أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - رُوَانْدَا: طَائِرُ الفِينِيقِ الأَفْريقي!‎















المزيد.....

رُوَانْدَا: طَائِرُ الفِينِيقِ الأَفْريقي!‎


كمال الجزولي

الحوار المتمدن-العدد: 5884 - 2018 / 5 / 26 - 16:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في التَّاسع من ديسمبر 2017م، ووسط شُّموع متلاصفة في قاعة فخيمة بمبنى الأمم المتَّحدة بجنيف، وقفت الرُّوانديَّة الحسناء جوستين موداهوغورا، النَّاجية، بأعجوبة، من طاحونة "الإبادة الجَّماعيَّة ـ Genocide" التي دارت في بلادها طوال ثلاثة أشهر، ما بين أبريل ـ يوليو 1994م، لتدشِّن الاحتفال الذي أقيم هناك إحياءً لذكرى ضحايا تلك الجَّريمة الشَّنعاء. وكانت الجَّمعيَّة العامَّة للأمم المتَّحدة قد اعتمدت، في سبتمبر 2015م، بالإجماع، وبدون تصويت، اليوم التَّاسع من ديسمبر يوماً دوليَّاً لإحياء ذكرى تلك المجزرة، وتكريم ضحاياها، وتذكير كلِّ دولة بمسؤوليَّتها عن حظر هذه الجَّريمة، وحماية سكانها منها؛ فضلاً عن أن هذا التَّاريخ نفسه يصادف ذكرى صدور اتفاقيَّة 1948م حول حظر "الإبادة الجَّماعيَّة"، ومعاقبة مرتكبيها، ولذا فمن أغراض الاحتفال، أيضاً، رفع درجة الوعي بهذه الاتفاقيَّة، وتعظيم أهمِّيَّتها. واستطراداً، فبعد مرور خمسين عاماً على إبرام تلك الاتِّفاقيَّة أدرجت المادَّة/1/5/أ من "نظام روما لسنة 1998م ـ Rome Statute" هذه الجَّريمة ضمن الجَّرائم التي تختص بها "المحكمة الجَّنائيَّة الدَّوليَّة ـ ICC" حال تقاعست الدَّولة المعنيَّة عن إظهار رغبتها في، وقدرتها على ملاحقة الجُّناة ومحاكمتهم.
وفي 26 يناير 2018م عادت الجَّمعيَّة العامَّة لتعتمد اليوم السَّابع من أبريل "يوماً دوليَّاً للتفكُّر ـ Reflection بشأن الإبادة الجَّماعيَّة في رواندا عام 1994م"، مشدِّدة على كون تلك الجَّريمة لم تقتصر على ضحاياها من أقليَّة التُّوتسي، فحسب، كما قد يوعز بذلك قرار سبق أن أصدرته الجَّمعيَّة في 23 ديسمبر 2003م، وإنَّما طالت، أيضاً، بعضاً من الهوتو وقبائل أخرى. وهذا ما أبرزه البرتغالي أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتَّحدة، في رسالته، الشَّهر الماضي، بمناسبة "يوم التَّفكُّر" الدَّولي هذا، والذي يستمدُّ رمزيَّته من كونه يصادف اليوم الأوَّل لارتكاب تلك الجَّريمة التي هزَّت ضمير الإنسانيَّة قبل زهاء ربع قرن، حيث قال إن أكثر من ثمانمائة ألف شخص قد جرى قتلهم منهجيَّاً خلال مائة يوم، "وإن معظم الضحايا كانوا من التوتسي، ولكن بعضهم كان، أيضاً، من الهوتو، وقبائل أخرى معتدلة. ونحن إذ نحيي، اليوم، ذكراهم جميعاً، فإنَّما نتدبر معاناة النَّاجين الذين أثبتوا أن التَّصالح ممكن، حتَّى بعد مأساة بذلك الحجم المهول".
ومثل هذا التَّصالح لا بُدَّ له، بطبيعة الحال، من أشراط موضوعيَّة وذاتيَّة بعينها، على رأسها توفُّر القدر اللازم من الإرادة السِّياسيَّة، ونظافة اليد، لدى كلِّ من يتصدَّى لهذه المهمَّة.
ولم يفت السَّيِّد غوتيريس أن يستصحب، في رسالته تلك، مأساة مسلمي الروهينغيا في ميانمار، قائلاً إن "أفراد هذه الأقليَّة الدينية والإثنيَّة ما فتئوا يتعرَّضون، منهجيَّاً، للقتل، والتَّعذيب، والاغتصاب، والإذلال، بل والحرق أحياءً، حتَّى اضطر أكثر من 671,000 منهم للفرار بحثاً عن الأمان في بنغلاديش المجاورة"!
