أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال طيرشي - مراجعة نقدية لفيلم : - أم Mother !-















المزيد.....

مراجعة نقدية لفيلم : - أم Mother !-


كمال طيرشي

الحوار المتمدن-العدد: 5865 - 2018 / 5 / 5 - 19:52
المحور: الادب والفن
    


تاريخ الصدور: 15 -09، 2017 (الولايات المتحدة).
المخرج: دارين أرنوفسكي.
مدة الفيلم: 121 دقيقة.
السيناريو: دارين أرنوفسكي.
الأنواع: فيلم رعب، إثارة، فيلم دراما، فيلم غموض.

في سابقة من نوعها في تاريخ سينما هوليوود يقدم لنا الفيلم الصادر مؤخراً للمخرج الأمريكي المتخرج من جامعة هارفرد دارين أرنوفسكي، هذا الأخير الذي عودنا بين الفينة و الأخرى على اخراج أفلام تتسم بالغموض و الرعب النفسي و الرمزية العميقة، و باستعانته بالممثلة الحاصلة على الأوسكار جونيفير لورانس التي قدمت دوراً ممتازاً أشاد به الكثير من النقاد السينيمائيين، حيث عاشت الدور بكل جوارها فجعلها بطلة الفيلم بامتياز ، برغم الأداء الباهت الذي ظهر به الممثل المخضرم خفير برودوم الفائز هو الآخر بجائزة الأوسكار و الممثلة ميشيل فَايفر و التي ترشحت هي الأخرى ثلاث مرات لجائزة الأوسكار وعرفت من خلال أدوارها في أفلام سكارفيس وعقول خطرة وعودة باتمان.
المتأمل لبداية الفيلم يشاهد زوجين يعيشان في منزل غامض معزول عن العالم و كأنه تمظهر روحي لبيت يعبر عن كنف العالم ، الزوج اسمه "هيم Him" جسد الدور خافيير باردم وهو شاعر كبير يحاول جاهداً أن ينظم قصيدة لكنه يصطدم بمعوقات كثيرة تكبحه عن الالهام و الكتابة. الزوجة إسمها "mother أو أم" وجسدت الدور "جنيفر لورانس" وهي زوجة جميلة هادئة تعشق العمل كثيراً،و تساهم بصورة يومية في اصلاح كل الاعطاب التي تلحق بالبيت، و الغريب في الآن عينه أن بيت يحتاج إلى رعاية خاصة حالة كحال المريض في غرفة الإنعاش ،كما تحاول بعزيمة فريدة في الحفاظ على بيتها والعيش بهدوء وطمأنينة والابتعاد عن ملهيات و مشاغل العالم و التفرغ لرعاية زوجها الشاعر، فجأة يأتي عندهم زائر مجهول يعرف عن نفسه أنه طبيب و لكنه يظهر على أنه بلا ملاذ أو بالأحرى فقد ملاذه و هو بحاجة لبيت يأويه وفي هذا رمزية دينية كبيرة تعبر عن هبوط آدم من الجنة والبحث عن المأوى و بيت الكينونة و المستقر.
بعد ذلك تأتي زوجة هذا الزائر التي وصلت بعده ببضع أيام و فيه دلالة رمزية كذلك على حواء.ثم يلحقها بعد ذلك أبناءها الاثنين ، و المثير أنهما يدخلان إلى البيت و الغضب يملأ قلوبهما، خصوصاً الابن الأكبر الذي ينقم على والده لأنه أعطى الميراث لابنه الأصغر و حرمه من القسمة، و يبدأ العراك بينهما إلى حد التقاتل، فيقتل الابن الأكبر أخوه، و يشعر بالندم بعدها مباشرة وفي ذلك تعبير عن رمزية أول مذبحة في تاريخ البشرية (قابيل و هابيل) والتي كانت في جوهرها صراع غيرة و حسد، بعد مدة قصيرة تشعر هذه الأم (جنيفر لورانس)، و الأم ههنا تعبر عن مفهوم الوسيط الكينوني الذي يرعى نظام الوجود العام و الذي يتجلى عبر التاريخ البشري في كائنات بشرية مقدسة تحمل في لبها منحى ألوهياً أو بالأحرى وعاء الألوهية ، كالسيدة مريم العذراء، التي حبلت بالمسيح عيسى ، الذي هو تجسدية للرب في لحظة زمانية معينة وفق المنظور الكهنوتي المسيحي، فالأم ترعى البيت (الذي هو الوجود العام و العالم المحسوس)وهي تحوي في جوفها قلباً سيتحول في نهاية الفيلم إلى جوهرة مقدسة تعيد بث المحبة في البيت و تعيد تجديده مرة أخرى، ثم تستيقظ الأم على نفارقة كون منزلها أصبح مليء بالغرباء وأن هناك حفرة في الأرضية تنزف دماءً! وأن المنزل له قلب ينبض!.
