أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - صمت الأغلبية ومواجهة التطرف














المزيد.....

صمت الأغلبية ومواجهة التطرف


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 1493 - 2006 / 3 / 18 - 08:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مازلت أعتقد أن الغالبية العظمى من الشعوب العربية تتصف بالإعتدال الديني، وترفض الإرهاب والتطرف وتفطن إلى أن تمسح البعض ما هو إلا وسيلة لتحقيق أهداف سياسية. ومازلت أعتقد أن نسبة المتطرفين الدينيين في المجتمعات العربية مازالت صغيرة وإن كانت تنمو بإطراد مخيف في بعض هذه المجتمعات. لكن التأمل بهدوء في الظروف والأسباب التي تجعل من المجتمعات العربية والإسلامية تبدو كما لو كانت تصطبغ في جلها بالتطرف ربما يبدد بعض القلق الذي ينتاب المعتدلين العقلاء. لعل الصمت المدقع أو السلبية الذي آلت إليه الأغلبية المتسامحة هو أحد أهم هذه الأسباب. لا اناقش هنا سلبية الشعوب تجاه السياسات الحكومية التي تفتقد في كثير من الأحيان للشرعية، ولكن أيضا السلبية تجاه القضايا الاجتماعية التي تمس حياة الفرد اليومية وعلى رأسها التطرف.

من المؤسف أن الإنسان العربي والمسلم لم يعد مهموما بشئ سوي لقمة عيشه بسبب الأوضاع الإقتصادية الصعبة في معظم بلدان المنطقة التي نشأت عن سياسات حكومية خاطئة، والتي جعلت من الحكومات الهم الأول للشعوب. ومن هنا تجاهل المواطن الكادح العديد من المخاطر الأخرى التي تحيق به كالتطرف. لذا يترعرع التطرف حيثما وجد الفقر والتخلف والعطالة، حيث لا مواجهة شعبية. بالطبع أنا لا أكاد أرى دورا إيجابيا ملموسا لمعظم الحكومات العربية والإسلامية في مواجهة التطرف، باستثناء الدور الأمني، رغم أن التطرف الفكري يتطلب مواجهة فكرية بالمقام الأول. ولكن تغاضي الحكوات عن معالجة التطرف لا يدهشني، لأن لهذه الحكومات أولوياتها الخاصة التي ربما لا ترى مصالح شعوبها. ولايغفى على أحد أن بعض الأنظمة السياسية اتخذت من الدين ستارا لإخفاء فضائحها وهو الأمر الذي جعل من الحكومات والتطرف يظهران كما لو كانا وجهين لعملة رديئة واحدة، وجه يحمل الدكتاتورية ووجه يحمل السلفية.

في الواقع لم تكن الحكومات هي الجاني الوحيد وراء صمت الغالبية المعتدلة من الشعوب العربية والإسلامية ولكن كانت هناك عوامل أخرى دولية وإقليمية ساهمت في إسكاتها. على الجانب الدولي كانت بعض السياسات الغربية غير الحكيمة بخاصة في فترة الحرب الباردة التي شجعت التطرف الديني على حساب الإعتدال لإضعاف النفوذ السوفيتي في العالمين العربي والإسلامي. من أبرز هذه السياسات الخاطئة كان تبني الولايات المتحدة للجهاد الإسلامي ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان بزعامة أسامة بن لادن، وكذا الضغوط التي مارسها الغرب على الحكومات العربية والإسلامية لإضعاف نفوذ القوميين واليسار لمصلحة التيار الديني كالذي حدث في مصر خلال فترة حكم الرئيس السادات. لقد أثبتت سياسات الغرب هذه قصر نظر المسئوليين عنها لأنها ساهمت في الإخلال بالتوازن الاجتماعي والثقافي بالعديد من الدول ذات النفوذ في العالمين العربي والإسلامي.

