أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الاستبداد الناعم














المزيد.....

الاستبداد الناعم


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 5902 - 2018 / 6 / 13 - 23:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ذكّرتني الأزمة العراقية ما بعد الانتخابات والطعون والاتهامات التي صاحبتها، بما سبق وراج في الفكر السياسي والقانوني، «مصطلح النهايات» الذي أخذ يتردّد خلال العقود الثلاثة الماضية «نهاية التاريخ» و«نهاية الفلسفة» و«نهاية الأيديولوجيا»، وأعقبها مباشرة دعوات لمصطلح «الما بعديّات»: «ما بعد التاريخ» و«ما بعد الماركسية» و«ما بعد العلمانية» و«ما بعد الحداثة» وأخيراً «ما بعد الديمقراطية».
واستعدتُ تحذيرات المفكر الفرنسي ألكسيس دوتوكفيل قبل نحو قرن وثلاثة أرباع القرن عن بعض مساوئ الديمقراطية، والخشية على الديمقراطية من الديمقراطية نفسها، وكلّ تلك الانتقادات الحصيفة التي تعتبر «الديمقراطية أحسن نظام حكم سيّئ»، خصوصاً حين يتحوّل «حكم الأغلبية» إلى نوع من الاستبداد أو الدكتاتورية.
والسؤال لا يتعلّق بالعراق أو ببعض البلدان التي انتقلت من أنظمة الاستبداد التقليدية إلى أنظمة انتقالية لم تتوضّح معالمها بعد، حتى وإن زعمت أنها على طريق الديمقراطية، وإنما يشمل الغرب ذاته معقل الديمقراطية، بما فيه الولايات المتحدة التي حاول دوتوكفيل دراسة تجربتها على نحو عميق، فوضع كتابين كبيرين بعنوان «الديمقراطية في أمريكا».
فالديمقراطية لا تتحقق إلّا عبر منظومة متفاعلة من القوانين والأنظمة والمؤسسات الدستورية والقضائية والممارسة والشفافية والتربية، وذلك في فضاء من الحرية والمساواة والمشاركة واعتراف بالتنوّع والتعددّية، فأين نحن من كل ذلك حين يتم اختزال «الديمقراطية» بصندوق اقتراع؟ وهذا الأخير يتم الالتفاف عليه وتجري محاولات مستميتة لتغيير نتائجه والتلاعب به بوسائل تبدأ من التضليل والوعود وتمرّ بالتحريم والتأثيم باسم الدين أو بغيره ولا تنتهي بالتزوير، حيث تعقد الصفقات بوسائل ناعمة أو خشنة، بما فيها التأثير في المؤسسات المسؤولة التي يفترض أن تكون هي الحامية والمحايدة، لا مشاركة ومتواطئة.
وكان صعود قوى شعبوية يمينية متطرّفة إلى قمة السلطة في الغرب بفعل «الديمقراطية» قد نبّه إلى مخاطر جديدة، وكان المثال الأشد تأثيراً هو دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة، الذي دشّن عهده بطائفة من القضايا الّلاديمقراطية والمعادية لحقوق الإنسان بدءاً من موقفه من اللاجئين، ووصولاً إلى نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وما بينهما قضايا تخص حياة الناس من الصحة إلى التعليم، فهل انتهت «الديمقراطية التمثيلية؟
وإذا كان انهيار جدار برلين في العام 1989 قد دفع مفكراً مثل فرانسيس فوكوياما لينظّر عن «نهاية التاريخ» ويبّشر «بظفر الليبرالية»، فماذا سيقول بعد ثلاثة عقود من الزمان، حيث تبيّن التجربة أن الديمقراطية واجهت وتواجه مأزقاً كبيراً في موطنها، الأمر الذي فجّر الكثير من التناقضات، على الصعيد الداخلي في العديد من البلدان الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، فضلاً عن الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بعد انسحاب بريطانيا منه.
ولم تستطع الديمقراطية كبح جماح الإرهاب الذي تفشّى في جميع بلدان العالم، وأحياناً قادت إلى خيارات سيئة وسلبية جداً، ولعلّ ذلك إحدى المفارقات التي سبق ل ألكسيس دو توكفيل أن طرحها منذ أواسط القرن التاسع عشر.
