أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الكذب الذي هو رذيلة اخلاقية يصبح فضيلة سياسية في المغرب















المزيد.....

الكذب الذي هو رذيلة اخلاقية يصبح فضيلة سياسية في المغرب


سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)


الحوار المتمدن-العدد: 5822 - 2018 / 3 / 21 - 15:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إذا كانت الحرب هي السياسة بوسائل أخرى ، فإن السياسة بدورها هي الحرب بوسائل أخرى .
ان من شأن هذه المعادلة بين الحرب والسياسة ، أن تنزع عن السياسة اقنعتها واوهامها ومساحيقها المختلفة . انها فن ادارة الصراع بأساليب وأدوات تمتد من العنف الفيزيائي الى العنف الرمزي . ان الصراع السياسي هو في الحقيقة صراع حول المصالح العاجلة والآجلة للأفراد والفئات : مصالح احتياز السلطة ، واحتياز الجاه والقوة ، واحتياز المال ، واحتياز الحظوة .
كل سلطة تعرف ان لها حظوة وحظ ، تحكم في مسار المجتمع كله ، وحظوة وحظ تحكم في ثروته المادية والرمزية . إنها موضع تطلع الجميع . ورغم انه يفترض انها تمثل المجتمع ، والمصلحة العامة ، فإن لها حساً اولياً في التمييز بين مصلحتها ( مصلحة السلطة ) ومصلحة الدولة ، مما يدفعها الى المزاوجة الرفيعة بين مصلحتها في البقاء والاستمرار ومصالح الدولة .
إذا ما استلهمنا كتابات ماكيافيلي الذي كان اول من استوعب المفهوم الحديث للسياسة وممارسة السلطة ، نستطيع ان نميز بين ثلاث استراتيجيات كبرى للسلطة .
ان هدف هذه الاستراتيجيات الأقصى هو ان تحافظ على ذاتها وتحقق لنفسها الإستمرار ، انطلاقا من تصور ليبرالي للسياسة ، قوامه انها صراع مصالح حول الخيرات والسلطات والرموز ، او بكلمة واحدة صراع مصالح .
ان هذه الاستراتيجيات الكبرى هي : استراتيجية الشراسة ، واستراتيجية الكذب ، واستراتيجية الوهم والالهاء .
استراتيجية الشراسة ، هي استراتيجية القوة السافرة ، والصرامة المطلقة ، وهي على النقيض من خُطط الضعف ، لأنها تقوم على انّ أي تهاون ، او تنازل ، او تسامح ، معناه انفتاح ثغرة ضعف في كيان السلطة .
ان مشاعر العطف والحشمة والحنو لا مجال لها في عالم السياسة ، لأنها مؤشر ضعف وحاجة . فكل شُبهة تردّد او حبّة تساهل ، ستقرأ على انها مؤشر ضعف يمكن ان يسيل لعاب الطامحين والطامعين ، وكل تنازل سيجر وراءه سلسلة من التنازلات ، وهو ما سيفتح باب التداعي والانهيار .
الاستراتيجية الثانية ، هي استراتيجية الكذب والخداع . تعلم السلطة كامل العلم ، أن الكذب ، الذي هو رذيلة أخلاقية ، هو هنا فضيلة سياسية من الدرجة الأولى ، وذلك لأنه كذب وظيفي هدفه تسيير اشتغال وأدائية نظام السلطة ، وتمكينه من الاستمرار .
ان الكذب هنا يعني إخفاء كل او بعض الحقائق ، وإخفاء بعض الاسرار و حقيقة بعض الاشخاص ، كما يعني اظهار بعض الأشياء على غير حقيقتها . وبما ان حبل الكذب قصير ، فإن ذاكرة الشعب بدورها قصيرة . ففي هذا المجال يستحسن تجنب الكذابات الكبرى ، وتقسيط الكذب الى وحدات صغرى ، أي كُذيْباتْ ، وبالفرنسية تسمى ( مُونْسونج ) .
ان الكذب السياسي في مظهريه السلبي ( الإنكار والاخفاء ) والايجابي ( الادعاء والاظهار ) ، من حيث هو رواية غير مطابقة للواقع ، يستهدف تجميل وجه السلطة القبيح الشرس ، وتحسين صورتها ، بإخفاء ما هو شاد وقبيح او غير مقبول .
ان هذه الأكاذيب اعتبرت دوما أدوات ضرورية ومشروعة ، ليس فقط بالنسبة لوظيفة رجل السلطة او الديماغوجية ، بل هي ضرورية بالأساس لرجل الدولة . فالسياسة والسلطة ليستا مملكة الحقيقة ، وربما لم تكن كذلك في يوم من الأيام .
