أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الأسس المادية لظواهر لاستبداد والقسوة والتعذيب والتمييز في المجتمع العراقي (الحلقة الثالثة)















المزيد.....


الأسس المادية لظواهر لاستبداد والقسوة والتعذيب والتمييز في المجتمع العراقي (الحلقة الثالثة)


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 5803 - 2018 / 3 / 2 - 13:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من خلال الحلقتين السابقتين يمكن استخلاص عدد من الاستنتاجات المهمة، التي يمكن التوسع في بعضٍ منها، ومنها:
1. إن الشعب العراقي لا يختلف عن بقية شعوب العالم في موضوع الجينات، فهي ليست المسؤولة عن وجود أو عدم وجود السمات السلبية أو الإيجابية التي تبرز في سلوك الأفراد في المجتمعات البشرية، مثل ظواهر الاستبداد والاستعداد للعنف أو الرغبة في ممارسة القسوة والتعذيب (السادية) في التعامل مع الآخر، أو السمات المعاكسة لها أو خليط منهما. ولكن يمكن أن تؤثر على هذا الفرد أو ذاك، وبالنسبة لكل الشعوب، حين الفرد وجيناته مريضة أو مشوهة لأي سبب كان. ويحاول علم الطب المتقدم جداً تصحيح مثل هذه الحالات المرضية.
2. إن مثل هذه الظواهر السلبية قد برزت في سلوك الفرد عبر عشرات القرون المنصرمة ومع التحولات التي شملت أنماط الإنتاج والعلاقات الإنتاجية المميزة لها ومستوى تطور القوى المنتجة، والتي ارتبطت عضوياً بتطور المجتمعات البشرية، واقترنت ببروز ونمو الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وتقسيم العمل الاجتماعي وتنامي الإنتاج ونشوء التداول السلعي، وبدء استغلال الإنسان في المجتمعات القديمة، كما في المجتمع المصري في العهود الفرعونية، وفي المجتمعات البابلية، أو المجتمع الإغريقي، حيث برز التمايز الطبقي، وبروز طبقة العبيد في مقابل طبقة السادة والفئات الحاكمة، والتي تبلورت بشكل ملموس في دويلات المدن أو في الدولة المركزية وتجلت في الحروب والرغبة في التوسع والهيمنة، ثم في التشريعات المنظمة للحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لهذا المجتمع أو ذاك. لقد برزت أساساً في سلوك الحكام أو في سلوك الكهنة أو التحالف بينهما. إن الإنسان يولد صفحة بيضاء، والمجتمع هو الذي يمكن أن يسجل على هذه الصفحة الخصائص المكتسبة الموجودة في المجتمع والتي هي بدورها نتاج العلاقات الإنتاجية والاجتماعية السائدة. في الجزء الثالث من رأس المال كتب كارل ماركس ما يلي: "إن الشكل الاقتصادي المحدد الذي يتم فيه ضخ العمالة الفائضة غير المدفوعة من المنتجين المباشرين يحدد العلاقة بين الهيمنة والاستعباد، حيث أنه ينمو مباشرة من الإنتاج نفسه، ويؤثر بدوره تأثيرا حاسما عليه. وعلى هذا الأساس، فإن الهيكل الكامل للمجتمع الاقتصادي، الذي نما من ظروف الإنتاج نفسه، قد تأسس، وفي الوقت نفسه، برز شكله السياسي المحدد". كما إنها "دائما تجسد العلاقة المباشرة بين أصحاب مستلزمات الإنتاج والمنتجين المباشرين - وهي علاقة يتطابق كل شكل منها بشكل طبيعي مع مرحلة معينة من تطور أسلوب العمل، ومن ثم قوة الإنتاج الاجتماعية التي نملك فيها سر الأعماق، والأساس الخفي والبناء الاجتماعي كله، وبالتالي أيضا الشكل السياسي لعلاقات الهيمنة والتبعية، باختصار، تلك التي تجد تجلياتها في كل مرة في شكل معين من الدولة." 1
