أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمدي الشريف - أزمة التفكير وغَيْبَة العقل النقدي














المزيد.....

أزمة التفكير وغَيْبَة العقل النقدي


حمدي الشريف
(Hamdy Alsharif)


الحوار المتمدن-العدد: 5733 - 2017 / 12 / 20 - 22:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يتميز الإنسان عن بقية الكائنات البشرية الأخرى بخصائص وسمات متعددة، لعل أهمها خاصية التفكير، وإعمال العقل في الأشياء والظواهر والأحداث، والسيطرة على الطبيعة المادية والاجتماعية والسياسية. ولقد قال أرسطو قديمًا: "الإنسان حيوان ناطق"؛ بمعنى أن لديه القدرة على التفكير، والتعبير، وتعقل الأمور. فالإنسان يسير- أو هو ينبغي أن يسير- في حياته وسلوكياته وفق منطق العقل والإبداع الدائم في السلوك.
التفكير إذن هو أخص خصائص العقل الذي يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات الأخرى. ومن هذا المنطلق يمكننا الزعم بأن التفكير، و"التفكير النقدي" في الأساس، هو الذي يميز العقلية التقدمية عن العقول الرجعية المحافظة، والمرددة لكل ما هو قديم والتسليم بصحته دون اختباره، أو نقده، كما أن التفكير النقدي هو الذي يميز المجتمعات والحضارات المبدعة عن المجتمعات والحضارات المقلدة والمتخلفة. كما يمكننا الزعم أيضًا بأنه إذا غاب التفكير النقدي فإن ذلك من شأنه أن يكون مُؤَذِّنًا لخراب المجتمع وبداية تدهوره وفناءه.
ومن المشكلات الأساسية في العالم العربي، والتي تواجه كل النخب والمثقفين والباحثين والدارسين في جميع المجالات، مشكلة غياب التفكير النقدي، ومن مظاهرها أن يعيش أفراد المجتمع مقلدون لغيرهم على جميع المستويات؛ الحياتية، والثقافية، والاجتماعية، والسياسية...إلخ، ومن شأن ذلك أن يجعل المجتمع راكدًا ثابتًا دون أدنى وعي بالمرحلة التاريخية التي يعيش فيها. ومن هذه المظاهر كذلك التسليم بصحة القديم، وإلى الحد الذي يصل معه الإعجاب بالقديم في بعض الأحيان إلى إضفاء طابع القدسية الدينية عليه- رغم كونه مُنتَج بشري في الأساس.
في هذا الإطار لا بُد أن نتذكر سطوة تفكير أرسطو في المجتمعات الأوروبية؛ فقد أمتد تأثيره، من الناحيتين الفلسفية والعلمية، لنحو ألفي عام، مما حَال دون توجيه النقد له. ومنذ حوالي أربعة قرون، ظهرت دعوة الفيلسوف الإنجليزي "فرانسيس بيكون" (1561-1626)، والتي حذرنا من خلالها من الوقوع في "أوهام المسرح"، وهي أوهام ناتجة عن التسليم بصحة النظريات والمعتقدات القديمة والمتوارثة، وعن القواعد المغلوطة للبرهان ويشمل ذلك كل ما يتعلق بالفلسفات والنظريات القديمة منها، والحديثة أيضًا.
وتتمثل خطورة غياب التفكير النقدي، في أن العلاقة بين سلطة القديم، وسلطة النص القديم خصوصًا، وبين الفرد والمجتمع لن تكون علاقة جدلية يتفاعل فيها الطرفان- على الأقل- وإنما تصبح علاقة سيد وعبد، فاعل ومفعول. ويؤدي غياب التفكير النقدي بالضرورة إلى أزمة الوقوع في براثن القديم وجعله متحكمًا في الفرد والمجتمع معًا، ومن ثَمَّ إلى أزمة في الإبداع الفلسفي والفكري والعلمي.
ومن هذا المنطلق فإن نقطة البداية الأولى تتمثل في أن يحرر الإنسان نفسه من تأثير النظريات الساذجة، والتفكير الأسطوري، وسلطة الموروث القديم، لأنه في هذه الحالة فقط سيكون من الممكن- باستعمال العقل النقدي وتنميته- تهيئة الفرصة للإبداع وطرح كل ما هو جديد.
لقد مرّ الفكر البشري والإنساني بصفة عامة بثلاث مراحل أساسية:
1- مرحلة النقل، أو المحاكاة.
2- مرحلة الاجتهاد.
3- مرحلة الإبداع، أو التجديد.
والجدير بالملاحظة أن هذه المراحل الثلاث يمكن ملاحظتها في تطور الإنسان السوي منذ الولادة؛ فالطفل يبدأ أولًا بتقليد الآخرين، وشيئا فشيئا يحاول أن يجتهد مستعملًا عقله وقدراته ومهاراته التي اكتسبها بالتعليم والتنشئة، إلى أن يصل إلى مرحلة التجديد أو الإبداع على مستوى السلوك، والحياة، والفكر.
وإذا كان الدين نفسه ليس سلطة، وإنما الفهم المغلق للدين هو الذي يُحوِّل النص الديني إلى سلطة تمارس هيمنة على الفرد والمجتمع، فإنه في مجال الفكر عمومًا، تبدأ سلطة النص- أيّ نص- من النقل، وتستمر في مرحلة الاجتهاد، ولكن بمستوى مخفف، وعندها يتحول النص من نص على ورق إلى قوة فاعلة ومهيمنة في الحياة الاجتماعية، أو سلطة قسريّة في الحياة عمومًا. وثمة أربعة أبعاد يشتغل عليها أيّ نص في تحوله إلى سلطة، وهي على النحو الآتي:
( 1 ) "السلوك الاجتماعي": ومن مظاهره تقييد حرية المرأة مثلا، وعدم الاعتراف بحقوقها الإنسانية، أو مساواتها مع الرجل، أو تحول مبدأ تعدد الزوجات في الإسلام مثلا إلى أصل ثابت في الدين...إلخ.
( 2 ) "الفن": والملاحظ هنا أن كبار الفلاسفة والمفكرين من أمثال: كونفوشيوس، وأفلاطون، حرموا الفن ونظروا إليه نظرة مبتذلة.
( 3 ) "العلم": والإبداع في العلم لا يعني فقط استخدامه في المجالات المختلفة، أو بالأحرى استخدام تطبيقاته من تكنولوجيا في الحياة اليومية، وإنما هو يعني في المقام الأول اكتشاف قوانين العلم ذاتها. على سبيل التبسيط- لا غير: فإن الإبداع في مجال الكمبيوتر لا يتمثل في استخدامه فقط، بل يتمثل في اختراعه في المقام الأول.
( 4 ) "الفكر": أعني التقليد على مستوى الأفكار القديمة، ورفض أيّة أفكار أخرى قد تُزعزع التقاليد الأخلاقية، والنظم السياسية القائمة، والأعرف الاجتماعية المستقرة.
وفي البداية يُقابل الإبداع في الجوانب الأربعة بالرفض التام والاستنكار والاستهجان، ولكن ولكي يتقدم المجتمع، فلا بُد من الإبداع في الجوانب الأربعة. والملاحظ عبر التاريخ أن رجال الدين المتشددين هم أول من وقفوا ضد الإبداع في العلم، والفن، والفكر، وتغيير السلوك الاجتماعي السائد. ذلك أن رجل الدين المحافظ والمتشدد يُكرِّس كل وظيفته في نقل كل ما هو قديم بحذافيره، وبالتالي يغيب الاجتهاد والإبداع في كثير من الأحيان. وهنا يبدأ النص في التحكم، ويتحول إلى سلطة اجتماعية وسياسية، وفكرية وثقافية، رغم أن النص ليس بمعزل عن الواقع التاريخي، والعوامل السياسية، والسياق الاجتماعي، التي أفرزته. باختصار، يتحول النص إلى سلطة عندما يتمسك رجال الدين المتشددون بالنصوص الحرفية من جانب، وعندما يؤولون النصوص فتصبح السلطة هي سلطة تأويل النصوص من جانب آخر.





