أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد دلومي - سنة أولى تمرد















المزيد.....

سنة أولى تمرد


محمد دلومي

الحوار المتمدن-العدد: 1493 - 2006 / 3 / 18 - 09:15
المحور: حقوق الانسان
    


أذكر أني كنت في الصف السادس ابتدائي من عام خمسة و ثمانين تسع مائة وألف يوم افرغوا المدرسة كلها من تلاميذها ومعلميها وأخرجونا الى الطريق العام , لم نكن نعرف ماذا يحدث لكن كطفل في الثانية عشر من عمري كنت سعيد جدا لأني سأتخلص من حصة الحساب ومن الطرح والجمع والضرب والقسمة وباقي القسمة والمسائل التي يشتري فيها تاجر أمتار من قماش ليبيع جزء منها ونحسب نحن ما بقي كنت أخطئ في الحساب دائما وهذا ما جعلني عرضة للضرب على الرأس والطرح أرضا وتقسيم جسدي الى خرائط ملونة زرقاء وحمراء , ربما كنت اسعد التلاميذ في ذاك اليوم القائض من شهر ماي , وزعوا علينا باقة من الزهور وقصصات ورق , واالنجباء فينا وضعوا بين أحضانهم حمامات بيضاء وبما أني لم اكن من النجباء ولا من المميزين بل واحد من المتمردين الذين يثيرون الشغب فقد أخروني مع المؤخرين وأعطونا أعلاما صغيرة وقالوا لنا لوحوا بها عندما يمر موكب الرئيس من هنا , كنا فرحين لأننا سنرى فخامة الرئيس يمر من هنا وقد زادت فرحتنا عندما وعدونا أن الرئيس سيقدم هدايا للأطفال فقد حلمت بأن يقدم لي كرة مصنوعة من جلد بدلا من كرة البلاستيك التي كانت عندي وحلم اصدقائي بدرجات نارية وحلم الأخرون بالبسة جديدة يسلمها فخامته على الأطفال بعدما يحضنهم ويقبلهم مثل اطفاله تماما ’ أما زميلاتنا الصبايا فرحن يحلمن بدمى ذات شعور ذهبية وعيون زرقاء وفساتين أفراح وووو .... كانت أحلام الطفولة تكبر في أنفسنا , ومرت اللحظات ونحن ننتظر وبين الفينة والأخرى نلاحظ سيارة الإسعاف تنطلق بصفيرها الحاد ’ كان بعض الأطفال يتساقطون من شدة القيض والحر والوقوف الطويل فتحملهم سيارات الإسعاف الى المصح القريب , وبدا القلق يتسرب الى نفسي عندما استبد بي العطش والجوع ولم تعد الهدية تهمني ولا حتى الرئيس فقد تعبت وأكاد أهوى وامتزج العرق في يدي بقماش العلم فصار اللون الأخضر منه يقارب السواد أما الابيض اصفر لونه وذبل وانكمش بين يدي , حاولت المقاومة ولم استطع من شدة التعب وطال الإنتظار وما جاء الرئيس المنتظر وكلما حاولت الفرار أو التملص من بين الصفوف وجدت عيون المعلمة تطاردني وكأنها تقرا أفكاري ’ ولم أجد بد من الإعتراف لها بعطشي الشديد وتعبي وجوعي فنهرتني بقسوة وكادت تسحق أذني بين اصابعها وطلبت مني أن أصبر كما يصبر الجميع والا كنت عبرة للأخرين , مرت ساعتين على الوعد المحدد ولم يأتي الرئيس ’ أشعة الشمس تشوي الوجوه حتى الحر تحالف مع سيادة الرئيس والجوع والعطش ’ ولم تستوعب رأسي الصغيرة هذا الإنتظار للرئيس حاولت أن أفهم لما كل هذا ..؟ وهل يرضى الرئيس بتعب أطفال تحت القيض بلا أكل أو شرب ؟ اسئلة كثيرة بقيت عالقة في ذهني لم افك رموزها الا بعدما كبرت .. مرت ثلاث ساعات وبين لفينة والأخرى يخر تلميذ أو تلميذة مغما عليه بل حتى بعض المعلمات سقطن وأصبن بالدوار , لم أعد أحتمل وشعرت بأن ريقي قد جف من حلقي , كنت أحلم بكرة فصرت أحلم بكوب ماء ’ أحلام الطفولة اصبحت كلها شربة ماء وراحت الهدايا تتهاوى واحدة بعد الأخرى كلها في جرعة ماء أو قضمة خبز , ولم أعد أحتمل هذا الإنتظار الجائر ولم أعد شغوفا برؤية الرئيس وصرت أتمنى ان تبتلعه الارض قبل أن يصل أو تطوى به , نظرت شمالا.. نظرت يمينا وأطلقت الريح لساقاي , طائرا الى البيت وكلما إقتربت من بيتنا شعرت بالأمان ’ صارت أمي حلم وصار البيت حلم وصارت قطعة الخبز مع الجبن حلم أما شربة الماء فحلم الأحلام , وقفت أمام باب بيتنا دفعته بقوة ارادت أمي ان تصفعني لكن لما رأت حالتي المزرية وضعت يدها على فمها من الدهشة ’ وراحت تسقيني ماءا عذبا ببطئ شديد كأنها عثرت علي تائها في الصحراء الكبرى ولما عادت لي الروح قدمت لي كوبا من عصير وقطعا من لحم الدجاج كانت تلك أعظم هدية نلتها أخذت قسطا من الراحة في البيت ’ وأطفقت راجعا لأنتظر مع المنتظرين ولما وصلت علمت انهم دونوا إسمي مع الهاربين وأن المدير بنفسه سجل أسماء المتغيبين , كانت الساعة تشير الى الواحدة زوالا

عندما راحوا يوزعون على التلاميذ الماء والأكل استثنوني انا والجماعة المارقة التي هربت لم أهتم للأمر كثيرا فقد اخذت حصتي من الأكل في البيت ’ والأكل الذي قدموه كان رديئا ولا يثير حتى شهية الضفادع .