إن بروز الهيمنة من جهة والتبعية من جهة أخرى، ينشأ معهما سلوك المهيمن والمستغل إزاء التابع أو المنتج، الذي يتسم بالقسوة وفي القوانين العقابية التي يصدرها الحاكم أو المشرع لضمان استمرار هيمنة الحاكم وكذلك المالك لوسائل الإنتاج. والتي تحمل معها لدى التابعين أو المنتجين الرغبة في الخلاص من هذا الواقع، وأحياناً وفي ظروف معينة الانتقام والقسوة في الممارسة الفعلية. لقد عانى الزنج من استغلال بشع لا مثيل له وقسوة شديدة في التعامل من جانب المستغلين والحكام العباسيين حين جلبوا إلى العراق وفرض عليهم العمل في جمع الأملاح وأعمال شاقة أخرى، ولاسيما في جنوب العراق، وكذلك الخدمة في بيوت الأسر الغنية وكبار الملاكين للأرض الزراعية. وحين ثار علي بن محمد ضد الدولة العباسية التحقت به اعداد كبيرة من الزنج، بمن فيهم من أصبح قائداً في المجموعة الثائرة، وقد مارسوا العنف المضاد ضد الدولة العباسية وضد من مارسوا القسوة بحقهم. هذا ما يذكره التاريخ ومن المفيد أن نقرأ بهذا الصدد كتاب "ثورة الزنج" للدكتور فيصل السامر 2، أو في كتابي الموسوم "لمحات من عراق القرن العشرين" 3 في المجلد الخاص بالدولة العباسية، وفيه عن ثورة الزنج ومعاناتهم.
3. وفي مجرى تطور البشرية برز الدين كظاهرة إنسانية تعبر عن عجز الإنسان القديم عن فهم وتفسير الظواهر الطبيعية التي كانت تواجهه في حياته اليومية من جهة، وقدرة الإنسان التي يتميز بها على التخيل، ومن ثم الإيمان بما هو متخيل لديه من جهة أخرى. من بين تلك الظاهر نشير إلى شروق الشمس وغروبها، وسطوع القمر والنجوم التي تملأ السماء وتضيئه، أو تعاقب الليل والنهار، أو المواسم، أو الرعد والبرق، والأمطار والثلوج، الأمراض والموت.. الخ، كلها كانت طلاسم لا يجد لها جواباً. إنها قوة خارقة قادرة على تحقيق كل ذلك، فأمن بها وخضع لها ونشأت عنها الطاعة لها. ومن هنا يشار بوضوح إلى أن الإنسان هو صانع الدين، وليس الدين أو الله صانع الإنسان. وفي هذا المجرى من تطور الإنسان برزت مؤسستان، مؤسسة الحكم ومؤسسة الدين، كانتا احياناً مؤسسة واحدة متداخلة، وأحياناً أخرى مؤسستان منفصلتان ولكنهما متحالفتان، وكانتا أحياناً في صراع على المصالح. ولكن، وفي كل الأحوال، كان الهدف الأساسي هو تنظيم حياة المجتمع والسيطرة على الفرد وسلوكه، وإخضاعه لإرادتهما المشتركة. فالطاعة تنشأ من الإيمان القائم على الوهم، فهي لا تعي الله ولا تراه، ولكنها تؤمن به وتعبده وتطيع ما قرره في كتبه أو عبر الوسطاء التي تتجلى في الشرائع والقوانين والفتاوى. ويبشر هؤلاء الكهنة وشيوخ الدين بمختلف أديانهم الإنسان المؤمن والتابع بالثواب أو العقاب نتيجة أعماله في الآخرة، وكلما كان بؤس الإنسان وعذابه في الدنيا أكثر، كلما ازاد ثوابه في الآخرة. إن هؤلاء الكهنة، ومعهم الحكام، يثقفون الناس على الإيمان الأعمى، على القبول بالواقع، على السكوت على الضيم والعذاب والحرمان والقسوة، على تجميد العقل وتحريم التفكير، وهو ما جعل ماركس يقول كلمته المعروفة "الدين أفيون الشعب"، بسبب ممارسات الحكام والكنهة وشيوخ الدين في تريس طاعة الإنسان للحاكم وحده، أو لرجل الدين أو الاثنين معاً. وقد أورد الدكتور فالح مهدي في كتابه عن تعريف الدين عند مارس بما يلي "الدين هو النظرية العامة لهذا العالن، قيمته الموسوعية، منطقه بشكله الشعبي، نقطة شرفه الروحانية، ولعه وحماسه البالغ، عقوبته الأخلاقية... طمأنينته وتبريراته الكونية. والتي تمثل الإنجاز المتخيل للكائن الإنساني والسبب في ذلك يكمن في إن الإنسان لا يمتلك الواقع الحقيقي.." 4
