أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد ع محمد - سليم بركات يُحمِّل الباب ما لا تحتملهُ الغُرفة















المزيد.....

سليم بركات يُحمِّل الباب ما لا تحتملهُ الغُرفة


ماجد ع محمد

الحوار المتمدن-العدد: 5802 - 2018 / 3 / 1 - 15:35
المحور: الادب والفن
    


يختزل الكاتب الأرجنتيني إرنستو ساباتو التجربة الشخصية للمبدع الذي تمرغ في يم الوقائع الحياتية في إحدى كتاباته في جملةٍ يقول فيها إن “الكاتب الحقيقي يكتب عن الواقع الذي عاناه، والذي تشبع به، يعني أنه يكتب عن الوطن بخيره وشره، على الرغم من أنه يبدو في بعض الأحيان وكأنه يكتب عن حكايات بعيدة في الزمان والمكان”، وبالنسبة لمن هاجر أو كان منفياً فتبقى الذاكرة هي الوطن الذي يلازم الكاتب أينما هبط أو استوطن، وذاكرة الشاعر ههنا صعيدٌ دامغٌ، ومعينٌ لا ينضب، لذا تراه عائداً كل حين إلى مسكوكات الغابر، فيغرف منها كلما داهمه الحنين وحاصرته مشاعر الاغتراب، حيث يستعيد سليم بركات أيام طفولته في الريف الشمالي لسوريا من خلالها، وذلك بالرغم من البعد الزماني والمكاني عن مسقط الوجود، وبالرغم من إصداره إلى الآن ما يقارب 50 عملاً ما بين الرواية والشعر، وكأن بركات الذي صدر أول ديوان شعري له عام 1973 بعنوان “كل داخل سيهتف لأجلي، وكل خارج أيضاً” يعود مجدداً إلى مخاطبة الداخلين إلى عالمه والخارجين منه في عام 2017، وما يدعونا إلى هذا التكهن هو أن ديوان “الأبواب كلُّها” الذي نقرأ فيه الآن، يوحي بذلك، ليس فقط من خلال علاقة الباب بالداخلين والخارجين، إنما بكونه لا يخلو من درر الذاكرة لدى الأديب الذي تعوّد على أن يحوِّل العاديات الحياتية إلى ماساتٍ جميلة بعد إضفاء روحه على كل مادة يتلقفها من الواقع، أو من أعماق الذاكرة، ومنها قوله “جربوا السماء طحناً في سقوطها عليكم، أوجعوا السماء طحناً، دخنوها مطحونةً في تبغكم، مذوبةً مع البن في الفناجين” صفحة 31، فالمقطع يشير إلى تخيلات الطفولة، واختلاقات الصبا، وعنفوان الشباب، والعودة إلى أجواء القرية، وحيث النوم عادةً ما يكون على الأسطح أو في فناء الدار وخلائه، فيبدأ المشهد لدى الطفل/ الفتى من لحظة التمدد على الفراش، وكل نفر من المهيئين للنوم يبدأ بصناعة أشكال وألوان من الصور، وهو يتحدث إلى النجوم قبل أن تتلاشى وتغيب مع بدء سطوة النعاس واستسلام الأجفان للكرى، ولعل العيون احتفظت بما حاكته وهي تقرأ اللامرئي في كتاب السماء المحذوف للتو من مكاتيب الحقيقة الملموسة؛ كما نقتطف في مكانٍ آخر من الديوان ” ضعوا الجهة اليسرى من الباب الأعظم ؛ بابكم الذي لن تفتحوه أو تغلقوه” فيدل الشاعر ذلك المجهول المخاطب على أفضل طريقة يتعلم فيها من خلال العلامات المكتوبه إلى وضع التعب والقلق والأعباء والبقاء على طرفٍ، طالما أن ما من بابٍ له ليدخل منه أو يغلقه خلفه؛ وسليم يُحمل ههنا في هذا العملِ البابَ ما لا تحتمله الغرفة، ولا حتى الشقّة، ولا ربما القصر برمته قادرٌ على أن يمضي خطوةً واحدة للأمام أو إلى الخلف بعد أن أثقل كاهلهُ بالأوزارِ، فأيُّ جرمٍ ارتكبه الباب، حتى انهال عليه سليم بكل الأثقال التي توفرت لديه، لتكون حجةً مقنعة للنيل من الباب، أو لمعاقبته على ما اقترفه الأوادم عبره، أو من خلاله أو على مرأى من نواظره أو مسامعه؛ فالأبواب عند سليم حافظاتُ أسرارٍ، فإن كُشفت الأسرار من قِبل البابِ كان مذنباً، وإن كتم الممنوعات فهو جائرٌ بحق الكتمان والوضوح.
وثمة في العمل الشعري الذي نحن بصدده ما يقارب استشراف الوقائع الراهنة في منطقة عفرين المشهورة بالزيتون ومعاصرها والتي تتعرض لا تزال لحملة عسكرية تركية سميت جزافاً بـ:”غصن الزيتون” وذلك حين يقول الشاعر في الصفحة 35 السوط الذي يمسكم لاسعاً يمس الرماد في مواقدكم أيضاً، ويمس الزيت في المعاصر”، والملفت في ديوان “الأبواب كلِّها” أنه قابل للنهل من أي مدخلٍ كان بالرغم من أنه عملٌ واحدٌ مؤلّف من قصيدةٍ واحدة، وذلك لاحتواء الديوان بين دفتيه على مستفتحاتٍ جمة، وهي عبارة عن عتباتٍ استئنافية لمن فاته بعض الكلام المكتوب، ويمكن الولوج من تلك العتبات مباشرةً إلى قلب النص، كمن حضر عرساً لتوه وقد انخرط في جو الحفل من دون أن يشعر بأنه تائه، طالما أنه كان قد هيأ نفسه لكرنفال الشاعر قبل طرقه باب البهوِ الذي يؤدي إليه عشرات الأبواب، وكل بابٍ يُعالج عشرات المواضيع الكفيلة بسحب القارئ إلى محيط ما يرمي إليه الشاعر كما تجذب الزوبعة الأشياء إليها، هكذا يبتلع الشاعر هواجسَ الانتظار دفعةً واحدة، ولا يسمح للمتلقي بأن يسرف بخياله ليتوقع الذي سيليه، فالشاعر يُباغته، يُشغله بعرسه من أوَّل ولوج القارئ لسراديب عالمه إلى أن يتنفس الصعداء وكأنه خاض للتوِ صراعاً مع جيشٍ من المفاهيم، وأسرابٍ من الصور التي أنهكت فرّازة تكهناته وهو ينتقل من مشهدٍ ثريٍّ بالدلالات إلى آخرٍ أشدُ ثراءَ.
والمجموعة الشعرية التي نقرأ بعض سطورها كانت قد صدرت عن دار المدى 2017 في بيروت وبغداد، وجاءت تحت عنوان “الأبوابُ كلُّها” كما للديوان عنوان فرعي هو “ترديد الصدى في التلاعب بأخلاق الليل”، والعمل عبارة عن قصيدة واحدة طويلة من 265 صفحة.
وسنورد ههنا بعض المنتشلات من ديوان الشاعر حتى تكون كصناراتٍ تقود الناهل منتشياً صوب يم الشاعر وهو يستشعر انقياده الطوعي صوب أبوابه، لا ليعاين كُنه الأبوابِ فحسب، إنما ليندلق بهواجسه الدافئة على الأبواب كلها، علّه يعبر من مساماتها إلى كل الأبواب التي فارقها أو يفتقدها؛ أو تركت أثرها فيه حتى كانت جزءاً منه حيث يقول “الشقاء ملتئم الشمل محاطاً بأحفاده المسرورين، والجوعى منتدبون كي يتمموا رفاهة الجوع” صفحة 18 وكأن ما يجمع شمل السعداء ليس هو الفرحُ وحده، ولا هو السعدُ بعينه، إنما ما أجمع الجائعون على استعادته في لحظات الإرهاق والتعاسة، ومن ثم قوله “أبوابٌ سوِّيت بالأرض فانفتحت الأرض أبواباً على معاصر الظلام وقواديسه” صفحة 43، فالأبواب التي تحطمت جراء لعنةٍ أرضية أو سماوية، وانهارت بفعل فاعل أو قصفت مصاريعها الطبيعة، لا تورث الغبش في أعين المبصر، ولا تدل مشاهد الأبواب المردومة على الانفتاح كما نتصور، إنما هي قرين العتمة بعد أن تتلاشى الآمال في أعين المشرف على أطلال ما كان معمّراً وقائماً من قبل؛ “أغلقوا الأبواب: أغلقوا ما لا تعرفون على ما تعرفون” صفحة 45، فالتداخل بين المعارف السابقة واللاحقة قد يفضي بالمرء إلى التصدع، التحير، التشتت والتدله، وليس بالضرورة أن تكون المغرفات الجديدة بمثابة إضافة على ما كان يكتنزه العارف من قبل.
ولكي لا نثقل كاهل القارئ بتدويناتنا المتعلقة بمنتخبات الشاعر في هذا العمل الثري، سنكتفي بعرض بعض المقتطفات التي اخترناها بتأنٍ ليس من باب الاختزال، إنما علّها تكون الورود التي تحض القارئ على زيارةٍ عاجلة إلى بستان الكاتب، حتى يختار ما يناسبه وتقربه العينات من النبع الذي لم نجلب له منه إلاَّ قطراتً قليلة ارتأينا رشف معانيها والتعطر بها ونحن نمر ببستانه.
“وللقلوب نبضٌ كأنين الأساكفِ تحت الأقدام إذ يفتح المغلوبون بوابات قلوبهم في استسلامها” صفحة 47
“احفظوا الأبواب على أساكفها الزرق، وأساكفها الحمرِ، غطوا المصاريع بما يتبقى حين تُلتَهَمون أو تلتهِمون، ولكن لا تسلٍّموا الأبوابَ إذ تسقط القلاعُ، والأسوارُ والحصون” 49
“أبوابٌ على حالها قبل الخوفِ وبعد الخوف، قبل المذبحة وبعدها، أبوابٌ تمضي مع الغزاة حين يرحلون” 74
“بابٌ بلا صريرٍ بابٌ أُفرغ من حزنه”81
“الروائح تقرع تحل في المكان قبل قرع الأبواب” 84
“أوقفوا الآلهة إن خارت على أقدام غلمانها” 89
“لا تكونوا إلاَّ ما كانته الأبوابُ وما تكونهُ الأبوابُ أو ستكونهُ، لا تكونوا إلاَّ الأقفالَ في النجاة” 118
“كلُّ مقبضِ بابٍ خاطرةٌ يرتجلها الداخلُ من البابِ، والخارج منه” 140
“الأنبياءُ معتصمون اليومَ حَرِدونَ يخبطون على المقاعد بأيديهم استنكاراً لمزاعمِ الآلهةِ في اختيارهم أنبياء من ملح الصخر” 147
“اصنعوا الأقفال بعيوبٍ كي لا تُحسَدوا عليها”155
“قلِّبوا الصخورَ: أذيالُ الأصلِ عالقةُ تحتها، أذيالُ ثيابكم عالقةٌ تحتها”234
“الحياة قاسيةٌ حين لا جدوى من إصلاح بابٍ أو تحطيمه” 238
“ما ليس باباً بابٌ من خدعة الباب في التمويه، ما ليس تمويهاً بابٌ” 259.
تلك كانت بعض الثريات التي استطعنا حملها معنا من فضاءات الشاعر بعد جولتنا في هذه الرحلة القراءاتية، ونحن نلتقط فيها من عوالم الشاعر الذي اعتاد أن يؤرق القارئ معه، وعوّد بالتالي قارءه على أن يكون في منتهى الجلادة وهو يعبر أقاليمه، ويعاين مناخات مواضيعه التي تقوده إلى دهاليز تصوراته، إما مرهقاً، أو خلسةً، أو خطفاً، وهو يدخل من الباب إلى أبواب أخرى متفاوتة الآلام والأحجام والأبعاد، يورطه في الدخولِ من أبوابٍ أكثر إشراقاً، ومنها ما كان أعمق جرحاً، ومنها أبلغ أنينا، عموماً تلك الثريات السالفة لم تكن معلّقة على السقوف التي حملت الأبواب؛ الأبواب التي نصبها الشاعر على طول حقل هذا السفر الشعري، إنما كانت مطعمةً بروائح الأفكار وخوالج القاطنين كالوشمِ على خدود الأبواب وجبينها، ومطهّمة بالرؤى التي تلاقت بين ذائقة الناهِل والمنهل، وتتلاقى بالتالي مواجعَ الأبوابِ ومباسمها مع هواجس الذي يغرف من الديوان اليومَ، وربما صار التأويلُ لدى القارئ المختفي خلف أثلام العقودِ أنضر من الآن بعد قرنٍ من الزمان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رابطة الكتاب السوريين



#ماجد_ع_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ما وراء سكوت دهاقنة الأوليمب
- عفرين وصورة الفاتحين
- ما لا يعرفه الملتحون عن عفرين
- رسول المصائر
- الليبرالي الكردي بين الطبال والزنجي
- غياب دور الأنتلجنسيا في كوردستان
- لو كنتَ تافهاً
- المحرومون من العيدين
- عبدالمجيد محمد: الأكثر دموية وإجراما في إيران هو الأقرب للول ...
- علّة ابن آوى وسُبل التعامل معه
- من بوّابات كركوك إلى أبواب السُّليمانية
- ما بين الهِرّ ولاهور
- ساسة بغداد يكافئون البيشمركة بالجحود
- الهدية والقاضي وسطل اللبن
- أثر المُحِب
- رغم المِحن يتعهد الإقليم بمكافحة العنف ضد المرأة
- درس إقليم كردستان لثوار سورية
- ما يجمع الاتحاد الديمقراطي بالبعث الفاشي
- شبال إبراهيم: رفعنا دعوى قضائية في ألمانيا ضد 17 شخصية أمنية ...
- العبادي بين مبادرات نيجيرفان واستحقار دهقان


المزيد.....




- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ماجد ع محمد - سليم بركات يُحمِّل الباب ما لا تحتملهُ الغُرفة