أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الزهراء العلوي - جمالية تشكل الذات الزنجية في رواية -ذاكرة النرجس-














المزيد.....

جمالية تشكل الذات الزنجية في رواية -ذاكرة النرجس-


فاطمة الزهراء العلوي

الحوار المتمدن-العدد: 5804 - 2018 / 3 / 3 - 08:56
المحور: الادب والفن
    



كم صعب أن تواجه نفسك بمفردك! كم صعب أن تقف أنت ونفسك في قفار وجها لوجه دون أن يبادر أحدكما بالكلام! ترفع رأسك إليه بتوجس فتجد عينيه منغمستين في الأرض. لا تجرؤ على فعل أي شيء وتستسلم لخوفك."
ذاكرة النرجس لرشيد الهاشمي. ص 232

تنبني رواية "ذاكرة النرجس" للروائي رشيد الهاشمي على شكل محكيات سردية ومشاهد حوارية مستمدة أساساً من المتخيل الواقعي المغربي، كما تنبني على فضاء يحرضُ المتلقي على الغوص في أعماق "محن" الأنا الزنجية التي ترزح تحت وقع السياط الثقافي والاجتماعي الذي لا يرحم أحد. وبهذا المفهوم، فإن النص يشكل نقلا لواقع مزري تلبّس بالذات السوداء المضطهدة داخل مجتمع تحكمه ثقافة بيضاء بكل مكوناتها، وتمفصلاتها وصراعاتها.
تتخذ الذات الزنجية في الرواية موضوع المقال تمثلات عدة: إذ تتشكل الأنا السوداء الممثلة في شخصيتي "الحرة" و"العبدي" ذاتاً غير ثابتة وخاضعة لأطوار من التحولات تجعلها تكتشف نفسها شيئياً فشئياً لتنادي، في نهاية المطاف، بصوت قوي لتنال حقها في الانعتاق والكرامة، من هنا ارتأينا أن نسلط الضوء على جمالية تشكل هذه الذات المهمشة والمقصية ورصد مختلف تحولاتها في النص.
من أبرز المنطلقات الفنية التي يقوم عليها النص هو أنه لا يقدم لنا نماذج "أنا جاهزة"، أي شخصيات مكتملة الأوصاف، بل يلقي بنا في عيوب أبطالٍ ناقصين ومخطئين غير واعين بأنفسهم، لكنهم، مع الزمن، يستفيدون من تفاعلهم مع المحيط الخارجي والآخر، ومن تجاربهم الخاصة في السقوط والوقوف، الألم واللذة، الحب والمتاعب، المكر والخداع.. إلخ، إلى أن يكتمل وعيهم بأنفسهم ويصيروا قادرين على الوقوف بكل حرية ندا لهذا الواقع الذي لا يبوئهم المكانة المستحقة.
كل نفس ذائقة العذاب، لكن العذاب يكون أشد وأقسى حينما يتعلق الأمر بزنوج يحاولون إثبات ذواتهم في مجتمع لا ينصف الأقليات العرقية والاثنية، فإن نحن خلخلنا الإيقاع السردي للنص من أجل بلورة تشكل الذات، سنجد أن الانطلاقة كانت مفجعة: ظلم، وقهر وتسلط. إذا كانت الحرة المراهقة قد عانت من عنصرية زملائها الذين ينعتونها ب"العزية" بسبب لون بشرتها وارتباطها بنعمان الموريسكي الأبيض الذي خلق جدلاً في الثانوية، فإن العبدي الطفل لم يكن يجرؤ حتى على الإجابة على أسئلة المعلم خوفاً من زملائه البيض الذين يطوقون المكان: "عندما يطرح (المعلم) سؤالا صعباً، كنت أفكر قليلا ثم أجيب عنه في نفسي دون أن أجهر به، وأنتظر ما سيقوله الآخرون وعندما لا يجيبون ويدلهم المعلم على الجواب الصحيح ويكون هو نفس الجواب الذي حدثت به نفسي أشعر بسعادة كبيرة."( ص 239 و 240)
