|
عندما كانت الكعبة قبلة اليهود
زهير شمشوب
الحوار المتمدن-العدد: 5751 - 2018 / 1 / 8 - 19:45
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من بين نتائج إعلان الرئيس الأمريكي مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، ما ظهر من ردود أفعال توزعت بين فريق لام السياسة العدائية للرئيس الأمريكي، و فريق آخر حمل المسؤولية لحكام العرب و خيانتهم للأمانة، في حين ذهب قوم آخرون إلى لعن الشعوب العربية و تاريخها. زاد من حدة هذا التوجه الأخير توالي دعوات السياسيين إلى الكف عن معاداة أمريكا من أجل "أمر لا يستحق"، و بروز دعوات من بعض مثقفي العرب تشكك في أحقية المسلمين في القدس، بل من هؤلاء من خلص إلى انعدام وجود شيء اسمه المسجد الأقصى أو حدث المعراج. من بين طروحات هؤلاء أن المسجد الأقصى ليس ذا أهمية في الإسلام و إلا فلماذا أوحى الله إلى نبيه الكريم بتغيير قبلة الإسلام من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، و جعل الأخيرة هي القبلة التي يرضاها؟ لسان حال هؤلاء يقول إن الله رضي المسجد الأقصى قبلة لبني إسرائيل فهو لهم خاصة. لكن ما لا يعلمونه أن اليهود قضوا جولات طويلة لينتهوا إلى قبلتهم الأخيرة و ذلك ما نحاول توضيحه من خلال هذه الورقة. يورد القرآن الكريم قصة نبي الله موسى عليه السلام مع بني إسرائيل و أحداثها مفصلة من مصر إلى ما بعد الجواز نحو الأرض المقدسة، و معلوم ما لاقاه هذا النبي من عنت و عصيان من قومه لا يحتمله إلا أولوا العزم من الرسل، و عليه فقد تدرج مكان تعبدهم مع مراحل تنقلهم عبر أرجاء العالم القديم. أولا: الكعبة في مصر، في خضم التضييق و الظلم الذي مورس عليهم من طرف فرعون، أوحى الله إلى نبيه موسى بأن يأمر قومه بالصلاة ليخفف عنهم الكرب، و لما كانت إقامتها علنا مستحيلة في ظل تنكيل فرعون و ملائه بهم، أمروا بأن يتخذوا من بيوتهم مصليات في قوله "و أوحينا إلى موسى و أخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا و اجعلوا بيوتكم قبلة و أقيموا الصلاة و بشر المومنين" فكانت صلاة بني إسرائيل و هم في مصر داخل بيوتهم يقيمونها خفية. لكن السؤال المطروح هنا هو أين كانت قبلة هذه البيوت؟ ينقل ابن كثير في تفسير قوله تعالى "واجعلوا بيوتكم قبلة" "قال مجاهد لما خاف بنو إسرائيل من فرعون أن يقتلوا في الكنائس الجامعة، أمروا أن يجعلوا بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة، يصلون فيها سرا. و كذا قال قتادة و الضحاك" و كذلك نقل الطبري "حدثنا القاسم قال حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن أبن جريج عن مجاهد: بيوتكم قبلة، قال: نحو الكعبة، حين خاف موسى و من معه من فرعون أن يصلوا في الكنائس الجامعة، فأمروا أن يجعلوا في بيوتهم مساجد مستقبلة الكعبة يصلون فيها سرا". فالكعبة إذا كانت قبلة بني إسرائيل الأولى، يتوجهون شطرها عند صلاتهم، كما كان بيت المقدس القبلة الأولى للمسلمين، و قد استمروا على ذلك الحال إلى حين خروجهم مع موسى من مصر في اتجاه بين المقدس، تطبيقا لوعد الله لأبيهم إسرائيل و أبيه إسحاق من قبله، و هنا تبتدئ مرحلة أخرى اتخذوا لها قبلة أخرى. تانيا: القبة في التيه يطلق التيه في تاريخ بني إسرائيل على الفترة التي قضوها في بلاد الشام تائهين لا يهتدون غلى خروج، منذ خروجهم من مصر إلى غاية دخولهم أريحا مدينة الجبارين بقيادة يوشع بن نون و قد لبثوا فيه بنص القرآن أربعين سنة و فيه أنزل الله عليهم المن و السلوى، و ظلل عليهم الغمام، و فجر لهم إثنتى عشرة عينا من الحجر، و فيه مات هارون و موسى، و عمر الأخير عليه السلام مائة و عشرون سنة . لما كانت وضعية التيه تنافي حالة الاستقرار، فقد أمر الله تعالى نبيه موسى باتخاذ قبة للعبادة، عين الوحي شكلها و لوازمها و جعل خشب السنط مادة صنعها، جعل فيها مرافق لإقامة طقوس بني إسرائيل، و قد نصبت بين خيامهم و كانوا "يصلون إليها و يتقربون في المذبح أمامها و يتعرضون للوحي عندها" . وردت في العهد القديم باسم "خيمة الشهادة" و من أسمائها أيضا "قبة العهد" و "قبة الزمان" و قد كانت متنقلة يحملها بنوا إسرائيل في تيههم من أرض إلى أرض، فكان موضعها عند نهاية رحلتهم في الجلجال أو الكلكال حيث استقرت مدة أربعة عشر سنة، ثم نقلوها إلى شيلوة عند وفاة يوشع عليه السلام، و مكثوا بها مدة تزيد عن ثلاث مائة سنة، ثم نقلوها إلى مدينة نوب كانت توجد على جبل شمال شرقي القدس، ثم إلى كنعون في زمن طالوت، ثم نقلها داود عليه السلام إلى مدينة كنعانية تدعى جبعون و هي اليوم عبارة عن قرية فلسطينية تدعى الجيب، استمرت القبة على ذلك الحال إلى أن نقلها سليمان عليه السلام إلى مسجده الذي بناه و يسمونه الهيكل. تعرض هذا الهيكل للبناء ثم الهدم ثلاث مرات، كانت أولها على يد نبوخد نصر 587 ق م ثم أعيد بناؤه و هدم على يد المكدونيين إثر تورة اليهود ضدهم، ثم هدم للمرة الثالثة، على يد الرومان سنة 70 للميلاد، و جعلوا مكانه مطرحا للأزبال و القمامات إلى أن فتح المسلمون بيت المقدس، فلم يهدموا بيتا و لم يطرحوا قمامة، و إنما أمر الخليفة عمر أن يكنس مكان الصخرة فبنى عليها مسجدا اعتنى الوليد بن عبد الملك برفعه و الاحتفال في بنيانه لما بنى مسجد قبة الصخرة . تلك إذن رحلة مصلى اليهود تثبتها نصوص التاريخ، فإن ظهر على شاشات التلفزة، من مثقفي هذا الزمان، من يتعمد خلط الحقائق و التلبيس على الناس فمصادر التاريخ تفضحه، أما التلاعب باللغة و جعل حقائق التاريخ عضين يؤخذ ببعضها و يترك البعض، فذلك مجرد خداع غايته التلفيق و التلبيس على عقول الناس في لحظة ما أحوجنا فيها إلى تكوين رأي عام واع مؤمن بقضيته و ملتزم بالدفاع عنها.
#زهير_شمشوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المهدوية و التصوف و الشرف في مغرب العصر الوسيط
-
ملامح من التصوف الطرقي في المغرب الدعوة و التربية و الخدمة
-
مجموعة لرصاد تراث فني هزم التهميش
المزيد.....
-
أكثر من 200 قتيل في ثاني أعنف إعصار يضرب الجنوب الشرقي للولا
...
-
إسرائيل تعلن -القضاء- على القيادي البارز في حماس روحي مشتهى،
...
-
بزشكيان يعلن التوصل إلى تفاهمات مع قطر حول الـ6 مليارات دولا
...
-
الرئيس كيم جونغ أون يزور قاعدة تدريب القوات الخاصة الكورية ا
...
-
سفير روسيا لدى واشنطن: الولايات المتحدة تمهد الطريق أمام صرا
...
-
كيم جونغ أون يزور قاعدة تدريب القوات الكورية الشمالية الخاصة
...
-
الجزائر.. توقيف مشعوذة خطيرة غرب البلاد
-
تونس.. القضاء يقر الحكم الابتدائي بسجن العياشي زمال لمدة عام
...
-
مصر.. مصدر أمني يكشف حقيقة فيديو ادعاء مداهمة الأمن بيت مواط
...
-
الجزائر.. إنهاء مهام غلام الله من رئاسة المجلس الإسلامي الأع
...
المزيد.....
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
-
آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس
...
/ سجاد حسن عواد
-
معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة
/ حسني البشبيشي
المزيد.....
|