أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - النقد الفكري في الإسلام















المزيد.....

النقد الفكري في الإسلام


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 1478 - 2006 / 3 / 3 - 11:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل أن أسرد في الكتابة أود أن أعترف أن من حق كل فرد أن يشعر بالغيرة على ما أو من يحب، ومن حق كل شخص أن يدافع عن عقيدته وانتمائه. كما أنه من حق كل انسان أن يعبر عن سخطه مما قد يهين مشاعره و مقدساته. ولكن الغيرة لم تكن أبدا عنفا والدفاع يختلف تماما عن الإرهاب والسخط لا يجب ان يتحول الى كراهية. فالتعبير عن الحب لا يمكن أن يكون بإراقة دماء الأبرياء والدفاع عن العقيدة لا يتم بالاعتداء على الأخرين، والسخط من المنبوذ ليس من المفروض أن يعبر عنه ببث الكراهية لكل من هو مختلف. ولكن ردود افعال الرسوم الكاريكاتيرية لرسول الاسلام في الشارع العربي والاسلامي تجئ في معظمها في اطار العنف والارهاب والكراهية.

لقد أعلن الغرب أن من حق كل مسلم التعبير عن رأيه في قضية الرسوم الكارتونية سواء بالتأييد أو الاعتراض ولكن مايراه الغرب غير مقبول هو العنف. الغرب يرى ان الأفعال وردود الأفعال يجب أن تكون إطار ديمقراطي بحت. ولكن ردود الأفعال خرجت تماما عن هذا الإطار مما كان له وقع الصدمة على الرأي العام الغربي. فحرية الرأي ومنها نقد الشخصيات العامة التي تشمل القادة والرؤساء والكتاب والفلاسفة والادباء والفنانين وايضا رجال الدين ومنهم الأنبياء وغيرهم حق اساسي وراسخ في عقل ووجدان كل غربي. غير ان الغرب ايضا يؤمن ان النقد يكون في محله حين يكون موضوعيا ولا يحمل تجريحا عنصريا يمس حياة الفرد الشخصية او جنسه او لونه او دينه.

لا اعتقد ان اثنين في العالم الاسلامي يختلفان حول حرية نقد القادة والرؤساء والكتاب والفلاسفة والادباء والفنانين، ولكن الخلاف يكون حول حرية نقد الاسلام ورسوله. لذا بادر البعض باستخدام حصانة العصمة لإغلاق الأبواب أمام أية محاولة للنقد حتى وإن كانت بحياد وموضوعية. ولم يقتصر الأمر على تحصين الرسول بل امتد ليشمل محاربة أية محاولة لنقد فكر ومبادئ وعقيدة الإسلام ذاته، وأصبح لزاما على المسلمين السباحة في تيار واحد يقوده رجال دين، واقتصر الاجتهاد على المعممين ولكنه كان اجتهادا مبنيا على اساس عدم الخروج عن النص، وكان الارهاب والتهديد بل والقتل من نصيب كل من حاول ادخال الفكر النقدي لتحليل ودراسة الإسلام، ولعل من اقرب الحالات المعاصرة الدكتور طه حسين، والدكتور نصر حامد ابو زيد، والدكتور سيد القمني، والدكتور فرج فودة الذي راح ضحية الانغلاق الذهني والعنف باسم الإسلام.

ستبرز هنا كالعادة الأسئلة الخاصة بكيل الغرب بمكيالين وانحيازه المطلق إلى اليهود وسيتساءل البعض عن مقدرة الغرب على نقد أنبياء اليهودية كالنبي موسى أو النبي داود. ولكن ذلك غير صحيح على الاطلاق. فنقد اليهودية وأنبيائها ورجالها يختلف تماما عن ما يتعارف على أنه "عداء السامية" للأسباب الآتية:

أولا: أن عداء السامية اتخذ بعدا جديدا بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة الشعور بالذنب الذي تملك الغرب وبخاصة المانيا والنمسا بسبب الهولوكوست. فأصبحت صفة العداء للسامية من نصيب كل من يشكك بالمحارق أو من يتهم بالدعوة إلى كراهية اليهود. وفي هذا الصدد أود أن أشير إلى أن محاكمة الكاتب البريطااني دافيد إرفينج تمت ليس فقط لإنكاره الهولوكوست ولكن لإيمانه بالنازية ودفاعه المستمر عن ادولف هتلر. وإرفينج انكر وجود غرف الغاز واستخدامها للتخلص من اليهود ولكنه اعترف بمقتل الملايين منهم دون تحديد رقم معين على أيدي من أسماهم أشخاص غامضون ارتدوا ملابس الجيش النازي كما قال ان هتلر لم يكن على وعي بما حدث لليهود. والقانون النمساوي الذي حوكم على أساسه ينص على معاقبة كل من ينكر المصائب والإبادات التي تسببت بها النازية ومنها محارق اليهود.