4. إن ممارسة الاستبداد والقسوة من جانب النظم السياسية الحاكمة إزاء الإنسان والمجتمع تلعب دورها المباشر وغير المباشر في التأثير على التربية البيتية والعامة وعلى سلوك الفرد وما يمكن أن تبرز لديه سمات أو سلوكيات معينة مثل الازدواجية في الشخصية، أو التقية، أو التمرد على القوانين أو القسوة في التعامل مع نفسه أو مع الآخرين أو تنامي الرغبة في الانتقام من مضطهديه...الخ. وهي سلوكيات ليست مرافقة لولادته، بل بسبب الظروف والأجواء التي يعيش تحت وطأتها. فوجود نظم استبدادية لا حرية لأفراد المجتمع ولا حياة ديمقراطية، لا يمكن أن يتعرف الإنسان فيها على معنى الحرية والديمقراطية، ما لم يقرأ في الكتب ويتمرد على واقعه المأساوي. وحين تغيب الحياة الديمقراطية في بلد ما، لا يمكن أن تكون الأحزاب الناشئة فيه ديمقراطية، رغم مطالبتها، كأحزاب سياسية معارضة علنية كانت أم سرية، بالحريات العامة والديمقراطية، إذ إن الوضع العام لا يساعدها على ذلك، كما إن أفرادها لا يتمتعون بروح ديمقراطية تساعد على نشر الديمقراطية في صفوف أحزابهم. ويمكن اعتبار العراق نموذجاً لمثل هذه الحالة على امتداد تاريخ العراق الحديث. ففي كتابي الموسوم "ساعة الحقيقة: مستقبل العراق بين النظام والمعارضة"، الذي أصدرته في عام 1995، أشرت فيه بوضوح إلى أن في تربية وسلوكية كل إنسان (رجل) عراقي يصل إلى الحكم شيء من شخصية وسلوك واستبداد صدام حسين"، بالارتباط مع واقع المجتمع والتربية العامة بالبلاد وفي بيوت الناس، وهو ما نكتشفه اليوم أيضاً حتى بعد غياب الدكتاتور. وهذه الحقيقة لا تعني بأي حال أن لنا جينات مشتركة، وبالتالي، فنحن نشترك جميعاً في امتلاكنا لجينات الاستبداد والقسوة والعنف والقمع في بنيتنا البيولوجية، بل يعني تماماً أن تربيتنا الذكورية على مدى قرون وقرون كانت وما تزال تسير على نمط واحد في البيوت والمدارس والأسواق والجوامع والكنائس والصوامع والمجتمع وفي العلاقة بين الإنسان والدولة، ثم عمقت ونقلت ثقافة الاستبداد والعنف والقسوة من جيل إلى آخر. نورد هنا بعض الأمثلة: أم تحاول تنويم طفلها فتسمعه ما يلي: 5
دلللول ...دلللول
يا الولد يا ابني
عدوك عليل وساكن الچول
دللول .... دلللول
نام .. يا الولد يا أبني!
إنها لا تنطلق من وجود الأصدقاء والأحبة الذي يحيطون به، بل من وجود عدو بعيد يتربص له يعيش في البراري البعيدة وعليه أن لا يخشاه لأنه عليل.
أو دعنا نتابع أغنية وضعها علماء النفس، كما يقول الكاتب خالد الخزرجي، لأطفال المرحلة الابتدائية. والأغنية تقول ما يلي: 6
عندي ديچ هالكبرة
گام ينكر عالطبلة
جبت الموس وذبحته
قدمته لماما وبابا
بابا انطاني هدية
رشاشة وبندقية
حتى أصير .. جندي كبير
أدخل في جيش التحرير
جيش التحرير علمنا
كيف نخدم وطنّا
تي تي تا – تي تي تا!
ومنه يبدو بوضوح بأن السيد الخزرجي يرى بأن هذه هي الطريقة السليمة في تربية الأطفال. تربيتهم على ذبح الديك بالشفرة أو الحصول على هدية رشاشة وبندقية ليعلمه على القسوة والعنف والقتل، بدلاً من أن يقدم الأب لابنه هدية جميلة تعبر عن الحب والعاطفة الأبوية والزهور والرياحين ...
ويشير بعض الكتاب، وهم على حق، إلى أن أساليب الاستبداد والعنف والقسوة لم تمارس خلال الفترات المنصرمة من قبل السلطة وحدها، بل مارستها الجماعات والكتل والقوى السياسية المختلفة إزاء بعضها الآخر، والتي أدت إلى سقوط الكثير من الضحايا وإلى تفاقم العلاقات الثأرية التي تسير على نهج العين بالعين والسن بالسن، وإلى نشوء علاقات أقل ما يقال عنها أنها غير ودية بين مختلف تلك الفصائل السياسية في الحياة السياسية العراقية على امتداد الفترات المنصرمة، بما فيها في فترة الحكم الوطني الذي بدأ في عام 1921.
وفي فترة الحكم الاستبدادي وقعت معارك شرسة بين فصائل الحركة الوطنية العراقية في كردستان العراق في عام 1983، ومنها على سبيل المثال لا الحصر بشت آشان الأولى والثانية، التي راح ضحيتها المئات من المناضلين الشجعان من مختلف الأطراف المشاركة في تلك النزاعات المسلحة. فالسياسي المعروف نوشيروان مصطفى أمين، الذي قاد المعارك ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني والحزب الشيوعي العراقي، حين هاجم بشت آشان، وانتصر في تلك المعركة، لم يكتف بمن قتل أثناء المعارك، بل شارك وجماعته في قتل اسرى لديهم، وهم غير الذين نقلوهم إلى مقر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني حيث كان رئيس الحزب جلال الطالباني، لأن بعض قادة الحزب وكوادره كانوا مع الأسرى المنقولين ومنها الرفيق كريم أحد الداوود. 7
ومن المهم في هذا الصدد أن نشير إلى أن تاريخ أوروبا هو الآخر مليء بمظاهر الاستبداد والعنف والقسوة في التعامل مع الأفراد والجماعات وفي شن الحروب الإقليمية المتبادلة في فترة الهيمنة الإقطاعية، أو السياسات التي مارستها في المستعمرات، وخاصة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا. وهنا يستطيع الإنسان أن يعيد إلى الذاكرة الحروب الصليبية 8 ومظالم القرون الوسطى ودور الكنيسة المريع في محاكم التفتيش في هذا الشأن، أو نقل مئات الآلاف من السكان الأفارقة، نساء ورجالاً وأطفالاً، من قراهم ومدنهم إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، أو التعامل الوحشي بين السكان ألأوروبيين في الولايات المتحدة واستراليا مع سكان البلاد الأصليين من الهنود الحمر أو سكان أصل قارة أستراليا أبوريجينز Aborigines.
ويفترض عند البحث في مثل هذه الإشكالية امتلاك الجرأة على طرح أسئلة على أنفسنا والتحري عن إجابات واقعية وموضوعية وصريحة لما جرى ويجري في العراق منذ ألاف السنين حتى الوقت الحاضر والتي تدخل ضمن أفعال الاستبداد والقسوة والقمع والعنف، بما في ذلك عمليات القتل الفردي والجماعي وتدمير حياة الإنسان وبيئته وحضارته ومقومات وجوده وتطوره، ثم التحري عن مستلزمات تغيير هذا الواقع لصالح الإنسان ذاته والمجتمع العراقي والمجتمعات المحيطة به. كما لا بد من تتبع الحضارات التي ساهم بها العراقيون على مرّ التاريخ، بما فيها فترات الانقطاع الحضاري والأسباب الكامنة وراء وقوعها. أي التعرف على أسباب تلك السلوكيات المتعارضة والتصرفات المتناقضة، تلك الازدواجية الملموسة في الشخصية العراقية التي تتجلى في حياة الناس اليومية: البناء والتدمير، الإنجاب والقتل، تعليم النطق والكلام والإسكات التعسفي أو حتى تخريس الإنسان، الحب الجارف والكراهية المتطرفة، الجبن والشجاعة، الخوف والجسارة، الحزن القاتل والفرح الهائج، التشاؤم المفرط والتفاؤل السرابي.
5. كما لا بد من تتبع دور الدين والسلطة منذ العهد السومري في تعزيز جملة من الاتجاهات في هذا الصدد. العراق بحاجة إلى المزيد من الدراسات بهذا الشأن تحتاج إلى عناية خاصة وبحث متواصل وعدم التسرع في إصدار أحكام مضادة أو التسرع في رفض أحكام صادرة أصلاً بشأن طبيعة العراقيين وتكوينهم البيولوجي أو بنيتهم الاجتماعية والنفسية. أي أن علينا أن نضع كل ذلك على طاولة الفحص والتدقيق بروحية نقدية والرغبة الحقيقية في الوصول إلى معرفة واقعية للإنسان العراقي في تطوره عبر ألاف السنين. وعند دراسة هذه الظاهرة في المجتمع العراقي يفترض أن تبحث على أساس المقارنة مع الشعوب المجاورة ومع شعوب أخرى في العالم لمعرفة ما إذا كانت تعاني من ذات الظاهرة وأسبابها، أو وجود تمايز معها على أن تؤخذ طبيعة المرحلة التي يمر بها كل شعب ومستوى تطوره الحضاري وعلاقات الإنتاج السائدة فيه ومستوى تطور وعيه الاجتماعي بنظر الاعتبار. ولا يمكن للدراسات الفردية أن تطرح المشكلة بكل أبعادها، في حين تتوفر للمعاهد العلمية إمكانية تشكيل فرق دراسية متعددة الاختصاصات للتعمق والتوسع في دراسة المشكلة بمختلف جوانبها. ويأمل الإنسان أن تكون المحاولات الفردية، التي تنوعت وتعددت في الآونة الأخيرة، بداية محركة صوب حوارات جديدة ودراسات علمية لفرق بحثية لاحقة من قبل معاهد علمية متخصصة.
6. فعلى سبيل المثال يدعو الحاكم أو السلطة في النظم الاستغلالية، بما في ذلك العهود القديمة، كالفرعونية والبابلية، إلى طاعة الحاكم والخضوع الكامل لسطته والقوانين التي يصدرها والقبول بالتوزيع غير العادل للثروة في المجتمع. وهذا يشمل القوانين العقابية الظلم الذي يسلط على رقاب الناس، والذي يدفع إلى روح الانتقام وإلى تلبس العنف أيضاً من جانب جمهرة من الناس كرد فعل لظلم وعنف وقسوة السلطة. وإلى ماذا يدعو شيوخ الدين منطلقين من الدين ذاته ومن علاقتهم بالسلطة، أياً كان ذلك الدين وكهنته وشيوخه: إلى طاعة الله المطلقة والخضوع لقرارات وأحكام وفتاوى الكهنة وشيوخ الدين والقناعة بما هم عليه من فقر وحرمان، فالثواب يأتي في الدنيا الآخرة، أي الانتظار في حصول النعيم في الآخرة، مثلاً الحصول على الولدان والحور في جنة النعيم! "عيش يا كديش حتى يطلع الحشيش!" كلما ازداد عذاب الناس في الدنيا، ازداد ثوابه في الآخرة!!! 10 فسر الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الباز الآية التالية: " يا أيها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا " - النساء 59- ، على النحو التالي: " إذا كان الخروج يترتب عليه فساد واختلال الأمن وظلم الناس واغتيال من لا يستحق الاغتيال , إلى غير هذا من الفساد العظيم , فهذا لا يجوز , بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير , والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير , هذا هو الطريق السوي الذي يجب أن يسلك لأن في ذلك مصالح للمسلمين عامة , ولأن في ذلك تقليل الشر وتكثير الخير , ولأن في ذلك حفظ الأمن وسلامة المسلمين من شر أكثر , نسأل الله للجميع التوفيق والهداية ." 11
