن توافر القيادة الطبيعية الواعية للنضال، والعلم يضمن وضوح الرؤية لدى الشعب وقيادته. ولذلك احتل الكفاح فى سبيل العلم موقعًا هامًا ضمن حركة البعث الحضارى.
وقد أدت اليقظة الشعبية فى مطلبها بالاستقلال الوطنى وحكم الشعب إلى تفتح الذهن المصرى لنفض غبار الماضى عن التفكير الاجتماعي عموما، وتهيئة الواقع لاستنبات حياة عقلية جديدة تستطيع أن تمهد لمزيد من المكاسب الوطنية الديقراطية وأن تواكب ما يتحقق من هذه المطالب أولاً بأول.
ولذا نلاحظ، مثلا، أنه فى نفس الوقت الذى تفجرت فيه الثورة العرابية بدأ الشعر العربى يحفر مجرى جديدًا فى التعبير والمعانى، وكانت حقيقة داعية للتآمل أن يكون المسئول العسكرى للثورة العرابية هو شاعر التجديد الأول: محمود سامى البارودى. وكان عبد الله النديم باعتباره "المسئول الفكرى " فى الثورة- إذا صح هذا التعبير- رائدًا من رواد التجديد فى الخطابة والنثر. وكان محمد عبده- أحد رواد الفترة الأولى من هذه الثورة – داعية من دعاة التجديد الإصلاحى فى الفكر الدينى بعد ذلك. وكان لطفى السيد – وهو الداعية التقليدى لشعار"مصر للمصرين"– هو مترجم " السياسة " لأرسطو وصاحب " الجريدة " وأول رئيس للجامعة المصرية الرسمية سنة 1925 . ويجىء طه حسين – تلميذ لطفى السيد فى الجريدة وفى الجامعة وفى حزب الأمة – ليكون رائدًا لمعركة (القديم والجديد) فى الأدب أو معركة (القدماء و المحدثين).
فبذلك تجلت الرابطة الوطيدة بين الإصلاح الوطني الديمقراطي والتجديد الفكرى وبين إدخال طريقة العلم فى البحث الفكرى. وفى غمار هذه الرابطة كان لطه حسين دور يتعين علينا أن نستقصيه.

ماذا قدم طه حسين ؟
إن طه حسين لم يكن علمًا فردًا تحمل عبء اليقظة الفكرية المعاصرة، وإنما هو حلقة رئيسية فى تيار عريض حمل مشعل التجديد .. فأين يكمن إسهامه؟
فى رأينا أن إسهام طه حسين الأكبر يتجلى فى طريقته فى الدراسة العلمية للتاريخ: الأدبى والاجتماعى.
وتنقسم هذه الطريقة إلى شقين:
- شق المنهج Method ونقصد به نسق خطوات البحث العلمى لموضوع الدراسة، أى أنه متعلق بشكل البحث.
- شق المقترب Approach ونقصد به الاتجاه الفكرى الذى تستهدى به الدراسة أى أنه متعلق بمضمون ومتجه البحث.
وتكمن عبقرية طه حسين فى المزج بين هذين الجانبين بطريقة منظمة وفى تطبيقها على دراسة تاريخ الأدب العربى وعلى تاريخ المجتمع الإسلامى الأول. وتتميز هذه العبقرية بقدرتها على التحليل والتركيب: أى على "فك " الموضوع إلى عناصره الأولية وربطها معًا ضمن إطار فكرى متكامل مستند إلى وجهة نظر محددة فى الحياة. وسوف نتتبع الأصول التكوينية لهذه العبقرية باختصار ثم نتناول مضمون مساهمتها فى الفكر العربى، على النحو السابق.



الأصول:
فى مطلع القرن العشرين كان تاريخ الأدب حكرًا على أروقة الأزهر تجتر فيها أكثر الأفكار تقليدية فى مضمار القواعد اللغوية للكتابة شعرًا ونثرًا: من حيث النحو والصرف والبديع والعروض. وقد قدر لطه حسين أن يعايش هذه الطريقة العلمية الحديثة حين انتسب إلى الجامعة الأهلية منذ 1908 و درس على يد المستشرقين الأوربيين و على رأسهم "نيللينو ". وقد منحته الدراسة بالجامعة بالجامعة الأهلية – ارتكازًا إلى ثقافته الأدبية واللغوية أصلاً – القدرة على صياغة رسالته للدكتوراه عن (أبى العلاء) عام 1914. ثم ما لبث أن بُعث إلى فرنسا حيث قدم رسالته الثانية للدكتوراه عن (الفلسفة الاجتماعية لابن خلدون) تحت إشراف دور كايم و جوستاف لوبون.
وهكذا قدر لطه حسين أن يتزود بثقافة علمية راقية: قوامها منهج يرتكز على خطوات البحث العلمى فى اكتشاف مصادر الدراسة التاريخية وتحقيقها وقراءتها، ومقترب قانم على استكناه الأساس الاجتماعى للظواهر. وكانت هذه الثقافة العلمية متفقة مع ما تقتضيه نشأته التى شرحها فى (الأيام) والتى منحته إيمانًا قويًا بأثر الظروف الاجتماعية على نشأة الإنسان وأن(المجتمع أقوى من الحياة ذاتها)، كما كانت متفقة مع حالته الجسمانية(آفة كف البصر) والتى مزجت الدم والدموع بتجربته مع الظروف الاجتماعية.
فلا عجب إذن أن تتفاعل هذه المكونات جميعًا: آفته، نشأته الأسرية، دراسته بالأزهر، دراسته بالجامعة الأهلية ورسالته عن أبى العلاء، دراسته فى أوربا ورسالته عن ابن خلدون، و تتلمذه على دور كايم و جوستاف لوبون. لا عجب أن تتفاعل جميعًا لتصوغ – من خلال جهاده الفكرى الدائم – طريقته العلمية فى الدراسة.
ويتأكد فهمنا لأصول هذه الطريقة العلمية إذا علمنا كيف تفاعلت فى نفس طه حسين المؤثرات الأزهرية الأولى المتمثلة فى العناية "بلغة القرآن" وفى استظهار كتب التاريخ الإسلامى وتمثل منهج أبرز المؤرخين المسلمين والقائم على التحقيق المنهجي الواعى فى ضوء الظروف السائدة حينئذ وخاصة الطبرى والبلاذرى والمسعودى، بدءًا من الشك فى المسلمات وانتهاء بفكرة" الجبر التاريخى" أو الحتمية كما فهمها أبو العلاء. ثم هناك تلك المؤثرات الفكرية المصاحبة لدراسة ابن خلدون فى باريس، بالإضافة إلى تأثر طه حسين بالنزعة الاجتماعية فى فكر سان سيمون وأتباعه . وأخيرًا هناك المؤثرات المرتبطة بدور العقل والعقلانية: ويتمثل ذلك فى دراسة طه حسين لفكر المعتزلة رواد النظر العقلى فى التفكير الفلسفى الإسلامى ودراسته لفكر أرسطو خاصة فى ظل اهتمام أستاذه أحمد لطفى السيد بكتابات المعلم الأول، وكذا إلمامه بمنهج ديكارت فى البحث.

