أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون















المزيد.....


لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5688 - 2017 / 11 / 4 - 15:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (41) .

هذا المقال هو مشاكسة لسلوكنا وأدائنا وثوابتنا وتحليل للحالة الإيمانية ورصد لنفسية الإنسان تجاه الحياة لينتج منها إيمان وآلهة ومعتقدات وأديان كسبيل لإيجاد توازن نفسى فى وجود غير مُعتنى , ومن هنا جاء الإيمان بوجود الميتافزيقا ..لأقدم هذه الرؤى من خلال تأملات موجزة تعبر عن رؤيتى وفكرى وفلسفتى متوسماً أن أستفيض فى تبيانها مستقبلاً متى سمحت صفحة حياتى بمزيد من التدوين .
كما ذكرت فى هذه السلسلة من" لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون" أن فكرة الإله والايمان فكرة شديدة الثراء والتنوع فهى كالموزاييك ثرية بالألوان والأشكال المختلفة لتفى احتياجات نفسية للإنسان بالأساس , وهى ليست متجانسة وذات نهج واحد لتجمع كل التناقضات كفكرة الإله الرحيم والمنتقم فى ذات الوقت مثلاً , فالبعض يطلبه رحيماً وآخرون يريدونه منتقماً , لأرى أن هذا التباين شئ طبيعى لتباين الحالة النفسية والمزاجية والثقافية للإنسان .

- الحلم .
نشأة الفكر الميتافزيقى جاء من عدم الفصل بين الحلم والواقع , فالانسان في الأزمنة الأولى للإنسانية إعتقد إنه إكتشف عالم خفى بحضور الأباء والأجداد فى الحلم ليتصور أنه مشهد حقيقي ذو وجود , فلولا الحلم لما وجد الناس أى سبب لتقسيم العالم الى عالمين .
إن إنفصال الروح والجسد يرتبط كذلك بأقدم تصور للحلم مثل فرضية صورة جسدية للروح كما يرتبط به إجمالا بأصل كل اعتقاد في الارواح وربما حتى أصل الايمان بالالهة , ليتصور أن الميت يظل حياً لانه يظهر في الحلم , فهذا هو الاستدلال الذي ساد فيما مضى طيلة قرون طويلة لتتخلق أولى مفاهيم الميتافزيقا , فالآلهة من الحلم لتجد للتصورات الذهنية الخيالية أو العقل الباطن أرضية ووجود واستحقاقات ثم تصير الآلهة القادرة على تحقيق الحلم فيما بعد .

- حلم لقاء الأحبة .
يتطور مفهوم الحلم لدى الإنسان ولكن يبقى متعلقاً بالميتافزيقا التى تحقق الحلم لأجد أمى تعلن بعد وفاة أخى : "كم أتمنى أن أنتقل للسماء لألتقى بأخيك فى السماء وأضمه لحضنى فكم أشتاق إليه " هكذا قالتها أمى ويقولها الملايين من الأحبة الذين فقدوا أحبائهم ..أمى عبرت عن سبب جوهرى من أسباب الإيمان , فهى لا تشتهى لذة ونعيم بل متعة ولهفة لقاء الأحبة المفقودين .
الإنسان أبدع فكرة العالم الآخر وجعل الإله يقف على بوابته ليمنح مكان اللقاء لمن أعياهم فقد الحبيب , فيتشعلقون بوهم جميل يمرر حزنهم وألمهم بأن الإرتماء فى حضن الحبيب قادم فى عالم يشرف عليه الإله .!

