أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كمال طيرشي - كارل ماركس و الدين : قراءات في كتاب الدين و العلمانية في سياق تاريخي لعزمي بشارة















المزيد.....

كارل ماركس و الدين : قراءات في كتاب الدين و العلمانية في سياق تاريخي لعزمي بشارة


كمال طيرشي

الحوار المتمدن-العدد: 5944 - 2018 / 7 / 25 - 11:51
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


كارل ماركس و الدين : قراءات في كتاب الدين و العلمانية في سياق تاريخي لعزمي بشارة
بقلم : كمال طيرشي
باحث مساعد بالمركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات

سنعمد في هذا المقال المقتضب دراسة موقف عزمي بشارة من فلسفة الدين عند كارل ماركس، و ذلك من منطوق التقليد النقدي الذي يعتبر الدين ماهو في الحقيقة إلا ضرب من المخادعة المقصودة بهدف الهيمنة ، و في رؤية نقدية أكثر عمقاً تنظر إلى الدين على أنه ظاهرة تمخضت عن اغتراب الإنسان في لبه، و في رجوعٍ إلى التعامل مع الدين كأنه إيديولوجيا غير واضحة المعالم تحجب إدراك الجماهير بظروف و حيثيات حياتهم الواقعية التي يعيشونها، و في تحول هذا التعامل مع الدين بنفسه إلى أيديولوجيا.

يرى المفكر كارل ماركس في الدين كتمظهر مثالي عن مبتغيات البشرية و كذا تعبيراً عن هلعهم، فهو بمثابة زفرة للمقهور في دهاليز الرأسمالية وفي عالم لم يعد له أية بذرة رحمة . ويستحضر بشارة مقولة كارل ماركس الرائجة في كتابه الموسوم: نقد فلسفة الحق عند هيغل: الدين أفيون الشعوب، ويعمل على تصحيح مقصدها الحقاني و التي فهمت فهماً فيه كثير من الأغاليط لدى الكثير من الناس التي تناقلت مقولته باللسان العربي، فماركس لم يكن يقصد أن في الدين مخدر للإنسانية جمعاء، بل ادعى أن له دور تحذيري في سياق علاقة الشعب بالدولة ، ومع ذلك لا يمكننا أن ننفي أن ماركس كان مفكراً ملحداً.

إن الفرد المتدين يعتقد في تمسكه بالدين بمثابة سبيلا طهراني خلاصي للذود بالرحمة الربانية و هذه النظرية مخالفة تماماً لما كان يتصوره فلاسفة الأنوار المعادون للدين جملةً ، في مقابل الطرح الذي يرى بأن مناهضة و محاربة سلطان المؤسسات اللاهوتية التي لها اليد الطولى في الاشراف على الدين في الدولة و الراعية له لشتى الأفكار الدامسة المتطرفة هو السبيل الأنجع و الأنجح نحو الحرية البشرية. وكارل ماركس ينأى بنفسه عن كلا الطرحين معتبراً إياها طروحات تعبر عن عجز كبير في حذق التواشج بين الدين و المجتمع. فالدين لا يمكن البتة النظر إليه على أنه سلطة تاريخية مستقلة في حد ذاته ، وإنما هو حقيقةً تمخض من تمخضات المجتمع البشري ولا يمكن أن نتعامل معه بمنأى عن بقية مناحي الواقع المادي والسوسيولوجي.

أن الدين بمنطوق كارل ماركس ماهو إلا صورة انعكاسية لحالة الاغتراب البشري وانبجاس للمجتمع الطبقي، كما يعمل أيضاَ إلى تكريس ظاهرة الاغتراب مبرراً لهذا المجتمع الطبقي. و بهذا يكون للدين دور مركزي غالباً ليضفي المصداقية على التواشجات السوسيولوجية القهرية القائمة في المجتمع و كذا المحافظة على المؤسسات التي تجسد هذه التواشجات. كما أن القضية أكثر تعقيداً من عملية اختزال الظاهرة الدينية في عملية مؤامرة للحكام و النظام السياسي القائم في الدولة بغية الحفاظ على الوضع الراهن كما هو . ففي مجتمع يسيطر فيه الدين على تأييد الشعوب المضطهدة، يعطي الدافعية لكل الطوائف و المذاهب و الحركات التمردية و الثورية أن تتخذ صبغة و قاعدة دينية عن سبيل تحفيز الأيديولوجيا الدينية المتفشية عينها بما يتماثل مع مصالح الشعب.

و بذلك وضح لنا عزمي بشارة مفهوم العبارة المتأولة التي يقول فيها ماركس أن “الدين أفيون الشعوب”. حيث أن الفهم الصحيح لهذه الجملة يحيلنا إلى إعادة قراءة و فهم جديدين بمعنى أن الدين يصبح مادة مخدرة تسمح للشعوب المغلوبة على أمرها و المقهورة بأن تتحمل وزر بؤسها و مشاكلها و همومها عن طريق الغرق في أحلام تحرمهم من القدرة على التمرد و الثورة على النظام الفاسد الحاكم في البلاد.

