أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - حين تثري المعرفةُ الفنَ الروائيَ باتريك زوسكيند في روايته (العطر)















المزيد.....

حين تثري المعرفةُ الفنَ الروائيَ باتريك زوسكيند في روايته (العطر)


شكيب كاظم

الحوار المتمدن-العدد: 5827 - 2018 / 3 / 26 - 21:18
المحور: الادب والفن
    


وانا اكمل قراءة العمل الروائي الفخم (العطر) للروائي باتريك زوسكيند، المولود في عام 1949 في بلدة امباخ الواقعة في جبال الالب تساءلت ما أكثر ماقرأ هذا الروائي في التاريخ الفرنسي القديم والحديث، لاسيما تاريخ فرنسة في القرن الثامن عشر، حيث تجري احداث روايته (العطر – قصة قاتل) عند مولد جان باتيست غرنوي عام 1783، ولم يقف اهتمامه عند التأريخ السياسي لفرنسة، بل تعداه الى تأريخها الاقتصادي اذ ينقل لنا لمحات موحية عن الاسعار ورخصها وقوة الفرنك اذ ان اجر المرضعة، مرضعة الايتام او اللقطاء، ثلاثة فرنكات اسبوعيا، في حين ان اجرة العامل وقتذاك كانت فرنكين اسبوعيا، كما ان استدعاء طبيب حاذق وشهير هو (بركوب) لمعاينة مريض يحتاج الى عشرين فرنكا، اما السفينة الحربية فقيمتها ثلاث مئة الف ليرة.
كما تساءلت، ما أكثر ماقرأ زوسكيند في جغرافية فرنسا وقتذاك؟ ولم يقف عند الجغرافية السياسية، بل درس جغرافيتها الطبيعية، فيقدم لقارئ عمله الروائي هذا صورة تجسيدية لطرق باريس وجسورها واسواقها وحاراتها وازقتها فضلا على انهارها وقراها ومدنها وجبالها وهضابها وسهولها وبحيراتها وكهوفها من خلال رحلة غرنوي سيرا على الأقدام مغادرا باريس نحو افياء فرنسا الواسعة او من خلال رحلة انطوان ريتشي، المستشار الثاني لمجلس مدينة غراس، مصطحبا معه ابنته لورا حادسا ان الواقعة التالية ستكون من نصيبه واذا كانت هذه السياحة الجغرافية في الاصقاع الفرنسية الممثلة لاوضاع القرن الثامن عشر، قد لاتترك اثراً كبيرا لدى القارىء غير الفرنسي، فأنها تشد القارىء الفرنسي خاصة والاوربي عامة كونها تنقل صورة مجسدة للجغرافية الفرنسية اذا ماربطت بالجغرافية الحالية.
لكن الشي الاكثر ابهاراً واهمية، هو عالم العطور الواسع، الذي غاص فيه باتريك زوسكيند والوصفات العطرية، والصيغ التي قدمها من خلال انف غرنوي واسع القدرة الشمية، الذي كان هذا الانف، او بالحري غدده الشمية شديدة الحساسية، هي دليله قبل حاسة الابصار واستغلال انفه في ابتكار انواع باهرة من الروائح والعطور.
ترى ما اكثر ما امضى باتريك زوسكيند من الوقت، وهو يجوس خلل عالم العطور والروائح، لا الحديث منها، بل القديم وتحديدا عطور ذلك القرن؟
هذه القراءات المعمقة قد تعيد لذاكرة القارئ والدارس، ذلك الانجاز الروائي المبهر (شفرة دافنشي) للروائي البريطاني دان براون، الذي درس عالم الرسوم والاثار والكنائس والاديرة، ولاسيما ابداعات الرسام الايطالي الشهير ليوناردو دافنشي ودراسته الدقيقة والتفصيلية، التأويلية والتشريحية للوحة العشاء الاخير للسيد المسيح، وما انطوت عليه هذه اللوحة من رموز وموحيات استفاد منها بطل الرواية عالم الاثار (لانغدون) من خلال تفكيك رموزها للعثور على كثير من الاسرار الكنسية ما اثار غضبها، وجلب له شهرة واسعة وثراء باذخا، قد لاتدانيه فيه سوى مبدعة سباعية هاري بوتر الرواية البريطانية ج. كي رولينغ، أو سلمان رشدي صاحب رواية (الآيات الشيطانية).
ان مثل هذه الاعمال الروائية، عالية البناء متينة السبك، المزدانة بالمعلومات والحوادث والاسرار، التي تقترب بشكل من الاشكال من الحقائق العلمية المبثوثة في كتب التأريخ والجغرافية والاثار، وحتى السحر، قد انتقلت بالرواية من مهمة السرد والحكي الممزوج بالخيال الى مهمة الرواية المعرفية ومحايثتها، وتلك مهمات صعبة وعسيرة، قد لاتأتى الا للقلة من كبار الموهوبين، الذين يردفون الموهبة العالية بقراءات معمقة ورصينة، ليقدموا للقارىء هذه الاعمال الروائية الآسرة والشيقة، التي تشد القارىء حتى أخر صفحة فيها.