لقد كان لدرس رواندا بالغ الأثر على مجمل "برنامج الأمم المتَّحدة التَّوعوي والتَّثقيفي حول ضرورة مكافحة الإبادة الجَّماعيَّة"، والذي أنشئ في ديسمبر 2005م، بموجب قرار الجَّمعيَّة العامَّة لاستنهاض المجتمع المدني العالمي من أجل إحيـاء ذكرى ضحايا رواندا، والتوعية بالجَّرائم المرتكبة، للحيلولة دون تكرار ذلك مستقبلا. فلئن كانت تلك هي العبرة الأولى للبرنامج، فإن عبرته الأخرى هي تسليح النَّاجين بالوعي بآثار الجَّريمة، وما أفرزت من تحدِّيات ما زال الأحياء من الضَّحايا يواجهونها، خصوصاً الأرامل واليتامى ومن تعرَّضوا للعنف الجِّنسي.
وكما أورد السَّيِّد غوتيريس، فقد بدأت المليشيات القبليَّة لأغلبيَّة الهوتو ملاحقتها لأقلية التُّوتسي، في السَّابع من أبريل 1994م، والغة، بأشدِّ الأساليب وحشيَّة، في دمائهم، بل وحتَّى في دماء غيرهم مِن المعتدلين الذين عارضوا تلك الحملة غير الإنسانيَّة. أمَّا السَّبب في ذلك فتعزوه الرِّوايات "الشَّعبيَّة" إلى حادثة القصف الذي كانت قد تعرَّضت له، في اليوم السَّابق، طائرة جوفينال هابياريمانا، الرئيس الرُّواندي، آنذاك، من أصول هوتويَّة، مع أن المسؤول عن تلك الحادثة لم يُكتشف حتى اليوم. غير أن السَّبب الأقرب إلى الحقيقة يعود، من كلِّ بُدٍّ، إلى مدى زمنيٍّ أبعد من ذلك بأجيال، حيث كان الاستعمار البلجيكي قد عمد، منذ ما بعد الحرب العالميَّة الأولى (1914م ـ 1918م)، إلى الوسوسة في صدور الهوتو الذين يمثِّلون الأغلبيَّة ديموغرافيَّاً، بأن عناصر أقليَّة التُّوتسي ليسوا أفارقة، بل ليسوا بشراً أصلاً (!) وفي أفضل الأحوال فإن بعضهم سوريُّون، وبعضهم الآخر إسرائيليُّون (!) ومع ذلك يفرضون أنفسهم، كسادة، على الهوتو، الأغلبيَّة التي ينبغي أن تقاوم ذلك الوضع، وسيساعدها البلجيك في ذلك! وظلَّت تلك البروباغاندا الكولونياليَّة تترسِّخ في أوساط الهوتو، وتغذِّي عقولهم، حتَّى خلال سنوات ما بعـد الاسـتقلال في ستِّينات القرن المنصـرم، إلى أن بلغ الأمـر حـدَّ المذبحـة!
مهما يكن من شئ، وبصرف النَّظر عن اختلاف الرِّوايات، فإن إعلام الكراهيَّة القبلي المنفلت لعب دوراً خطيراً في التَّحريض ضدَّ التُّوتسي، بالذَّات، والذين يمثِّلون 5% من المجتمع، باعتبارهم محض "صراصير تنبغي إبادتهم"! وبالنَّتيجة، استهدف الجار جاره، لا لشـئ إلا لاختلافـه عنه في العـرق، أو الطائفـة، أو اللون، أو الرأي السِّـياسي!
هكذا ارتبطت رواندا في الأذهان بأبشع "إبادة جماعيَّة" مع مغارب القرن العشرين، حتَّى لقد قال بان كي مون، الأمين العام السَّابق للأمم المتَّحدة إن المنظمة الدَّوليَّة ما تزال "تشعر بالخزي"، حيث فشلت في منع وقوع تلك المجازر!
مع ذلك، وحيث تمكَّنت قوَّات "الجَّبهة الوطنيَّة الرُّوانديَّة"، بزعامة بول كاغامي، الرَّئيس الحالي، من بسط سيطرتها على البلاد في منتصف يوليو 1994م، فإن رواندا استطاعت، بتضافر جهود إثنيَّاتها كافَّة، وبفضل توفُّر الحسِّ الوطني لدى قيادتها السِّياسيَّة، وتفعيل شكل من "العدالة الانتقاليَّة" إزاء جرائم "الإبادة الجَّماعيَّة"، فضلاً عن محاسبة الجُّناة في محكمة خاصَّة بمدينة أروشا التَّنزانيَّة، أن تحقِّق ما يشبه المعجزة، فتطفئ حريقها العام، وتطلع، كطائر الفينيق، من رمادها، لتجدِّد ريشها، وتتجاوز المرحلة بالغة القتامة والسَّواد من تاريخها، وتنخرط في عمليَّات تطوير دؤوبة جعلتها "أيقونة" التَّنمية والحداثة في القارة، حتَّى لقد انتقلت، قولاً واحداً، من خانة "أكبر إبادة جماعيَّة" إلى خانة "أعلى معدَّل تنمية" في العالم، وأضحت عاصمتها كيغالي، اليوم، الأنظف، والأكثر أمناً، وخضرة، وجاذبيَّة، تنافس في ذلك، لا العواصم الأفريقيَّة وحدها، بل مدن الكرة الأرضيَّة أجمعها.