- الحل السهل .
إن عقل الإنسان لا يستطيع أن يفهم كل غموض وألغاز الطبيعة المادية بعمق , فهو مثلاً يجد صعوبة فى فهم كل الظواهر الطبيعية الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية والكونية ليقف أمامها عاجزاً أمام غموضها , ولكن مع فكرة الإله فالأمور أكثر بساطة فلقد خلق الله الدنيا في ستة أيام وعمر الأرض لا يتجاوز علي أقصي تقدير عشرة آلاف سنة ، وهو المُنتج لكافة الظواهر الطبيعية ، فهكذا الأمور في متناول الفهم فمع الإله كل الأمور بسيطة .
كذلك يجد الإنسان صعوبة في فهم طرائق التطور , فعشوائية الطفرات والانتقاء وفهم المشاهد الحالية من خلال البعد الزمني السحيق كلها أمور قد لا تظهر أمام الملاحظ البسيط وتحتاج جهد كبير فى البحث والتنقيب , بعكس الإله الذي شكل آدم من الطين ونفخ فيه فصار حياً وقال للكائنات كوني فكانت بإرادته السحرية , هذه أمور لطيفة سهلة يمكن للعقل الديني أن يتعامل معها أسهل وأجمل عن فهم طرائق المادة المعقدة .

- فكرة لا تستهلك المخ .
الإعتقاد والإيمان يريح خلايا وأنسجة المخ من الإرهاق فيكفى القول بأن الإله صنع هذا عند أى غموض ولغز ليريح الإنسان عن البحث , لذا يكون الإيمان منسجما مع بقاء وتطور الإنسان ! .. قد تستغرب من قولى هذا ولكنها الحقيقة فعندما ينتاب العقل وخلايا المخ الإرهاق والإستنزاف عند البحث فى سر الوجود تكون فكرة الإله أفضل فى الحفاظ على المخ من الإستهلاك والإرهاق , لذا تجد المؤمنين أكثر تعميراً فى الأرض وراحة للبال فلا يوجد شئ يؤرقهم فكافة الامور محلولة بأن الإله صنع هذا .
لايجب الركون على تلك الفكرة بإعتبار الكسل والهروب الذهنى مُفيد , فالعضلات التى تمارس تمارين رياضية وشغل أكثر كفاءة من العضلات الخاملة , ولكن إجهاد العضلات فوق طاقتها يعطى نتائج سلبية فهكذا الدماغ , لذا تجد بعض الملحدين يحترقون من البحث عن كيفية تكون الطبيعة والحياة .

- رؤيتنا للمعقول واللامعقول .
الإيمان يتمحور حول نظرتنا ورؤيتنا ومنطقنا فلا يبنى على إدراك ووعى ملموس يمكن إدراكه لينطلق قول يُبرر الإيمان بعالم أخروى : بعدم قبول معقولية الحياة إذا لم يتم حساب الظالم فالحياة تصبح حينئذ فوضى وعبث .
رؤية الإنسان للمعقول أو اللامعقول هو الذى قاده لإثبات وجود عالم أخروى , ولكن هل عقاب الظالم هو إثبات منطقى لوجود خالق ؟ فالحيوانات تخضع للظلم فهل هناك إقتصاص من الحيوانات الظالمة ؟..إذن رؤية الإنسان للمعقول واللامعقول هى رؤية وإحتياج نفسى لتنتعش أمنياتنا وأحلامنا فى النيل من ظالمينا وتفريغ طاقة غضبنا وحزننا ومواساة أنفسنا على الأرض لنتصور أن هذا هو المعقول .

- إله نفسى من إنفصام الأنا .
المحرك الاساسي للإيمان الديني هو الحاجة النفسية للعزاء والمواساة في حالات الخوف والتهديد , فاللجوء إلى قوى خارجية تقدم عزاء للنفس وتساعد الانسان على تحمل واقعه الأليم كأساس الممارسات الدينية للإنسان ..فمن وقع في حالات تهديد وفقدان السيطرة على الواقع يلجأ لاشعورياً إلى معيل نفسي , ففي بدايات الأديان كان المعيل النفسي هو الأجداد القدماء , أب أو جد متوفي ليتحولوا إلى ظواهر روحية ممكن تساعد في إيجاد حل أو المساعدة .. ولايزال المؤمنين حتى اليوم يلجؤون إلى القديسين والأولياء المتوفيين ليستمدوا العزاء , ثم تطور الموضوع ليخاطب الانسان الكيان المُجرد الإله , فهو يخاطب مباشرة كائناً مجرداً يعيش داخله .
الحقيقة ماهذا الإله إلا الأنا نفسها وقد إنفصمت , فالإله يعيش في الداخل أكثر مما هو موجود فعلي في الخارج , فمن هذا الاساس النفسي تستمد الاديان شعلتها التي لا تنطفىء مادام هناك بشر في حالة حاجة وحالة فقدان سيطرة على الواقع كما هو حال معظم البشر في عالمنا اليوم .
إن قدرة دماغنا على إجراء حوار داخلي مع أنا أخرى متخيلة وتوقع مايدور في فكر الشخص الآخر هي أساس الايمان الديني بإله لإنها تُمكن الانسان من نحت إله نفسي داخلي يخاطبه ويستمد منه العزاء , بينما الحقيقة أنا مُنفصمة من صميم الذات .