قبل الثانية زوالا سمعت صياحا وهتافا وضربا للدفوف وأناشيد إختلطت بالزغاريد .. ورحت أسمع هذه الكلمات لقد جاء جاء .... وما لاحضته أن الحمامات لم تستطع ان تطير فقد انهكها الإنتظار والعطش ومن يدري ربما مات بعضها

كنت أنظر الى الطريق فلا ارى شيئا وما هي الا لحظات حتى ظهرت في الافق سيارات شكلت طابور طويل عريض ’ لتمر أمامنا مر البرق مخلفة عواصف من غبار كانت سيارات رائعة على كل حال لم ارها من قبل زجاجها أسود , لم أهتم للرئيس قدر أهتمامي للسيارات , ومضى سيادة الرئيس وحاشيته في لمح البصر وأنا الذي كنت أعتقد أنه سيمر بنا راجلا يقبل هذا ويمازح ذاك ويأخذ معنا صورا للذكرى ويوزع عليناهدايا ’ ولما اطفقنا راجعين الى اقسامنا راح الكل يحكي عن الذي رآه فقد سمعت ان اصحاب الجهة اليمنى من الرصيف حصل لهم الشرف ورأوا يدالرئيس ا الكريمة تلوح لهم أما التعساء من الجهة اليسرى وكنت واحدا منهم فلم تتح لهم الفرصة لرؤية يده الكريمة .

في اليوم التالي أستدعيت الى مكتب المدير ودون أي مقدمات صفعني وركلني وراح يضربني بعصاه في أنحاء متفرقة في جسدي يضرب ويضرب بحقد ’ حتى أني لم أعد أقوى على البكاء , كان يضرب ويصرخ في وجهي قائلا : تريدون أن تتعلمون التمرد وأنتم في هذا السن تريدون الخروج عن النظام ’ كلمات لم أكن أفهم منها شيء .... تمرد ..... نظام مصطلحات أسمع بها لأول مرة في حياتي ’ كل ما كنت أعرفه اني لم أكن مخطئا فقد ما رست حريتي في المحافظة على حياتي , مارست حريتي في ان لا اقف مثل البهلوان والمهرج ينتظر عاصفة من غبار ’ كان الضرب قاسيا وقاسيا جدا ’ لكني أدركت من صغري أن الرئيس ليس كما يقدموه في نشرة الأخبار ’ تعلمت من لحظتها ان أحقد عل كل ما يرمز للنظام , صرت أكره حتى الأناشيد المدرسية التي تتغنى بالوطن والنضال صرت أكرهها ولما ننشد جماعيا كنت أشتم وأسب وكنت أرفع صوتي بالشتم كلما رفع التلاميذ اصواتهم بالنشيد ’ وهكذا تعلمت أولى خطوات التمرد , وكانت أول خطوات المقاومة لما نجحت في الشهادة الإبتدائية وتوجهنا نحن الذي مرحت على ظهورنا عصى المدير الى سيارته المهترئة ورجمناها حتى صارت حطاما

وكان ينظر الينا من نافذته يحاول ان يردعنا , وبين الفينة والأخرى يلوح لنا بالعصى فما كان علينا الا ان رجمنا زجاج مكتبه والمدرسة كلها , ولما سمعنا صفارات الشرطة تسربنا عبر الشوارع والأسواق منتظرين عامنا القادم لنلتحق بالصف السابع في المتوسطة والسنة أولى تمرد .



#محمد_دلومي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وداعا .. ياسمين
- ديمقراطية ميكي ماوس العظيم
- الرئيس سلفادور اللندي
- عندما كنت حمارا


المزيد.....




- الأمم المتحدة: 800 ألف نسمة بمدينة الفاشر السودانية في خطر ش ...
- -خطر شديد ومباشر-.. الأمم المتحدة تحذر من خطر ظهور -جبهة جدي ...
- إيران تصف الفيتو الأمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ب ...
- إسرائيل: 276 شاحنة محملة بإمدادات الإغاثة وصلت إلى قطاع غزة ...
- مفوضية اللاجئين تطالب قبرص بالالتزام بالقانون في تعاملها مع ...
- لإغاثة السكان.. الإمارات أول دولة تنجح في الوصول لخان يونس
- سفارة روسيا لدى برلين تكشف سبب عدم دعوتها لحضور ذكرى تحرير م ...
- حادثة اصفهان بين خيبة الأمل الاسرائيلية وتضخيم الاعلام الغرب ...
- ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ...
- اليونيسف تعلن استشهاد أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني في العدوان ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد دلومي - سنة أولى تمرد