الطريقة الجديدة.. أين؟
كما أسلفنا، فإن أبرز نقاط القوة لدى طه حسين هى طريقته العلمية. وقد تفوق أيما تفوق فى عرض هذه الطريقة وفى الدفاع عنها وفى تطبيقها تطبيقًا متعمقًا على التحليل التاريخى للأدب وللمجتمع الإسلامى الأول.
و عديدة هى المؤلفات التى تركها طه حسين, وكثيرة هى المسائل التى عالجها، ومتنوعة هى الزوايا التى طرق منها المسائل. فقد ترك عشرات المؤلفات، عالج فيها تاريخ الأدب، والتاريخ الإسلامى، والنقد الاجتماعى، ومستقبل الثقافة، والمسرح اليونانى، كما كتب الرواية والسيرة الذاتية. وقد تناول هذه الموضوعات تارة من زاوية الأعلام (أبو العلاء – المتنبى – ابن خلدون – الشيخان أبو بكر وعمر.. إلخ) و تارة أخرى من زاوية دراسة الأحداث( الفتنة الكبرى – على هامش السيرة) أو من زاوية تحقيق النصوص(نقد النثر لقدامة بن جعفر..إلخ).
ورغم هذا التنوع الشديد فإننا نسمح لأنفسنا أن نقول إنه ليس هذا التراث جميعه موضعًا لعبقرية طه حسين، وإنما عبقريته هى فيما أطلقنا عليه"الطريقة العلمية فى الدراسة منهجًا ومقتربًا" وتطبيقاتها. بذلك، وبذلك أولاً، يتفوق طه حسين ويؤكد موقعًا متميزًا له ضمن خارطة النهضة الفكرية العربية المعاصرة.
ولعل المقارنة هنا تفيد: فلقد برزت عبقرية العقاد مثلاً فى تحليل النص والشخص: أى فى كل من ممارسة النقد الأدبى بمعناه المحدد (كتاب"الديوان") وعرض السيرة الشخصية(العبقريات)أو فى المزج بينهما من خلال تحليل أعلام التاريخ الأدبى(ابن الرومى.. حياته من شعره): الشخص من واقع النص. وفى رأينا أن مقدرة العقاد فى هذا الجانب تبزّ مقدرة أى مفكر سواه- من أبناء جيله- بمن فى ذلك طه حسين.
وفى المقابل تظهر منطقة الضعف نسبيًا لدى طه حسين فى تصديه للنقد الأدبى بمعناه المحدد، كما في الجزء الثالث من "حديث الأربعاء" ، و القسم الأول من"حافظ وشوقى"، وفي كتاب"من أدبنا المعاصر"). ولنلاحظ مثلاً أن تصدى العقاد لدراسة شعر شوقى فى الديوان( بل وتصدى ميخائيل نعيمة لشوقى فى"الغربال" عام 1922) يفوق فى قوته وتماسكه تناول طه حسين في كتابه (حافظ و شوقى). كما أن تصدى العقاد لدراسة ابن الرومى لاتقارن فى تكاملها أيضًا وعمقها بتصدى طه حسين لدراسة شاعر آخر بعينه كالمتنبى أو حتى أبى العلاء نفسه الذى آثره طه حسين على من سواه وكرس له ثلاثة كتب (تجديد ذكرى أبى العلاء – مع أبى العلاء فى سجنه – صوت أبى العلاء)، كما أن عبقريات العقاد لا يضاهيها(الشيخان).
ولسنا هنا بصدد دراسة مفصلة لهذه الظاهرة فى التفاوت بين طه حسين والعقاد، وإنما يهمنا أن نضع طه حسين حيث يجب أن يوضع: فهو رائد للطريقة العلمية فى شمولها وكليتها. إنه لا يتألق ولا تتبدى عبقريته عندما يتصدى للنص أو للشخص، أى للظاهر والقريب والملموس، ولكن حين يغوص إلى ما وراء النصوص والأشخاص: إلى تحليل الإطار المادى والفكرى لظواهرها. وبما أن عبقرية العقاد تقربه من المنطق الشكلى حيث العلاقات الظاهرة والثابتة بين الظواهر، فإن عبقرية طه حسين تقربه إلى حد كبير من المنطق الجدلى حيث العلاقات المركبة والمتطورة بين الظواهر وحيث الإطار الاجتماعى الكلى الذى يجمعها معًا.
وهكذا كتب طه حسين عن عصر أبى نواس (فى الجزء الثانى من "حديث الأربعاء) والذى جرب فيه طريقته فى التحليل النفسى – الاجتماعى للآثار الأدبية، وكتب طه حسين عن(علىّ وبنيه) ما لم يبلغه العقاد فى (عبقرية الإمام). وتناول طه حسين"فى الأدب الجاهلى" ما يتفوق على شذرات العقاد فى هذا الباب.
وليس فى وسعنا أن نتناول هنا ما خلّفه طه حسين من آثار، تطبيقًا لطريقته العلمية ولكن حسبنا أن نشير، ليس غير، إلى أبرز العلامات فى هذا المضمار.
ونحن نرى أن هذه العلامات تتركز فى معارك ثلاثة و كتب ثلاثة:
1) معركة البحث العلمى فى تاريخ الأدب، مع التطبيق على الشعر الجاهلى: (كتاب"فى الشعر الجاهلى" وصدر عام 1926 ثم أعيد طبعه بعد تعديل طفيف عام 1927 باسم "فى الأدب الجاهلى")
2) معركة الدراسة الاجتماعية للتاريخ الأدبى، مع التطبيق على العصرين الأموى والعباسى(كتاب"حديث الأربعاء" – الجزءان الأول والثانى، 1922).
3) معركة الدراسة العلمية للتاريخ الإسلامى مع التطبيق على فترة عثمان وعلىّ بن أبي طالب (كتاب"الفتنة الكبرى"، وخاصة الجزء الثانى"علىّ وبنوه" والصادر سنة 1953).
هذه فى رأينا أبرز النقاط الفاصلة فى حياة طه حسين الفكرية وأهم المؤلفات الممثلة لها. وفيما يلى نعرض أبرز ما أنجزه طه حسين فى الدوائر الثلاث السابقة، معتمدين فى ذلك على تطبيق جزئى لأسلوب"تحليل المضمون" لكتاباته الممثلة.


اولاً : الدراسة العلمية لتاريخ الآدب
نقطة البداية هنا هى تأكيد طه حسين على ضرورة استقلال تاريخ الأدب عن الأدب، أى على ضرورة نشوء فرع خاص بتاريخ الآداب لايكون أدبًا كله وإنما يكون علمًا وفنًا فى نفس الوقت. ومن المعروف مثلا أن هناك قفزة حدثت بعد ذلك فى النقد الأدبى - وخاصة في عقديْ الستينات والسبعينات وشطر من ثمانينات القرن المنصرم- قوامها التركيز على النص الأدبى نفسه وليس على الفرد صانع النص ولا على المجتمع الذى يحدد الإطار التاريخى للنص: (الاتجاه البنيوى). غير أن الحقيقة مع ذلك أن تقدم النقد الأدبى المعاصر فى الوطن العربى قد اعتمد في بداياته على ما تحقق من استقلال دراسة التاريخ الأدبى عن الأدب وإخضاع هذا التاريخ من ثم لمناهج البحث العلمى، إضافة إلى الذوق الفنى المدرب لناقد الأدب. وهنا موضع الإسهام الأكبر للدكتور طه حسين فى تشييد صرح الدراسة الأدبية والنقد الأدبى العربى المعاصر.
يقول طه حسين أولاً :
(هنا يظهر الفرق بين الأدب وتاريخ الأدب، فالأدب مأثور الكلام. والأديب الذى يعنى بالأدب من حيث هو أدب يستطيع ألا يتجاوز الكلام الجيد نظمًا أو نثرًا، ولكن مؤرخ الأدب لا يستطيع أن يكتفى بمأثور الكلام ولا بهذه العلوم والفنون التي تتصل بمأثور الكلام اتصالاً شديدًا لتمكننا من فهمه وتذوقه، وإنما هو مضطر إلى أن يلم بتاريخ العلوم والفلسفة والفنون الجميلة، وتاريخ الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أيضًا) (1) .
وتأكيدًا لذلك يذكر: (أن الأدب كغيره من العلوم لايمكن أن يوجد و لا أن يثمر إلا إذا اعتمد على علوم من جهة وعلى ثقافة عامة متينة عميقة من جهة أخرى) (2) .
ولكن استقلال التاريخ الأدبى عن الأدب لايعنى انفصالاً كاملاً بينهما: (فإن تاريخ الأدب لايستطيع أن يعتمد على مناهج البحث العملى الخالص وحدها وإنما هو مضطر معها إلى الذوق، هو مضطر معها إلى هذه الملكات الشخصية الفردية التى يجتهد العالم فى أن يتحلل منها، فتاريخ الأدب إذن أدب فى نفسه من جهة وعلم من جهة أخرى. ولكنه لا يستطيع أن يكون علمًا كالعلوم الطبيعية والرياضية لأنه متأثر بهذه الشخصية ولأنه لا يستطيع أن يكون بحثًا موضوعيًا كما يقول أصحاب العلم وإنما هو بحث ذاتىّ من وجوه كثيرة.هو إذن شىء وسط بين العلم الخالص ووالأدب الخالص وفيه موضوعية العلم وذاتية الأدب) (3) .

بذلك أكد طه حسين على:
• استقلال الدراسة الأدبية.
• العلم والذوق الفنى هما أساس الدراسة الأدبية تاريخيًا ونقديًا.
ويتقدم طه حسين خطوة أخرى ليحدد المقياس اللازم لدراسة التاريخ والنقد الأدبى والذى ينسجم مع استقلال الدراسة الأدبية ومع تمازج العلم والذوق. ويستعرض بدايةً مختلف المقاييس التي يطرحها مؤرخو الأدب : المقياس السياسى الذى يربط العصور الأدبية بعصور السياسة، والمقياس العلمى البحت الذى يجعل دراسة الأدب ضربًا من دراسة الطبيعيات أو الحيويات أو النفس، ثم أخيرًا المقياس الأدبى، وهو الذى يتبناه طه حسين ويعتبره أكثر المقاييس ملاءمة لطبيعة الآداب. وهنا يقول:
[ إن تاريخ الآداب يجب أن يجتنب الإغراق فى العلم كما يجب أن يجتنب الإغراق فى الفن، وأن يتخذ بين الأمرين سبيلاً وسطًا. ولنلاحظ قبل كل شىء أن مؤرخ الأدب لا يستطيع أن يستغنى عن طائفة من العلوم الصرفة التى لا أثر فيها للفن. فهو مضطر مثلاً إلى أن يتقن فقه اللغة. وليس فقه اللغة من الفنون وليس للذوق الشخصى والهوى الشخصى أثر فيه وإنما هو علم له أصوله وقوانينه ومناهجه. وهو مضطر أيضًا إلى أن يتقن علوم النحو والصرف والبيان والتاريخ، وإلى أن يتقن بنوع خاص مناهج هذه العلوم كلها، ثم هو مضطر فوق هذا كله إلى أن يتقن مناهج البحث الأدبى نفسها فيعرف كيف يستكشف النص الأدبى، فإذا استكشفه فكيف يقرأه، فإذا فرغ من هذا كله فقد فرغ من عمليةالإعداد ووصل إلى عمله الأدبى الصرف الذى يظهر فيه ذوقه وتتجلى فيه شخصيته ] (1) .