المتأمل لرمزية الأرضية النازفة يتجلى مفهوماً مسيحياً مركزياً ألا وهو الخطيئة الأصلانية التوارثة ، و التي توارثتها البشرية منذ عهد آدم ، أو يمكن أن يعبر عن النقصان الذي يغالب العالم ، أو عن جذرية الشر في العالم ، و أن هذا العالم مصدر الآلام و العذابات و أن الراحة تكون بالخلاص منه و مغادرته و العودة إلى عالم الدينونة و الأبدية، أما قضية أن البيت له قلب ينبض دليل على روح العالم و الرعاية الربانية للعالم و أن العالم سيفنى و يموت في النهاية لأنه خلق لأجل محدد ومعين ينتهي به،لكن من يكون الشاعر ؟، من يكون الزوج؟
الزوج أو رب البيت في الفيلم رمزية عن الرب في المسيحية، هذا الأخير الذي أظهر نفسه للبشرية و تجسد في الوجود في شخص المسيح باسم المحبة ، فلكي يعبر الرب عن محبته للإنسانية تشارك معها التدرع بالبشري، فكان جسد البشري تكفيرا و خلاص للبشرية جمعاء، حيث أننا نجد في الفيلم أن الأم تحاول جاهدة لاقناع رب البيت على جماعها بغية الحصول على إبن و هو ما يتحقق بالفعل حيث تنجب طفلاً، لكن الغريب أن الأشخاص الغرباء الذي يتوافدون على منزلهم و الذيت تختلف شخصياتهم و توجهاتهم و سبب حضورهم و غرابته في بعض الحالات، حيث نجد أن البعض منهم جاء مستكشفاً أو بالأحرى أنه يحب الاستكشاف فوجدته :الأم! يتجول بين الغرف، و في هذا تعبيراً على أن بعض البشر ليس لهم من هدف في الحياة و أن حياتهم مشابهة لهذا المستكشف ليس إلا، و بعض الأشخاص يبحثون عن مكان للهدوء و النوم في البيت و هو تعبير عن بعض البشر الذي اتعبتهم الحياة الدنيا و أرهقت كواهلهم و يبحثون عن راحة و استقرار قبل وفاتهم، كما نجد كذلك بعض الأشخاص في هذا البيت منهمكين بالتقاط صور تذكارية مع الشاعر (الزوج)، و هؤلاء تعبير عن الأشخاص المنهمكين في معترك الحياة و يبحثون عن المجد و الأضواء بكل قوة، كما نجد الزوج (الشاعر) يستطيع في النهاية أن ينظم قصيدة و يتهافت عليه الناس من كل الأصناف و الأعمار و التوجهات و الأديان و الأعراق، خصوصاً بعد انجاب الأم لطفل يحاول حينها الزوج أن يأخذه منها بغية أن يريه للضيوف الغرباء الذين جاءوا إليه بأعداد هائلة، لكن الوالدة تحاول قمعه حتى لا يأخذ ابنها ، و الابن ههنا تعبير رمزي عن اليسوع الذي يصلب بغية تخليص البشرية من الخطيئة ، فبعد أن تنام الأم يعمد الأب (رب البيت) أخذ الطفل و تقديمه إلى الناس الذي يلتهمونه، ثم يبدأون في البكاء و النحيب عليه ، وههنا تعبير عن مشهد الناس الذين كانوا يوم يوم صلب المسيح.لينتهي الفيلم بنهاية أشد غموضاً حيث تضرم الزوجة النار في جسدها و تكب الزيت و تشعل البيت ومن فيه من الناس ، ليتجلى رب البيت من بين الركام و ينتشل الزوجة المحتقرة و هي تحتضر و تتساءل عن حقيقة من يكون فيقول لها أنا :هو أنا الذي كنت هناك ، وفي هذا إشارة إلى قدرية الفاعل و مشيئة الموجد، ثم ينتزع الزوج قلب الزوجة و يخرج جوهرة يقبع فيها خلاصة حبها، و يعيد بعث البيت من جديد، و هي بذلك وسيط لهذه المحبة المبثوثة في البيت، وفي هذا دلالة رمزية عن انتقال المحبة بين الذوات البشرية ، هذه المحبة التي هي في نهاية مصدر رباني.
إلا أن للنقاد في عالم السينما قراءات أخرى مغايرة حيث نجد الناقد "بين كرول "Ben Croll يربط الفيلم بالجانب الديني ربطاً عميقا و غريباً ، حيث تمثل شخصية الأم في الفيلم جنة العدن، كما يلمح بطريقة أو بأخرى، للأوبئة العشرة التي كانت في عهد فرعون موسى والتي ورد ذكرها في الكتاب المقدس، هذا بالإضافة إلى محاولة تجسيد أمثولة الأخوين هابيل وقابيل وقتالهما. أما في بعض اللحظات فنرى مشاهد تشير إلى الوحشية و العنف الكبير و القسوة بالإضافة إلى مشاهد آكلي لحم البشر وفيها تعبير عن الحال الذي آل اليه العالم اليوم و غياب الرحمة من قلوب بعض البشر أو إلى التنظيمات الدينية المتطرفة، مما يدفع المشاهد لاستنباط روؤى و أفكار لها علاقة بالعقائد الدينية و اللاهوتية أما الناقد السينمائي آدم هولز . Adam R. Holzفيعمد إلى تحذيرنا من الأفكار الضمنية لهذا الفيلم، حيث يقول أن عشرين دقيقة الأخيرة من الفيلم تتجلى لنا وكأنها مكتوبة بشكل مقصود لإيصال إنطباع و رؤية سيئة وسلبية عن الرب وعن كل من يعبدونه على وجه الأرض، ويعتبر هذا الفيلم هو أكثر الأفلام حقدا وازدراءا التي رأيتها في حياتي على المسيحية والأديان بصفة عامة.