لقد ظل الروائيون الغربيون بمنأى عن دخول حلبة الرواية الغرائبية السحرية التي أكثر منها روائيو امريكا اللاتينية: بورخس، ماركيز، ايزابيل اللندي وخوان رولفو، متأثرين – لعله – بالتراث السردي العربي ممثلاً بألف ليلة وليلة، لقربهم من الاجواء العربية، اذ غالبا مانجد في السرد الامريكي اللاتيني اشارات الى الحياة العربية واجوائها، فضلا على ان الكثير من ابطالها يحملون اسماءً عربية، ولعل ذلك ناتج عن أن الاسبان هم الذين سيطروا على تلك البلدان، من خلال رحلات الغزو والاستعمار، خاصة بعد اسقاط اخر الامارات العربية في الاندلس، بعد مكوث العرب هناك اكثر من سبعة قرون، لذلك فأن روائيي امريكا اللاتينة كتبوا ماكتبوه متأثرين – لعلهم – بأجواء الليالي العربية، ولقد نهل الروائي باتريك زوسكيند في روايته هذه (العطر) التي كتبها عام 1985، والتي كانت سببا في شهرته واطلقته الى عالم النجومية، حيث ترجمت الى اكثر من عشرين لغة، منها العربية اذ قام بنقلها اليها المترجم نبيل الحفار، وتولت دار المدى نشرها، وها هي الطبعة الرابعة منها الصادرة عام 2007 بين يدي، اقول: لقد نهل زوسيكند من هذا المنهل، ولاسيما في الصفحات الاخيرة، اثناء عملية أعدام غرنوي، الرجل القميء الاعرج الذي يفح في كلامه ولايكاد يبين، واشاع الرعب في مدينة (غراس) والمدن والقرى المجاورة لما تناهى اليها انباء مقتل خمس وعشرين فتاة من فتيات (غراس) العذراوات، يختارهن القاتل تحديدا عند السن التي تتحول فيها الفتاة الى عالم النساء، من اجل استخلاص روائحهن من اعلى رؤسهن حتى اخماص اقدامهن، واستخدام هذا العطر في ايقاع تأثيرات فنتازية على الجمع الذي حضر ليشهد اعدام غرنوي بعد ان ضبطت الادوات والادلة الاجرامية في كوخه، عقب اعلان رئيس محكمة مدينة (غراس) بتكليف من انطوان ريتشي ابي لورا اخر القتيلات الخمس والعشرين جائزة مقدارها مئتا ليرة لكل من يقدم معلومات تساعد في القبض على الفاعل، لكن تلك النهاية الدرامية للرواية، وتحويلها الى تلك الفوضى المتهتكة والغرائبية، لربما اساءت لهذا العمل الجميل.
ان اللجوء الى هذا النوع من انواع السرود الروائية، قد يأتي – ربما- لترميم ضعف في المواهب والقابليات، او انها محاولة لاجتراح نوع مغاير من انواع السرد والتجربة فيه.
واذا كان التجريب مقبولا ومعقولا ومطلوبا، فأن هذا لايعني ان يكون تأثيره مقبولا ولا صداه معقولا، لان التجريب لايعني القبول به دائما. ذلك لان الكثير من التجارب ماتركت اثرا واسعا، وطواها الزمان ولفها النسيان، وماخبر الدادائية او السريالية او المراحل الزرق او الحمر او... التي طبعت اعمال الفنان الاسباني بابلو بيكاسو (ت 1973) عن اذهاننا ببعيد.
بقي ان اشير الى لغة الترجمة، فالمترجم الدكتور نبيل الحفار يستخدم كلمة (بالكاد) وليس في اللغة مثل هذه الكلمة وبالامكان استخدام (يكاد او لا يكاد) كذلك استخدامه كلمة قرف ومقرفة، وليس في العربية هذه الصيغة، فهي من العامية المصرية وبالامكان استخدام عبارة: مزعج، مؤذ... كما ان بضع وبضعة تعامل معاملة العدد والمعدود في حالتي التذكير والتأنيث، فهو يستخدم بضع اسابيع ص182 والصحيح بضعة، لان العدد يخالف المعدود، فضلا على استخدام (كاد ان) ولايجوز اقتران خبر (كاد) بـ(أن) والحماس من الخطأ الشائع وصحته (الحماسة) وفي اغراض الشعر، هناك شعر الحماسة وليس الحماس فضلا على كتاب (الحماسة) لابي تمام الذي جمع فيه ما قيل في الحماسة شعراً.