اما الاستراتيجية الثالثة ، فهي استراتيجية الوهم والايهام والالهاء . ان المعطى الأساسي في عصرنا هذا هو الطفح الديمغرافي الهائل ، وهو علة عدم التوازن بين الخيرات والبشر . فالتفاوت بين الناس في الأنظمة الليبرالية المعاصرة ، ليس فقط حتمية طبيعية او اقتصادية ، بل ربما كان ضرورة وحاجة أيضا .
وبما انه من المستحيل في ظل هذا النظام إرضاء الجميع ، وعلى الأخص الطبقات الدنيا الفقيرة ، وتحقيق الاشباع للجميع ، وتوفير السكن والاستشفاء والتعليم والشغل والصحة ... لخ لكل الناس ، فإن دغدغة الاحلام ، والوعد بالجنة الأرضية ، يفرض نفسه كإحدى الآليات الأساسية لشد الناس الى النظام السياسي ، باعتبار انه سيحقق يوما هذا الامل .
ان النظام السياسي الناجح هو الذي لا يكتفي بتقديم الوعود الكاذبة بتنفيذ كل المطالب النقابية والاجتماعية والسياسية المطروحة ، بل يعد بتحقيق الآمال والاحلام الكبرى في التقدم والعدالة والحرية وغيرها ، أي بيع الوهم والايهام للإلهاء فقط ، لان النظام يعلم ان اليأس هو الموقد للثورة ، وان الامل هو الترياق الذي يمكن من استمرار الحياة حتى ولو كانت قاسية .
ان الأداة الأساسية في هذا الباب هي الخطابات والبلاغات واللغة المعسولة عموما. ودور وسائل الاعلام الحديثة هو تبليغ هذه الوعود واشاعتها على نطاق واسع ، وحفز الآمال وقمع اليأس القاتل .
ومن بين اشهر تقنيات الوهم والايهام والإلهاء ، الالتفاف على المشاكل عن طريق تشكيل لجان ومجلس عليا او جهوية ، دائمة او مؤقتة ، ترصد لها ميزانيات وبنايات ، واجور ، وموظفون رمزيون حتى تكون السلطة قد تملصت من كل مسؤولية في عدم الإنجاز .
ان الشراسة والكذب والايهام للإلهاء وانتظار گودو الذي لن يأتي ابدا ، ذاك هو الثالوث الاستراتيجي في عمل اية سلطة تريد لنفسها الاستمرار . وبما ان كل سلطة هي بطبعها وطبيعتها ميالة الى الخلود والاستمرار ، فان تلك هي في منظور ماكيافيلي اقنيها الثلاثة .
لقد مر على استقلال ايكس ليبان اثنتا وستون سنة ، ولا جديد ، نفس النظم ونفس القيم البالية ، ولا نقول اننا ننزلق من سيء الى اسوأ ، بل نقول اننا على الهاوية واقفين .
ان العنوان الأساسي هو عنوان الفشل، فمن السكتة القلبية بالأمس، الى السكتة الدماغية اليوم. كل شيء فشل. فشل نموذج (المبادرة الوطنية للتنمية البشرية) التي خبا حسُّها ولم نعد نسمع عنها شيء ، وفشل ( نموذج التنمية – رغم انه لم يكن هناك نموذج يستحق تسميته باسم النموذج ) باعتراف الملك ، وفشلت مختلف تجارب ( الديمقراطية ) ، وبقيت نفس الدساتير المنسوخة منذ الستينات والى 2011 ، وضاعت آمال الجماهير الشعبية بالمساوات والعدالة والعيش الكريم .
لقد أضاع النظام المغرب وليس فقط الصحراء . وفي غضون ثلاث سنوات او اقل ، سيعرف المغرب الصدمة الكبرى التي سيكون دويُّها اكبر من دوي الرعد ، وبرقها سيحرق مساحات شاسعة ، فكل شيء آيل للتلاشي ، وكل شيء آيل للسقوط ، ولم يعد هناك مجال للتدارك ، لانه ضاعت فرصة التدارك ، وما يحضر اقوى مما يتصوره المرأ . ولا مناص من تكرار مماليك الطوائف . التاريخ يعيد نفسه في المرحلة الأولى في شكل مأساة ونحن نعيشها اليوم ، ويعيد نفسه في المرحلة الثانية في شكل تراجيديا ، وهي التي نحن مقبلون عليها في غضون الثلاث سنوات او اقل .
ان السبب في كل هذا ، استمرار سياسة الكذب ، الخداع ، الوهم ، الإيهام للإلهاء .