و بناءاً على ما سبق ذكره فإن جذور الظاهرة الدينية و تدين الإنسان هو من اختلاق البشر، و أن تفنيده ماهو إلا مقدمة معتبرة لدحض اغتراب الكائن البشري عن نفسه، المتمخض عن التواشجات الاجتماعية الماثلة، و نص ماركس في الغالب تمت صياغته وفقاً لمنافحة فلسفية هيجلية بالأساس، و لذلك لما نرجع إلى النص الأصلي الماركسي الذي يقول فيه:" بالنسبة إلى ألمانيا ، أنجز عملياً إنجاز نقد الدين، فنقد الدين مقدمة لأي نقد، و الإنسان الذي وجد واقع السماء الخيالي هناك حيث بحث عن الإنسان الفائق ، عثر على انعكاس لذاته، و صار غير قادر على العثور على انعكاس لذاته في الإنسان الأعلى، حيث يبحث عن الواقع الحقيقي.الأصل في النقد اللاديني للدين هو مايلي: الإنسان هو الذي يصنع الدين، و ليس الدين هو ما يصنع الإنسان. صحيح أن الدين وعي ذاتي و شعور ذاتي عند الإنسان الذي لم يكسب نفسه بعد. أو خسرها حالما بكسبها ، لكن الإنسان ليس تجريداً ، أو كائناً رابضاً خارج العالم. الإنسان هو عالم الإنسان، و الدولة و الاجتماع. و هذه الدولة و هذا الاجتماع ينتجان الدين باعتباره وعياً مقلوباً لأنهما عبارة عن عالم مقلوب. الدين هو نظرية العالم الشاملة، موسوعته المختصرة منطقه بصيغة شعبية... تعبيره المعنوي، تتميمه الاحتفالي، عزاؤه العام، و أساس تبريره ، إنه التحقق الخيالي لجوهر الإنسان، حينما لا يكون جوهر الإنسان من واقع حقيقي، الصراع ضد الدين هو نضال ضد ذلك العالم الذي يشكل الدين نكهته الروحية، البؤس الديني تعبير عن بؤس الواقع، وهو في الوقت نفسه احتجاج على بؤس الواقع ، الدين هو تنهيدة المظلوم ، و قلب عالم لا قلب له، وروح أوضاع بلا روح... إنه أفيون الشعوب ، و النفي الجدلي للدين باعتباره سعادة وهمية للشعب هو السعي إلى تحقيق سعادته الحقيقية ..إنه مطلب التخلي عن الأوهام في شأن أحواله، و التخلي عن الحالة التي تتطلب الوهم، نقد الدين في نواته هو نقد وادي الأحزان، الذي يشكل الدين خياله المقدس.. يخيب نقد الدين الإنسان كي يدرك الإنسان الخائب واقعه و يقوم بتصحيح هذا الواقع.. هكذا يتحول نقد السماء إلى نقد الأرض، و نقد الدين إلى نقد الحق، و نقد اللاهوت يصبح نقداً للسياسة.(الدين و العلمانية في سياق تاريخي، ص 283).

يعلق عزمي بشارة على هذه الفقرة الطويلة قائلاً أن مقولة ماركس الشهيرة الدين أفيون الشعوب ليست كما يعتقده الكثير من الناس في الغالب، و ماهي إلا صورة منعكسة لمفهوم مركب عند كارل ماركس في قضية وظيفة الدين، و منبعه في عملية اغتراب الكائن البشري عن نفسه في عملية التطهر الخلاصي المتخيل و الوهمي، وهو مفهوم يعبر عن شماتة الواقع و دحضاَ له في الوقت عينه، وهو عملية اغتراب الإنسان عن كنهه. فكارل ماركس يعتقد أن هدف و بغية الدين الفكرية تم إنجازها وما أصبح لها أي معنى يذكر، و أن تفنيد الدين الحقاني هو في تغيير الوقائع المشؤومة و في السعي نحو تحقيق غبطة الإنسان، و بالنسبة لكارل ماركس صار المهم و الاأنجع دحض التواشجات السوسيولوجية و القانونية و السياسية، المهم هو نقد الأرض لا نقد السماء، و الأهم من هذا كله هو تحقيق حبور الشعوب الحقيقية المغلوبة على أمرها، و هذا بالضبط النقد الحقاني لسعادته الوهمية.

