|
الديمقراطية مطلب الجماهير ام مطلب النخبة
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5815 - 2018 / 3 / 14 - 15:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اتخذت الديمقراطية وحقوق الانسان منذ نهاية ثمانيات القرن الماضي ، صبغة سحرية لكل مشكلات العالم ، وخاصة في البلدان المتخلفة . وفي وقت سابق كانت الثورة والتنمية هل الحلول السحرية المبشر بها . اما اليوم فالانتلجانسيا تصرخ كلها بصوت واحد : الديمقراطية ، الديمقراطية ، الديمقراطية ، وكان الديمقراطية أضحت من مهام واختصاص النخبة لوحدها لا لغيرها . وإذا نحن غضضنا البصر عن الجانب اليوتوبي في هذا المنزع الديمقراطي ، وافترضنا انه العلاج الملموس لداء التخلف التاريخي ، فبإمكاننا ان نتساءل : الى أي حد يشكل المطلب الديمقراطي وسيلة للنهضة والخروج من زقاق التاريخ المريض ؟ . والى أي حد يمثل " حاجة اجتماعية " فعلية وحقيقية ؟ . اليس المطلب الديمقراطي مطلب النخبة السياسية اكثر ما هو مطلب الشعب والجماهير ؟ . في سنة 1980 اجرى العلماني المصري سعد الدين إبراهيم دراسة حول " اتجاهات الرأي العام نحو مسألة الوحدة " ، تبين فيه ان الاهتمام بمسألة الديمقراطية والمشاركة السياسية ، جاء في المرتبة السادسة ضمن هموم الوعي العربي الأخرى ، كالخلافات العربية والصراع العربي الإسرائيلي ، ومشكلات التخلف والهيمنة الأجنبية ، والمسألة الاجتماعية المتعلقة بالتفاوت الطبقي / الاجتماعي ... فرغم الاهتمام الأقصى الذي توليه النخبة السياسية ، والثقافية ، والتكنوقراطية لمسألة الديمقراطية ، فإن اغلبية الرأي العام العربي لا تشاطر النخبة همها الأول . وفي سنة 1990 نشر " مندى الفكر العربي " بعمان دراسة حول " كيف تفكر النخبة العربية في تعليم المستقبل ؟ " عالجت اهم التحديات المستقبلية التي تواجه المواطن العربي . وقد جاء ترتيب هذه التحديات كالآتي : التحدي الاقتصادي – التكنولوجي ، التحديات البيئية – الديموغرافية ، المسألة الاجتماعية ، التجزئة العربية ، التهديدات الخارجية ، وأخيرا المسألة الديمقراطية التي لم يذكرها كتحد رئيسي الاّ 11 في المائة من افراد العينة المدروسة ، كما تبين فيها ان معظم من اعتبروا الديمقراطية تحديا رئيسيا هم من حاملي الدكتوراه ( 75 في المائة ) وشهادات الدراسات العليا ( 12،5 في المائة ) . ان نتائج هاتين الدراستين كافية لدعم فرضيتنا حول كون الديمقراطية مطلب النخبة ، وتأويلنا لذلك هو ان الجماهيرغارقة في همومها العملية وفي متطلبات حياتها اليومية ، وجاهدة من اجل الكسب ، والحصول على شقة ، او ارض ، او كراء بيت ، او تعليم الأبناء .....الخ . فما هو ملموس بالنسبة لهؤلاء الذين يشكلون القاعدة العريضة من الجماهير ، هو تحسين مستوى العيش ، امّا ما عدا ذلك فهو اقرب الى الترف ، وابذخ ،ويدخل في باب المطالب المعنوية . من المؤكد هنا ان الشعب والجماهير يطرحون المسألة السياسية لا في صيغتها المجردة ، والمؤسسية ، والتنظيمية ، والقانونية ( الدستور ، البرلمان ، الديمقراطية ، توزيع السلطات ، تداول الحكم ....) ، بل في صيغتها الملموسة المتعلقة بسلوك ونزاهة او عدم نزاهة هذا الحاكم او ذاك ، هذا الوزير او ذاك ، هذا المسؤول او ذاك . ان التشخيص الديمقراطي للمسألة السياسية يتطلب قدرا من الثقافة العامة ، ومن الثقافة السياسية ، ومن القدرة على التجريد لا يوفرها المستوى الثقافي الحالي للمواطن العربي . ان انشغال الجماهير بإنتاج قوتها ، وتدبير أمور معيشتها من جهة ، وانحدار مستوى ثقافتها السياسية ، هما العنصران ( الاجتماعي والمعرفي ) الأوّلان في عدم تمثلها للمطلب الديمقراطي . اما النخبة ( السياسية ، والاقتصادية ، والتكنوقراطي ، والثقافية ) ، فهي اكثر الفئات الاجتماعية ارتباطا بالديمقراطية وتشبتا بالمطلب الديمقراطي . أولاً لارتفاع مستوى ادراكها السياسي ، وارجاعها مظاهر الخلل في الأداء الاجتماعي الى مسألة المشروعية والتمثيلية . وثانيا لان الديمقراطية كنظام ، ستمكنها من الانخراط في الحياة السياسية ، ومن المساهمة في الحياة العامة ، مع ما يحقق ذلك من استفادات مادية ومعنوية وسلطوية . فالديمقراطية بهذا المعنى