أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إبراهيم ابراش - الحريات السياسية والإعلامية ليست حقا مطلقا















المزيد.....

الحريات السياسية والإعلامية ليست حقا مطلقا


إبراهيم ابراش

الحوار المتمدن-العدد: 5773 - 2018 / 1 / 31 - 18:01
المحور: حقوق الانسان
    


لكلمة الحرية ،وخصوصا حرية الرأي والتعبير ،وقعّ جميل على النفس ووقر في العقل و باتت أقنوم لا يمكن المساس أو التشكيك به ،حتى محاولة تقنينها رسميا ووضع ضوابط لها من أجل المصلحة العامة سيُعتبر انتهاكا يستَوجب مقاومته ، وفي المقابل فإن كثيرا من الجرائم والانتهاكات لحقوق المواطنيين والوطن يتم ارتكابها بسبب التوظيف غير العقلاني وغير المنضبط أخلاقيا ووطنيا للحرية ،كل ذلك يجعل مقاربة الحرية مفهوميا وممارسة يدخل في باب النسبية ، زمانا ومكانا وثقافة ،لذا تعددت مستوياتها والمدارس والنظريات حولها .
من ناحية ابستمولوجية سياسية ، فإن الفلسفة الكامنة وراء قيام وتأسيس الدولة - المجتمع المنظَم -هو تقييد الحرية المطلقة أو الفطرية التي صاحبت حياة المجتمعات البدائية – مجتمعات ما قبل الدولة - ،وهذا ما قال به علماء السياسة والاجتماع وخصوصا منظرو نظرية العقد الاجتماعي كتوماس هوبس وجون لوك وغيرهم ، فالحرية المطلقة حيث كان من حق كل إنسان أن يعمل ما يريد دون ضوابط كانت عبئا على المجتمع لما يصاحبها من فوضى واقتتال ،فكان تأسيس الدولة بهدف تنظيم هذه الحرية وردعها وتوجيهها بما لا يتعارض مع حرية الأخرين أو المصلحة العامة من منطلق أن الصالح العام يعلو على مصلحة الأفراد .
ومن ناحية منطقية وواقعية فعندما يطالب المدافعون عن حقوق اللإنسان بمنح الشعب الحرية بكل مشتملاتها يجب الأخذ بعين الاعتبار أن الشعب المُخاطب والمستَهدف ليس مجتمع ملائكة بل بشر داخل كل منهم نوازع خير ونوازع شر ،وفي أي مجتمع هناك العقلاء الذين يفقهون معنى الحرية المتاحة لهم فيوظفونها بما يخدم مصالحهم دون الإضرار بالمجتمع والدولة ، ولكن في المجتمع أيضا السفهاء والمجرمون والجهلة الذين لا يميزون بين الصالح والطالح وينساقون وراء غرائزهم البهيمية ولا يدركون معنى الصالح العام أو الأمن القومي .
حتى تؤدي الحرية وظيفتها في حفظ كرامة المواطن وإنسانيته وتمتعه بالحقوق التي تضمنها له كل الشرائع والدساتير الدينية والوضعية فإنها تحتاج لحاضنة ،والحاضنة ليست فقط العقل المجرد للمواطن ورغباته الذاتية ، لأن المجتمع مكون من مواطنيين بعقلانيات مختلفة ومصالح ذاتية متضاربة ، كما أن الأنظمة السياسية لوحدها لا يمكن المراهنة عليها كحاضنة للحرية وضامنة لها وتحديدا في الدول غير الديمقراطية .
حاضنة وضمانة الحرية بيئة سياسية اجتماعية ثقافية تقوم على توازن دقيق بين حق المواطنيين بأن يكونوا احرارا وحق الدولة في الحفاظ على الاستقرار والصالح العام وهذا التوازن لا يتاتى بين ليلة وضحاها أو بقرار لحظي بل هو حصيلة سيرورة تاريخية من النضالات الشعبية والتحولات السياسية والثقافية والقانونية .
نظرا لمركزية الحريات وخصوصا حرية الرأي والتعبير في حياة الشعوب فقد أولت المنظمات الدولية وخصوصا هيئة الأمم المتحدة أهمية قصوى لمسألة الحريات بكل أبعادها السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية كمكون رئيس في منظومة حقوق الإنسان ، وفي نفس الوقت تم وضع ضوابط لممارسة هذا الحق . مثلا ما ورد في المادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ، حيث نصت على : "
1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة.
2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها.
3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية:
(أ‌) لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم،
(ب‌) لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة."

بالإضافة إلى البعد القانوني الدولي ، لا يمكن فصل حرية الرأي والتعبير باعتبارها مكون من مكونات حقوق الإنسان عن الثقافة السائدة في المجتمع وعن طبيعة النظام السياسي القائم وفلسفته . ثقافة الحرية هي ما يضمن تحقيق الحرية لأهدافها بما فيه صالح الوطن والمواطنيين ، وثقافة الحرية نتاج مشترك لمجتمع متعلم متحضر ديمقراطي ولدولة القانون ، فوعي الحرية كحقوق يقابلها واجبات أمر سابق على ممارستها ، ووعي الحرية يعني أن المواطن يعرف ما له من حقوق وما عليه من التزامات وأن حدود حريته تتوقف عندما تمس حقوق الآخرين والمصلحة الوطنية كما يحددها الدستور أو الأعراف .
ففي مجتمعات متقدمة وديمقراطية كأوروبا واليابان يكون مجال الحرية أوسع لأن الثقافة السائدة ثقافة عقلانية حضارية ولأن الناس تعودوا على العيش مع الحرية لعقود ،وبالتالي يتم ممارسة المُتاح من الحرية للمواطنيين بما لا يسيء لحرية الآخرين أو يمس بالمصلحة العامة . ومع ذلك ففي الغرب ذاته هناك حدود للحرية السياسية والاجتماعية وحتى الحرية في مجال البحث العلمي .
عندما صوت الكاتالونيون لصالح الانفصال عن إسبانيا تدخلت الحكومة بأجهزتها الأمنية لتمنع الانفصال ، كما تتدخل حكومات الغرب الديمقراطية للحد من النزعات المتطرفة والفاشية وعندما يتم ممارسة الحرية ،فِرادا أو جماعة ،بما يتعارض مع القانون والمصلحة العامة ، أيضا تدخلت الحكومات في مجال البحث العلمي عندما وصل لدرجة القدرة على التلاعب بالجينات البشرية والحيوانية وشفرة خلق البشر الخ ، هذا ناهيك أن الغرب الديمقراطي هو نفسه الذي مارس الاستعمار وما زال ينتهك حقوق وحريات دول العالم الثالث ويدعم أنظمة استبدادية .
أما في غالبية دول الجنوب ومنها العالم العربي حيث لم يتعود الناس على الخصوع للقانون والتمتع بالحرية السياسية ،وترتفع نسبة الأمية والجهل وينقسم الشعب انقسامات حادة عرقيا وطائفيا ومذهبيا ...فإن منح الحرية على إطلاقها أو بدون ضوابط تراعي الثقافة السائدة سيفيد قلة من الشعب و الاقوياء ذوي المصالح الكبرى ، ولكنه قد يضر بمصالح البسطاء من الشعب وقد يؤول الأمر لحالة من الفوضى .في نفس الوقت فإن الأنظمة القائمة ولأنها غير ديمقراطية فإنها تخشى ثورة الشعب عليها إن منحته مزيدا من الحريات ، وفد رأينا إلى ما آلت إليه الأمور عندما منحت الحكومات العربية والإسلامية الحرية للجماعات الإسلاموية للعمل السياسي دون ضوابط خوفا من اتهام الحكومات بأنها دكتاتورية أو مناهضة للإسلام ، أيضا عندما تم منح الحرية بدون ضوابط لمؤسسات تعمل تحت عنوان المجتمع المدني حتى لا يتم اتهام الحكومات بانها غير ديمقراطية الخ .
الحرية في المجال الإعلامي كالحرية في المجال السياسي ليست حقا مطلقا بدون ضوابط وطنية وأخلاقية وقانونية مهنية ،خصوصا مع توسيع فضاء الإعلام مع الثورة المعلوماتية من فضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي .
اتاح الفضاء السيبراني فرصة كبيرة لرجال السياسة والأحزاب والجماعات الدينية وللمحللين السياسيين وأصحاب الرأي للتواصل مع الجمهور ، وهذا أمر إيجابي ، ولكن في نفس الوقت وفي ظل بيئة ثقافية وأجتماعية كالبيئة العربية فإن اشتغال هذه التقنيات الإعلامية وخصوصا في المجال السياسي أربك المواطنين وشتت فكرهم وشككهم بثوابتهم ومرجعياتهم ومنظوماتهم القيمية والوطنية التي كانت تشكل غراء التماسك الاجتماعي والوطني ، وبات كل شيء مشكوكا فيه ومحل إعادة نظر وخصوصا عندما يتم اللجوء إلى مفردات التخوين والتكفير وإدعاء الحقيقة من هذا الطرف أو ذاك ،وتجنيد القوى السياسية المتصارعة لجحافل من المحللين والخبراء والمتخصصين السياسيين وكل منهم يدعي أنه ينطق بالحقيقة ويعبر عنها .
التداخل بين السياسة والإعلام نلاحظه من خلال ما يجري في زمن فوضى الربيع العربي ، حيث لم تقتصر الفوضى على السياسة وتدمير الدول وتفتيت المجتمعات بل صاحبها فوضى الإعلام حيث لم يكن الإعلام ،خصوصا التابع منه لأطراف الفوضى من دول وجماعات ،مجرد ناقل للخبر بل كان وما زال صانعا للحديث ومثيرا للفتن .
لا غرو أن الحرية السياسية والاجتماعية جوهر الديمقراطية وأهم حقوق المواطن ومستلزمات المواطنة ،إلا أنها ليست حقا مطلقا ومفتوحا دون حدود وضوابط ،لأنها في هذه الحالة تؤدي للفوضى ، والخلل ليس في مبدأ الحرية ولكن في منحها لشعب متشكِل من شرائح ومستويات ثقافية وسياسية واجتماعية متباينة في تصوراتها ومصالحها ومذاهبها .
إن الحد من الفوضى السياسية والإعلامية وإعادة تنظيم المشهد الإعلامي ولجم فضائيات ومواقع الكترونية وفقهاء دين بمنعهم من تمرير سياساتهم المشبوهة تحت عنوان الحريات الإعلامية وحرية الرأي والتعبير .. كل ذلك قد يصبح في بعض المنعطفات والظروف شرط ضرورة لتمكين الدول من القيام بوظائفها والحفاظ على وجودها ، كما هو الحال اليوم مع الدول التي تتعرض لفوضى ما يسمى الربيع العربي والمُهدَدة بوحدتها الوطنية والترابية .
الحريات السياسية والإعلامية إن لم تكن في خدمة الوطن والمصلحة العامة وعندما تصبح أداة في خدمة جهات أجنبية معادية أو جماعات إسلاموية مشبوهة هدفها تفتيت وحدة المجتمع وتدمير الدولة الوطنية ،فالحد منها يصبح مسؤولية وطنية وقومية وأخلاقية .
لكن في نفس الوقت يجب الحذر من توظيف الأنظمة السياسية العربية خطر الإرهاب والحاجة لتقنين وتنظيم الحريات حتى تقوم بتصفية معارضيها السياسيين الديمقراطيين والمثقفين التنويريين ولتثبيت تظامها غير الديمقراطي أو للتغطية على فسادها وعجزها .
ما نطالب به هو حماية الحرية وعقلنتها والحفاظ على ما تبقى من كرامة للمواطن وثوابت للأمة ما دامت القوى المثيرة لفوضى ما يسمى الربيع العربي أكثر سوءا من الأنظمة السابقة عليه ،وفي نفس الوقت الالتزام بمتطلبات التحول الديمقراطي وبدولة القانون .

[email protected]



#إبراهيم_ابراش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب معممة على فلسطين الدولة والشعب
- التباس مفهوم الأنا والآخر في ظل فوضى الربيع العربي
- خطاب الرئيس وقرارات المركزي والدوران في حلقة مفرغة
- المجلس المركزي الفلسطيني ليس (مربط الفرس)
- ماذا تنتظرون سيادة الرئيس أبو مازن ؟
- أكذوبة المنح والمساعدات الخارجية
- في ذكراها 53 : الثورة الفلسطينية والشرعية الدولية
- فلسطين 2017 : فشل في المراهنات وانقلاب في المواقف
- لعبة الأمم في هيئة الأمم
- الهروب نحو الأمم المتحدة ليس حلا
- الرد الفلسطيني على مستجدات السياسة الأمريكية
- انقلاب في سياسة واشنطن وليس مجرد قرار رئيس
- نقل السفارة الامريكية إلى القدس :الخلفيات والتداعيات
- طبِّعوا إن شئتم ،ولكن ليس على حساب الحق الفلسطيني
- إرهاب الصغار للتغطية على إرهاب الكبار
- إشكالية الديني والسياسي والبحث عن مرجعية ناظمة
- المال السياسي كبديل عن إرادة الشعب : لبنان واستقالة الحريري ...
- الرئيس الذي توزع دمه بين القبائل
- الصفقة الكبرى بين التهويل والتهوين
- إشكالية الموضوعية في البحث والتحليل السياسي


المزيد.....




- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...
- تعذيب وتسليم.. رايتس ووتش: تصاعد القمع ضد السوريين بلبنان
- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - إبراهيم ابراش - الحريات السياسية والإعلامية ليست حقا مطلقا