أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد ماروك - بين السيمورغ وغودو














المزيد.....

بين السيمورغ وغودو


سعيد ماروك

الحوار المتمدن-العدد: 5895 - 2018 / 6 / 6 - 04:30
المحور: الادب والفن
    


بين السيمورغ وغودو
===========
الحياة تأرجح بين سفر ومحطات انتظار، قال الرجل ذو الأسنان المثرمة...سفر نحو السيمورغ أوانتظار عودة غودو.
- قلت: اتذكر أنني قرأت عن السيمورغ ... أليس ما ذكره العطار في منطق الطير؟.
- نعم، سفر الطير بحثا عن السيمورغ.
- وهل عثروا عليه؟
نظر إلي مبتسما و مج سيجارته الغولواز.
- وما بال غودو هذا؟
ارتشف رشفة من فنجانه، ونظر بعيدا ثم قال: في نفس اليوم يولد كاتبٌ و يظهر للوجود كتاب، الكاتب هو بيكت...صموئيل بيكيت أما الكتاب فهو "التطور الخلاق " لبرغسون. سكت برهة وأردف: لست أدري لم قرنت هذا بذاك، ربما لأٌبهرك فقط لأن ذكر مثل هذه الأسماء يُبهر... لكني أرغب في الكلام عن بيكت.
- قلت: تكلم.
- قال: يقول بيكت عن نفسه :" أتذكر انني كنت محشوراً حبيساً ، وغير قادر على الإفلات . كنت أبكي كي يسمحوا لي بالخروج لكن أحداً لم يكن يسمعني . لم يكن يصغي إلي أحد "
- ما معنى ذلك؟ سألت
- يقال أن ولادته كانت عسيرة حيث استغرقت أكثر من عشر ساعات، ومثله مثل أغلب العباقرة كان له شغف بالكتب .أغرم بقراءة هولدرلين وشوبنهور وبودلير وابو لينير وغيرهم ،غير أن الذي اخذ لبّه هو شوبنهاور. تفرغ لحفظ التوراة و صفحات كثيرة من القواميس التي كان يقضي معها أوقاتاً طويلة، تحضيرا لأن يصبح كاتبا ، لانه قرر ذلك واخبر والدته بقراره .
بعد أن يدخل مصحة للعلاج النفسي إثر وفاة أبيه يتفرغ للغوص في أعمال شوبنهور، يكتب الى أحد أصدقائه :" كانت قراءته أشبه بنافذة فتحت فجأة في غرفة تفوح منها رائحة العفن . لقد عرفت على الدوام إنه من بين أكثر الاشخاص أهمية في حياتي، وبدأت أفهم وأنا في الثلاثين من عمري لماذا كانت قراءة شوبنهور متعةً أكثر حقيقية من كل المتع التي ذقتها منذ زمن طويل . إنها لمتعة أيضاً ان تجد فيلسوفاً يُقرأ كما يقرأ شاعراً " .
لذلك يتبنى وجهة نظر شوبنهور التي تتفق مع نظرته الى العالم والأشياء . القطيعة النهائية بين الإنسان والطبيعة ، وبين الإنسان والإنسان، والحياة المليئة بالألم والموت والضياع والوحدة والفراغ ....ثم تولد مسرحية " في انتظار غودو".
عما ذا تحكي مسرحية غودو هذه سألت.
عن لا شيء...أو ربما هذا ما رغب فيه بيكيت.انتظار غودو...رجلان يجلسان قرب شجرة جرداء،. رجلان يعرفان بعضهما البعض منذ خمسين سنة، يجلسان ينتظران رجلا ثالثا لا نعرف عنه سوى اسمه "غودو". ينتظران فقط، الانتظار كما قلت لك هو المرحلة الثانية بعد مرحلة السفر في هذه الحياة... وخلال انتظارهما مجيئه يشغلان وقتهما بحديث مشتت تختلط فيه الشكوى بالحنين والذكريات والتأكيد على الصداقة ، والتذمر، ورغبة في الذهاب، لكنها سرعان ما تتلاشى.
- هيا بنا .
- لايمكننا الذهاب
- لماذا ؟
- اننا بانتظار غودو
تتكرر هذه العبارة ست أو سبع مرات، لست أذكر جيدا،ويستمر انتظارهما الرتيب على طول مدة المسرحية :" لاشيء يأتي ، لا شيء يحدث، لا أحد يجيء ، إن هذا لايطاق "، لكن شخصين جديدين يظهران على المسرح ( بوزو ولوكي ) تبدو على الأول سمات الطاغية، فهو يمسك بالثاني في حبل، ويُحمل عليه حقائبه، ويلقي عليه أوامره بقسوة، ولا يفعل شيئاً سوى المرور على المسرح، ثم يبدأ لوكي يرقص بناء على أوامر بوزو، وبعد ذهاب هذين الشخصين، يعود الرجلان الى الانتظار، حتى لحظة وصول صبي يعلن أن غودو :" لن يأتي هذا المساء، لكنه سيأتي غداً بكل تأكيد " .
ثم يأتي الفصل الثاني وهو اليوم الثاني حيث نشاهد الشجرة مكسوة ببعض الأوراق ، وتتكرر الأحداث نفسها على المسرح مع تغيرات بسيطة ، عاد الرجلان ليلتقيان مرة أخرى وعاد الانتظار والحديث المتقطع، أحدهما يتحدث دائماً عن الرحيل، لكنه يخفق دائماً في الوصول اليه . ويعود بوزو ولوكي، لقد أصبح الأول أعمى،والثاني أخرس، ومرة أخرى لن يأتي غودو، ويعود الصبي نفسه لينقل الرسالة ذاتها، وينتهي الفصل الثاني بعبارة مكررة حرفيا من نهاية الفصل الاول :
- نذهب إذًاً
- هيا بنا ( ولا يتحركان ) .
نحن أمام مسرح يتحول الجميع فيه الى كتلة لحمية . فالرجلان ، بوزو ولوكي ، ليسوا سوى تسميات لحضور وحيد هو : الإنسان . الأكثر غموضا في المسرحية بالتأكيد هو غودو ، اسمه وغيابه الدائم يفسحان لتفسيرات عديدة ، يُقال أن اسمه مشتق من " God " أي الله، ويتضح بذلك في مجمل أحداث المسرحية. إذا كان الرجلان في انتظار الإله ، لكن هذا لم يأت، سنكون بذلك أمام مشهد يمثل بؤس الإنسان من غير الإله، وان الله غير آبه إلى قدر الإنسان العابث، وتبقى النتيجة إن الإنسان لايعرف إلا وجوداً بلا معنى، لقد خلق ليموت، وما حياته إلا حركة جوفاء لاترتبط بأية أهمية.
كانت انتظار غودو خلاصة للفلسفة الحديثة من شوبنهاور وعدمية الوجود، الى هيدغر وعبارته الشهيرة الإنسان خلق للموت الى وجودية سارتر " لايمكن تفسير الوجود ، إنه عبثي".
قال الرجل ذو الأسنان المثرمة هذا وتنهد ثم أضاف: الدنيا هذه تتلون باللون الذي تقرر أنت اختياره، فإما سفر نحو السيمورغ محفوفا بأمل العثور أو محطة انتظار غودو في وحل من العبث...أنت وحدك من يختار، لا تتركهم يختارون لك...تذكر هذا جيدا.
- لقد شوقتني لشوبنهاور، ألا تحدثني عنه قليلا؟
- ابتسم معتذرا وقال: في مرة قادمة، وغادر المكان ناسيا سيجارتين بالعلبة على الطاولة.



#سعيد_ماروك (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اُكْحَيْل
- الطريقة
- العباءة
- قصص قصيرة جدا
- نشوة تحرر
- من فصوص مولانا -5-
- من فصوص مولانا-4-
- من فصوص مولانا -1-


المزيد.....




- منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6 ...
- بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت ...
- ترشيح المخرج رون هوارد لجائزة -إيمي- لأول مرة في فئة التمثيل ...
- توم هولاند -متحمس للغاية- لفيلم -Spider-Man 4-.. إليكم السبب ...
- 100 فيلم لا تُنسى.. اختيارات نيويورك تايمز لسينما الألفية ال ...
- الحكم على ثلاثة بالسجن لمساعدتهم في جريمة قتل مغني الراب سي ...
- مقتل المشرفة الموسيقية السابقة في برنامج -American Idol- وزو ...
- أيقونات من رماد الحرب.. فنان أوكراني يحوّل صناديق الذخيرة إل ...
- إطلاق جائزة فلسطين العالمية للشعر في ختام مهرجان ميديين الدو ...
- رئيس الممثلية الألمانية لدى السلطة في مقابلة مع -القدس- قبل ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعيد ماروك - بين السيمورغ وغودو