عشتار الفصول:11149 التركيبة البنيوية للمجتمعات المشرقية.

اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)

الحوار المتمدن-العدد: 5912 - 2018 / 6 / 23 - 21:20
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    

عشتار الفصول:11149
التركيبة البنيوية للمجتمعات المشرقية.
إنّ طلب المستحيل ،من المستحيل ، مستحيل.
المجتمعات البشرية بشكل عام ،والمشرقية بشكل خاص تكمن قوتها في تركيبتها، وتماسك عاداتها، وتقاليدها ،والبنيوية الفكرية التي تقوم عليها فعاليتها، تلك التي وضعت نشاطها الديني والمذهبي في مقدمة أولوياتها ـ وإن لاتفهم من تلك الديانات شيئاً ـ فتلك مسألة تاريخية عاشتها تلك المجتمعات وتمتد إلى عمق الأزمنة، وتحمل معها ترسبات تكلست بعضها، وبعضها الآخر قد تحجر لدرجة يصعب علينا التميز بين هذه الآلية المؤدية للفهم والإدراك ومابين تلك التي تلبس لحماً ودماً ،سداه ولحمته الفكر المنغلق غير القابل للتجديد..
إنّ تغيير تلك المجتمعات من أعقد المسائل الإنسانية قاطبةً.، فالتركيبة البنيوية الفكرية لتلك المجتمعات ،تمتنع عن كلّ من يُريد أن يخترقها ،لهذا لايمكن أن تحدث أية قفزة، أو ثورة، أو تغيير بالدعاء ولا بمن يُطلق دعوات ( خالف تُعرف) .إن قراءة التاريخ البشري بشكل عام ،ضرورة حتمية لصياغات دستورية أو قانونية أو ثقافية.من الصعب جداً أن تُدمر المجتمعات فكرياً، لمجرد كاتب يدعو هنا أو هناك ، إن الأنبياء جاؤوا بدعوات ذات أنساق ٍ فكرية موغلت في تاريخ التجربة البشرية، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً ،ولم يحققوا شيئاً غير أنهم زادوا من التخلف والتعصب والتراجع في مسيرة تلك المجتمعات..إن طلب المستحيل من المستحيل ،مستحيل، ومن يطلب المستحيل من شعوبٍ لن تعود إلى طفولتها الفكرية مهما حاولنا ،وحاولت كلّ جيوش الجن والأنس أن تغير البنيوية الفكرية لتلك المجتمعات فلن تتمكن.
لهذا إن تغيير تلك المجتمعات لايأتي بالقفز من على أسوار ممالكها، بل يأتي بالحكمة وصياغة في المناهج التربوية التي تدعو إلى إحداث الثورة، فالثورة الحقيقية لاتجيء بالفوضى حتى تلك الفوضى الخلاقة.التي أدعاها الغرب الفاشل في تكوينه الوجداني.
إن المجتمعات الشرقية لايلزمها ثوريّ ٌ فوضوي، بل يلزمها الحكمة الواقعية ،فلا يمكن أن تُغير جوهر المعادن لمجرد أن تراها ماء.
إنّ المجتمعات البشرية وبشكل آلي تجدد في جوهرها من خلال التراكمات الثقافية العالمية وتلاقحها مع تلك المجتمعات،ولاتتبنى أية مفاهيم لاتُناسبها ،إن العالم مقبل بشكل آلي على تغيرات لكن أعتقد التأثير لن يُصيب المجتمعات التي يبدو أنها عادت إلى التمسك بالدين كحل لمشاكلها، وحتى هنا لانعدم أن التغيير سيكون له آثارا هنا أو هناك.إنّ التدجين يلزمه فترة ليست بالهينة ،فكيف تريد أن نقفز في المجهول لنستنتج قوانيننا الاجتماعية ؟!!
أضف إلى ذلك ، إن نسق التغييروالتبديل ليسا هما من يتحكم بالمجتمعات بل هناك مجموعة أنساق تعمل بشكل هرموني، إن النغمة(التون) ليست هي الوحيدة في صنع الميلودي (اللحن) .
إنّ الكاتب غير المثقف بثقافة المجتمعات وفلسفاتها ، وجوهر تكوينها لايكفي أن يُطلق هنا وهناك بالونات تفجر أسماع بعض السذج، إن الثوري الذي لايملك برنامجاً ثوريا والذي لم يمر في فترة الحبل الثوري حتى تحين ولادته الطبيعية هو ثوري مدمر ولايعرف للثورية شيئاً.
إنّ تدمير المدن سهلٌ للغاية، ورفع أنقاضها يكلف الكثير، وتدمير الإنسان في وجدانه، وثقافته ،والتآمر على وطنه، ومجتمعاته لايكون بدعوات انفعالية، ولا بتلك المؤامرات العدوانية ، من يريد أن يدمر مجتمعاً بسرعة سيجد أمامه جبالاً تُخلق أمام المشاريع الفوضوية ، على أختلاف أنواعها وغاياتها.
الثوري الحقيقي، ذاك المُدرك والمستوعب ، والمستهلك للعالم معرفياً حتى يُنتج فكراً يناميكيا..
لهذا كتبتُ قبل أيام واستحضرتُ قولاً للسيد المسيح.
(هل يُجنى منَ الشوكِ عنب؟!!!).
حتى لو استخدمنا طريقة التطعيم في مفهومها الزراعي ، البيولوجي.لن يطرح ويثمر الشوك ليصير عنباً.فكيف نطلب المستحيل من المستحيل؟!!
اسحق قومي.
23/6/2018م
شاعر وأديب وباحث سوري مستقل يعيش في ألمانيا

#اسحق_قومي (هاشتاغ)       Ishak_Alkomi#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل