أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الفنان الكردي كانيوار إبداع مبكر ورحيل مبكر















المزيد.....

الفنان الكردي كانيوار إبداع مبكر ورحيل مبكر


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 5759 - 2018 / 1 / 16 - 17:13
المحور: الادب والفن
    


يضطر الكاتب، خلافًا لبعض تقاليد الكتابة الإعلامية، أحيانًا، إلى أن يكتب تحت وطأة عاطفته، عبر حضورٍ لا بد منه لضمائر الذات، لا سيّما عندما يتناول تجربة إنسانية قريبة منه؛ إذ لا بد هنا -كما يُخيل إلي- من إقحام ما هو شخصي في مثل هذه الكتابة، ويتعاظم مثل هذا الإحساس، عندما تكون المناسبة رثاء مبدع ما، من خلال منظور أحد المقربين منه، وهو -تمامًا- ما يحدث خلال تناولنا هنا لتجربة الفنان الكردي الكبير كانيوار عبد اللطيف خلف عبدالسلام 1959-2017 والذي أغمض كلتا عينيه، آخر مرة، قبل أيام قليلة، في مدينة (أورلهم) الهولندية التي لجأ إليها من بلده سورية، بعد أن ضاقت بأحلامه، وبه، فيمم وجه شطر المهجر الأوروبي، لعله يواصل رسالته الإبداعية، كأحد أهم المغنين الكرد.

أولع الفنان كانيوار منذ طفولته بعالم الغناء، وراح يحاكي منذ ذلك الوقت الأغاني الهندية التي كان يستظهر عددًا كبيرًا منها، إلى جانب متابعته ومحاكاته، عبر حنجرته المائزة، لأغاني عدد من الفنانين الكرد، لا سيّما الفنان الكبير الراحل محمد شيخو، ناهيك عن الفنان الكردي أحمد كايا من تركيا، غير أن نقطة التحول الكبيرة تمت لديه بعد انتشار أشرطة أغاني الفنان الكردي العالمي شفان برور، وقد وجد صوته قريبًا من صوته، فراح يعيد غناء بعض أغانيه، قبل أن يلتقي بالفنان الراحل الطالع جمال سعدون الذي تعرف عليه، إبّان عمله معلّمًا في ريف ديرك المالكية في سورية، ليصدرا معًا عملهما المشترك: (ديلان كريا) dîlan gerya، أي “دارَت الرقصة”، وهو الأول بالنسبة إليه، والثاني بالنسبة إلى الفنان سعدون، واجتمع في ذلك العمل صوتان متكاملان، لكل منهما خصوصيته، وإن كان لتقويمهما عبر المقياس الفني شأن آخر، يتعلق بتفاصيل الخصوصية الفردية لهاتين الموهبتين الإبداعيتين، ليكونا الصوت “الكانيواري” الواثق العذب، والصدى الجمالي الرقيق، في سفر موسيقي غنائي آسر.

ولِكون كانيوار ابن بيئة كردية، ولكون أبيه من المحافظين الملتزمين دينيًا؛ فقد عانى -إلى حين- من والده الذي لم يرتح إلى خياره الفني، وكان يرى في اقتنائه الآلة الموسيقية خطيئة؛ ما دفع به إلى أن يخبئ آلته الموسيقية أحيانًا، ولا سيما أثناء التحاقه بعمله في بيتي، أو بيت الشاعر حفيظ عبد الرحمن، بعد التحاقي أنا الآخر، بعملي، أو ربما استعان بغيرنا، ليتحفنا بصوته الشجي في بعض الحفلات الصغيرة، في قبو بيته الذي كانت على جدرانه صور بعض الأفلام الهندية، وخصوصًا فيلم (مانوج كومار) الذي كان يقلده، ويتباهى بأنه يشبهه.

وقد سمّى نفسه “كانيوار“؛ لأن هذه المفردة جمعت بين دلالتها الكردية “أين الوطن”، واسم فيلم هندي تأثر به، وهو فيلم (كانيوار) بطولة راجندرا كومار شقيق الفنان مانوج كومار الذي كان من أشد معجبيه، كما يؤكد ذلك -أيضًا- صديقنا المشترك في تلك المرحلة د. فهد إبراهيم. وكان الفنان كانيوار يعلق صور وإعلان هذين الفنانين الهنديين، وغيرهما من الفنانين الهنود كإعلان فيلم (أمسية في باريس) لشامي كابور، إلى جانب صور بعض الفنانين الكرد، على جدران غرفته التي طالما غنى لنا فيها، في غياب والده، أو خلال ذهابه إلى المسجد، قبل أن يقبل والده بالأمر الواقع، على مضض، باعتبار الغناء محرمًا، وغير مقبول اجتماعيًا، بحسب قناعاته.



غنى الفنان كانيوار لعدد من الشعراء الكرد، بلغته الكردية الأم، ومن هؤلاء: عصمت سيدا، جكرخوين، تيريج.. كما أنه غنى قصيدةً لي كتبتُها في المرحلة الثانوية، بعنوان (هي هي كانيوار) hey hey kanîwar أي: يا كانيوار، و “أي” أحد أساليب النداء الحميمية باللغة الكردية، وكانت قصيدته (مضيفة الطائرة) mazûvana balefere” للراحل عصمت سيدا إحدى أهم أغانيه، إلى جانب قصيدته (ليت ياحبية) xwezî yarê.

إلى جانب الحسّ الإنساني الرفيع، لدى الفنان كانيوار -ومن بين خصاله ومآثره النبيلة، الصدق والوفاء- يبدو شعوره القومي، الذي ظهر في وقت مبكر من حياته، ما جعله ينضم إلى إحدى الفرق الفنية الفلكلورية الكردية، في تلك المرحلة التي كانت الأغنية الكردية ممنوعة من قبل سلطات نظام البعث الحاكمة، وإنْ كانت أغنية حب، وكان الفنان الكردي محاصرًا بأجهزة النظام السوري التي تضغط عليه، وتتابعه، وتصادر كاسيتات أغانيه، وتعتقل أي مخالف في هذا المجال، وقد حدث ذلك حتى مع أحد أكبر الفنانين الكرد: محمد شيخو، إلا أن كانيوار واصل مشروعه الغنائي، على الرغم من كل تلك الظروف، وكانت أغانيه التي توزعت بين الحب والوطن تُردد على أفواه الناس، وهو يغني لحبيبته، وحلمه، ووطنه، مقارعًا الاستبداد.

طموح كانيوار في فتوته وشبابه، وولعه بالمسرح، دفعه إلى الاشتغال في عالم المسرح، حيث شارك في الدور البطولي في مسرحية (الطبيب الأمي) التي كتبتُها وأخرجتُها، وكانت تومئ، بشكل رمزي، إلى عدم صلاحية “الرئيس” لقيادة بلده، وقد تمّ توقيف عناصر الفرقة، والاعتداء على عدد منهم، ومن بين هؤلاء الراحلان: كانيوار، وجمال جمعة الذي أصبح بدوره أحد أهم الممثلين الجادين البارزين، قبل أن يرحل مبكرًا هو الآخر.

في السنوات الأربع الأخيرة، تعرض الفنان كانيوار لأكثر من مرض: القلب، سرطان البروستات، وقد أجرى عملية قلب مفتوح نجحت في أحد مشافي هولندا، إلا إن مرض السرطان الذي استفحل، على حين غرة، راح يفتك بجسده، دونما رحمة، إلى أن راح ضحيته، بعيدًا عن أهله وتراب وطنه، كي يوارى الثرى في مهجره الهولندي، وليعيد طرح سؤال جارح، حول علاقة المبدع بمن حوله، وكيف أن هؤلاء الذين حلم، وأحب، وناضل، وغنى، وهاجر من أجلهم، لم يكونوا من حوله، في لحظات وداعه؛ بل تم تشييعه بموكب قليل من الأهل وقلة من الأصدقاء. ولربما أن حالته الصحية حالت، في السنوات الأخيرة، دون تقديم ما هو جديد ومنتظر منه.

رحيل الفنان كانيوار خسارة كبرى للأغنية الكردية الملتزمة، لا سيما تلك التي قاومت الاستبداد، غير أنه من هؤلاء الذين أدوا رسالتهم الفنية، والتزموا بمن حولهم، من دون أي مساومة، لتكون حياته -لا سيّما عندما كان في وطنه- مكرسة لحب هؤلاء، من دون أن يكون بعيدًا عنهم، إلا في السنوات الأخيرة التي انتهت بتدهور حالته الصحية.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفينة- مولانا- البغدادي
- طائر ساسون يعود أدراجه..
- سكاكين أمريكية في الظهرالكردستاني
- حوار حول مصير كردستان ومرحلة ما بعد احتلال بغداد ل- كركوك -
- انتصار ثورة الاستفتاء العظمى والحرب المفتوحة على كردستان!
- حملة التضامن- النهائية- مع رئاسة إقليم كردستان:: النسخة النه ...
- أربعة منشورات فيسبوكية
- الخطاب الثقافي الإعلامي العربي في مأزقه الجديد من-الاستفتاء- ...
- كركوك وطلقة الفراق مع كذبة أخوة الدين ...!
- من قتل جلال الطالباني؟
- على هامش صدور روايته-شارع الحرية- إبراهيم اليوسف: كتابة الرو ...
- دونكيشيتيو طواحين الهواء وحربهم على الاستفتاء...!
- رحل الفنان الكردي الكبير كانيوار وظل صوته يدوي...!
- مشروعية الاستقلال وعدوى العداء
- أعداء الاستقلال.. محاولات لعقلنة الاستعباد
- إبراهيم اليوسف في كتابه السيروي: -ممحاة المسافة: صور، ظلال و ...
- امتحان الاستقلال
- القصيدة في خط متوتر وصاعد فواز قادري أحد أكثر من كتبوا عن ثو ...
- الشاعر في مدونة المكان والكائن ظلال الاسم الجريح لعبداللطيف ...
- فرهاد عجمو أحد أهم الشعراء الغنائيين الكرد مشروع رؤيوي جمالي ...


المزيد.....




- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...
- مصر.. الفنانة غادة عبد الرازق تصدم مذيعة على الهواء: أنا مري ...
- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الفنان الكردي كانيوار إبداع مبكر ورحيل مبكر