ثانيا: ان اليهودية لم تحصن أنبياءها بالعصمة بل ان نقدهم قد يكون من خلال الكتاب المقدس ذاته. فالتوراة والكتاب المقدس ذاته يذكران أخطاء أنبياء اليهودية ومنهم النبيان موسى وداود. ألتوراة لم تتورع عن ذكر عقوبة الله لموسى بعدم دخول ارض الميعاد لغضبه وتكسيره لوحي الشريعة، كذلك لم يتغاض الكتاب المقدس عن خطية داود مع بَثْشَبَعُ. فنقد اخطاء الأنبياء اليهود شائع في الكنائس وكتب التفاسير وغيرها

ثالثا: أن التوراة والكتاب المقدس لليهود هو جزء من الكتاب المقدس للمسيحيين - العهد القديم - ومن ثم فنقد التوراه وكتاب اليهود المقدس هو نقد لكتاب المسيحيين المقدس. والغرب لا يحرم مطلقا نقد المسيحية. المسيحية ذاتها وشخصية السيد المسيح كانا ومازالا من اكثر الموضوعات نقدا بل وتجريحا في بعض الاحيان في الغرب، ولعل اقربها الان كتاب "ذا دافينشي كود" للكاتب "دان براون" والذي حقق مبيعات هائلة وتقوم حاليا "هولي وود" بانتاجه فيلما من بطولة "توم هانكس".

ولكن لماذا يخشى ويحرم المسلمون الفكر النقدي؟ فهل يمكن لرسم كاريكاتيري او مقالة او كتاب او محاضرة ات تهز أركان دين يتبعه ما يربو او يزيد عن مليار شخص؟ حتى ولو صدق الادعاء بان هناك حملات منظمة ضد الاسلام أليست مصداقيتة قادرة على دحض هذه الحملات؟ فالكلمة الصادقة تستمد قوتها من ذاتها وليس من ناقليها أو مستمعيها، وتدفع عن نفسها اية اتهامات باطلة. رغم ان النقد قد يكون ايجابيا ويساهم في توطيد اسس العقيدة ذاتها. فالشك في كثير من الاحيان ما يقود الى الإيمان. انها الشوفينية وحدها التي لا تستمع للنقد لأنها نفسها تري فوق الجميع. وسؤالي هنا الم يكن رسول الإسلام شخصية عامة وزعيما لشعبه وقائدا ميدانيا ساهم في غزوات الاسلام الاولى ومن ثم فمن المفترض والمتوقع ان يكون عرضة للنقد الموضوعي.

ومن جانب اخر فلا ينبغي تجاهل الدور الذي لعبه المسلمون بشكل او باخر في تعميق الهوة بينهم وبين غير المسلمين. هذه الهوة ليست وليدة وقتنا الراهن أو أعمال أسامة بن لادن الإرهابية، ولكنها تواجدت منذ ظهور الإسلام. علينا أن نعي أن هذه الهوة لم تأت من فراغ ولكن هناك أسبابا تاريخية وراءها ترسخت في أذهان غير المسلمين عبر السنين الطويلة مما جعل نقد الإسلام ليس فقد عملية دراسة للأخر ولكنها ايضا دراسة للتحدي الذي يشكله الإسلام للغرب. وجاءت دراسة الإسلام من خلال منظورين ارتبط الأول بالماضي وقت ظهور الإسلام وارتبط الثاني الحاضر وظاهرة الإرهاب التي تسبب المتطرفون بربطها بالإسلام.

دعونا نبدا من الماضي حيث سنوات الإسلام الاولى التي خاض فيها العديد من الحروب قبل واثناء وبغرض انتشاره. كانت تلك الحروب والغزوات بمثابة النواة لسلاسل من الحروب التي خاضها الإسلام بعد ذلك والتي قادتهم إلى أوروبا في الشمال وجنوب الصحراء في أفريقيا والمحيط الأطلسي في الغرب والمحيط الهادي والشرق. هذه الحروب والانتصارات العسكرية ساهمت بشكل كبير في تكوين صورة مختلفة عن الدين النشء عندئذ في اذهان الغربيين الذين وجدوا غرباء يطرقون أبوابهم ويهددون مستقبلهم، كما أن هذه الحروب والتوسعات هددت مصالح الغرب في الشرق الأقصي كما يقول Stuart Hall في كتاب "The West and the Rest: Discourse and Power" . ومن ثم كانت حروب الاستيلاء على الأندلس ـ أسبانيا ـ واستردادها والحملات الصليبية والحروب التي شنتها الامبراطورية العثمانية شرقي اوروبا. كل هذه الحروب ولدت مشاعر مريرة لدى الطرفين تجاه الآخر. فما من مسلم يحمل ذكريات طيبة لتلك الحملات بالطبع لانها كانت حروب حول اراض استولى عليها المسلمون بالفعل قبل قرون من الزمان. مشاعر المسلمين هذه تجاه الحملات الصليبية لها نظير لدى الغربيين تجاه توسعات المسلمين في الماضي. المعروف ان الحروب عادة ما تخلف مشاعر مريرة بين الاعداء، والمسلمون كانوا طرفا في الكثير من الحروب طيلة القرون الماضية. فلا اعتقد ان المسلمين الأوائل توقعوا مشاعر نبيلة من أعدائهم. ولا اعتقد ان الرسول نفسه توقع ان يكن له اعداؤه المودة، فالرسول كان على وعي بانه عرضة للحقد والتجريح والعداوة من القبائل العربية التي تواجدت وقت ظهور الإسلام.

إذا انتقلنا الى الحاضر سنجد ان بعض المسلمين يسيئون الى انفسهم ودينهم بممارسة العنف. اعتقد ان حال المسلمين كان سيتغير الى الافضل لو تعايشوا مع الحضارات والأديان الاخرى بسلام، واتصور ان صورة المسلمين كانت ستكون اجمل لو لم يكن هناك اسامه بن لادن وايمن الظواهري ومن هم على شاكلتهما. فتنظيم القاعدة الذي يتزعمه بن لادن يقول انه يشن حربا باسم الاسلام ورسوله على من يدعي انهم الكفار. في كل مرة يظر فيها بن لادن او الظواهري اعلاميا فانهما يشددان على ذكر انهما يحاربان دفاعا عن الإسلام ورسوله. ليتهما يتوقفان عند هذا الحد لكنهما يدعيان أنهما مدعمان بنصوص قرآنية واحاديث منسوبة للرسول تحض الجهاد وعلى قتال الكفرة. وقد ساهمت اعداد كبيرة من رجال الدين الاسلامي ونسب عالية من المسلمين في تاكيد نوازع بن لادن اما بالتاييد العلني له أو الصمت المطبق على جرائمه. فكان رد الفعل الغربي طبيعيا ومتوقعا، ومن ثم كانت ظاهرة ال"اسلاموفوبيا" التي تعامل معها الغرب تارة بمواجهة المتطرفين وتارة اخري بمحاولة استيعاب المعتدلين .

من خلال هذين المنظورين لم يتوقف الغرب عن نقد الإسلام ودراسته طوال القرون الماضية ماهيته وما وراءه وكيفية التعامل معه ثم لفهم الدوافع التي نزعت فتيل الارهاب في بقاع العالم شتى. فكانت هناك بعض الدراسات الإيجابية وبعض الدراسات السلبية. اي ان نقد الإسلام لم يكن الا بغرض معرفته وليس بغرض احتقاره أو تشويهه كما يتصور البعض وفي هذا الإطار ربما جاءت الرسوم الكاريكاتيرية بالصحيفة الدنماركية كما أعلنت الصحيفة ذاتها. فالغرب يعتقد ان النقد الموضوعي البناء للإسلام وفكره ورجاله مفروض وضروري. فالإسلام وورجاله ومنهم الرسول وان كانوا مقدسين لدى المسلمين فهم ملك للتاريخ وملك للعامة وليس فئة معينة او طائفة بعينها، ومن ثم فلا يحق للمسلمين أن يدعوا أن لهم الحقوق المطلقة في الإسلام ورسوله لانهم كانوا -ومازالوا - اطراف في شبكة معقدة من الاحداث التاريخية التي يحق لكافة الاطراف الاخرى دراستها ونقدها.

من جانبي أرى أنه بدون الفكر النقدي ما كانت البشرية حققت تقدما يذكر وما كانت الثورات المعرفية و الفلسفية والعلمية قد تحققت. فالفكر النقدي دائما ما كان الطاقة الدافعة للامام، وبدون الفكر النقدي لعشنا في ظلام العصور الوسطى وماسيها حتى يومنا هذا وما عرفنا نور الحريةا، وبدون الفكر النقدي ما كانت حقائق تاريخية قد عرفت وما كان كشف النقاب عن فضائح ومجازر وتطهير عرقي وجنسي وديني بحق العديد من الشعوبا، وبدون الفكر النقدي ما عرفنا الخير من الشر وما ميزنا بين ما هو حسن وما هو فاسد.

ندائي الى كل من يخشى الفكر النقدي في كل بقاع الارض: ازيلو المتاريس وافتحو اذانكم للنقد فلا يخشى النقد إلا الضعيف.افتحو ابوابكم للنقد فترون نور الحرية وتعرفون طريق التقدم والحضارة. افتحو دياركم للنقد فينتفي عنكم الارهاب ويعيش الجميع في سلام. افتحو عقولكم للنقد فتعرفون الحق... والحق يحرركم.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - النقد الفكري في الإسلام