هذا و يتعامل كارل ماركس في كتابه المركزي : رأس المال بادئ ذي بدء مع مقولات يحذقها أي تلميذ من تلامذة التنوير في الأزمنة الحداثية، و لا تحتاج إلى أي اسهاب يذكر، كما لا يجبلها أي منحى خصوصي أو إضافة ماركسية، بل ترتهن في الغالب على معالجات من صميم أن عالم الدين هو في الأساس انبجاس من الفهم الإنساني، و أن الأشياء التي تنبجس عن العقل تتجلى على أنها قريبة من الواقع و الفهم البشري، ثم تهيمن على الكائنات البشرية عوض أن يعمدوا هم على الهيمنة عليها، وهو يجلب ذلك بحكم أنه برادايم تمثيلي ليشرح كيف تهين التواشجات السلعية على البشر إذ تتجلى لهم السلعة كشيء ذا حياة خاصة به، مع أنها في الأساس من تمخضات الطبيعة السوسيولوجية للعمل، و بالتالي فالأهم بالنسبة لماركس ههنا هو بسط العلاقة بين ضرب الإنتاج السلعي و المسيحية في أوروبا عبر مقولات فلسفية غارقة في الجريد.

مثلت قضية تعاطي ماركس مع الدين على أنه عبارة عن مؤسسة سوسيولوجية تعمد إلى تطوير مرامي طبقية في المجتمع الاقطاعي برهاناً على حصافة رؤية وسائل المادية التاريخية و نجاعتها، أثر من المنافحات الفلسفية التي بقيت تنبز في فكره هنا و هناك، أما الوسائل المادية التاريخية فبرهنت على نجاعة أكبر حيث استعملت في تفكيك علاقات القوة الماثلة و المؤسسات و حتى في ضروب التدين، على الرغم من أن كارل ماركس لم يعتمدها لدراسة الدين العيني و التدين الواقعي كما يمارس فعلياً. و حين عمد إلى ذلك لم يبحثها بتعمق كما فعل السوسيولوجيون و المؤرخون في زمانه ومن لحق بعده كذلك. و بذلك ينتهج هذا الضرب من التوجه الذي يترنح بين التبسيط و التعقيد شكلاً مهترئاً عندما يواشج الدين بالأيديولوجيا الطبقية، فيتحول هو إلى مجرد أيديولوجيت، أي إلى مجرد إداك خاطئ و مقلوب يأفل معه حذق الواقع و يزيف الإدراك، هنا تصير الماركسية بذاتها عبارة عن أيديولوجيا ، لأنها علاوة على الفهم المغالط الذي تقدمه الأيديولوجيا، فإنها تربطها مباشرة بالمصالح الطبقية الاقتصادية و تحصرها فيها.



#كمال_طيرشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة مقتضبة في أهم أعمال عزمي بشارة الفكرية و الأدبية
- بهتان وكالة الأنباء الفرنسية في حق المفكر عزمي بشارة
- قراءة في كتاب: رهاب الإسلام ورهاب اليهودية: الصورة في المرآة ...
- قراءات فلسفية في الإستيطيقا المعاصرة
- هل الحرية سالبة أم موجبة؟: تأملات فلسفية حول مفهوم الحرية عن ...
- مراجعة في كتاب: المجمل في فلسفة الفن لكروتشه بقلم الباحث كما ...
- مراجعة نقدية لفيلم : - أم Mother !-
- مفاهيم متشابكة حول المثقف عند المفكر عزمي بشارة
- فلسفة الإيمان عند عزمي بشارة
- قراءة في كتاب :أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي – هبرماس أنم ...
- مفاهيم حول الدين و علاقته بالأخلاق عند عزمي بشارة (الجزء الأ ...
- في مفهوم الأسطورة و الأرموزة عند عزمي بشارة
- عزمي بشارة الفيلسوف الثائر (الحلقة الأولى)
- الفضية الفلسطينية فوق كل حاقد و ضد شبيحة الأسد و شرذمة بقايا ...
- قراءة في كتاب : النظام المعرفي عند مشال فوكو


المزيد.....




- مادة غذائية -لذيذة- يمكن أن تساعد على درء خطر الموت المبكر
- شركة EHang تطلق مبيعات التاكسي الطائر (فيديو)
- تقارير: الأميرة كيت تظهر للعلن -سعيدة وبصحة جيدة-
- عالم روسي: الحضارة البشرية على وشك الاختفاء
- محلل يوضح أسباب فشل استخبارات الجيش الأوكراني في العمليات ال ...
- البروفيسور جدانوف يكشف اللعبة السرية الأميركية في الشرق الأو ...
- ملاذ آمن  لقادة حماس
- محور موسكو- طهران- بكين يصبح واقعيًا في البحر
- تونس تغلق معبر رأس جدير الحدودي مع ليبيا لأسباب أمنية
- ?? مباشر: تحذير أممي من وضع غذائي -كارثي- لنصف سكان غزة ومن ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كمال طيرشي - كارل ماركس و الدين : قراءات في كتاب الدين و العلمانية في سياق تاريخي لعزمي بشارة