فريد غانم
الحوار المتمدن-العدد: 5721 - 2017 / 12 / 8 - 18:04
المحور:
الادب والفن
لكنّها كانَت هناك؛ مصباحًا ينهمرُ ضوءًا برتقاليًّا فوقَ حوريّة.
عمرُها في طُولِ همْسَةٍ. جديلَتاها تنهيدَتان شَقراوان. شَعرُها غيمةٌ ماطرةٌ على خجَلٍ. رموشُها حِرابٌ تحرُسُ نبعَيْن. ثغرُها أُغنيةٌ. خدَّاها شهوَتان، وعيناها أوسعُ من ذاكرتي.
"كم مضى من الوقت؟" أسألُ الحجرَ الأخيرَ كلّما مررْتُ من هُناك.
"كم مضى من المَكانِ؟" يسأَلُني الحَجرُ الأخيرُ.
والآن، حين صارَ الثَّلجُ القاحلُ ينبتُ في جِلديَ المحروقِ وصارَ رأسي كيسَ طَحين؛
الآن، بعدَما مضى بائعُ المحظورِ وصارت حكاياتُ الشّتاء رمادًا باردًا، ما عادَ جارُنا المحروثُ بالأخاديد ينتظرُ عودَتي. لكنَّنا ما زِلنا نمُرُّ من هُناك، في مَهمّةٍ لا تنتهي، تمتدُّ مِنَ البَدءِ إلى آخرِ الوقت.
هُناك كانَت وكنّا.
ينكسرُ الزّقاقَ على أقدام البيوتِ المُكعّبة، ويذوي المصباحُ البرتقاليّ هباءً منثورًا، ولَم يَبْقَ سِوانا؛ قلبِيَ المتعبَ وظلّيَ المُمزَّق وأنا الَّذي تحوَّلَت عظامي إلى كومةِ كِلْسٍ.
وها نحنُ نمرُّ، كلّ يومٍ، عندَ الحجَرِ المصقولِ بأكفِّ من ذَهَبوا، في الزَّقاق المَكسورِ، نُدْمي أناملَنا برماحِ رموشِها كُلَّما تسلَّقنا على شَجَرِ الخيالِ لنقطفَ شهوةً مستحيلةً من شفتَيْها المسكونتَيْن بالضّباب، وحسرةً حُلوةً من عينَيْها المُعلَّقَتَيْن، على بابٍ لم يعُدْ هناك، بخيطٍ يلوحُ في الذّاكرة.
#فريد_غانم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