ثم يضيف طه حسين:
[ فأنت ترى أن تاريخ الآداب منقسم بطبعه إلى هذين القسمين: القسم العلمى والقسم الفنى.. ولكن هذين القسمين ليسا متمايزين: فليس الكتاب من كتب التاريخ ينقسم إلى جزءين أحدهما علمى والآخر فنىّ، وإنما الحقيقة الواقعة أن القسم العلمى الخالص يستقل فى كثير من الأحيان] (2) .
...[ و أخيرًا يستقل هذا النحو العلمى من حيث هو ويعرض له العلماء ،ولكن مؤرخ االآداب يشغله ويستثمر نتائجه ويضيف إليه جهده العلمى الخاص وجهده الفنى الخاص أيضًا. ومن هذه الجهود كلها يتم له فى كتابته هذا المزاج الذى تسميه تاريخ الآداب والذى تجد فيه حين تقرأه لذة العقل ولذة الشعور والذوق جميعًا] (3) .
وبعد أن يؤكد طه حسين ضرورة استقلال الدراسة العلمية لتاريخ الأدب على هذا النحو يضيف شرطًا ثانيًا لهذه الدراسة هو الحرية:[ والأدب فى حاجة إذن إلى هذه الحرية. هو فى حاجة إلى ألا يعتبر علمًا دينيًا أو وسيلة دينية، وهو فى حاجة إلى أن يتحرر من هذا التقديس وإلى أن يكون قادرًا كغيره من العلوم على أن يخضع للبحث والنقد والتحليل والشك والرفض والإنكار لأن هذه الأشياء كلها هى الأشياء الخصبة حقًا ] (1) .
ويربط طه حسين حرية البحث بالنضال من أجل الديمقراطية – حكم الشعب – فيقول: [ ولكن هذه الحرية التى نطلبها للأدب لن تنال لأننا نتمناها، فنحن نستطيع أن نتمنى، وما كان الأمل وحده منتجًا وما كان يكفى أن تتمنى فتتحقق أمانيك – إنما تنال هذه الحرية يوم نأخذها بأنفسنا لا ننتظر أن تمنحنا إياها سلطة ما، فقد أراد الله أن تكون مصر بلدًا متحضرًا يتمتع بالحرية فى ظل الدستور والقانون] (2) .
وعلى هاتين القاعدتين: الاستقلالية والحرية مضى طه حسين فأخذ يرسى تصوره لمنهج الدراسة الأدبية: وهنا نصادف تأكيد طه حسين أنه إنما يتبع منهج"ديكارت" فى البحث العلمى:
[ والناس جميعًا يعلمون أن القاعدة الأساسية لهذا المنهج هى أن يتجرد الباحث من كل شىء كان يعلمه من قبل وأن يستقبل موضوع بحثه خالى الذهن مما قيل فيه خلوًا تامًا] (3) .
والغريب أن طه حسين لا يذكر عن منهج ديكارت سوى هذه الكلمات المبتسرة، وما كان أغنى طه حسين عن هذه الإشارة إلى ديكارت التى لا تقدم ولا تؤخر فى دراسة الموضوع، خاصة وأن هذه الكلمات التى ذكرها لا تمثل اللب الفلسفى لهذا المنهج، وإنما يتمثل هذا اللب (فى طريقة التحليل والتركيب) من جهة، وفى" كوجيتو" (أنا أفكر فأنا موجود) من جهةأخرى.. وإنما نظن أن طه حسين قد لجأ إلى هذه الإشارة إلى ديكارت حتى يتقى غضب أنصار القديم فى الأدب والفكر بأن يزعم ارتكازه إلى طريق معترف بها فى العلم المعاصر..وربما كان عذر طه حسين أيضًا أن فلسفة العلوم وفلسفة المعرفة أو ( الإبستمولوجيا ) لم تكن قد تبلورت بعد كفرع علمى تام.
وعمومًا، فقد انطلق طه حسين من الأسس السابقة فى دراسته للشعر الجاهلى فإذا به يقدم لنا ما يمكن أن نسميه ( المقترب الاجتماعى) Social approach ويتمثل فى دراسة الصلة بين الأدب وحياة المجتمع، وبذلك تتضح الفوارق بينه وبين كل من المقترب الشكلى مثلا والذى يقصر الدراسة الأدبية على استنباط القواعد البلاغية والعروضية، والمقترب السياسى الذى يقصر تلك الدراسة على تأثر الأدب بالعصور السياسية، والمقترب السيكولوجى الذى لا يجد فى العمل الأدبى غير صورة لنمط سيكولوجى مرتب.
والأمر المهم أن طه حسين قد مضى يطبق المقترب الاجتماعى على ظاهرة (الشعر الجاهلى) فيما يسمى بطريقة ( دراسة الحالة) فى العلوم الاجتماعية الحديثة. وقد توصل إلى أن هذا الشعر الجاهلى لايمثل صورة الحياة فى المجتمع الجاهلى، وإنما يمكن التماس هذه الحياة فى القرآن، وهذا دليل من وجهة نظره على أن الشعر الجاهلى منحول، وأنه من إنتاج مجموعة من الرواة المتأخرين نسبوه إلى الجاهليين لأغراض سياسية أو دينية أو فنية. وفى هذا يقول: [ إن القرآن أصدق مرآة للحياة الجاهلية، وهذه القضية غريبة حين نسمعها ولكنها بديهية حين نفكر فيها قليلاً، فليس من اليسير أن نفهم أن الناس قد أعجبوا بالقرآن حين تليت عليهم آياته إلا أن تكون بينه وبينهم صلة] (1) .
ويذكر طه حسين أن القرآن يصور المجتمع العربى على نحو يغاير الصورة التى رسمها الشعر الجاهلى: فمن القرآن نعرف أن العرب أمة متدينة، وأمة مستنيرة بها أفراد أصحاب علم وذكاء وأصحاب عواطف رقيقة وعيش فيه لين ونعمة، وأمة متصلة أوثق الاتصال بالأمم الأخرى غير معتزلة وغير قابعة فى الصحراء والبادية، غير أن طه حسين يقدم لنا زاوية أخرى فى التحليل الأدبى جديدة حقًا فيقول:
[كذلك يمثل القرآن العرب الجاهليين، بل هو يمثل من حياتهم وجهًا آخر ليس أقل خطرًا من هذه الأوجه التى أشرنا إليها آنفًا, وقد تعود الباحثون عن حياة الأمم القديمة والحديثة أن يختصّوه بحظ عظيم من العناية وأنهم يرون فيه الحياة الاجتماعية كلها، وذلك هو الوجه الذى يظهر لنا هذه الصلة بين طبقاتهم وطوائفهم, فأنت تستطيع أن تقرأ أمرئ القيس كله, وغير امرئ القيس, وأنت تستطيع أن تقرأ الأدب الجاهلى كله دون أن تظفر بشئ ذى غناء يمثل لك حياة العرب الاقتصادية فيما بينهم وبين أنفسهم ] (2) . ثم يضيف:
[ أفتظنّ أن القرآن كان يعنى هذه العناية كلها بتحريم الربا والحث على الصدقة وفرض الزكاة لو لم تكن حياة العرب الاقتصادية الداخلية من الفساد والاضطراب بحيث تدعو إلى ذلك؟ فالتمس لى هذا أو شيئًا كهذا فى الأدب الجاهلى, وحدثنى أين تجد فى هذا الأدب شعره ونثره ما يصور لك نضالاً ما بين الأغنياء والفقراء. ومع ذلك فما هذا الأدب الذى لايمثل فقر الفقير وما يحمل صاحبه من ضر وما يعرض له من أذى, والذى لا يمثل طغيان الغنى وإسرافه فى الظلم والبطش وامتصاص دماء المعدمين؟ ألم يكن بين هؤلاء العرب البائسين من انطلق لسانه مرة بالشكوى من هذه الحياة السيئة المنكرة؟ ألم يكن بين هؤلاء العرب المسرفين فى الظلم من انطلق لسانه مرة بما يمثل كبرياءه وتسلطه على هؤلاء البائسين] (1) .