إذا انتقلنا إلي العوامل المحلية التي أسهمت في إسكات الأغلبية المتسامحة، فسنجد أن أهمها على الإطلاق هو القوة المتعاظمة للفكر المتطرف والتي ربما لا تتناسب مع حجمه. فالفكر المتطرف وإن كان ينمو باضطراد إلا أن نسبة صغيرة ـ لحسن الحظ ـ من المسلمين تعتنقه. ولعل النفوذ الذي يلعبه الدين في حياة الشرقيين هو ما يمنح المتطرفون القوة التي تفوق بمراحل حجمهم. هم يستخدمون قداسة الدين لدى المسلمين لبلوغ غاياتهم. فلو استخدم المتطرفون لغة السياسة أو الاقتصاد او الاجتماع، لأصبحوا مجرد حزب سياسي أو حركة إجتماعية تكون أراؤهم عرضة للصواب والخطأ، ولكن المتطرفين يستخدمون ما هو صحيح على إطلاقه وما هو معصوم من الخطأ لإسكات الأخرين. ومن هنا يمتلك المتطرفون الحقيقة ـ برأي البسطاء ـ التي يعلو صوتها فوق أي رأي أخر. إنها سلطة الدين اللامحدودة على البسطاء التي تترك لهم مساحة ضئيلة لاستخدام وتفعيل العقل.

لا يقتصر المتطرفون على استخدام سلطة الدين فحسب، ولكنهم يوظفون لمصلحتهم كتائب إعلامية وامكانات مادية هائلة لبلوغ أهدافهم. فامتلك المتطرفون أبواقا متنوعة من وسائل مقرؤة ومسموعة ومرئية استمرأت بث الدين المتطرف وشجعت على منهاضة ونبذ قيم الاعتدال والتسامح. وفي كثير من الأحوال وجد المتطرفون دعما من بعض وسائل الإعلام الرسمية المنافقة التي اتخذت من الدين غطاء لإكساب الأنظمة السياسية المتحدثة باسمها بعض الشعبية. ومن ثم كانت المزايدة على التطرف بين المتطرفين وأبواقهم والحكومات ووسائل إعلامها. في المقابل لم يعد هناك منابر تذكر للأصوات المعتدلة وحتى حين وجدت بعض المنابر الحرة كانت أصواتها ضعيفة وغير مسموعة إما بسبب ضعف الإمكانات المادية أو بسبب تدخل محاكم التفتيش أوالرقابة الحكومية أو بسبب الإرهاب الفكري الذي مارسه المتطرفون لخنق وإسكات المعتدلين.

ولا ينبغي إغفال الدور الذي لعبه الإرهاب المسلح ضد النخبة المعتدلة في إضعاف الأصوات المنفتحة والعلمانية، فجاء اغتيال بعض الكتاب والمفكرين والتهديدات التي استهدفت البعض الأخر ليصيب الاعتدال في مقتل حيث اغتيل البعض وتوقف البعض الأخر طواعية. وقد كان لممارسة الإرهاب بشكل أوسع وعشوائي ضد المواطنين كما في حالات الجزائر ومصر الدور الأبرز في ترهيب وإسكات الجميع من كتاب ومواطنين. فأصبح الحوار مونولوجا من طرف المتطرفين، وأصبح على الأخرين الصمت والإنصات.

إذ كانت الغالبية العظمى من شعوبنا قد أصيبت باليأس والإحباط من غياب الديمقراطية والتعددية السياسية وانفراد الحكومات الغير منتخبة بالسلطات التنفيذية والتشريعية والرقابية، فإن على الأغلبية ألا تفقد الأمل في مستقبل أفضل. ولكن هذا المستقبل لن يتحقق بالصمت والسلبية، وإنما بالمشاركة بإيجابية في رفض التطرف والإرهاب. وفي هذا الصدد أتوجه بالتحية للدكتور سالم سلام رئيس قسم الأطفال بكلية طب المنيا بمصر على موقفه الواضح وغير المسبوق في رفض تطرف زملائه بالقسم تجاه تعيين قبطية مسيحية معيدا بالقسم. لو أن كل شخص أو مسئول تصرف في مجاله بمثل هذه الشجاعة لما نهشت أنياب التطرف أجساد مجتمعاتنا، ولما هدد الإرهاب مستقبل بلداننا.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إختلاف القيم وصدام الحضارات
- مأزق أقباط المهجر!
- النقد الفكري في الإسلام


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - صمت الأغلبية ومواجهة التطرف