مطلب عضوي ان لم نقل مهني للنخبة ، لأنها هي المؤهلة لتشكيل المؤسسات الديمقراطية والدخول فيها سواء كانت محلية ام وطنية . فالمؤسسات هي الفضاء الأرحب للنخبة ،وهي مجال فعلها وتأثيرها واستفادتها . ولعل هذا السياق هو الذي يزيد في تجميل الديمقراطية في عين النخبة المجتمعية ، حيث يفتح امامها بابا مشروعا لاقتسام السلطة ، والخيرات ، والمنافع ، والكسب ... لخ ، وهذا يجعلها تتغاضى عن عدم توافر الشروط التاريخية لتطبيق الديمقراطية في مثل هذه المجتمعات المتخلفة . فقد علمنا تاريخ المجتمعات المتقدمة ان السيرورة الديمقراطية ، هي نتاج تطور ونضج كل من المجتمع والفرد ، قوامه الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية ، والتنفيذية ، والقضائية ، والتمييز بين مقتضيات الحياة الروحية والحياة الدنيوية في المجال السياسي ( دولة دينية ، دولة عصرية ) ، واساسه استقلالية الفرد ووعيه بذاته وبحقوقه وواجباته ، واستناد السلطة السياسية في المجتمع على مشروعية مستمدة من المواطن ذي الحقوق الكاملة لا الرعية ، ومبدأ تداول السلطة بين أوسع الفئات الى غير ذلك من الشروط الاجتماعية والفكرية . ان عدم توافر هذه الشروط يجعل الديمقراطية نبتة برية غريبة عن محيط غريب عنها ، وتجربة تتهدد المجتمع بالتفكك وبالتحلل ، الى نعرات إقليمية ، واثنية عنصرية ، وجهوية ، في غياب سلطة مركزية قوية ، وشحوب مؤسسات الدولة الوطنية بكل تقاليدها ومعاييرها ونوامسها الضابطة . ان الديمقراطية لعبة سياسية عصرية ذات حدّين، فهي يمكن ان تكون مطية المجتمع الى تحقيق التقدم والتطور إذا ما تحققت ضمن التوازنات المذكورة ، كما يمكن ان تكون منزلقا يقود الى هاوية التفكك والحرب الاهلية . ولعل التوازن بين هذين الميلين يظل من مسؤولية وتقدير النخبة الاجتماعية التي اختارت الديمقراطية سبيلا لتحديث نظام الحكم ماضوي ، فذاك وحده ما يبرر ان نجعل من الديمقراطية عشيقتنا الجديدة وبوارق خلاصنا .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشعار السياسي المرحلي
-
الخطاب العنصري / القبلي / الطائفي كعائق لتبلور وبروز فكر طبق
...
-
المقاومة وجيش التحرير كعائق لبروز وعي طبقي / اجتماعي جماهيري
...
-
الوعي الوطني كعائق للوعي الطبقي / الاجتماعي ( 9 )
-
الإتحاد الأوربي يعترف بالجمهورية الصحراوية . اللّهمّ لا شمات
...
-
في دولة تجمع مواصفات وصفات البتريركية ، الباتريمونيالية ، ال
...
-
سبع سنوات مرت على حركة 20 فبراير
-
الركود وراء سراب الاغتناء السريع غير المشروع -- الحركية المج
...
-
الإنتهازية والوصولية وثقافة التقاليد البالية الممزوجة بثقافة
...
-
دائما محاولة لتشخيص اسباب انعدام بروز وعي / اجتماعي / طبقي ج
...
-
عوامل حالت وتحول دون بروز وعي اجتماعي / طبقي جماهيري شعبي --
...
-
ما هي معوقات بروز وعي اجتماعي / طبقي شعبي جماهيري بالمغرب ؟
...
-
وعي جماهيري شعبي اجتماعي امْ وعي طبقي ؟ ( 2 )
-
صراع طبقي ام صراع اجتماعي ( 1 )
-
المثقف الثوري والوعي الطبقي
-
طلقات في عزّ الليل
-
الملكية البرلمانية . سؤال : ايُّ ملكية نريد ؟
-
هل اصبحت القرارات الأممية ومجلس الامن ، متجاوزين في حل نزاع
...
-
نقاش سياسي -- الجمهوريون --
-
هل ستعترف اوربة بالجمهورية الصحراوية ، إنْ حضرت اللقاء المنت
...
المزيد.....
-
سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا
...
-
اكتشاف آثار جانبية خطيرة لعلاجات يعتمدها مرضى الخرف
-
الصين تدعو للتعاون النشط مع روسيا في قضية الهجوم الإرهابي عل
...
-
البنتاغون يرفض التعليق على سحب دبابات -أبرامز- من ميدان القت
...
-
الإفراج عن أشهر -قاتلة- في بريطانيا
-
-وعدته بممارسة الجنس-.. معلمة تعترف بقتل عشيقها -الخائن- ودف
...
-
مسؤول: الولايات المتحدة خسرت 3 طائرات مسيرة بالقرب من اليمن
...
-
السعودية.. مقطع فيديو يوثق لحظة انفجار -قدر ضغط- في منزل وتس
...
-
الحوثيون يعلنون استهداف سفينة نفط بريطانية وإسقاط مسيرة أمير
...
-
4 شهداء و30 مصابا في غارة إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات
...
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|