فهذا المقترب الاجتماعى الذى يضع فى اعتباره البعد الاقتصادى الاجتماعى فى التحليل الأدبى إسهام مبكر فى الدرس العلمى للأدب العربى. ولنلاحظ أنه قد أصدر كتاب (فى الشعر الجاهلى)عام 1927 باسم (فى الأدب الجاهلى)، كما قلنا. وعلى ضوء هذا المقترب أخذ يطبق المنهج العلمى على دراسة الشعر الجاهلى، وكان ما كان من تأكيده فى الكتاب المذكور بأن ما ذكر فى القصص القرآنى عن إبراهيم وإسماعيل ونشأة العرب لا يلزمه بالضرورة فى تصدّيه لدراسة الأدب. وقد ثارت المعركة الكبرى الشهيرة من جراء هذا التصريح وشملت الطريقة العلمية الجديدة فى دراسة الأدب برمتها. وهى معركة نجد عرضًا لها فى كثير من المراجع المعروفة.
ولسنا هنا بمعرض تقييم صحة نظرية طه حسين فى (نحل الشعر الجاهلى) فهى استنتاج خاص واجتهاد, قد يخطئ وقد يصيب على ضوء الدراسة الحديثة للغات واللهجات القديمة والآثار – ولكن المهم أن طرح طه حسين للطريقة العلمية الجديدة منهجًا ومقتربًا يمثل إسهامه الكبير فى تاريخ الفكر العربى المعاصر. وقد يمكن تطبيقها هى بذاتها والتوصل منها إلى استنتاج مغاير لنظرية طه حسين فى "الانتحال" ولكن هذا لا يقدح فى صحة الطريقة ذاتها كأداة للبحث.

ثانيًا: الأدب والتغير الاجتماعى
كما سبق أن أشرنا، فقد تصدى طه حسين لدراسة الشعر العربى فى العصرين الأموى والعباسى فى الجزءين الأول والثانى من (حديث الأربعاء)، ومعروف أنهما جمعا المقالات التى نشرها طه حسين تحت هذا العنوان فى جريدة "السياسة" بين عامى 1922و 1924.
وفى هذا الصدد نجد طه حسين يضع الأساس الاجتماعى للدراسة الأدبية، انطلاقًا من فرضية "التغير" فى الواقع الاجتماعى, فنجده بادئ ذى بدء يقول:
[ لم يكد يمضى المسلمون فى الفتح وبسط سلطانهم على أرض الفرس من جهة والروم من جهة أخرى حتى تغير كل شئ فى حياة الطبقة العليا من الأمة العربية, وكان مصدر هذا التغير شيئين: أحدهما مادى وهو كثرة ما أفاء الله على المسلمين فى هذا الفتح وكثرة المال والغنائم الموفورة التى بدلت حياة هؤلاء الناس فجعلتها يسيرة بعد عسر, سهلة بعد صعوبة, لينة ناعمة بعد شدة وخشونة. و الآخر معنوى, فقد رأى العرب فى هذه البلاد المفتوحة نظمًا للحكم والسياسة لم يألفوها وطرقًا للإدارة وتدبير الأمور العامة لم يعهدوها من قبل] (1) .
[ ولم يكن بدً من أن يترك هذان الأمران آثارًا ظاهرة قوية فى حياة العقل والشعور. ومن هنا كان تجدد الشعر ملائمًا كل الملاءمة لتجدد الحياة, فنشأ عند العرب فى عصر بنى أمية نوعان من الشعر لم يكن قد ألفهما الجاهليون أو على أقل تقدير لم يكون هؤلاء الجاهليون قد أحسنوا فهمهما والعناية بهما. الأول نشأ عن حياة الترف والغنى والثروة, وهو الغزل. والثانى:
"الشعر السياسى" وقد نشأ عن استحالة الخلافة إلى مُلْك وعما كان من حرب بين العصبيات من جهة ومن حرب بين العصبية والدين من جهة أخرى] (2) .
ويمضى طه حسين فيحدد الإطار الاجتماعى لنشأة الشعر الغزلى فى العصر الأموى وانقسامه إلى غزل إباحيّ وغزل عذري فيقول:
[ إن هذا الفن الجديد قد عظم شأنه عند العرب فى هذا العصر وإن اختلفت مذاهب الشعراء فيه: فذهب بعضهم مذهب اللذة وذهب الآخرون مذهب العفة. وربما كان من الخير أن نلاحظ أن الذين ذهبوا مذهب اللذة فى هذا الفن كانوا المترفين من أهل الحجاز وأبناء المهاجرين والأنصار الذين ورثوا الثروة الطائلة الضخمة عن آبائهم إلى و حيل بينهم وبين العمل السياسى لأمر ما. ومن هنا كانت مكة والمدينة فى هذا العصر أقرب إلى اللهو والمجون والافتنان فى اللذة وما تستبعه من لعب وشرب وغناء وغزل, من دمشق عاصمة الملك ومستقر الخليفة, وإن الذين ذهبوا مذهب العفة وأسرفوا فى هذا المذهب كانوا من أهل البادية] (3) .
وفى موضع آخر تناول طه حسين بشكل أكثر تفصيلاً الظروف الاجتماعية لنشأة الغزل العذري فيذكر أن ذلك يعود إلى ظروف البادية العربية التى امتزج لديها الفقر المتزايد والشعور باليأس الناتج عن الحرمان السياسى فى ظل استبداد بنى أمية فنشأعن ذلك عزوف عن الحياة المادية ونعيمها وانصراف إلى الانكباب على الذات فى حزن غامض ساذج مؤلم غير محدود, ورغبة فى التأمل واستكناه المجهول.
ويمضى طه حسين بعد ذلك فيتعقب الحركة الاجتماعية التاريخية وآثارها فى التفكير والإنتاج الأدبى، وذلك فيما يتعلق بالعصر العباسى:[ إن الحياة فى عصر بنى العباس كانت جديدة من كل وجه, فانقطعت الصلة شيئاً فشيئاً أو كادت تنقطع بين هذه الحضارة التى كانت تزدهر فى بغداد وضواحى بغداد وبين هذه البداوة القاسية الخشنة التى كانت تبسط سلطانها على بلاد العرب. فبينما كانت دمشق على حضارتها أيام الأمويين ملتقى للجديد والقديم, كانت بغداد على حال تخالفها كل المخالفة، فهى مدينة بنتها الحضارة الجديدة وبنتها فى أرض قد بعد عهدها بالبداوة واختلفت عليها الحضارات الكثيرة، و أتاحت لها الطبيعة من خصب الأرض وثرائها واعتدال الإقليم وصفاء الجو ما يجعل الحضارة سهلة ميسورة ومستعدة للرقي والنمو فى وقت سريع, فليس عجيبًا أن يأنس إليها أهل الحضر وينفر منها الأعراب ومن يشبه الأعراب من الذين لم تصنعهم الحضارة ولم يبعد عهدهم بالنعيم] (1) .
ويمضى طه حسين ليحلل الأصول التاريخية لهذا التغير فى الحياة العربية حين يرده إلى التفاعل، وإن شئت فقل التشابك الحضارى بين المجتمع العربى والمجتمع الفارسى بالذات, وما اشتمل عليه من تكامل وتناقض. ولعل هذا يؤكد وجهة النظر العلمية بشأن تاريخ تكون الأمة العربية إذ كان الصراع الحضارى القومى الذى خاضه المجتمع العربى, في رأينا, هو الذى صاغ الحياة العربية المادية على وجه التحديد, ومن بعد ذلك الحياة العقلية, حتى تكون على مرّ القرون ذلك النسيج الذى يسمى"الأمة العربية".
يقول طه حسين:
[ كان أمر العرب مع الفرس كأمر الرومان مع اليونان من وجوه كثيرة. فقد سبق الفرس إلى الحضارة والنظام وأخذوا منهما بنصيب موفور قبل أن يخضعوا لسلطان الأمة العربية, فلما جاء الإسلام وكان الفتح ومكن الله العرب فى بلاد الفرس كان الجهاد والتغالب بين الحضارة الفارسية والبداوة العربية, بين اللين والخشونة, بين الحياة المترفة المعقدة والحياة الساذجة الهيّنة] (2) .
[ وقد انتصرت الحضارة واشتدت فيها رغبة العرب من أهل المدن على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم الاجتماعية, وكان هذا الانتصار عامًا تناول الحياة المادية والعقلية وتناول معها حياة الشعور] (3) .
[ ولذلك كان أول العصر العباسى عصر شك واستهتار, أنكر العقل العربى فيه قديمه ولم يشتد اطمئنانه إلى الجديد, فلم يتخذ لنفسه قاعدة ثابتة فى الحياة وإنما عاش من يوم إلى يوم فاحتمل الآلام كارهًا واستمتع باللذات راغبًا فيها مستزيدًا منها, وكانت هذه اللذة ميسرة له موفورة عليه: فكانت هناك لذة الصلات الاجتماعية بين الرجل والمرأة, ولم تكن هذه المرأة عربية, وإنما كانت فارسية, ولم يكن الوصول إليها عسيرًا وإنما كان شيئًا سهلاً ميسورًا. كانت المرأة تباع وتشترى وكثيرًا ما كانت تنال بالهبة والعطاء] (4) .
[ و كان العرب مندفعين فى هذا النوع من اللذة يستمتعون به فى غير قصد ولا احتياط؛ وإلى جانب هذه اللذة كانت توجد اللذات الأخرى، لذات الطعام والشراب, ولذات الأثاث, ولذات اللباس. ثم كانت توجد اللذات العقلية؛ كانت تترجم لهم آثار الفرس وآثار اليونان فيقرأون ويفهمون ويتأثرون فى حياتهم العملية بما يقرأون وما يفهمون] (1) .