7. يمتعض البعض حين يشار إلى أن هناك سلوك عنف لدى الفرد في المجتمع العراقي. ولكن لو فحص الناس ما كان أو ما يزال يجري في بيوت العائلات العراقية بشكل عام، لا يعني عدم وجود شواذ، سيتساءل الإنسان كيف هو تعامل الأب مع الأبن، وكيف هو مع البنت. أو كيف يمارس الشتم والضرب حين يخطئ الأبن أو البنت، وكيف يعامل المعلم التلميذ المخطئ في الصف وأساليب التأديب التي تمارس مع التلميذ. أو قتل المرأة بذريعة الدفاع عن الشرف الجريح! ألا نتذكر أو نقرأ عن الفرهود ضد اليهود ببغداد على نحو خاص وكذلك بالبصرة، الم يقتل 144 شخصاً من مواطناتنا ومواطنينا اليهود دون ذنب اقترفوه، ألم تنهب بصورة بدائية ووقحة بيوتهم وحانيتهم ومكاتبهم ببغداد أو البصرة. 9 ألم يكن هنا للدين والقومية والبداوة دورها البارز في ذلك. ماذا جرى في أعقاب سقوط الدكتاتورية الغاشمة ببغداد، ألم تنهب القصور والبيوت والمتاحف، ألم يقتل الناس أيضاً على ايدي الميليشيات الطائفية المسلحة على أساس الهوية الدينية والطائفية. من مارس كل ذلك؟ ألم يكن البشر العراقي ممن خرجوا من تحت عباءة النظام الفاشي الذي مرغ كرامة الإنسان بالتراب، وفي الوقت ذاته ربى جيلين أو أكثر على العسكرة والعنف والقسوة والكراهية الدينية والقومية؟ الم تضم سجون النظام عشرات ألألوف من الناس الأبرياء سجناء العقيدة؟ ألم يقتل الآلاف منهم لا في الحروب فحسب بل في السجون والمعتقلات؟ ألا تخلق هذه الأجواء بشر يحمل الضغينة والقسوة وروح الانتقام؟ ماذا حصل للصابئة المندائيين والمسيحيين بالعراق بعد إسقاط الدكتاتورية الغاشمة؟ ماذا حصل للمسيحيين والإيزيديين والشبك والتركمان في أعقاب سقوط الموصل، وقبل ذاك، في ايدي عصابات داعش المجرمة، ألم يكن هناك عراقيون مع تلك العصابات؟ هذه كلها لا بد من البحث فيها ومعالجتها بروح حيادية وموضوعية وهادفة على تغيير هذا الواقع لصالح الإنسان والمجتمع العراقي.
سأحاول في الحلقة الرابعة والأخيرة أن ابحث في موضوع الدين ودوره بالعراق.
المصادر
(K. Marx, Kapital III, MEW 25, 799f.).
2 فيصل السامر، د.، ثورة الزنج، دار المدى للطباعة والنشر، دمشق، طبعة ثانية، 2000م.
3 كاظم حبيب، د.، لمحات من عراق القرن العشرين، في (11) مجلداً/ المجلد الأول، دار أراس للطباعة والنشر، أربيل – إقليم كردستان العراق/العراق، 21013، ص 289-311.
4 فالح مهدي، دكتور، البحث عن جذور الإله الواحد، مصدر سابق، ص 18/19. راجع ايضاً: أحمد علد الستار، نقد فلسفة الحقوق عند هيغل، الحوار المتمدن، في 30/01/2018.
5 التراث الشعبي. مجلة. بغداد. العدد الأول. 1999. ص 82.
6 التراث الشعبي. مجلة بغداد. نفس المصدر السابق. ص 81.
7 كاظم حبيب، د.، لمحات من نضال حركة التحرر الوطني للشعب الكردي في كردستان العراق، دار أراس، أربيل-إقليم كردستان العراق/ العراق، 2005.