- الإله كنتاج الخوف .
فكرة الإله عبر التاريخ لم تكن سوى صوت الضعف والخوف والجهل والعجز في داخلنا .. نخاف الحياة ومجهولها ووحدتنا فنصرخ مناديين بإله ينقذنا ويبرر لنا كل شئ , نخاف من تلك العدمية التي قد تنتظرنا في حال موتنا ورحيلنا فنتوق لإختلاق فكرة الله الكريم الذي يرحب بنا فى حياة أخرى أبدية أكثر ديمومة وإنصافاً من هذه الحياة القصيرة التي لم نعش فيها سوى ما يرغمنا على الشعور بالظلم وعدم الكفاية , نشعر بالضعف أمام هذه الحياة فنلجأ لاختلاق كائن أكثر قوة منا وأعلى منا بقوته وقدرته ليوفر لنا الحماية والأمان ليعوض فى دواخلنا ذلك النقص المغروس مع نفوسنا منذ الولادة , منذ تلك الصرخة الخائفة التي نعلنها منذ اللحظة الأولى التي قدمنا فيها لهذه الحياة , تلك الحاجة النفسية التي تتوق إلى وجود ماهو أعلى وأقوى , إلى وجود أكثر أبوية وأمومية , إننا نسقط حاجتنا الناقصة للأبوة والأمومة في آلهتنا أيضاً .

- الغيرة والإستئثار بحضن الأب .
ميثولوجيا قايين وهابيل مثال يوضح تلك الرؤية فى رغبة الإستئثار بميراث وحضن الأب فعطية قايين أثارت غيرة هابيل , فالأب قبل عطية الذبيحة ولم يقبل قرابين نبت الأرض , وبغض النظر عن تفضيل الذبيحة على النبات وتصدير فكرة تميز وتمايز المجتمع الرعوى على المجتمع الزراعى , فليكن إعتنائنا بعملية التنافس على الإستئثار بحضن الإله الأب .. قتل هابيل لأخيه قايين لا يخرج عن تشاجر الأطفال للفوز بإهتمام ودلال الأب فنجده دوماً فى الأطفال ونسميه غيرة ليحضر فى الميثولوجيا القديمة بغض النظر عن أسطوريته أو حقيقته ليعطى القتل كغيرة محتدمة .

- الغيرة والرغبة بالإستئثار بالإرث .
هناك رغبة عميقة تتوارى لدى المؤمنين برغبتهم فى الإستئثار بالميراث الإلهى المتوهم , لتدفعهم لحالة التعصب لإيمانهم فلا يريدون أن يشاركهم أحد فى التركة والميراث السماوى , لذا كل الإيمانات خاطئة وإيمانى هو الصحيح , قد يقول قائل ولكن التركة والارث عظيم فما معنى الغيرة من مشاركة الآخرين فيها .. فلن اقول كون الإنسان طماع فقط بل هو لا يدرك قيمة الشئ إذا شاركه الجميع فيها وهذا يفسر فكرة الجحيم وفى بيت أبى منازل كثيرة والجنه درجات .
غيرة الأبناء ورغبتهم بالإستئثار بحضن وإهتمام الأب هو شعور داخلى فطرى لا ينصرف فى بالوعة الزمن ليبقى متواجداً متوارياً يتلمس التحقق من خلال عقيدة تذكر له أنه المُفضل والمُدلل فى حضن الأب .. الأب الإله ..من هنا يمكن تفسير سبب تناحر الأديان وتشرنقها وغرورها وتعصبها بإعتبارها الفئة المؤمنة التى يرضى عنها الإله ليوليها رعايته ويمنحها الأرث..الخيبة أنه لا يوجد إرث ولا ميراث ولا منازل ولا يحزنون .!

