أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناجح العبيدي - كارل ماركس: نبيّ رغم أنفِه















المزيد.....

كارل ماركس: نبيّ رغم أنفِه


ناجح العبيدي
اقتصادي وإعلامي مقيم في برلين

(Nagih Al-obaid)


الحوار المتمدن-العدد: 5865 - 2018 / 5 / 5 - 12:46
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كارل ماركس: نبيّ رغم أنفِه

عندما وصف فريدريك إنجلز كتاب "رأس المال" مجازا بأنه "إنجيل الطبقة العاملة"، لم يكن يتصور بأن ذلك سيصبح حقيقة في يوم ما. هذا المؤَلّف الرئيسي للفيلسوف والمفكر الاقتصادي كارل ماركس تحوّل بالفعل بعد وفاته إلى ما يشبه كتاب مقدسا في عدة جوانب. لا يتنافس رأس المال مع القرآن والإنجيل من حيث عدد الطبعات والنسخ والترجمات إلى عشرات اللغات فحسب. هذا الكتاب كان أيضا في القرن العشرين بمثابة العقيدة الرسمية لنظم عديدة تحكم أكثر من ثلث البشرية ومُرشدا لعشرات الأحزاب الشيوعية في القارات الخمسة. بهذا المعنى كان "النبيّ" ماركس ندا للمسيح ومحمد وبوذا من حيث عدد الأتباع وحجم التأثير. وكما حال غالبية المسلمين والمسيحيين الذين لا يقرأون إلا نادرا القرآن والإنجيل ويجدون صعوبة في فهم الجزء الأعظم من النص المقدس، كان معظم الماركسيين أيضا يعرفون "إنجليهم" بالاسم فقط لأنه كُتب بلغة فلسفية جافة وعصية على الفهم، حتى عندما يُقرأ بلغته الألمانية الأصلية، ناهيك بالطبع عن الترجمات باللغات الأخرى.
قضى ماركس أكثر من عقدين في صياغة هذا العمل الموسوعي التي تضمن أول وأهم نقد شامل للرأسمالية. قبل أن يصدر المجلد الأول من "رأس المال" قبل مائة وخمسين عاما - في إطار مشروع صُمم أصلا لكتابة مرجع شامل في الاقتصاد السياسي من 6 مجلدات - اشتكى مؤلفِه مرارا من تأخره في إنجاز هذا "الكتاب المقرف" في إشارة إلى أن "وحي" الكُتاب لم يساعده كثيرا في معالجة المادة المعقدة. لم تنفد النسخ الألف للطبعة الأولى إلا بعد سنوات، لكن نطاق تأثيره فاق كل التوقعات. كان القرن العشرين قرن كارل ماركس بامتياز. ولا يزال تحليله الثاقب يتحدى الزمن و"شبحه" يقض مضاجع النظام الرأسمالي مع كل أزمة مالية واقتصادية تنتابه. انطلاقا من عبارته الشهيرة : "كل ما فعله الفلاسفة هو تفسير العالم بشكل مختلف، بينما المهم تغييره"، لم يرد الثوري الكبير تغيير بلده ألمانيا فقط وإنما مسار البشرية كله. وهذا ما تحقق بعد وفاته، وإن بطريقة لا يمكن الجزم بأنها كانت ستُعجب الثوري الكبير.
لم يمضِ وقت طويل حتى أصبح رأس المال والبيان الشيوعي نبراسا لحركات ثورية في مختلف البلدان الأوروبية. وجاء الانعطاف الكبير- وربما لسوء حظ ناقد الرأسمالية الكبير - مع وصول البلاشفة بزعامة فلاديمير لينين عام 1917 إلى السلطة في روسيا حيث بدأت المحاولة الأولى لتطبيق أفكاره. لم يتوقف قادة البلاشفة كثيرا أمام حقيقة تخلف روسيا مقارنة بالبلدان الرأسمالية الأخرى، وأن أبيهم الروحي تنبأ بانهيار الرأسمالية بالدرجة الأولى، بينما بقيت تصوراته عن بناء المجتمع الجديد مقتضبة وشحيحة وغير مدروسة بتمعن. سرعان ما انغمر البلاشفة في تجارب كارثية معتبرين أن كل ما قاله "ما ينطق عن الهوى" حتى لو جاء بشكل عرضي في رأس المال وكتبه الأخرى. صحيح أن موجة تمجيد (أو عبادة) ماركس اكتسب زخما أكبر بعد وفاة لينين، إلأ أن القائد البلشفي مهد منذ البداية لإضفاء هالة من القدسية على ماركس. حدث ذلك من خلال تبسيط أفكار ماركس وابتذالها وصياغة عبارات وشعارات تشبه الآيات الدينية. لا أحد يعرف كيف كان ماركس سيرد لو أنه سمع لينين وهو يقول :"إن تعاليم ماركس كلية القدرة لأنها صحيحة." أو ماذا كان سيعلق على التبسيط الفج لنظرية ماركس عبر تقسيمها ألى خانات ثلاثة في كتاب ليينين المعروف "المصادر الثلاثة والأقسام الثلاثة للماركسية" والذي أصبح مرجعا أساسيا لتعليم أجيال عديدة من الشيوعيين على مدى عقود. ماركس أيضا كان في حياته قاسيا وفجا في التعامل مع كل من يعارضه في الرأي، ولكنه لم يصل إلى درجة وصف المعارضين بـ"المرتدين" وهو مفهوم ديني بامتياز، كما فعل لينين مع "المرتد كاوتسكي". ثم جاء ستالين ليطبق حد الردة على كل من يُشك بولائه حتى من رفاقه أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم.
سارت عبادة الفرد ماركس يدا بيد مع المظاهر الفجة لتمجيد لينين وستالين، واتخذت شكلا ماديا من خلال إقامة النصب والتماثيل الضخمة المنتشرة في كل مكان. كما تأسست في موسكو وبرلين وغيرها من عواصم المعسكر الاشتراكي حينها معاهد "علمية" للماركسية اللينينية. كان هدفها السهر على نقاوة النظرية والحيلولة دون تحريفها واحتكار الكلمة الأخيرة بخصوص تراث ماركس. هذه المعاهد اعتبرت نفسها المرجع ومركز الإفتاء الأخير فيما يخص تفسير نصوص نبي الشيوعية . كما أصدرت كتبا لا تحصى عن سيرة حياته. لكن معظم كتب السيرة هذه ركزت على عبقريته وخوارقه، ولم تتناول ماركس الانسان بكل التناقضات الكثيرة لشخصيته، وتجاهلت بتعمد تفاصيل من حياته الخاصة طالما أنها تخدش هالة نبي البروليتاريا، ومنها مثلا أنه كان على علاقة بخادمة المنزل وأنجب منها طفلا غير شرعي.
كما هو الحال في الأديان الكبري دّب أيضا بعد وفاة ماركس الشقاق في صفوف الحركة الاشتراكية بين اتجاهين: الأول يريد قلع العالم القائم من جذوره وبناء مجتمع جديد مكانه، والثاني يسعى لإصلاح الأوضاع السيئة تدريجيا وتحسين ظروف الطبقة العاملة وتخفيف أشكال الاستغلال، وكلاهما يستند إلى ماركس. وصل هذه الانشقاق إلى درجة الاحتراب وإقصاء الأخر وتكفيره، وساهم بالتالي في إقامة أنظمة قمعية باسم دكتاتورية البروليتاريا ذهب ضحيتها أيضا عشرات الآلاف من المؤمنين بتعاليم ماركس، ليس من المناشفة والاشتراكيين الديمقراطيين فقط، وإنما أيضا من البلاشفة والشيوعيين. وفي كل هذه الجرائم لعبت تهم "التحريفية" و"خيانة" النظرية دورا كبيرا في مؤشر على تحول أفكار ماركس إلى أيديولوجية تشبه العقيدة الدينية. بهذه الطريقة انتقم الدين من المفكر المعروف بانتقاده للأديان والذي اشتهر بعبارته "الدين أفيون الشعوب".
بطبيعة الحال لا يمكم تحميل كارل ماركس المسؤولية الكاملة عن توظيف أفكاره ونظرياته لاحقا في الصراعات المريرة على السلطة وفي إشعال ثورات عنيفة وارتكاب أعمال قمع، ولا عن جرائم ستالين وماوتسي تونغ وبول بوت وغيرهم. كما أن دور تعاليمه في قيام الأنظمة الشمولية التي رفعت ولا تزال ترفع راية الماركسية يبقى قضية جدلية. فهو على الأقل انتبه إلى ذلك مبكرا وصرح به لصديقه المخلص إنجلز في أواخر حياته قائلا "كل ما اعرفه هو أنني لست ماركسيا"، في محاولة لم يكتب لها النجاح للحيلولة دون تحول أفكاره إلى عقيدة جامدة.
من دون شك يبقى كارل ماركس حالة استثنائية بين المفكرين العظام في تاريخ البشرية. ويعود الفضل في ذلك بالدرجة الأولى إلى تحليله الشامل للرأسمالية وكشفه عن تناقضاتها وأسباب أزماتها. صحيح أن تنبوأه الأهم بانهيار الرأسمالية لم يتحقق حتى الآن، ولكن ذلك لا يبرر وصفه بالنبي الكذاب. وفي كل الأحوال يبقى كتاب رأس المال رمزا لمرحلة تاريخية هامة. وبهذا المعنى يحق له أن ينافس الإنجيل والقرآن. ربما لهذا السبب أيضا ضمت اليونيسكو إلى لائحتها للتراث الإنساني الوثائقي – من بين وثائق كثيرة - نسخة من الطبعة الأولى لرأس المال والنسخة الكاملة الوحيدة المتبقية من إنجيل غوتينبرغ، أول إنجيل صدر باللغة الألمانية عام 1452.



#ناجح_العبيدي (هاشتاغ)       Nagih_Al-obaid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس والعولمة
- هل انتهت الأحزاب في العراق؟
- مدافع ترامب التجارية
- الانتحار بين السياسة والدين (الحلقة الثانية)
- الانتحار بين السياسية والدين (الحلقة الأولى)
- الانتخابات العراقية...الناخب الحائر!
- الخمينية والوهابية تترنّحان
- الجوانب المظلمة لأزمة الكهرباء في العراق
- الفساد بين الحيتان الكبيرة والقروش الصغيرة
- تصدّع البيت الأوروبي
- مسرحية الحريري: التغريد خارج النص
- الميزانية العراقية وعقدة حصة الإقليم
- عندما يحلم العراقي!
- فخ المديونية في العراق
- الدين: محرك أم معيق للتنمية الاقتصادية؟
- أرصدة كردستان المالية في الخارج: من أين لك هذا؟
- التصعيد التركي والصمت الكردي!
- كردستان: استفتاء أم استطلاع؟
- عراق ما قبل الانتخابات: اصطفافات جديدة فوق رمال متحركة!
- وسكتت الجزيرة عن الكلام المباح!


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ناجح العبيدي - كارل ماركس: نبيّ رغم أنفِه