وإذا كان مثل هذا التحذير قد ورد على لسان «أبو الديمقراطية» أو حامل صليبها، كما يسمّى، وكانت حينها نظاماً واعداً، فماذا سنقول نحن إزاء تجربة ولدت عليلة منذ البداية وزادت اعتلالاً خلال الخمسة عشر عاماً الماضية، في ظل استشراء الطائفية والإثنية كنظام للمحاصصة يقوم على الزبائنية، واستفحال الإرهاب والعنف وتفشّي الفساد المالي والإداري واستمرار ضعف الدولة ووجود مرجعيات تحاول تجاوزها؟
لقد تنبأ دوتوكفيل منذ وقت مبكر بخطر الديمقراطية نفسها على نفسها، محذّراً من «الاستبداد الديمقراطي» الذي هو نوع جديد من الاستبداد «أشدّ مكراً» أحياناً من الاستبداد التقليدي، لدرجة أنه يبدو «جذّاباً» لكنه «أكثر فتكاً» من الأول، وهو استبداد «خفي» أحياناً مقابل «الاستبداد المعلن»، وهو استبداد يحطّم قيم الناس، خصوصاً حين تشرعنه السلطات وتعطيه توصيفاً قانونياً «دستور»أو «قانون انتخابات» أو «برلمان»، وكل هذه توظّف لتكريس الامتيازات، ناهيك عن إسهامها في التدليس وسوء الأخلاق، ويتم التبرير أحياناً باسم «حكم الأغلبية» و«إرادة الشعب» وبمعزل عن قيم الديمقراطية نفسها وبلا ضوابط كافية تمنع الارتداد والتراجع عن جوهر الديمقراطية وفلسفتها في الغاية والوسيلة. ويزداد الجدل ويتعاظم أكثر من أي وقت مضى حول جوهر الديمقراطية ومحتواها، وخصوصاً في التجارب الناشئة وفي المجتمعات الانتقالية، فهل «رأي الأغلبية» وحده هو الفيصل في الحكم على الديمقراطية؟ أم ثمة معايير أخرى، تتعلق بالمضمون وليس بالشكل؟ دون إهمال الآليات والوسائل التي هي الأخرى ينبغي أن تكون ديمقراطية، فلا غاية عادلة دون وسيلة عادلة، ولا وسيلة ظالمة توصلك إلى هدف نبيل.
الديمقراطية الحقة لا تحمي المجتمعات من الدكتاتورية الفردية أو «الأقلويّة»، بل ينبغي أن تحميها من «دكتاتورية الأغلبية»، سواء كانت هذه الدكتاتورية سياسية أو مجتمعية باسم العادات والتقاليد طبقاً لاعتبارات دينية أو طائفية أو إثنية بزعم «الأغلبية»، ولا تتحقق الديمقراطية إلّا باحترام رأي «الأقلية»، وإلّا سيكون للديمقراطية الناعمة أسنان حادة وربّما قاطعة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصين تتغير
- قول آخر في «الدولة المدنية»
- محمد بحر العلوم والرؤية العربية
- الانتخابات .. دلالاتها وسيناريوهات
- حقيقة العنف ولا عنف الحقيقة
- لغز البغدادي
- عن ترامب ومبدأ -فن الصفقة-
- «الهولوكوست» وما يخفيه النفاق
- حين تفعل الثقافة فعلها
- حين يختل العمل السياسي
- سكريبال والحرب الدبلوماسية
- «ثقافة السلام» و«سلام الثقافة»
- خريطة الانتخابات العراقية : تضاريس وعرة ومنعرجات ضيقة!
- القدس ومعركة القانون والدبلوماسية
- تيلرسون و«سحر» الدبلوماسية
- حصان طروادة الجديد في الانتخابات العراقية!
- حوار عربي- كردي...
- المسيحيّون في المشرق العربي - نحو دولة المواطنة
- نقض «الرواية الإسرائيلية»
- التسلّح ونزع السلاح


المزيد.....




- غضب في إسرائيل بشأن تصريحات نتنياهو عن أهداف حرب غزة
- 29 قتيلا في غارات إسرائيلية على غزة ومنظمة الصحة تندد بتقاعس ...
- تغير المناخ والجفاف يقوضان الثروة الحيوانية بالعراق
- وزارة الدفاع الروسية تنشر وثائق عن اقتحام الجيش الأحمر لبرلي ...
- تجدد إطلاق النار في كشمير مع إجراء البحرية الهندية تدريبات ع ...
- الإكوادور.. وفاة 8 أطفال بسبب عامل معدٍ لا يزال مجهولا
- الدفاعات الجوية الروسية تصد محاولة هجوم بالمسيرات على سيفاست ...
- الخارجية الأمريكية: الولايات المتحدة لن تلعب بعد الآن دور ال ...
- تحذير صحي هام.. منتجات غذائية شائعة للأطفال تفتقر للعناصر ال ...
- الدروز يغلقون عدة مفارق مركزية شمال إسرائيل في مظاهرات مطالب ...


المزيد.....

- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الاستبداد الناعم