- التوجس و الخوف من المستقبل .
نحن نؤمن لأننا لا نعلم ولا نجزم برمية الزهر القادمة , ومن هنا خلقنا من يعلم بتلك الرمية , فلا نريد أن نعترف بأن رمية الزهر التى هى حياتنا العدمية العشوائية خاضعة لظروفها المادية المحضة التى نجهلها , ومن هنا نتوجس من اللحظة القادمة المتمثلة فى رمية زهر مجهولة لا ندركها لتشكل لنا علامة استفهام كبيرة تهز إستقرارنا وتوازننا , فنحن امام المجهول المتمثل فى الزمن القادم , حاملاً معه الغموض والريبة والخوف لنخلق فكرة الإله القادر أن يرتب القدر فلا نتصادم مع عشوائية وفوضى الحياة مع التوسم فى اعتنائه وستره .. الإيمان هو الخوف من لحظة مستقبلية تحمل الألم , ولولا الألم ماخلقنا آلهة ولا أوليناها أى إهتمام .. من رحم الوعى المشوش عن الألم جاءت كل الخرافة .

- الإلهاء .
لا خروج من لحظة ألم أو مشكلة تعتصرنا إلا بمخدر أو النسيان أو الإلهاء , فالنسيان لا يأتى بسهولة لنستدعى فكرة قوية تلهينا وتشغلنا عن تذكر المصيبة التى تعترينا , لتجد من يعمل بجدية أو يمارس الرياضة أو الفن .. فكرة الله لا تزيد عن كونها فكرة إلهاء تشغلنا وتلهينا عن الحيرة وسبب الألم لنستعيرها بعد ذلك لعلاج الألم .

- الأرجوحة .
الغريزة محرك الحياة وبدون غريزة لا توجد حياة .. نحن بوعينا أدركنا محاذير المجتمع لكبح الغريزة أو قل أن الإنسان نتيجة لضغط المجتمع تكيف مع كبح الغريزة وخلق منها اللذة حتى يستمتع ويحس ببهجة حضورها بعد حرمان , فالصيام مثلا هو التلاعب مع أوتار الحرمان حتى يكون الإشباع قمة اللذة بعد حرمان بخلق حالة شغوفة منتظرة .
كذا تأقلم الإنسان مع الحرمان الجنسى حين يتعامل معه بمراسيم وطقوس وترتيبات وتجهيزات طويلة حتى يحقق اللذة بعد حرمان الجسد , فخلق حالة شغف وشبق تسبق الإشباع لتعطى مذاق خاص للذة , فاللذة الرائعة هى إنتظار اللذة ورسم ملامحها بشبق .
الدين يحقق مداعبة الغريزة وتشويقها وإطفاء متعة بمشاكستها من خلال الأرجوحة لذا يعشقون التماهى فى العملية الدينية فهى يداعبون الغريزة والشهوة ويؤججونها .
لماذا يؤمن البشر بالأديان والمعتقدات رغم أن العلم قدم رؤية للحياة والوجود فى منهجها المادى ؟ لماذا يؤمنون رغم تهافت المعتقدات بما تقدمه من سذاجة ؟ الأديان تخاطب وتداعب النفسية الطفولية للإنسان , فالإنسان يتأرجح بين سلام حالته النفسية وإضطرابها ليركب أرجوحة الدين ليعطى للحياة معنى ولذة من الحرمان .