***



#كمال_الجزولي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورقةٌ مستعادةٌ من رزنامةٍ قديمة: شُرْبُ القَهْوَةِ فِي المَت ...
- سياسات الذاكرة
- ورقةٌ مستعادةٌ من رُزنامة قديمة: مَارْكْسْ .. بِالبَلَدِي!
- كُوبَا فِي مُفتَرَقِ الطُّرُق!
- درس الجنائية الدولية .. الكيني!
- قيامة دوما: هل العالم على شفير الهاوية؟!
- هباء حقوق الإنسان المنثور!
- المُهَاجِرُونَ غَيْرُ الشَّرْعِيين: فَظَاظَةُ الدَّوْلَةِ وَ ...
- جوبا تطرق باب الجامعة العربية .. فلا ينفتح!
- ستيلا: صَفْحَةٌ مَاجِدَةٌ فِي أَدَبِ الحَرْبِ الصَّافِع!
- آخِرُ العِلاجِ الآيْ سِيْ سِيْ: الرُّوهينغَا والاستِجَارَةُ ...
- مقتلة الغوطة!
- بَيْنَ القَوْمِيينَ الجُّدُدِ والسُّودَانِ الجَّدِيد!
- جَنُوبُ أَفْرِيقيَا: لِلشُؤْمِ وُجُوهٌ كُثْر!
- كِتَابَةُ الوَفَاءِ .. ووفَاءُ الكِتَابَة!
- القُدْسُ: القَرَارُ الأَمْرِيكِيُّ بَيْنَ السِّيَاسَةِ والقَ ...
- الدِّيمُوقرَاطِيَّةُ: أَهَمُّ إشْكاليَّاتِ تَجْدِيدِ اليَسَا ...
- ورقة مستعادة من رُزنامة قديمة زُغْبُ الحَوَاصِلْ!
- تحرير الخرطوم .. في كوبر!
- شتاء الملالي السَّاخن


المزيد.....




- باميلا أندرسون تعيش لحظة مميزة.. نظرة على مسيرتها
- رد فعل طريف من ماريا كاري حينما علمت متأخرا برحلة كيتي بيري ...
- -اصطدمت بخط الكهرباء وانفجرت-.. تحطم مروحية في نهر المسيسيبي ...
- -حماس- تُعلق على تصريحات نتنياهو بشأن خطط -السيطرة العسكرية- ...
- - سيعودون إلى القطاع بعد تماثلهم للشفاء-..إندونيسيا تخصص جزي ...
- نتنياهو: إسرائيل -تعتزم- السيطرة المؤقتة على غزة و-ليس حكمها ...
- الجزائر ترد على ماكرون بسحب امتيازات من سفارة بلاده
- ماذا تحمل زيارة فيدان إلى دمشق من رسائل سياسية وأمنية؟
- الجزائر تتهم فرنسا بـ-التنصل من مسؤولياتها- في الأزمة بين ال ...
- -توقيت لافت-.. ما الملفات التي تناولها لقاء فيدان والشرع في ...


المزيد.....

- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كمال الجزولي - رُوَانْدَا: طَائِرُ الفِينِيقِ الأَفْريقي!‎