و يقول الناقد الكبير كريس ستوكمام Chris Stuckmann قال :"أن الفيلم تعبير عن لغز محير أحاول أن أجد له حل، لكني أعرف أني لن أستطيع لأن هناك العديد والعديد من التآويل الممكنة و التي نستطيع أن نجد لها تفسيراً مقارباً لحقيقة الفيلم،فهو يحوي ضروب مجازية كثيرة و متباينة، هذا بالإضافة إلى مشاهد بصرية البغية من وراءها جعل المشاهد(وههنا لا نقول المشاهد العادي ، لأن الفيلم غير موجه لعامة الجمهور فهو فيلم نخبوي، يشبه صورة أو بأخرى فيلم الساعات الذي جسدته نيكولا كيدمان في دور فيرجينيا وولف) يُخمن فيها لمدة و يقترح فهماً أو بالأحرى فهوماً متضاربة عن المشهد الواحد(مثل مشهد البصق في الوجه في بداية الفيلم). هناك تلميحات تشير إلى التوراة كقصة هابيل وقابيل، أشياء تشير إلى الله والأرض... هناك الكثير من الأمور الجنونية، لكن رغم ذلك أحببت الفيلم"
هذا و يقول الناقد جريمي جاهنز Jeremy Jahns من قناته على اليوتيوب أن الفيلم مختلف تماما عما تراه أو ما يمكن أن تراه في الترايلرات (إعلانات الفيلم)، فما ستراه في الفيلم يعتبر طمس كامل مختلف لما هو في التريلر، فمثلا بعد مشاهدتك لترايلر الفيلم قد تظن أنه فيلم رعب... لكنه ليس كذلك أبداً. فالفيلم هو عبارة عن تعبير مجازي في غالبه، فما ستشاهده في الفيلم هو شيء، لكن المعاني وراءه هو شيء آخر مختلف و عميق و جدلي على نحو غامض، و ذلك باستعمال مشاهد وصور مألوفة لنا و تبدوا عادية و يومية نعيشها في حياتنا. يضيف Jeremy أنه إذا رغبت بمشاهدة الفيلم يجب عليك أن تعرف أولا ما الذي تهوى مشاهدته و اللون الذي يستهويك من الافلام، فإذا كنت تكره أفلام المخرج "دارين أرنوفسكي" أو كنت تحب فقط الأفلام ذات القصة البسيطة وذات الحبكة الواضحة، فهذا الفيلم ليس لك للأسف الشديد، حيث سوف سيخيب ظنك وتنفر من الفيلم على الفور.
و الغريب و المثير في الآن عينه أن ارهاصات الجدل حول الفيلم كان بعد تقييمه من طرف موقع CinemaScore سلبيا حيث حصل على العلامة F والتي تعتبر أسوء تقييم يمكن لأي فيلم الحصول عليه، وهذا الموقع يعتبر منصة يعبر بها الجمهور عن رأيه عن الأفلام من خلال نظام استقصاء واستعراض للآراء بشكل حصري لمجموعة محددة من الجمهور قبل صدور الأفلام بشكل رسمي.
في الأخير،لابد لنا أن نعترف بأن هذا الفيلم لم يكن بتاتاً عملاً سينمائياً عادياً، فهو يعج بالمفاهيم الغريبة و الغامضة و التي لا تفهم إلا بطريقة ضمنية تخاطب اللاشعور القابع في نفوسنا وتتناول الدين من عدة زوايا، وهذا ليس بالأمر الجديد و الغريب على المخرج "دارين أرنوفسكي"، صاحب فيلم النبي نوح ، والذي كان قد خلق جدلا واسعا عند صدوره سنة 2014 وتم منع عرضه في العديد من الدول في العالم، ولاقى استهجان الكثير من رجال الدين سواء في العالم المسيحي أو الإسلامي.



#كمال_طيرشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفاهيم متشابكة حول المثقف عند المفكر عزمي بشارة
- فلسفة الإيمان عند عزمي بشارة
- قراءة في كتاب :أخلاقيات التواصل في العصر الرقمي – هبرماس أنم ...
- مفاهيم حول الدين و علاقته بالأخلاق عند عزمي بشارة (الجزء الأ ...
- في مفهوم الأسطورة و الأرموزة عند عزمي بشارة
- عزمي بشارة الفيلسوف الثائر (الحلقة الأولى)
- الفضية الفلسطينية فوق كل حاقد و ضد شبيحة الأسد و شرذمة بقايا ...
- قراءة في كتاب : النظام المعرفي عند مشال فوكو


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كمال طيرشي - مراجعة نقدية لفيلم : - أم Mother !-