ومما سبق يصل طه حسين إلى استنتاجه الرئيسى:
( كان هذا العصر – العصر العباسى الأول أو القرن الثانى للهجرة – عصر شك ومجون, وكان عصر رياء ونفاق. فكان لكثير من الناس مظهران مختلفان: أحدهما للعامة والجمهور وهو مظهر الجد والتقوى, والآخر للخاصة ولأنفسهم وهو مظهر اللهو والمجون والذى يخلع فيه العذار وتترك فيه للشهوات حريتها المطلقة) (2) .
وعلى هذه الأرضية من التحليل الاجتماعى الوافى يشرع طه حسين فى دراسة عدد من شعراء العصر العباسى الأول، فيركز جل دراسته على أبى نواس ثم يدرس بشار بن برد ويعرج على عدد آخر قليل من الشعراء. وقد أثار هذا التحليل للمجتمع الإسلامى فى العصر العباسى الأول والتركيز على أبى نواس كمرآة لحال المجتمع-أثار ضد طه حسين موجة من الإنكار والإعراض الشديدين, أخذت شكل حملة فكرية وسياسية وإعلامية شاملة تتهم طه حسين بأنه يساعد بأحاديثه على إفساد الشباب وتدنيس قلوبهم الطاهرة.
و ليس هنا أيضًا مقام تقييم لمدى صحة ما عرضه طه حسين عن شعراء ذلك العصر وعن مدى تمثيلهم لحالة المجتمع وخاصة أبى نواس، ولكن كل ما يهمنا هو أن نركز الضوء على طريقة طه حسين فى تناول تاريخ الأدب: وهى طريقة التحليل الاجتماعى مع أخذه بعين الاعتبار الشخصية الفردية للشاعر أو الفنان والجانب الفنى الخالص فى الإنتاج الأدبى. ويمكن بهذه المناسبة أن نقارن بين دراسة طه حسين لأبى نواس ودراسة العقاد له فى كتابه: (أبو نواس الحسن بن هانى).
فبينما جعل طه حسين محور تفسير شعر أبى نواس العصر الاجتماعى الذى عاشه، فإن العقاد لجأ فى التفسير إلى محور آخر هو التكوين السيكولوجى لأبى نواس. وقد توصل من ذلك إلى أن أبا نواس شخصية نرجسية نموذجية فى انحرافها السيكولوجى.
وقبل أن نغادر(حديث الأربعاء) يجدر بنا أن نذكر أن طه حسين فى تحليله للشعر العباسى بالذات قد أرسى قواعد(منهج) للنقد الأدبى كان له أثر أى أثر فى تكوين الحركة النقدية طوال نصف القرن التالى وهى الحركة التى حمل لواءها بعده من الأعلام: محمد مندور, محمد غنيمى هلال, انور المعداوى, على الراعى, عبد القادر القط, ثم رجاء النقاش وفؤاد دواره, وتتلخص هذه القواعد فى العبارة التالية لطه حسين , ولنتذكر أنه ضمنها مقالته المنشورة فى (السياسة) بتاريخ 31 يناير 1923 :
[ إلام تقصد إذا عرضت لشاعر من الشعراء وأردت أن تقرأ شعره وتفهمه ثم تنقده؟ تقصد فيما أظن إلى أشياء:
الأول : أن تصل إلى شخصية الشاعر, فتفهمها وتحيط بدقائق نفسه ما استطعت.
الثانى : أن تتخذ هذه الشخصية وما يؤلفها من عواطف وميول و أهواء وسيلة إلى فهم العصر الذى عاش فيه هذا الشاعر, والبيئة التى خضع لها الشاعر, والجنسية التى نجم منها هذا الشاعر. فأنت لا تقصد إلى فهم الشاعر لنفسه وإنما تقصد إلى فهم الشاعر من حيث هو صورة من صور الجماعة التى يعيش فيها. ومهما تكن مقتصدًا, ومهما تكن متواضعًا فأنت سواء شعرت بذلك أم لم تشعر به, لا تقنع بالأشخاص وإنما تطمع فى الجماعات, ولا ترضى بالجزئى وإنما تسمو إلى الكلى.
وهناك شئ ثالث تقصد له حين تقرأ الشعر وتحاول نقده وهو اللذة: اللذة الفنية] (1) .

ثالثا: الدراسة العلمية للتاريخ الإسلامى:
وهذه هى القضية الثالثة فى إنجاز طه حسين, وهنا يتقدم طه حسين ليدخل ميدان التاريخ العام بعد أن أرسى قواعد لدراسة التاريخ الأدبى. ونقصد بالتاريخ العام دراسة تاريخ المجتمع ككل ببنائه المادى والاجتماعى والروحى او الثقافي. وقد عمد طه حسين إلى تطبيق منهجه فى دراسة التاريخ العام على مجتمع بعينه قام فى الأصل على الدعوة الدينية, هو المجتمع الإسلامى، وفى مرحلة انتقال خاصة فى حياته هى مرحلة خلافة عثمان و عليّ بن أبى طالب -مرحلة الفتنة الكبرى. و قد واجه طه حسين فى هذا الصدد سؤالاً شائكًا هو:
إلى أى حد يتحكم الإيمان العقيدى المجرد للأشخاص فى السلوك العملى للأفراد والطبقات والمجتمعات؟
ويسبق هذا السؤال سؤال تمهيدى: ما حدود الصلة بين البحث العلمى فى التاريخ الاجتماعى وبين تقديس المظهر الدينى للأبطال والشخوص؟
وقد بدأ طه حسين بالإجابة على السؤال التمهيدى فى عام 1923 فى مقالته (رد على نقد) والتى نشرت فى (السياسة) فى 22 فبراير من ذلك العام, وأتت الإجابة فى سياق الرد على انتقاد رفيق العظم للصورة التى رسمها طه حسين للعصر الأموى وللعصر العباسى خاصة ولخلفائه بصورة أخص.
يقول طه حسين في هذا الصدد:
(لا يزال العالم الجليل رفيق بك العظم وكثير من العلماء المعروفين فى الشرق يسبغون على التاريخ الإسلامى صفة الجلال والتقديس الدينى أو الذى يشبه الدينى تحول بين العقل وبين النظر فيه نظرًا يعتمد على النقد والبحث العلمى الصحيح. فهم يؤمنون بمجد القدماء من العرب وجلال خطرهم وتقديس مكانتهم, وهم يضيفون إليهم كل خير وينزهونهم عن كل شر.وهم يصفونهم بجلائل الأعمال ويرفعونهم عن صغائرها وهم يتخذون ذلك قاعدة من قواعد البحث ومقياسًا من مقاييس النقد..)
ويضيف: (فأما النقد التاريخى من حيث هو نقد تاريخى؛ فأما النظر إلى الناس من حيث هم ناس ووصفهم بما يمكن أن يوصف به الناس, وتحليل أخلاقهم وعاداتهم كما تحلل أخلاق الناس وعاداتهم, و الملاءمة بين هذه الأخلاق والعادات وما اكتنفها من الظروف والأحوال, فذلك شئ قلما يفكر فيه هؤلاء العلماء أو يلتفتون إليه).. ثم يقول: (إن المذهب – مذهب تقديس السلف وتنزيهه عن الصغائر, مذهب إسباغ الدين على التاريخ- طور من أطوار التاريخ لابد أن يمر به, بل طور من أطوار الحياة الاجتماعية والسياسية للناس لا بد أن يمروا به. وقد خضعت لهذا الطور أمم أخرى غير العرب).
ويزيد طه حسين مذهبه فى فهم التاريخ إيضاحًا فيقول: (خليق بنا أن نتدبر حين نقرأ التاريخ ونحاول فهمه وتفسيره, خليق بنا أن نفهم قانونين وضعهما ابن خلدون ولكن على أن نفهمهما أحسن مما فهمهما ابن خلدون وهما:أن الناس جميعًا متشابهون مهما اختلفت أزمنتهم وأمكنتهم, وأن الناس جميعًا مختلفون مهما تشتد بينهم وجوه الشبه, ونحن إذا فهمنا هذين القانونين عرفنا أن العصر العباسى قد كان كغيره من عصور المجد والحضارة: فيه جدّ وهزل, وفيه شك ويقين).
ويطمح طه حسين أن يكمل النقص لدى ابن خلدون ويتجاوز عيوبه، وذلك بمحاولة تطبيق منهج ابن خلدون الاجتماعى بصورة أصح :
(انظر إلى مقدمة ابن خلدون وإلى القسم الأول من هذه المقدمة, انظر بنوع خاص إلى منهجه التاريخى وإلى هذا النقد الذى بسطه يبين أغلاط المؤرخين وتورطهم فى ضروب من الخطأ فى الحكم؛ تجده قد تصور قواعد علمية لا بأس بها. فهو يكره الغرض والهوى ويحذر من أخطار كثيرة تحيط بكاتب التاريخ ، ويوجب عليك أو يحتم عليك تحكيم العقل فيما يروى لك من الحوادث, وهو يصل من هذا كله إلى استكشاف قوانين قيّمة فى النقد التاريخى, ولكنه لا يكاد يعرض لتطبيق هذه القوانين حتى يتورط فيما تورط فيه المؤرخون من قبل, لأنه متأثر بمجد القدماء وطهارة القدماء, وانحطاط المعاصرين وفساد أخلاقهم وأحوالهم).
ونحسب أن طه حسين قد تأثر أيما تأثر بابن خلدون الذى كتب عنه رسالته للدكتوراه فى فرنسا, ولعل طه حسين قد وضع نصب عينيه مشروعًا محددًا, وهو أن يعمق مذهب ابن خلدون بتطعيمه بالدراسات الاجتماعية الحديثة, وأن يتجاوز خطأ ابن خلدون فيطبق هذا المذهب على الأحداث بمنهج علمى فى تحقيق المصادر التاريخية بما يمكنه من تجاوز الهوى القومى والدينى.
ويقودنا هذا إلى تأكيد فرضيتنا الرئيسية فى هذه الدراسة، وهى أن مشروع طه حسين العلمى قد تحدد فى:
امتلاك وضوح الرؤية الاجتماعى لوقائع التاريخ, مع استخدام المنهج العلمى الحديث فى البحث, وأن يطبق هذه الرؤية وهذا المنهج على التاريخ الأدبى بشكل خاص وتاريخ المجتمع بشكل عام.
ولذلك فإنه بعد أن طبق رؤياه الفكرية ومنهجيته العلمية على تاريخ الأدب العربى فى العصور الجاهلية والأموية والعباسية، إذا به يطمح فى الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين إلى أن يقدم تحليلاً لتاريخ المجتمع الإسلامى فى سلسلة من الكتب شملت: مرآة الإسلام, على هامش السيرة, الوعد الحق, الشيخان, الفتنة الكبرى: عثمان, الفتنة الكبرى: على وبنوه.
وفى رأينا أن قمة النضوج الفكرى والمنهجى فى البحث التاريخى لطه حسين قد تجلى فى الجزء الثانى من (الفتنة الكبرى) أى (عليّ وبنوه) والذى صدر عام 1953.
فكيف تناول طه حسين تاريخ الفتنة فى عصر على بن أبى طالب وبنيه؟
لقد نظر طه حسين إلى هذه الفتنة كظاهرة تاريخية اجتماعية، أى كظاهرة تخضع لما تخضع له سائر الظواهر الاجتماعية من أثر الظروف المادية, دون خضوع فى البحث التاريخى لتقديس الرجال أو الأشياء تقديسًا قائمًا على التمثل الشكلى لأثر الدين فيهم أو فيها.
لقد نظر طه حسين إلى الناس "من حيث هم ناس"كما قال عام 1923, وانطلق فى ذلك من أن (الفرد ظاهرة اجتماعية) كما قال فى "قادة الفكر" عام 1925. ولذلك سمح طه حسين لنفسه أن يدلى بالحكم فى أحداث مرحلة الفتنة:
(ليس من شك فى أن عليًا قد أخفق فى بسط خلافته على أقطار الأرض الإسلامية. ثم هو لم يخفق وحده وإنما أخفق معه نظام الخلافة: وظهر أن هذه الدولة الجديدة التى كان يرجى أن تكون نموذجًا للون جديد من ألوان الحكم والسياسة والنظام لم تستطع آخر الأمر إلا أن تسلك طريق الدول من قبلها, فيقوم الحكم فيها على مثل ما كان يقوم عليه من قبل من الأثرة والاستعلاء ونظام الطبقات, بل لم يخفق علىّ ودولة الخلافة وحدهما وإنما أخفقت معهما الثورة التى قامت أيام عثمان لتحفظ – فيما كان أصحابها يقولون – على الخلافة الإسلامية سماحتها وصلاحها ونقاءها من شوائب الأثرة والعبث والطغيان والفساد) (1) .
ثم يقول طه حسين: (كانت الظروف التى أراد الثائرون بعثمان أن يقاوموها بثورتهم أقوى من أن تقاوم, ولكن كلمة الظروف هذه غامضة تحتاج إلى شئ من الوضوح, وأول هذه الظروف وأجدرها بالعناية والتفكير: الاقتصاد. فقد كان نظام الخلافة كما تصوره الشيخان -أبو بكر وعمر- يسيرًا سمحًا لا عسر فيه, أخص ما يوصف به أنه لا يستطيع أن يستقر ولا أن يستقيم إلا إذا آمن به أشد الإيمان وأعمقه أولئك الذين أقيم لهم من المسلمين . والإيمان بهذا النظام يقتضى قبل كل شئ إيمانًا خالصًا بالدين الذى أنشأه. وهذا النوع من الإيمان وإن تحقق للكثرة من أصحاب النبى فإنه لم يخلص من بعض الشوائب, وليس أدل على ذلك من ارتداد العرب بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم وجهاد أبى بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الطاعة بعد تلك الخطوب الكثيرة التى نعرفها, ثم تجاوز الإسلام بلاد العرب وبسط سلطانه على ما فتح من الأرض أيام الشيخين وأيام عثمان فكثر الذين خضعوا لهذا السلطان غير مؤمنين به ولا مخلصين له وإنما الخوف وحده قوام ما كانوا يبذلون من طاعة) (2) .
بذلك حدد طه حسين الظروف الاجتماعية التى أحاطت بالإسلام: بدءً من عصر الرسول نفسه حين كانت هناك شوائب فى الإيمان الدينى لدى أقسام من المسلمين سماهم القرآن (المنافقين) ومرورًا بواقعة الفتح العظمى والتى جعل منها طه حسين نقطة التحول الكبرى فى تاريخ الجماعة العربية الإسلامية – ويمضى طه حسين ليحدد من بعد هذا آثارها الاجتماعية بشئ من التفصيل فيقول:
[ كان الفتح مصدر قوة ومصدر ضعف للدولة الجديدة فى وقت واحد, كان مصدر قوة لأنه بسط سلطانها ومدّ ظلها على أقطار كثيرة من الأرض. وكان مصدر ضعف لأنه اخضع لها كثرة من الناس لا يؤمنون بها، إنما يخافون منها ويرهبون سطوتها. وكان مصدر قوة لأنه جبى لها كثيرًا من المال الذى لم يكن يخطر على بال, وكان مصدر ضعف لأن هذا المال أيقظ منافع كانت نائمة ونبّه مآرب كانت غافلة ولفت إليه نفوسًا كانت لا تفكر إلا فى الدين, ثم خلق حاجات لم تكن معروفة ولا مألوفة, أظهر للعرب فنونًا من الترف وخفض العيش فأغراهم بها ودعاهم إليها ثم عودهم إياها ثم أخذهم بها أخذًا إلا قلة قليلة جدا استأثر الدين بها من دون الدنيا وشغلها التفكير فى الله عن التفكير فى المال والمنافع والحاجات] (1) .
وبعد ذلك يوضح طه حسين ذلك التفاعل العملى بين الواقع الاجتماعى والدين, وهو ما يجعل طه حسين رائدًا أدبيًا مبكرًا – فى الفكر العربى – لعلم "الاجتماع الدينىّ"، هذا الفرع الجديد من فروع "السوسيولوجيا":
[ فالابتسام للمال يغرى بالاستزادة منه، والاستزادة منه تفتح أبوابًا للطمع لا سبيل إلى إغلاقها, وإذا وُجد الطمع وُجد معه زميله البغىْ ووُجد معه زميل آخر هو التنافس ووُجد معه زميل ثالث هو التباغض والتهالك على الدنيا. وإذا وُجدت كل هذه الخصال وُجد معها الحسد الذى يحرق قلوب الذين لم يتح لهم من الثراء ما أتيح لأصحاب الثراء, وإذا وُجد الحسد حاول الحاسدون إرضاءه على حساب المحسودين وحاول المحسودين حماية أنفسهم وكان الشر بين أولئك وهؤلاء. و هذا كله هو الذى حدث أيام عثمان, وهو الذى دفع أهل الأمصار إلى أن يثوروا بعمالهم ثم إلى أن يثوروا بخليفتهم ثم إلى أن يحصروه ويقتلوه. وقد همّ (علىً) أن يرد العرب إلى مثل ما كانوا عليه أيام عمر, ولكن أيام عمر كانت قد انقضت ولم يكن من الممكن أن تعود] (2) .
ودارت دائرة الفتنة على علىً( إذ لم ينصره الثائرون الذين بايعوه إمامًا فكان ما كان من قبول التحكيم وتقاعس عن مواصلة الجهاد فى صفين وما بعد صفين).
ويوجز طه حسين نهاية مأساة الثورة فيقول:
[ كل شيئ إذن كان يدل على أن سلطان الدين على النفوس لم يكن من القوة فى المنزلة التى كانت فيها أيام عمر, وعلى أن سلطان المال والسيف كان قد استأثر بالقلوب والنفوس، وكل شئ يدل على أن عليًا والذين ذهبوا مذهبه فى المحافظة على سيرة النبيّ والشيخين إنما كانوا يعيشون فى آخر الزمان الذى غلب فيه الدين على كل شئ. فقُلْ إذن فى غير تردد: إن أول الظروف التى كانت تقتضى أن يُخفق عليٌّ فى سياسته هو ضعف سلطان الدين على نفوس المحدَثين من المسلمين وتغلّب سلطان الدنيا على هذه النفوس] (3) .
(وكل هذا جدّد النفس العربية تجديدًا يوشك أن يكون تامًا وباعد بينها وبين الحياة الخشنة القديمة أشدّ المباعدة. فلما قُتل عثمان وأقبل الخليفة الرابع علىً يريد أن يحملهم على الجادة وأن يردهم إلى السيرة التى ألفها المسلمون أيام النبى والشيخين لم ينشطوا لذلك ولم يطمئنوا إليه, وإنما نظروا فرأوا خيلفةً قديمًا يدبر جيلاً جديدًا ويريد أن يدبره تدبيرًا ينافر أشد المنافرة ما أحبوا من حياة الخفض واللين, ثم نظروا بعد ذلك فرأوا أميرًا آخر قد أقام بالشام (معاوية) وقد جدد نفسه مع الجيل الجديد ثم لم يكتف بتجديد نفسه والملاءمة بينها وبين رعيته وإنما يغرى رعيته بالتجديد ويعينها عليه بالمال) (1) .
وينتهى طه حسين من ذلك كله إلى حكمه الأخير فيقول:
( كان علىً يدبّر خلافة, وكان معاوية يدبّر مُلْكًا. وكان عصر الخلافة قد انقضى وكان عصر المُلْك قد أطلّ) (2) .



