#حمدي_الشريف (هاشتاغ)       Hamdy_Alsharif#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -السلطة - الجسد - المقدس-... عرض وتحليل كتاب -دوائر التحريم- ...
- محمود محمد طه.. شهيد الفكر والحرية في السودان


المزيد.....




- سوريا... وجهاء الطائفة الدرزية في السويداء يصدرون بيانا يرفض ...
- أحدث تردد قناة طيور الجنة على القمر الصناعي نايل سات “نزلها ...
- -الشرق الأوسط الجديد ليس حلماً، اليهود والعرب في خندق واحد-– ...
- بعد دعوة رجل دين درزي.. تحذير مصري من -مؤامرة- لتقسيم سوريا ...
- الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في سوريا حكمت الهجري يطالب بحم ...
- الدروز في دائرة الخطر: نتنياهو يستغل الطائفة لأغراض سياسية
- جماعات الهيكل منظمات إسرائيلية تسعى لهدم المسجد الأقصى
- الاشتباكات الطائفية في سوريا: أبرز القادة الروحيين الدروز يط ...
- تردد قناة طيور الجنة.. نزلها على جهازك الرسيفر وتابع كل جديد ...
- -كمين- لقوات تابعة للحكومة السورية يتسبب في مقتل 23 مسلحاً د ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حمدي الشريف - أزمة التفكير وغَيْبَة العقل النقدي