أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد














المزيد.....

هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5970 - 2018 / 8 / 21 - 13:44
المحور: المجتمع المدني
    





لا شكَّ عندي في أنّ مصرَ العظيمةَ كانت في بال المؤرخين الألمان؛ حين أطلقوا لقب (The Three “B” Pyramids of Germany) على ثلاثة من عظماء ألمانيا تبدأ أسماؤهم بحرف: "الباء" B. فالأهرامات المصرية الثلاثة شيءٌ حضاريٌّ فريدٌ وحصريّ، لا يخصُّ إلا مصرَ الجميلة وحدها، ربّةِ أعظم حضارات الأرض. لهذا استعارَ الألمانُ العبارةَ الرمزية: "أهرامات ألمانيا الثلاثة"، ليعبّروا بها عن قاماتٍ موسيقية أسطورية هم: (بيتهوڤن- باخ- برامز). ولكنْ، هل بالفعل لا تمتلك مصرُ إلا أهراماتٍ ثلاثةً، وفقط؟ بالقطع لا. فعطفًا على الأهرامات الثلاثة الشهيرة، وأكثر من مئة هرمٍ حجري قديم آخر شيّدها أجدادُنا المصريون القَدامى؛ لحماية مومياوات الملوك وحراستهم في رحلة "الخروج إلى النهار" حيث الموت والبعث والأبدية، ثمّة أهراماتٌ حجرية حديثة، شيّدها المصريون المعاصرون؛ تنافسُ الأهرامات القديمة عظمةً وأسطورية. في القاهرة يتمُّ الآن تشييد هرم مصريّ عالمي هائل، هو "المتحف الكبير" على هضبة الأهرام، وفي الأسكندرية ثمّة هرمٌ أسطوريٌّ عالمي هو "مكتبة الأسكندرية الجديدة"، شُيّدت على مقربة من أطلال مكتبة الأسكندرية القديمة (ببليتيكا دي لو أكسندرينا)، التي شُيّدت قبل أربعة وعشرين قرنًا، في عهد الإسكندر الأكبر وخلفائه من البطالمة، كأول وأعظم وأضخم مكتبة عامة في التاريخ، ضمّت بين جناحيها وقتئذ 700 ألف مخطوطة تاريخية نادرة، وجميع مؤلفات أرسطو وهوميروس، وتعلّم على مقاعدها عظماءُ الفلاسفة والعلوم مثل أرخميدس وإقليدس وأفلاطون وهيروفيلوس وهيباثيا وجالينوس وأبولونيوس وغيرهم، ولم يكن يُعترفُ بأي فيلسوف أو عالمٍ، في العصور القديمة، حتى يُحصِّل علومَه ويبني عقلَه من فرائد تلك المكتبة وأمّهات مجلداتها.
وكلّما دخلتُ هرمَ الإسكندرية الحديث، أطمئنُ إلى أن مجدَ أجدادي، السَّلف الصالح، موصولٌ غيرُ مقطوع، وأن أمّي العظيمةَ مصرَ، تعودُ إلى مجدها العريق يومًا بعد يوم. من الدور الخامس بالمكتبة، وبعد تناول وجبة العشاء الشرفيّ مع مدير المكتبة د. مصطفى الفقي، السياسي والمثقف الموسوعيّ، وقادة حزب الوفد، وقفتُ لأنظر من عَلٍٍ، بعين طائر، إلى معجزة معمارية تُطلُّ بوجهها على العالم عبر صفحة المتوسّط الزرقاء. 93 ألف متر مربع من خشب السنديان الثمين، تكسو أرضيات أكبر قاعة قراءة عامة في العالم. أرفعُ بصري لأعلى لأتأمل السقفَ المرفوع على 93 عمود تيجانُه زهرة اللوتس الخالدة، تخترقه نوافذُ سماويةٌ تُكَّحِلُها عواكسُ مثل جفون العيون لتكسرَ أشعة الشمس المباشرة لئلا تؤذي عيونَ القُراء على مقاعد المطالعة. أجولُ ببصري في أرجاء المكتبة وأتأملُ الفتحات المستطيلة المحفورة في جدرانها؛ تُشبه الأرففَ التي كانت تحفظُّ رولات المخطوطات النادرة في المكتبة القديمة ببليتيكا، لكنها اليوم تُشتّتُ الصوتَ وتكسِّر الصخبَ لكي تتدثّرَ المكتبةُ بثوبٍ رافلٍ من الهدوء والسكينة. وهكذا يتناغمُ الشكلُ مع الوظيفة في علاقة روحية متناغمة لتتحقق العمارةُ المثالية كما تعلّمناها في كلية الهندسة: Form and -function- should join in spiritual -union-. ترتاحُ العينُ والأُذنُ وتهنأ القراءةُ.