خاتمة

مما سبق كله يتضح لنا ما هو إسهام طه حسين فى الفكر العربى المعاصر:
لقد كان طه حسين قبل كل شئ – فى رأينا – مؤرخًا ومؤرخًا للأدب. ولقد قدم فى دراسته للتاريخ منهجًا علميًا ومقتربًا اجتماعيًا, وإن ذلك المنهج العلمى التاريخى, والمذهب الاجتماعى فى تفسير التاريخ هما جوهر المساهمة الفكرية الكبرى لطه حسين فى حياتنا العقلية العربية المعاصرة، فى "الرينسّانس" العربى العظيم. وللمرء أن يتحدث كما يشاء عن جهود طه حسين الجليلة فى ممارسة النقد الأدبى وفى كتابة السيرة الذاتية وفى الرواية وفى السيرة الدينية وتحقيق التراث, ولكن أثمن ما ترك طه حسين كما أسلفنا هو دراسته العلمية للتاريخ والتاريخ الأدبى, أى هو: إدخال العلم فى ميدان البحث.

ولنا وقفة عند معنى "العلم" فى تلخيصنا لإسهام طه حسين. إن لفظة العلم لها مدلولان أو استخدامان:
1) العلم بصفة عامة: ويعنى "المنهج" الموضوعى فى دراسة الظواهر, أى المنهج الذى لا يعتمد على الهوى أو الغرض "الذاتى" للباحث وإنما على دراسته الظاهرة كما هى موجودة موضوعيًا ومستقلة عن الوعى. والعلم – أى منهج العلم – يأخذ فى العلوم الطبيعية صورة الملاحظة والفرض والتجربة فصياغة القوانين والتحقق منها؛ أما فى العلوم الاجتماعية – وحيث تستحيل التجربة المعملية- فيكون "المعمل" هو التاريخ نفسه, ويكون المنهج هو التحقيق الموضوعى للمصادر والمراجع التاريخية.
2) تطبيق العلم كمنهج يقود إلى حقيقة متعلقة بمضمون العلم الاجتماعى أو علوم الإنسان، وهى أن ظواهر الحياة الإنسانية – كظواهر اجتماعية- تترابط جميعها ضمن (كلية العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع وخارجه). ذلك هو المضمون الرئيسى للعلم الاجتماعى بكافة فروعه ومنها التاريخ بكافة أنساقه: سواء النسق الكلى (تاريخ المجتمع) أو أى نسق فرعى مثل "تاريخ الآداب" و "تاريخ الأديان".



