أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - مطر نيسان..ورد أيار














المزيد.....

مطر نيسان..ورد أيار


إبراهيم مشارة

الحوار المتمدن-العدد: 5865 - 2018 / 5 / 5 - 00:02
المحور: الادب والفن
    



نيسان ..
أبريل..
شهر الرغبات كما يقول ت.إليوت في الأرض اليباب:

نيسان أقسى الشهور يخرج
الليلك من الأرض الموات
يمزج الذكرى بالرغبة يحرّك
خامل الجذور بغيث الربيع

تجمع أمي مطر نيسان في قارورة تحليه بالعسل تناولني القارورة تقول : اشرب تشدد أمي مطر: نيسان مبارك. إنها تترجم سلوكيا مقولة أبو قراط: الطبيعة هي الشافية من الأمراض. تتماهى روح أمي في عفويتها، في حكمتها، في خبرتها مع روح السياب الشاعر الذي كان يتداوى بالندى والمطر:

و في ليالي الصيف حين ينعس القمر
و تذبل النجوم في أوائل السحر
أفيق أجمع الندى من الشجر
في قدح ليقتل السعال و الهزال

وجه أمي من وجه الأرض في تبرجها في الربيع وجدائل شعرها حين تفتحها لتمسحها بزيت الزيتون وتأخذ قارورة الكحل لتكتحل بالمرود وفي يدها المرآة من سنابل القمح وهي تتطامن بحباتها الجنينية نحو الشمس والضياء أتأمله وأقول: أنت جميلة ياأماه ! تضحك كبرت ياولدي أنا عجوز ...
لا تشيب الأرض ولا تهرم ياأماه ! ظللت إلى الخامسة عشرة أنام بجنبها أحضنها أضع رجلي على ساقيها وأنام إلى الصباح طراوة الجسم المندى بالعرق ورائحة الكحل وزيت الزيتون تتماهى مع رائحة الربيع وأبريل على الخصوص الأرض المنداة بالمطر ورائحة العشب الأخضر ينمو رويدا رويدا .
أحببت أمي كما يحب كل إنسان أمه وأحببت الحياة لأني أحببت أمي وكثيرو ن يزعمون حب الحياة وهم أعداء للحياة !
أخذت الحكمة من أمي وأمي أخذتها من الأرض من الحياة .
أمي والحياة صنوان، وجهان لمخلوق واحد كل ما في الأرض من عطاء ومن جمال ومن بركة له مقابل في الأم: الرحم، ماء الحياة ، الجنين ، المخاض، الولادة ، الحدب، التضحية الجمال ...
جوف الأرض، المطر، البذور، الربيع ، البركة، الزهور......
أحببت أمي كما يحب كل إنسان أمه وأحببت الحياة لأني أحبت أمي وكثيرو ن يزعمون حب الحياة وهم أعداء للحياة.
الحياة في صيرورتها في تطورها في عنفوانها فلست أعرف أحمق من الذي يدير وجهه للحاضر ويبحث عن الماضي زاعما أنه بإمكانه أن يستحم في النهر أكثر من مرة يبخس نفسه قيمتها ويرى الكمال في آخرين طوتهم غياهب القرون يصنع أصناما من الوهم بيديه ويعبدها ويطمس إنيته ويرتهن حريته .

***
كبرت وكبرت ونثرنا غبار ضحكاتنا على صهوة الريح ، وادخرنا ذكرياتنا في جيب القمر في غقلة من الحراس –أوصياء القبيلة- قبيلة التمجيد والتقديس والممنوع والمكبوت

حين يدخل أيار ينثر ورده وأيار تشتاقه النفوس شوقا إلى ورده كما يقول أبو العلاء :

تشتاق أيار نفوس الورى** وإنما الشوق إلى ورده

كنت أسابق النسيم إلى حقلنا ذات صباح من أيار لأقطف وردة أيار مباركة بماء نيسان أتشمم أريجها أعطيكها تصطنعين الخفر وتتبسمين في كيد برئ هو كيد أمي كيد الحياة لله ما أحلاه ! نتفرج على البيادر نفرح بمحصول العام تشتد فينا الرغبة نترك لغة القبيلة ونصطنع لغة الحياة.

***
في هذا الزمن المعاصر ارتهنت التقنية حياتنا وسجنتنا في بيوتنا صنعت لنا العوالم الافتراضية دنيا من الوهم وعالما من الزيف وعزلتنا عن أمنا الأرض قطعت الحبل السري الذي يصلنا بالأرض وسجنتنا خلف شاشات الكمبيوتر نتلذذ بأحاديث لا عبق لها وصداقات لا مصداقية لها نجري وراء الصورة ونعبد الصورة حتى خلقت لنا الصورة ورما كل واحد يفاخر بورمه ويكاثر الآخرين بأورامه إن هذه العوالم الافتراضية لهي المبرد الذي نلحسه ونتلذذ بدمه المسفوح وهو دمنا وقتنا، علاقاتنا الحميمية، أسرنا، حاضرنا، مستقبلنا حتى تسلمنا هذه العوالم بعد زمن طويل إلى شيخوخة مبكرة وجهالة مطبقة ورصيد من قبض الريح وحصاد الهشيم وخيوط العنكبوت.

***
لماذا نحن إلى طفولتنا هل اليأس من الحاضر والمستقبل معا؟ أم الخوف من الموت الذي نقترب منه؟
أم لأن الطفولة هي الحياة بلا لب بلا وعي بلا ألم بلا تاريخ إلا الحاضر؟:

والطفل تصحبه الحياة وما له** لب يصاحب عقله ويلقن

ليس عندي جواب ولكن أعرف أن الذي الراشد العاقل الذي يحن إلى الماضي ويرى الكمال فيه هو إنسان بلا حاضر ومستقبل معا وهو خارج الزمن.
بعض الأمم كان التاريخ عبئا عليها والأمة العربية إحدى هذه الأمم .

أنت منحتني الزنابق أول مرة منذ عام
حتى أسموني فتاة الزنبقة
لكن عندما عدنا في ساعة متأخرة من حديقة الزنابق
ذراعاك مملوءتان ، وجدائل شعرك مبتلة ، عجزت
عن الكلام ، وعن رفع جفوني ، لم أك
حيا أو ميتا ، ولم أعلم شيئا
و أنا أشق بعيني قلب الضياء ، و السكون
و البحر خواء مترامي الأطراف
ت.إليوت



#إبراهيم_مشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ينبوع العطش /دروب الحرية
- ثلاث قصص قصير جدا
- الرقص على حواف الحروف والكلمات
- في حب العقاد/ قيم خالدة في ذكرى رحيله الرابعة والخمسين
- ثرثرة في ظاهر المدينة عشر قصص قصيرة جدا
- قدموس ثائرا أو جبران ونزعة التمرد
- مرايا العابرين بين الكلمات/أشعة وظلال من السويقة
- من زاوية أخرى
- كان لي قلب
- أشجان مقدسية
- الاعتراف
- سيدة لبنان وجارة القمر في عيد ميلادها
- سيدة الليل الأزرق
- أم كلثوم في وجداني
- مرافئ الذاكرة/ غيبة الحامدي
- من أجل ثقافة قومية إيجابية
- الناي والأحزان
- صوت أبي العلاء الاشتراكي
- عشر قصص قصيرة جدا
- الشريحة


المزيد.....




- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم مشارة - مطر نيسان..ورد أيار