إن المتاعب لصيقة بالإنسان حيث وجد وحيث كان، لكن لا بد أن نمر تحت وطأتها، فهي لا تعيننا فقط على اكتشاف الحياة، بل أيضا على إعادة بناء أفكار جديدة والانفتاح على احتمالات أخرى من شأنها أن تغير وجودنا برمته. في العالم الروائي للهاشمي، لا بد أن تمر الذات بصراعات مع نفسها ومع الآخر لتتمكن من هدم قناعات وبناء أخرى، ففي الوقت الذي تسعى فيه الحرة إلى تثبيت علاقة عاطفية وإنسانية مع عشيقها الأبيض، تأبى الأقدار إلا أن تجعل الفشل وخيبة الأمل منتهى مسارها: "الحب الكبير وهم جميل. حتى اللحظة، لم أصدق بعد أني أنا التي أهديتك كل حطبي في وقت الشباب لا أجد لنفسي اليوم شيئا لأدفئ به ما بقي لي من عمر." (ص 31)
وتأبى الأقدار أيضا إلا أن تزعزع حياة العبدي، بعد وفاة أمه بالتبني (مدام ماري)، تركته غارقا في الوهم، متخبطاً بين عبثية الموت وعبثية الاغتراب، الشيء الذي جعله وجهاً لوجه حيرة كبيرة أمام ما سيفعله: "اليوم بعدما انتهى كل شيء، صار بإمكاني أن أجزم بأني كنت أستند على جدار من الوهم الكبير وأنه من غير الصواب أن يتعلم المرء كيف يحب قبل أن يتعلم كيف ينسى." (ص 183)
مهما طال الظلم، فلا بد أن تنفرج يوماً، ففي ظل تخبط الأنا في وحل الموت والخوف والغربة، ينبجس الأمل والوعي بالذات. هكذا، تسعى الحرة إلى انتشال مخطوط تاريخي هام أخرجته من بين الركام ضاربة بعرض الحائط الخرافات الشعبية والأعراف الاجتماعية، فتقطع من أجل ذلك المسافات البعيدة والأميال المديدة، لا لشيء إلا لمعرفة أصول هذه الذات، بل وصل بها الأمر أن دخلت في علاقة عاطفية وروحية مع المخطوطة: "لعل الشيء الذي يدفعني إلى تعميق البحث هو أنه في هذه الأيام الأخيرة، أحسست أن لدي رؤية واضحة نحو الأشياء. أصبحت على شبه يقين أن هذه المخطوطة كتبتها أمنا الحرة السجلماسية." (ص 60)
كما يسعى العبدي إلى التحرر من عقدة الأصول، وبدل التناسي والانغماس في حياة المدينة البئيسة، يقرر العودة في الأخير إلى قريته الأم، لتتشكل منطقة تافيلالت أمامه بكل تجلياتها بعدما كان قد ضيعها في موقف عنيف: "زمن ولى وآخر مضى وأنا لا أعرف ما الذي حدث لي حتى وجدت نفسي أدخل القرية من جديد." (ص 230 )
في الأخير، نقول إن الفضاء الروائي الذي أبدعه الكاتب المغربي رشيد الهاشمي من خلال مؤلفه "ذاكرة النرجس" هو الذي جعل الذات الزنجية تتشكل أمام أعين المتلقي قطعة قطعة بطريقة فنية، إذ تنطلق الحكاية من ذات غير واعية بكينونتها ولا بماهيتها متأثرة بالصور النمطية والمغلوطة التي يفبركها الآخر الأبيض، ثم تتعرض للمحن القاهرة فتتغير مواقفها وتتبدل أفكارها وقناعاتها قبل أن تتجه بخطى ثابتة نحو تقدير الذات واستردا الأنا المستلبة.



#فاطمة_الزهراء_العلوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جمالية تشكل الذات الزنجية في رواية -ذاكرة النرجس-


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاطمة الزهراء العلوي - جمالية تشكل الذات الزنجية في رواية -ذاكرة النرجس-