#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)       Oujjani_Said#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ( النخبة -- الاحزاب ) في المغرب لا تعيش السياسة ، لكنها تتعي ...
- شهر ابريل القادم دورة قد تكون استثنائية لمجلس الامن حول قضية ...
- الخطاب البتريركي الباتريمونيالي -- خطاب النظام -- ( 12 )
- الديمقراطية مطلب الجماهير ام مطلب النخبة
- الشعار السياسي المرحلي
- الخطاب العنصري / القبلي / الطائفي كعائق لتبلور وبروز فكر طبق ...
- المقاومة وجيش التحرير كعائق لبروز وعي طبقي / اجتماعي جماهيري ...
- الوعي الوطني كعائق للوعي الطبقي / الاجتماعي ( 9 )
- الإتحاد الأوربي يعترف بالجمهورية الصحراوية . اللّهمّ لا شمات ...
- في دولة تجمع مواصفات وصفات البتريركية ، الباتريمونيالية ، ال ...
- سبع سنوات مرت على حركة 20 فبراير
- الركود وراء سراب الاغتناء السريع غير المشروع -- الحركية المج ...
- الإنتهازية والوصولية وثقافة التقاليد البالية الممزوجة بثقافة ...
- دائما محاولة لتشخيص اسباب انعدام بروز وعي / اجتماعي / طبقي ج ...
- عوامل حالت وتحول دون بروز وعي اجتماعي / طبقي جماهيري شعبي -- ...
- ما هي معوقات بروز وعي اجتماعي / طبقي شعبي جماهيري بالمغرب ؟ ...
- وعي جماهيري شعبي اجتماعي امْ وعي طبقي ؟ ( 2 )
- صراع طبقي ام صراع اجتماعي ( 1 )
- المثقف الثوري والوعي الطبقي
- طلقات في عزّ الليل


المزيد.....




- مسلسل -Severance- يتصدر قائمة ترشيحات جوائز -إيمي- الـ77
- لبنان.. 12 قتيلاً بغارات إسرائيلية على مواقع لقوات النخبة في ...
- جيل المهارات الجديدة: الذكاء الاصطناعي في حياة الشباب العربي ...
- حكمت الهجري: المرجع الديني الذي تحوّل إلى خصم للشرع
- قص شوارب وتحريض طائفي.. انتهاكات بحق أهالي السويداء رغم الت ...
- كيف تدخّلت الحكومة السورية لمحاصرة أزمة السويداء؟
- من القائل -قل للمليحة في الخمار الأسود-؟ وما قصته؟
- أكثر دلالا وأنانية.. العلم ينفي الخرافات حول الطفل الوحيد
- مقررة أممية للجزيرة: إسرائيل وأميركا تحاولان إبادة الشعب الف ...
- برقيات تقنية.. -آيفون 17? بمعالج غير متوقع و-تيك توك- تقتحم ...


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعيد الوجاني - الكذب الذي هو رذيلة اخلاقية يصبح فضيلة سياسية في المغرب