عمرو البقلي
الحوار المتمدن-العدد: 1496 - 2006 / 3 / 21 - 11:39
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في الأسبوع الماضي أصدر القضاء الإداري المصري حكما يلزم الكنيسة المصرية بتزويج المواطن المصري المسيحي المطلق طلاقا مدنيا مرة أخري زواجا كنسيا , و رغم تأكيدات الكنيسة المصرية أن هذا شأن كنسي و و شأن ديني لا علاقة للقضاء فية حيث أن الكنيسة المصرية ترفض تزويج المطلقين إلا لعلة الزنا مثلما تنص تعاليم الكتاب المقدس .
ربما كان الحكم القضائي من الناحية القانونية في حالة أن الدولة لا تقحم التشريعات الدينية في التشريع المصري سليما للغاية , لكن في حال أن الدولة تستخدم الدين في كثير من القوانين و تضع مبادئ الشريعة الأسلامية المصدر الرئيسي للتشريع , فإنها ملزمة بإحترام حقوق الفئات الأخري , حيث لا يجوز للقضاء الإداري مثلا علي سبيل المثال أن يصدر حكما بمنع الزواج من أربع , أو أن يعطي حقا للرجل المسيحي بالزواج من مرأة مسلمة , ففي هذا ضرب بعرض الحائط لتعاليم الشريعة الأسلامية و لن يقبلة المسلمون علي الإطلاق , بل ربما يصلوا إلي تكفير القاضي نفسة و تعريضة لقضية حسبة و إستتابة إذا لزم الأمر .
و هنا كانت الأزدواجية القانونية في بلدنا العظيم حيث تحترم فية شرائع دينية لفئة و لا تحترم لفئة أخري , ووصل حد التحريض من بعض الجماعات و بعض الأفراد بتصوير رفض البابا شنودة لهذا القرار بأنة تحدي لأحكام القضاء و لهيبة الدولة و محاولة لصنع دويلة داخل الدولة الأم , و يستمر التحريض بصورة تثير الأشمئزاز لأن هؤلاء المحرضون هم أنفسهم من يلعنون النظام التونسي ليل نهار لأنة مثلا يوقف شرعا من شرائع اللة و يمنع الزواج من أربع في تونس .
و نسي السادة " الوطنيين الغيورين علي هيبة الدولة " أنهم قالوا يوما أن المادة الثانية من الدستور المصري هي مادة حاسمة و لا تعديل فيها و حولوا المادة الي بقرة مقدسة و لم يتوقفوا عن ذلك فحسب بل أصدروا بيانا وقع علية عدد من مثقفيهم رافضين فية مجرد طرح الموضوع للمناقشة , بل غالي بعضهم عندما قال أن من يطالب بتعديل المادة الثانية من الدستور المصري يستحق قطع لسانة !!
و نسي هؤلاء السادة أن قضائهم المبجل لم يستطع حسم قضايا نسب 14 ألف طفل مجهولي النسب مشردين إجتماعيا حتي يومنا هذا و لم يعرفوا لهم أبا , و جاء هذا القضاء و بصورة تثير الإشمئزاز لكي يستأسد علي فئة و يترك فئة أخري و يتناسي أنة بهذة الأحكام يضع معايير مزدوجة للحكم بين طوائف الشعب المصري و عندما تعترض الكنيسة تصبح هي التي علي خطأ و هي التي تكرس الدولة الدينية و الفئوية داخل الوطن .
و لكن و للحق لابد من طرح محور أخر و هو علاقة الدين بالتشريع في مصر , فعلي سبيل المثال طرح قريبا فكرة مشروع موحد للأحوال الشخصية و نوقش هذا الموضوع علي قناة دريم من قبل السيدة نجوي إبراهيم مع طرفين من طارحي الفكرة و طرفين أخرين من الأزهر و الكنيسة المصرية , و كانت النتيجة النهائية أن السادة المطالبين بتوحيد القوانين هم علمانيون يريدون علمنة المجتمع متناسيين أن هناك فروق جوهرية بين الشريعتين الأسلامية و المسيحية فيما يختص بقوانين و أحكام الأحوال الشخصية , و كان السيد القس المسيحي هو أكثر من رفض هذا و قال بسخرية "منوحد بقي الديانتين أحسن" .
و نستخلص من هذا المحور أيضا أن هناك حالة عدم توازن في الحالة المسيحية في مصر أيضا حيث أنة في حالة إيجاد قوانين تساوي بين أبناء الوطن الواحد فإن الكنيسة ترفض في حالات معينة , و لكن في حالات أخري تطالب الكنيسة بالعلمانية و عدم إسقاط الشرائع الدينية علي القوانين و التشريع كما حدث في حالة تعديل المادة الثانية من الدستور في عام 1980 و رفض وقتها البابا شنودة هذا التعديل معتبرا أنة يهضم حقوق غير المسلمين في المجتمع و كان موقفة هذا من أهم أسباب إختلافة مع الرئيس السادات , فكيف ترفض الكنيسة المساواة و التمييز في وقت واحد و حسب إخلاف الموقف في صورة إنتقائية في التعامل مع المواقف السياسية التي من المفترض أصلا أنها بعيدة عنها كل البعد .
و هناك شق أخر أكثر أهمية يتلخص في أن معظم المطالبات السياسية للمسيحين و خاصة مسيحيي المهجر تتعلق دائما بالمساواة بين المسيحين و المسلمين في القوانين و في فرص الوظائف و المناصب السياسية و علمنة الدولة حيث لا توجد دولة متحضرة في عالمنا اليوم لا تزال تضع الدولة لنفسها فية دينا أو تستمد من مصدر واحد تشريعاتها كما الحال عندنا في مصر .
و هنا أصبح لابد من فض الأشتباك بين المطالب الكنسية و المطالب السياسية حيث أظهرت تلك الأزمة الأخيرة أن هناك إزدواجية ليس من المسلمين فقط و إنما من المسيحين أيضا , فتارة يطلبون العلمنة ثم تارة أخري يرفضون حكما علمانيا يصدرة القضاء .
هنا تظهر الأزمة الحقيقة في طبيعة تدخل الدين في الدولة و في التشريع و لابد من فض هذا الأشتباك سريعا حتي لا تتحول الأزمات اللاحقة إلي نزاع حقيقي بين الدولة و مواطنيها بسبب الأزدواجية في المواقف الشعبية و الإزدواجية التشريعية أيضا .
و في النهاية نتهم الغرب بالإزدواجية
ربما لي سؤال " عن أي إزدواجية تتحدثون؟؟!! " مع الأعتذار للحقوقي التونسي القدير منصف مرزوقي
#عمرو_البقلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