فالعلم – عامة- منهج للبحث.
والعلم الاجتماعى الحقيقى مذهب للحركة الاجتماعية.
وتتجلى عبقرية طه حسين فى إدراك العلم منهجًا, والعلم الاجتماعى مذهبًا, ثم تطبيق طريقة العلم هذه من بعد ذلك على تاريخ المجتمع وخاصة تاريخ الآداب.
ولكننا لا بد أن ننبه هنا إلى هذا الإدراك لقيمة العلم والعلم الاجتماعى لايعنى أن طه حسين كان يملك " إيديولوجية" متكاملة تقدم التفسير الفلسفى الشامل لحركة الكون والمجتمع والإنسان, ولم يكن يملك من ثم نظرية كاملة فى تفسير التاريخ, وإنما كان كل ما يملكه "نظرة" تتحدد فى مفهوم "العلم". وقد أدى افتقاره للفلسفة والنظرية التاريخية إلى وقوعه فى العديد من التناقضات والأغلاط والمغالطات: ومن بينها التناقض بين إيمانه المبكر جدًا بوحدة الأدب العربى رأسيًا وأفقيًا وبين دعوته إلى ربط "مستقبل الثقافة فى مصر" بحضارة البحر المتوسط فى أوائل الثلاثينيات, وتجاهله – لأمد طويل – لحقيقة الأمة العربية الواحدة.
ومن ذلك أيضا: التناقض بين تعاطفه الشديد مع قضايا الفقراء والمحرومين والمعذبين فى الأرض (ذلك التعاطف الذى تجسد فى ثنايا تأريخه للأدب وفى دراسته لتاريخ الإسلام وفى رواياته العديدة وفى كتابة سيرته الذاتية وفى سياسته إبان تولّيه وزارة المعارف ضمن حكومة الوفد) وبين اعتناقه للأسلوب الإصلاحى التدريجى (غير الجذرى) فى مقاومة الاستعمار البريطانى والقصر, حتى لقد ظل ردحًا طويلاً (منذ نشأته السياسية حتى أوائل الأربعينيات) منتميًا إلى حزب الأقلية: حزب الأمة فحزب الأحرار الدستوريين, حتى انضم إلى نشاط الوفد بل ودخل حزب وزارة الوفد الأخيرة قبيل ثورة 1952.
وقُلْ مثل ذلك عن عدم إدراكه فى مرحلة مبكرة لعلامات الخطر الصهيونى.
ولكن لعل عذر طه حسين أنه وقد آمن بالعلم منهجًا ومذهبًا فقد جعله ذلك يتصور العلم أيضا كطريق للنضال, وربما من هنا كان انتماؤه منذ البداية للحزب الذى استطاع أن يوفر مناخًا صالحًا لرعاية البحث العلمى, خاصة وقد كان يضم فى عضويته نخبة من المثقفين قادرة على فهم دور العلم والعلماء وحمايتهم، ولهذا أيضا تصور أن دوره "كداعية" علمى هو أفضل طريق لأداء دوره الوطنى والاجتماعى معًا.
ولكن هذا التصور لدور العلم ولدور العالم لدى طه حسين – كعذر عن التناقضات والنواقص التى أشرنا إليها حالاً – يبقى من قبيل التصور الشخصى أو "الذاتى" الذى لا يلغى دور "العامل الموضوعى" فى بحث الظاهرة بل يؤكد وجودها. فالتصور الشخصى والحال هذه إنما يمثل مجموعة من "الأوهام" أى الأفكار غير ذات الصلة بالواقع الموضوعى أو المادى, بصيرورته فى سياق الممارسة الاجتماعية وبسنن تطوره التاريخى.
ويشير تطور هذا الواقع فى الإطار الاجتماعى – التاريخى إلى "موقع" اجتماعى معين لطه حسين حدد "موقعه" الفكرى كما استعرضناه.
وأما الموقع الاجتماعى فهو الانتماء إلى البورجوازية الصغيرة الناهضة فى أوائل القرن، وأما الموقف الفكرى فهو "الليبرالية" على الطراز الغربى.
فكيف يفسر لنا هذا المنطلق التحليلى مأزق مشروع طه حسين الثقافى؟ (1) .
يمكن القول إن المجتمع المصرى فى مطلع القرن الحالى كانت تتجاذبه قوتان رئيسيتان: قوة التحديث الغربى, أى التطور على النسق الأوربى, ببناء مشروع للنهضة قائم على خمسة عناصر: العلم كمنهج وقيمة, والعلمانية بمعنى الفصل الكامل بين الدين والدولة, والدولة القومية (مصر للمصريين), والحرية الفردية سياسيًا واقتصاديًا وفكريًا, وأخيرًا حرية المرأة (فى السفور والعمل والتصويت).
وكان المشروع التحديثى للنهضة مواكبًا لنشأة البورجوازية الصغيرة وخاصة الشريحة المثقفة والمسماة حينئذ "بالأفندية" وكانوا عماد حركة مصطفى كامل وثورة 1919, وهم الورثة الحقيقيون للضباط الوطنيين أصحاب ثورة عرابى. ومع البورجوازية الصغيرة برزت شريحة صناعية عليا وجدت مصلحتها فى العمل وراء "الأسوار الوطنية", ومنهما تشكل العمود الفقرى للحركة الوطنية فى مرحلة الاستقلال الإسمى (1922-1952).
وفى قلب هذه الحركة ومشروعها النهضوى ترعرع جيل كامل من المثقفين وفى طليعتهم طه حسين.
أما القوة الأخرى والمعاكسة لمشروع التحديث فكانت "المؤسسة الدينية" في ذلك الوقت، مطلع القرن العشرين، وعلى رأسها مؤسسة الأزهر ( و فيما بعد نشأت جماعة "الإخوان المسلمين" وتبلورت وأصبحت الممثل الأكثر وضوحا، وربما الأكثر فجاجة، لهذه القوة).
وقد توفرت فى حياة طه حسين عناصر فريدة جعلت منه فارس الطليعة فى معركة الحداثة ضد التقليد, وتحديدًا ضد الأزهر. ولقد روى طه حسين فى سيرته الذاتية طرفًا من تجربته المرة مع (رجال الدين) بدءًا من كُتّاب القرية مرورًا بدراسته الأزهرية قبل الجامعية وانتهاء بالمعارك المتصلة حول الأدب الجاهلى والعباسى والتاريخ الإسلامى. وفى هذه المعارك تحالف الأزهر ورجال الدين مع (الوفد) ردحًا طويلاً ضد طه حسين فى معركة ممتدة لم يخفف من غلوائها انغماس طه حسين مؤخرًا فى الدراسة المعمقة لبعض مسائل التاريخ الإسلامى, بل ربما زاد أوارها اشتعالاً.
وفى تقييمنا لدور طه حسين يمكن القول إن هذا الرجل – كممثل أمين لطبقته الاجتماعية الصاعدة – قد أدى دورًا تقدميًا غير منازع فى مجال تأكيد العقلانية والاستنارة, وكان صعوده فى الحقيقة مواكبًا لصعود أفندية ثورة 1919, ولذلك كانت انطلاقت الفكرية معاصرة لانطلاقة الثورة ذاتها (السنوات الأولى من العشرينيات) حين فجر معركة البحث العلمى فى علاقته بالتقليد الدينى (حديث الأربعاء, فى الأدب الجاهلى, مقالاته وخاصة"بين العلم والدين"..إلخ). ولا يغضّ من ذلك ارتباط طه حسين بحزب الأحرار الدستوريين, حزب الأقلية المعارض للوفد.
فبرغم هذا الارتباط مضى طه حسين فى مضمار "النقد والإصلاح" موجهًا اهتمامه إلى العديد من القضايا الاجتماعية المتصلة بثلاثيّ "الفقر والجهل والمرض" -على حد تعبير سلامة موسى- ثم انخرط خلال الأربعينيات وأوائل الخمسينيات فى دراساته "الإسلامية" المثيرة للجدل (وخاصة: الفتنة الكبرى) وفى النشاط العلمى التربوى الذى تُوِّج بدخوله وزارة الوفد الأخيرة مدشّنًا مجانية التعليم الثانوى.
ولكن مشروع الحداثة كان يحمل فى طياته بذور فشله على أرضنا. فبينما أن المشروع الأوربى(وهو النسخة الأصلية التى احتذاها مفكرو النخبة فى مصر والبلدان العربية الأخرى) كان قد استند فى نشوئه وتبلوره على طبقة اجتماعية متينة البنيان استطاعت اقتلاع النفوذ الاقتصادى والسياسى للنبلاء الإقطاعيين والكنيسة والملوك, معلنة حق الملكية الخاصة وحرية المعتقد الدينى والليبرالية السياسية, فإن النسخة "المقلدة" فى مصر قد افتقدت مثل هذه الطبقة "البورجوازية النقية".
إن البورجوازية الصغيرة والشريحة الصناعية العليا لم يكن فى مكنتهما حمل أعباء مشروع النهضة لا لشئ إلا لأن تكوينهما الهشّ فى بلد خاضع للاستعمار لم يسمح لهما بالتطور على النسق الأوربى.
باختصار، إن القوى الاجتماعية الفاعلة لم تكن قادرة على إنجاز التطور الاقتصادى فى استقلالية عن المركز الأوربى المهيمن, ولا هى قادرة على أن تحكم من خلال البرلمان, كما لا تملك الدينامية الكفيلة بتفجير الحاجات الاجتماعية إلى حرية العقل والتجديد الاجتماعى الشامل.
وفى عبارة موجزة، إن مصر لم تكن أوربا، ولم يكنْ ممكنا إحالتها إلى قطعة من أوربا كما أعلن الخديوى إسماعيل وكما أيده طه حسين فى ذلك مبكرًا. وكان المشروع التحديثى من ثم، ربما، بمثابة جسم غريب مزروع بالقسر فى الكيان الاجتماعى والثقافى المصرى.
وإذا أضفت إلى ذلك تفسخ النموذج الغربى نفسه بتحول البورجوازيات الأوربية من طبقة ثائرة إلى طبقة معادية للتطور(من خلال التفاوت الطبقى فى الداخل والتوسع الاستعمارى فى الخارج) فإنه يمكن القول إن الليبرالية الأوربية بات سلعة (بائرة) فى بلادها ويجرى تسويقها خارجها فى بيئة لم تتهيأ بها شروط نجاحها قط.
ولذلك فشل نموذج الحكم النيابى فى مصر فى المرحلة الممتدة من صدور دستور 1923 إلى قيام ثورة 23 يوليو1952، وظهر الفصل الكامل بين الدين والدولة كشعار غير متجاوب مع البنية الذهنية والشعورية الجمعية فى بلادنا, بل وكانت الدعوة إلى"الدولة الوطنية" بمفهومها الأوربى الصرف مغلفة برداء فرعونى أسهم فى عزل مصر عن شقيقاتها العربيات زمنًا. و أخيرًا كانت الدعوة إلى تحرير المرأة بدون توفير الشروط الاقتصادية – الاجتماعية - السياسية – الثقافية اللازمة عاملاً معوقَا لهذا التحرر فى النهاية مما أعطى سلاحًا ماضيًا لأعداء المرأة بالذات.
بذلك كله اتضح مأزق المشروع التحديثى على النمط الأوربيّ كما تصوره طه حسين وفرسان جيله, رغم الطابع الإيجابى لهذا المشروع فى سياق الحركة الوطنية قبيل وبعد ثورة 1919. لقد أكد المشروع فى هذا السياق الطابع العقلانى للتفكير, وحقق إنجازًا هامًا على طريق إرساء المنهج العلمى, ونبه الأذهان إلى قضية المرأة, وكسر شوكة "الاتّباع" الأعمى فى ميدان الفكر الدينى وربما تأييد ما يشبه الحكم بالحق الإلهى لدى البعض, كما أضفى ذلك المشروع التحديثي على مفهوم "الوطن" و "الإنسان" أبعادًا جديرة بالاعتبار. وهذه هى رسالة طه حسين الكبرى فى مسيرة تطورنا الاجتماعى.



#محمد_عبد_الشفيع_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإيديولوجيا حين تصطنع الهوية وتفارق الحقيقة: الصهيونية كمثا ...
- التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية: أضواء نظرية من ال ...
- عطفا على ثورة يوليو والقطاع العام: الوظيفة الاجتماعية للدولة ...
- القطاع العام في مصر في ظل ثورة 23 يوليو 1952 وتحت قيادة جمال ...
- ثورة أكتوبر الاشتراكية وحركة التحرر الوطني : الوطن العربي وم ...
- كوريا الشمالية وما بعد: ماذا عن إسرائيل ومنطقة الشرق الأوسط؟
- الشرق أوسطية إذْ تعود مجددا: المسارات البديلة للعلاقات الاقت ...
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ...
- هل نحن على ابواب حرب تجارية عالمية حقا؟
- الحضارة الجريحة..وكيف نستعيد قوة الدفع الذاتية؟
- جدليات العولمة فى ظل اللاعولمة


المزيد.....




- قُتل في طريقه للمنزل.. الشرطة الأمريكية تبحث عن مشتبه به في ...
- جدل بعد حديث أكاديمي إماراتي عن -انهيار بالخدمات- بسبب -منخف ...
- غالانت: نصف قادة حزب الله الميدانيين تمت تصفيتهم والفترة الق ...
- الدفاع الروسية في حصاد اليوم: تدمير قاذفة HIMARS وتحييد أكثر ...
- الكونغرس يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا بقيمة 95 مليار ...
- روغوف: كييف قد تستخدم قوات العمليات الخاصة للاستيلاء على محط ...
- لوكاشينكو ينتقد كل رؤساء أوكرانيا التي باتت ساحة يتم فيها تح ...
- ممثل حماس يلتقى السفير الروسي في لبنان: الاحتلال لم يحقق أيا ...
- هجوم حاد من وزير دفاع إسرائيلي سابق ضد مصر
- لماذا غاب المغرب وموريتانيا عن القمة المغاربية الثلاثية في ت ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد عبد الشفيع عيسى - طه حسين والفكر العربي المعاصر: الأدب والتغير الاجتماعي