بدأتُ المقالَ للحديث عن الشيخ سيد، فاستلبتني المكتبةُ التي لا ينتهي الحديثُ عنها. وأمّا الشيخُ سيد، فهو أحدُ أهرامات مصر البشرية: سيد درويش عبقري الموسيقى. وأما مديرُ هرم الإسكندرية، د. مصطفى الفقي، فقد قرر أن يحتفل بمؤية ثورة 19، بطريقة مبتكرة. فأقام في مسرح الهرم/ المكتبة، حفلا غنائيًّا ثريًّا؛ دعا إليه رموزَ حزب الوفد، مُفجّر الثورة الليبرالية المجيدة، وأحياه حفيدُ سيد درويش، المطرب المهندس الموهوب إيمان البحر درويش، الذي ذكّرنا بأمجاد الجَدّ الخالد، وغنّينا معه الأغنيةَ الساحرة الماكرة التي ناجى فيها الشعبُ المصريُّ زعيمَه "سعد زغلول" في منفاه، بعدما أصدر المحتلُّ الإنجليزي وقتها فرمانًا بمنع الهتاف باسمه أو المطالبة بعودته. ومَن يقدرُ على قمع شعب مصر الذكيّ المبدع؟! على نغمات عظيم الموسيقى "سيد درويش"، غنّى الشعبُ كلمات العظيم "بديع خيري": يا بلح زغلول/ يا حليوة يا بلح/ يا زرع بلدي/ عليك يا وعدي/ يا بخت سعدي/ زغلول يا بلح/ عليك أنادي/ في كل وادي/ قصدي ومُرادي/ الله أكبر/ عليك يا سُكّر/ يا روح بلادك/ ليه طال بُعادك/ تعا صون بلادك/ زغلول يا بلح/ سعدي وقال لي/ ربي نصرني/ وراجع لوطني/ يا حليوة يا بلح.”
تحيةَ احترام لهرم الأسكندرية الشاهق، ومديره المثقف، ولأهرمات مصر الحجرية والبشرية القديمة والراهنة، وتحيةً من قبل ومن بعد لمصر صانعة الأهرامات الحضارية والإنسانية، تلك التي وقفت على أولى درجات سُلَّم التاريخ، وعلى درجات اللحظة الراهنة، وإلى درجات نهاية الزمان، بإذن الله.
***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين يفترسُنا العشقُ سرًّا
- دموعٌ على جديلة … وآيسبرج على حُفاة!
- بوق نذير: -أنتِ ماحساش بالناس-!
- هل تعرفون المصريين الأرمن؟
- أسئلةُ -جوجان- الصعبة
- المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم
- نادي الشرق الأدنى للأرمن
- قواعدُ الرجال … يا نساء العالم!
- ه. ق. … أقصر رسالة في التاريخ!
- على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف، وحبل الفيل
- الخوف من الخوف
- لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟
- من الذي جرح ساقها؟
- كتاب الأخلاق … يا وزير الأخلاق
- كارما… المسيحيُّ في قلب المسلم
- لكي لا ننسى صناع الهلاك!
- خطأٌ مطبعيٌّ ... بالقلم الكوبيا
- محمد صلاح ... وجه مصر … من وجوه الفيوم
- باقي زكي … مفتاح كسر صهيون
- جدتي … المعمارية الأولى


المزيد.....




- على خطى روسيا... جورجيا تضيّق على مؤسسات المجتمع المدني
- الأمم المتحدة تدعو إلى إعادة فتح معبر رفح ووقف إطلاق النار ب ...
- منذ 6 مايو.. الأونروا تعلن أعداد النازحين قسراً من رفح
- الاتحاد الأوروبي يطلب من تونس إيضاحات بشأن حملة اعتقالات في ...
- السعودية ترحب بتبنّي الأمم المتحدة قرارا لمنح دولة فلسطين عض ...
- لاجئون سوريون يعودون من لبنان
- تونس: الاتحاد الأوروبي قلق من اعتقالات بصفوف المجتمع المدني ...
- لبنان يعيد مئات اللاجئين إلى سوريا -في إطار العودة الطوعية- ...
- الاتحاد الأوروبي يعرب عن -قلقه- بعد موجة اعتقالات في تونس
- لبنان يستأنف ترحيل اللاجئين السوريين


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فاطمة ناعوت - هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد