|
عامر عبد الله .. مثقف عضوي (2-3)
عقيل الناصري
الحوار المتمدن-العدد: 5830 - 2018 / 3 / 29 - 00:26
المحور:
مقابلات و حوارات
عامر عبد الله .. مثقف عضوي (2-3)
لقد عاشت الانتلجينسيا العراقية منذ أن خطت سنوات فتوتها، في صراع مستديم مع واقعها ومحيطها الاجتماعي من جهة ومع ذاتها الطامحة إلى تغير ذلك الواقع من جهة ثانية. مما ترتب على هذا الصراع عواقب جمة صاغت من الكثير منهم ما يمكن أن نطلق عليهم (مثقفيين عضويين) ربطوا بين مهماتهم الحياتية وغائية التغيير التي نظروا إليها كصيرورة اجتماعية سياسية، وبالتالي وسموا الثقافة العامة بطابعها الاجتماعي ذو المنحى اليساري العام وبنزعته التقدمية ، تبلورت بكل ابعادها في تجليات الوعي الاجتماعي: الجمالية والحقوقية والفلسفية والسياسية بل وحتى الدينية. هذا النزوع يمكن رصده في مختلف مراحل التطور التاريخي لسيرورة الظاهرة العراقية المعاصرة. كما يمكننا رصد قرينة أخرى ارتبطت بهذه الصيرورة ، مفادها أن كل عقد زمني قد أفرز مجموعة انجزت بعض من مهامها،وربما الكثير منها ما أمكن، وبعضها الآخر كان ذو منزع استعجالي يحاول مصارعة الواقع بأدوات تغييرية غير متلائمة مع ذات المهام، كما لو أنهم يصارعون السماء بأيديهم العارية.. يدفعهم ويحفزهم إلى ذلك ايمانهم بعدالة غائية التغيير وضروراته لواقع دينامكية التطور المرغوب وأهميته. وثالثة الظواهر التي يمكن رصدها هنا.. أن الكثير من هؤلاء دعاة التغيير الاجتماعي قد نذروا أنفسهم لهذه الغائية التي هي بمعايير الاخلاق فكرة سامية، وبالجمال ايثار سيمفوني، وبالسياسة غائية اجتصادية، وبالتطور ضرورة موضوعية.. وقد تحملت هذه الانتلجنسيا شتى صنوف العذاب والحرمان بل حتى أن الكثير منهم كانوا قرباناٌ لهذه الضرورات ولذات الغائية بقدر ما كانوا من ماهيات معالم الذات الانسانية في تجلياتها الجمالية. الأمعان في هذه العوالم ستشخص الابصار نحو اولئك الرواد الأوائل، منذ عشرينيات القرن المنصرم حيث رواد الفكر المساواتي الاجتماعي، وثلاثينيات الفكر التقدمي والديمقراطي واربعينيات التبلور النقابي والحزبي وخمسينيات المثقفين وتأثيراتهم المتصاعد..ومن ثم في العهد الجمهوري حيث تحول هذا الكم غير الكبير إلى فعل وممارسة غائية احدثت تراكما نوعياً على كل مستويات الوجود الاجتماعي العراقي.. اخاف الكثير من الطبقات والفئات الاجتماعية الماضوية وتلك الساكنة في حراكها، التي خططت إلى عودة هذه الصيرورة إلى منزعها البدائي من خلال احباط جماعات التغيير واهمالهم المادي والروحي ومشروعهم الحضاري.. وهذا ما قامت به أغلب حكومات الجمهورية الثانية ( 9شباط1963- نيسان 20039) وبالاخص منذ 1968 .. ومع ذلك ناضلت هذه الجماعات على تعدد مشاربها الفكرية والفلسفية في التشبث بمشروعها الحضاري.. وامست مثالا للمثابرة يحتذى به. كان ، حسب اجتهادنا، من بين هؤلاء السياسي والمثقف العضوي عامر عبد الله/ القيادي السابق في الحزب الشيوعي العراقي.. ومن اجل تسليط الضوء على هذه الشخصية واستيعاب حراكها السياسي والمعرفي وضمن متطلبات جمع المعلومات لنيلي شهادة الماجستير عن هذه الشخصية، المثيرة للجدل، كان نقاشنا وحورنا مع الباحث الاكاديمي الدكتور عقيل الناصري ، والمتخصص في شخصية الزعيم عبد الكريم قاسم، من مهجره السويدي، فكان هذا الحوار: حاورته: غادة عبد الرزاق * من هو الشخص الاكثر تأثيرا بالاستاذ عامر من السياسيين .المفكرين,الصحفيين, من العائلة؟ - في هذا الصدد ليس لدي معلومات دقيقة ولا اسمح لنفسي في ولوج ما لا اعرفه. لكن نرى في كتاباته ما يشير في بعض الاحيان الى بعض القادة في مجالات الفكر من خلال قراءاته لهم ، نظرا لكونه يجيد الانكليزية بطلاقة وكذلك الروسية.. مما أهله الى ولوج الفكر التقدمي وليس الاكتفاء بالفكر العربي أو المكتوب بالعربية حسب. * قيل ان عامر كان يحب المناصب والبهرجة وانه يسعى لان يكون بالواجهة دوما" ما رأيك فهل برأيك عامر كان هو من يطالب بالمناصب او ان المناصب هي التي كانت تطالب به؟ -في البدء كل انسان يحاول في حياته العملية ان يسد حاجاته المادية الضرورية لديمومته ومن ثم بعد اشباعها يبدأ باشباع الحياة الاجتماعية ومتطلباتها والروحية ومستلزماتها ومن ثم يعمل من اجل ابراز الذات وتحقيق ماهياته الاجتمانفسية.. والمتمثلة في تكوين ( كارزميته) الخاصة وبغض النظر عن مدى تأثيرها الاجتماعي وسعته.. التي يحاول اغلب الافراد توسيع نطاق شيوعها وتأثيرها. عامر لم يكن شاذاً في هذا المجال هذا من جهة، ومن جهة ثانية ان اغلب العاملين في هذه الحقول المعرفية والسياسية والفنية هم مصابون بحب الذات، وان اختلفت نسبتها بينهم من حيث الدرجة والضخامة وهذا الاخير يعتمد على التركيبة الاجتمانفسية لكل منهم وما هي أراسيات العوامل المؤثرة فيهم.. كما تلعب غائية نشاطهم الابداعي دورها في تضخيم الذات.. واخيرا وليس آخر، تلعب فلسفتهم الحياتية ومبادئها دورا لا بأس به في ذلك والقيم الاجتماعية التي يسترشد بها. لا ننسى ان عامر قد دخل كلية فيصل المتميزة بقبولها للطلبة الاذكياء فحسب بغية تأهيلهم المستقبلي كي يلعبو دورا مهما في مؤسسات الدولة. لعامر عبد الله دوراً مهما في الحركة السياسية والفكرية ولديه قابلة عالية وذكاء تغري المناصب بالقدوم إليه.. لكن ماهية نضاله السياسي واختياره الطريق الصعب وما تطلبه من اختفاء وعمل سري ومكوناته ومتطلباته ، حجبت عنه التوغل في الوظيفة الحكومية طيلة العهد الملكي.. وتعويضا نفسيا عن فقدان هذه المكانة الاجتماعية فقد برز في التنظيم السياسي عندما تبوأ مراكز عليا في الحزب ، فقد كانت هنالك علاقة جدلية بين مواهبه الفكرية والتنظيمية وقلة الكادر النظري في الحزب .. قد فسح المجال له في هذا الحقل المزروع بالالغام وما يرافق العمل السري من تشكك وريبة وعدم الاطمئنان والثقة بقدر ما يفولذ الذات ويحك تجاربها ويطور قدرته على التفكير الاحتمالي لاية قضية تطرح. وبالمناسبة أن هناك سمة أراسية تميز الحزب الشيوعي العراقي .. من خلال نضاله السياسي .. هو ان الحزب قد خرج كم وفير من كوادره المنظمة وليس الكوادر المنظرة، حتى أنهم ساهموا في تأسيس أو/و تطويرالاحزاب السياسية الأخرى، عندما خرجوا من (معطف) الحزب. لقد خرج الحزب الشيوعي للعمل شبه العلني (اللا رسمي) بعد ثورة 14 تموز وساهم عامر من خلال موقعه وصلته بعبد الكريم قاسم التي تمتد إلى مطلع الخمسينيات، واشتدت الصلة (السرية) بقاسم في دوامة الصيرورة الكامنة في ادارته لفعل الثورة وايجاد روابط لها مع الحزبين الديمقراطي والشيوعي حصرا، فكان عامر عبد الله في المشهد الأول لما اكتنف العملية السياسة من تطور واخفاق، من صراع وعنف، من ترابط وتفكك للتحالفات وغيرها.. وسرت اشاعة حول ان عامر طلب من قاسم تعيينه سفيرا في لندن او منصبا رفيعا في السلطة! وبغض النظر عن مدى صحة مضمون هذه الاشاعة، فإن تضحيات عامر وقيادته هي لتهيئة تربة التغيير للثورة كذات منظرة ومساهمة ومن ورائه قاعدة الحزب الشيوعي.. فهي لا تعود امرا انسانيا اعتيادياً.. بدون مبالغة في رصد هذه الاشاعة التي مصدرها على الاغلب القوى المناوئة للحزب الشيوعي أو /و حتى من بعض رفاقه الذين ينظرون إليه بحسد على المكانة التي حصدها طيلة عمله السياسي والفكري والمكانة الاجتماعية التي بلغها. لا نغفل هنا وجود حالة نفسية لدى عامر هو احساسه المفرط بالذات وبقدرته اللتين أخذتا تنموان مع نمو دوره في حياة الحزب وفي العلاقة التي نسجها على المستوى العربي و العالمي مع الاحزاب والقوى السياسية في مختلف بقاع العالم.. فكان علما من اعلام هذه الحركة السياسية بكل ابعادها.. كما ان هناك ميزة لديه تكمن في كونها ينسب لذاته كل ذلك الانجاز الذي ساهمت فيه القوى الحزبية ويكلله لدوره وما قام به. هنا تتجلى الابعاد الذاتوية بصيغها العامة (السلبية والايجابية) على حدٍ سواء. *هل لديك تصور عن علاقة عامر عبد الله بالقادة الشيوعيين منهم سلام عادل عزيز الحاج وزكي خيري وبهاء الدين نوري وصالح مهدي دكلة وعزيز محمد؟ - من الظواهر المهمة التي انتابت العمل السياسي أو بالاحرى الحزبي منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 وتأسيس أول الاحزاب السياسية في عام 1922 .. ان هنالك خللا عضويا في طبيعة عملها وعدم تبلور آلية ادارة العمل والصراع داخل الحزب.. طالما ان مثل هذا العمل الحزبي قد دخل لأول مرة في العراق المعاصر.. وبالتالي فان القيم الداخلية للحياة الحزبية قد اصطدمت بقوة مع الواقع السيسيولوجي والسياسي وتدني المستوى الثقافي الذي انعكس في تجليات الوعي الاجتماعي (الفلسفي، السياسي، الحقوقي،الجمالي وأخيرا الديني) حيث ساد الأخير، وهو بمثابة البدايات الأولى للوعي وليس قممه. لذا تميز العمل الحزبي بصورة عامة ، وبنسب مختلفة بين هذا الحزب أو ذاك: بالتكتلية والشخصانية والولائية الضيقة والشكوكية( خاصة في العمل السري)، والذاتوية بل وحتى الثأرية والمحورية التي لا تعتمد على بنية واهداف الحزب قدر اعتمادها على الولاءات الدنيا ( الولاء العائلي أو/و المناطقي أو/و المذهبية حتى في الاحزاب اللا دينية إن لم نقل العلمانية) اقول هذه الظواهر يمكن وغيرها رصدها في الحياة الحزبية في العراق المعاصر ولجميع هذه الاحزاب العلنية أو السرية. كذلك شهد الحزب الشيوعي هذه الظواهر وبقوة تجلت في عموم مسيرته النضالية، واستطيع القول وعلى وفق الظروف الموضوعية والذاتية، ان هناك مدلولات لمثل هذه المظاهر التي تجسدت في الانشقاقات الحزبية، كذلك في التصفيات، بغض النظر عن مسبباتها، وفي التكتلات في قمة هرم التنظيم الحزبي وهيكليته والشللية, لذا ان الاسماء المذكورة اعلاه جميعها ساهمت في مثل هذا العمل التكتلي.. لذا فيمكن القول ان الاختلافات الفكرية ومستوى تجذرها ودرجة استيعاب المنهجية المادية والتاريخية هي الاخرى كانت تمثل (العامل الذاتي للظاهرة) قد اسهمت في ان تكون (التحالفات الداخلية) او (التكتلات) متغيرة وغير ثابتة. على سبيل المثال ومن خلال ما كتبه عامر عبد الله ذاته عن علاقته بسلام عادل في الخمسينيات فقد كانت الى حد كبير متكافئة، لكنها بعد تموز واشتداد الصراع في قمة الهرم الهيكلي للحزب رأينا ان عامر قد تكتل مع ما اطلق عليه (الرباعي) المتكون منه وبهاء الدين نوري وزكي خيري ومحمد حسين ابو العيس، وعندما عاد سلام عادل شتت هذا التكتل وفرض عليهم العقوبات الحزبية التي ابعدتهم من مسؤولية القرار الحزبي. وفي عام 1964 وما اطلقه المركز الحزبي من الدخول الى (الاتحاد الاشتراكي) رأينا انشقاق هذه التكتل وتكوين منابر حزبية ضيقة ومتضادة في الوقت نفسه. وهكذا لم يعد انتخاب هذه الرموز في المؤتمر الثاني للحزب من قبل القاعدة الحزبية وخاصة لعامر وبهاء المتضادين فكريا او في الرؤية الفلسفية للحياة الحزبية وتحديد مساراتها وصراطها. اما في الثمانينيات فنلاحظ في المؤتمر الرابع انشطار كبير بعد طرد ما يقارب نصف اعضاء اللجنة المركزية ومنهم عامر عبد الله. وتأسيسا على ذلك نلاحظ ان هذه العلاقة بين عامر والآخرين يمكن تصنيفها الى : ينظر عامر الى الاقوياء في مركز القرار الحزبي كند له ولهم؛ اما ما دون ذلك فقد كان يتعالى وينظر الى ذاته نظرة فوقية .. لذا تم طرده( حسب افادته لي عام 1998) أو/و تنحيته عن مركزه 6 مرات.. وفي كل مرة يعاد إلى موقعه السابق عضوا في اللجنة المركزية، في حين يحتم النظام الداخلي على عودته إلى القواعد الحزبية البسيطة. كما قلت كان معتدا في رأيه وينظر لها بشيء من النرجسية ومنها ينطلق نحو الآخرين. *يقال ان عامر كان لديه حس طائفي حيث كان يقول عن سلام عادل انه شيعي وايراني وكان معارضا لقيادته للحزب؟ -ميزة الحزب الشيوعي العراقي .. أنه الحزب الوحيد الذي يمثل التكوين الاجتماعي العراقي برمته وعلى مختلف مستوياته، لذا ربى اعضاءه بالروح الانسانية وليس بالانتماءات الضيقة من دينية أو/و مذهبية أو/و اثنية وغيرها. لذا لا تلمس هذه النزعة لدى أغلب الشيوعيين بغض النظر عن موقعه الحزبي.. ما بالك في موقع المسؤولية..لذا لم ألمس من عامر عبد الله والكم الوفير منهم انهم كانوا ذا حس طائفي، بقدر ما انهم ، كغيرهم من البشر، ربما يقعون في هذا الموقف او ذلك الحديث تحت الموروث الاجتماعي، لكن لم تكن الطائفية منهجهم، بصورة مطلقة، ولا سلوكهم ينحو هذا المنحى، إلا اذا اعتبرنا اعتزازه ( عامر) بمدينته (عنه) يمثل جزءا ضئيلا من وجهة نظر معينة.. وحتى هذا الاعتزار، كغيره من البشر، ينطلق، كما اعتقد، من اعتزاز الفرد بطفولته ومكانه وبالذكريات التي انطلق منها يلوج الحياة.. اما معارضته لسلام عادل فلم تنطلق بتاتا من هذا الموقف الضيق اطلاقا.. قدر انطلاقها من رؤيتين مختلفتين لمسار ثورة 14 تموز والموقف من عبد الكريم قاسم، اذ ان سلام عادل كان يحاول، كما أرى، ويريد فرض الموقف الجذري والرديكالي للحزب من هاتين القضيتين ويسير بهما الى منعطف يساروي يحاول ان يقصر المرحلة قسرا نحو البناء الاشتراكي كما كان متعارفا عليه آنذاك على الاقل.. في حين ان عامر عبد الله كان يصرخ أن هذه الثورة ليست ثورتنا .. انها ثورة الطبقة الوسطى والبرجوازية الوطنية رغم ما قامت به من انحياز للطبقات الفقيرة والكادحة، لذا وسم باليمينية.. في حين أني أرى انه كان يقرأ تاريخية العراق وحاضره من المنطق الجدلي وعلى وفق سنن وقوانين تطوره وماهية درجة تطور القوى المنتجة والطبيعة الطبقية غير المتبلورة للانماط الاقتصادية المتعددة. *هنالك كلام قيل بحق عامر انه مثل العقرب ان لم يجد من يلدغه فانه يلدغ نفسه؟ ما تعليقك على ذلك! - ان مثقفا عضويا بقدر عامر عبد الله وما يحمله من طرائق منهجية لقراءة الواقع المادي والفكري ، سيكون بمنأى عن مثل هذه التجريحات.. واعتقد جازما هنا بأن هذا الكلام صدر من كاره له ، أو باعتباره ردحا لا يمثل الماهية الحقيقة لمفكر بمثل هذا المستوى، في الوقت نفسه لا انقي أي أنسان ، بما فيهم انا، من الكره والحب ومن تداعياتهما.. لكن ان تكون سمة للفرد المفكر كعامر وبحجم مساهمته في انضاج الظرف الذاتي للحركة السياسية وخاصة الشيوعية في العراق على وجه الخصوص .. لا اميل الى مثل هذه القراءة.. واعتبرها قراءة ميتة.. نعم لكل من ، نحن البشر، اخطاء ومواقف نكره ونحقد ونحسد .. أي بمعنى نحمل المتناقض حسب تكويننا وتركيبتنا النفسية والثقافية .. وقد تتسع أو تتقلص كل جانب منها على وفق الموقف والظرف الحسي الملوس. * كيف تستطيع تقييم تذبذب مواقف عامر بتبنيه خط اب ثم العمل الحاسم وغيرها من المواقف المتضاربة التي لا تتناسب مع عقلية وحنكة عامر الفكرية والسياسية؟ وهل تعتقد ان عامر بمواقفه هذه نظر للأمور بمنظار ابعد من غيره؟ - العمل السياسي غير العمل الفكري طالما في السياسة ليس فيها ثوابت بل هي متغيرة على ضوء تغير المصالح والظروف التي كما قلنا انها قانون اساسي مطلق.. الواقع دوما في تغيير، اما وجهة هذا التغيير فربما يستطيع الانسان على وفق معرفته ودرايته يستطيع أن يؤثر في اتجاهاته.. وهذا هو عمل السياسيين كي يكيفوا هذا الواقع المتغير على وفق غائيتهم ذات الافق المصلحي العام وليس الفئوي من جهة ولاجل التأثير في وقع خطى هذا التغيير على التكوين الاجتماعي.. والشيوعيون، على الاقل نظرياً ما بالك الكثير من تاريخيتهم تدلل على ذلك، هم من رواد هذا التغيير إذ دوما يحاولون تهيئة تربة هذا التغيير وان يساهموا فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة بغية احداث تاريخ جديد للانسان ومحيطه وبيئته الاجتماعية والطبيعية. من هذا المنطلق يمكن رصد هذه الظاهرة عند كل السياسيين، إذ تفرض الظروف الانية بعض من رؤيتها ولكن في ظرفٍ آخر يتم تبني موقفا معاكساً إن لم يكن مضاداً. وتزداد هذه الظاهرة حدةً عند القوى السياسية التي تخلو من منظومة فكرية منهجية ، على ضوئها تقرأ الواقع وتحدد أرأسيات المنطلق وماهية سمة المرحلة ومن ثم تحدد وسائل التغيير على كل المستويات .. هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب النظر للسياسيين، عامة، انهم بشر قد يخطأون عندما يمارسون فعلا صيرورة التغيير وسيرورتها المادية، خاصةً عندما تنعدم المعطيات أو تصل وهي ناقصة أو/و مشوه.. ومن هذا المنطلق ربما اراد عامر والآخرون معه من تبنيهم خط آب .. تكوين فسحة زمنية كي يستعيدوا عافيتهم بعد خروج الحزب من ابشع مجزرة ارتكبت بحقه خلال فترة البعث الأولى ( 8 شباط - 18 تشرين الثاني1963)، وبالتالي تهيئة قوى الحزب والحركة الوطنية لخوض غمار تحقيق التغيير بشكل آخر. وربما أيضا أن هذا الموقف قد تم تبنيه من قبل الكثير من الاحزاب الشيوعية العربية وغير العربية نتيجة ما توصلت إليه الدراسات الفكرية وما تبناه الحزب الشيوعي السوفيتي والعديد من الاحزاب الأخرى، بصدد الموقف من البرجوازية الوطنية وخاصة الصغيرة منها في العالم الثالث وبالاخص التي استلمت السلطة في بلدانها.. حيث رأت فيها في مرحلة عدم تبلور النظام الاقتصادي وتعددية انماطه وقدرتها على عملية تحقيق التنمية المنشودة، لذا ساد آنذاك مفهوم ( التطور اللا رأسمالي) ويتمحور أحد جوانبه في عملية تجميع القوى الثورية في هذه البلدان وامكانية تحالفاتها حتى تتبلور في كيان سياسي واحد. هذا العاملان ، كما أعتقد كانا وراء هذا التبني لخط آب، يضاف إلى ذلك تبعثر قوى الحزب الشيوعي وضعف تركيبته وقلة تأثيره وبالتالي عدم استفاقته الفكرية والتنظيمية من وبعد هذه الصدمة. لي رأي خاص في قدرة عامر على قراءة الواقع، إذ هو وعدد ضئيل جدا آنذاك كانت ثقافتهم الفلسفية تسمح لهم بتحليل الواقع وكان كما ارى انه منسجم فكريا مع الاطروحة السوفيتية بصدد تطور البلدان النامية، كما كان يقال. اما تبني العمل الحاسم فربما اراد فيه مسايرة الموجة العالمية حيث بروز الجيفارية والكاستروية والحركات الثورية في بلدان امريكا اللاتينية وتصاعد وتيرة الثورة الثقافية في الصين.. لكنه لم يستطع تحقيق ذلك وهو مثقل بخط آب.. ولكن هذا لا يشي بالمواقف المتذبذبة، قدر ما يشي بالصراع الفكري داخل قمة الهرم الحزبي .. حيث يشهد تاريخ الحزب الشيوعي، كأي كيان عضوي حي، الكثير من الصراعات والجدالات الفكرية والفلسفية المتباينة على ضوء التطور في الواقع من جهة وانتساب قوى شابة مثقفة لديها معارف اوسع ، نسبياً، من السابقين وافهم لذاتية الحراك الاجتماسياسي ، خاصة بعد أن اخذ ت الطبقة الوسطى تتبلور عدديا وفكريا وتتبنى مدارس فكرية ضمن الحركة الثورية العالمية آنذاك..
#عقيل_الناصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عامر عبد الله .. مثقف عضوي (1-3)
-
المكثف في العنف (4-4)
-
المكثف في العنف (3-4)
-
المكثف حول العنف (2-4)
-
المكثف حول العنف (1-4)
-
جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (7-7)
-
جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (6-7)
-
جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (5-7)
-
جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (4-7)
-
جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (3-7)
-
جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (2-7)
-
جدلية وماهية تكوين الدولة العراقية (1-7)
-
جدلية التغيير الجذري في 14 تموز وعلاقته بقدوم العسكر للسلطة
...
-
جدلية التغيير الجذري في 14 تموز وعلاقته بقدوم العسكر للسلطة
...
-
الامن العامة هي من لفقت تهم مجازر عام 1959 في كركوك للشيوعيي
...
-
من تاريخية الصراع الاجتماسياسي العراقي: فتوى الامام الحكيم ح
...
-
من تاريخية الصراع الاجتماسياسي العراقي: فتوى الامام الحكيم
...
-
من تاريخية المؤسسة الأمنية في العراق الملكي**: (6-6)
-
من تاريخية المؤسسة الأمنية في العراق الملكي**: (5-6)
-
من تاريخية المؤسسة الأمنية في العراق الملكي **: (4-6)
المزيد.....
-
Xiaomi تروّج لساعتها الجديدة
-
خبير مصري يفجر مفاجأة عن حصة مصر المحجوزة في سد النهضة بعد ت
...
-
رئيس مجلس النواب الليبي يرحب بتجديد مهمة البعثة الأممية ويشد
...
-
مصر.. حقيقة إلغاء شرط الحج لمن سبق له أداء الفريضة
-
عبد الملك الحوثي يعلق على -خطة الجنرالات- الإسرائيلية في غزة
...
-
وزير الخارجية الأوكراني يكشف ما طلبه الغرب من زيلينسكي قبل ب
...
-
مخاطر تقلبات الضغط الجوي
-
-حزب الله- اللبناني ينشر ملخصا ميدانيا وتفصيلا دقيقا للوضع ف
...
-
محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بته
...
-
-شبهات فساد وتهرب ضريبي وعسكرة-.. النفط العراقي تحت هيمنة ا
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|