8 أمين المعلوف، الحروب الصليبية كما رآها العرب، ترجمة عفيف دمشقية، دار الفارابي، بيروت، 1998.
9 كاظم حبيب، يهود العراق والمواطنة المنتزعة، دار المتوسط، ابطاليا، 2015.
10 ملاحظة: أجد مفيداً في هذا الصدد الاطلاع على كتابين مهمين هما: "البحث عن جذور الإله الواحد"، للسيد الدكتور فالح مهدي، و"التعذيب في الأديان" للسيد الدكتور صادق أطيمش.
11 الشيخ عبد العزيز عبد الله البارز، حكم الخروج على ولاو المسلمين، شبكة السحاب السلفية، بتاريخ 01/03/2018.


انتهت الحلقة الثالثة وتليها الحلقة الرابعة.



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسس المادية لظواهر لاستبداد والقسوة والتعذيب والتمييز في ا ...
- هل ستكون الانتخابات القادمة نزيهة في ظل نظام طائفي فاسد؟
- الأسس المادية لظواهر لاستبداد والقسوة والتعذيب والتمييز في ا ...
- الأسس المادية لظواهر لاستبداد والقسوة والتعذيب والتمييز في ا ...
- أينما تمتد الأصابع الإيرانية تشتعل نيران الكراهية ويرتفع دخا ...
- المأساة والمهزلة في عراق اليوم! [العراق بين جحيمي الهيمنة ال ...
- عن أي وحدة يتحدث رئيس الوزراء العراقي؟
- قراءة حزينة وممتعة في كتاب -مطارد بين ... والحدود- للكاتب يح ...
- قراءة حزينة وممتعة في كتاب -مطارد بين ... والحدود- للكاتب يح ...
- قراءة حزينة وممتعة في كتاب -مطارد بين ... والحدود- للكاتب يح ...
- قراءة حزينة وممتعة في كتاب -مطارد بين ... والحدود- (3-5) مطا ...
- قراءة حزينة وممتعة في كتاب -مطارد بين ... والحدود- للكاتب يح ...
- قراءة حزينة وممتعة في كتاب -مطارد بين ... والحدود- للكاتب وا ...
- إلى أين يسير النظام السياسي الطائفي الفاشل والكارثي؟
- رؤى مختلفة ومتصارعة إزاء حق الشعب الكردي في تقرير مصيره (4 - ...
- رؤى مختلفة ومتصارعة إزاء حق الشعب الكردي في تقرير مصيره (3 - ...
- سكان عفرين السورية ضحايا ارهاب الدولة التركية والصراع الإقلي ...
- رؤى مختلفة ومتصارعة إزاء حق الشعب الكردي في تقرير مصيره (2 - ...
- رؤى مختلفة ومتصارعة إزاء حق الشعب الكردي في تقرير مصيره (1 - ...
- نقاش هادئ وشفاف مع الزميل البروفيسور الدكتور قاسم حسين صالح


المزيد.....




- بالخيام والأعلام الفلسطينية.. مظاهرة مؤيدة لغزة في حرم جامعة ...
- أوكرانيا تحوّل طائراتها المدنية إلى مسيرات انتحارية إرهابية ...
- الأمن الروسي يعتقل متهما جديدا في هجوم -كروكوس- الإرهابي
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 1005 عسكريين أوكرانيين خلال 2 ...
- صحيفة إسرائيلية تكشف سبب قرار -عملية رفح- واحتمال حصول تغيير ...
- الشرطة الفلبينية تقضي على أحد مقاتلي جماعة أبو سياف المتورط ...
- تركيا.. الحكم بالمؤبد سبع مرات على منفذة تفجير إسطنبول عام 2 ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لقتلى وجرحى القصف الإسرائيلي
- -بلومبيرغ-: إسرائيل تجهز قواتها لحرب شاملة مع -حزب الله-
- بلينكن يهدد الصين: مستعدون لفرض عقوبات جديدة بسبب أوكرانيا


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - الأسس المادية لظواهر لاستبداد والقسوة والتعذيب والتمييز في المجتمع العراقي (الحلقة الثالثة)