#شكيب_كاظم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علي السباعي في (ايقاعات الزمن الراقص) تصوير لحِلْكة الحياة ا ...
- العراق في القلب برغم البعاد صموئيل شمعون يصور لنا حياة (عراق ...
- طه حامد الشبيب في روايته (حبال الغسيل) رواية تحكي الوجع العر ...
- إطلالة على حياة عوني عبد الهادي وجهاده
- إنهم يكتبون عن أنفسهم.. أيجوز هذا؟
- قراءة مغايرة لعالم إحسان عبد القدوس: «أصابع بلا يد» ومهاجرون ...
- يوم كان صدر المجتمع العربي رحباً
- الباحث عبد الغني الملاح يبحر في اوقيانوس المظان...هل استرد ا ...
- (الاستشراق) لإدوارد سعيد وحذاقة كمال أبو ديب في ترجمته
- شباب متمرد...نصير الجادرجي في مذكراته
- حسب الشيخ جعفر يسرد لذائذه المسكوفية شباب مُتقد يحيله الزمن ...
- رقة الشعر إزاء قسوة الجلاد...جوزيف برودسكي يحاكم بتهمة التبّ ...
- كاظم عبد الله العبودي: صوت شعري غَرِدْ لغة جواهرية النسج.. و ...
- محمود البريكان الموهوب الذي وأد نفسه بالصمت...لماذا تخلى أما ...
- واحدة ابن زريق هل هي له حقا؟ مُطْلِقُ نفثاتها ثري أمير وما ه ...
- زيارة المعري لبغداد مثابة مهمة في حياته وتوجهاته...
- محمود أحمد السيد... لو لم يتخطفه الموت سراعاً
- ظواهر القراءة لدينا ولديهم ... ايقاظ المتلقي النائم
- حرث في المفاهيم الدكتور جلال الخياط في (المتاهات) النقدية...
- لويس عوض في سيرته الذاتية...مفكر حر ناوأه الرجعيون واليساريو ...


المزيد.....




- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 
- 865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع ...
- -شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟
- الحلقة 23 من مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة الثالثة والعشرو ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شكيب كاظم - حين تثري المعرفةُ الفنَ الروائيَ باتريك زوسكيند في روايته (العطر)