- المزج الشديد بين المجرد والمادي .
يتخلق الإيمان من العجز والمزج الشديد فى التمييز بين المجرد والمادي , بين الواقع والخيال , بين الحقيقة والتصور ، فالفكر الخرافي يشخصن المجرد ويعطي كل تخيل تكوين وتشخيص وجسد , فالشر له إله أو ملاك أو شيطان والخير أيضا له إله والحرب له إله , وهكذا تذوب بسذاجة كل الفواصل بين المجرد والواقعي..هذا العجز عن التمييز يتحول عند المؤمنين إلي هدف عقلي مقصود لذاته, فتجد مثلاً مقولة عقلية بسيطة حول الكل والجزء تتحول بفعل الفكر الخرافي إلي كائن مشخصن , فكيف يفعلون ذلك ؟
المسألة في غاية البساطة بالنسبة للخرافة , ففى علم الحساب نقول الكل يساوي مجموع أجزائه وهم يقصدون بذلك مثلاً أن (6= 1+2+3) وكلها مجردات كما نقول في المنطق وما نحكم به علي الكل نحكم به علي الجزء المندرج تحته , وذلك لتوضيح علاقة التضمن بشكل صورى , فعندما يتطور الوعي قليلاً نقول أن الكل أكبر من مجموع أجزائه , أما التفكير الخرافي فهو بسذاجة بالغة يعطي اللفظة المجردة الكل اسماً خرافيا ثم يسقط عليه كل الصفات الشخصية فيوحده مع أجزائه ليصير موحداً أو يفصله عن أجزائه ليصير مؤلهاً , وهكذا تتحول مقولاتنا العقلية ومجرداتنا إلي خرافات يسقط عليها الواهمين الصفات ويبنون صروحهم الوهمية الخرافية .

- مشروع سياسى إجتماعى .
أرى أن ظهور الأديان والمعتقدات فى المجتمعات الإنسانية لم تأتى لتفسير الوجود وإيجاد علاقة مع إله هذا الوجود كما يسوق أصحاب الفكر الميتافزيقى فى الأساس وإلا أصبحنا أمام فلسفة , ولكن هى مشاريع إجتماعية وتأكيد هويات وقوميات تريد الحضور لم تخلو من مشاريع سياسية لنخب تريد تحقيق هيمنتها ووصايتها ونظامها الخاص تحت ستار المقدس .. أما لو حاولنا التعامل مع الأديان من منظور أنها قدمت فكراً تأملياً للوجود فهى تعبير عن رؤية بشرية لم تكتفى بتفسير الوجود من خلال إله فحسب بل جعلت فكرة الإله تدور نحو تأكيد فكر السياسى .. لن نبذل جهداً كبيراً عند بحثنا فى النص الدينى لنجد أن بناءه قائم على تأكيد وترسيخ فكرة مشروع سياسى قومى لنخب إستطاعت أن تمرر مشروعها من خلال العزف على الهوية الجمعية القومية .

- خلق الهوية .
الإنسان بوعيه المفارق للطبيعة أصبح كيان إجتماعى لا يعرف العيش بدون المجموع لا يعرف العيش وحيداً فهو عدم التحقق والموت بعينه , كما أحس أن الوجود المادى الغير واعى يشكل عنصر إغتراب بالنسبة له , لذا تكون الآلهة فكرة تحقيق العيش فى المجموع بأن تخلق الأجواء التى تتيح للإنسان التواجد وسط مجموع يثبت وجوده مع إرتباط كل جماعة بشرية بإله محتكرة إياه أو رؤية خاصة للإله لخلق هوية مفارقة .. ولا يهم ان يكون الوجود مترفق أو متصادم فالبطبع سنفضل ان يكون مترفق حانياً مهتماً ولكن حتى الوجود المتصادم المتصارع سيجعل للوجود والهوية معنى فهناك قضية حياة مقلقة تعطى للحياة معنى .

- خلق محورية الإنسان .
الإنسان خلق الأديان والمعتقدات ليس كرؤية وجودية لفهم الحياة والوجود وكيفية التعامل فحسب ولكن من أجل التمايز والفوقية والهيمنة وخلق الهوية فى أفضل الأحوال لذا تنحو الأديان نحو العنصرية وبث لذة مشاعر الفوقية والتمايز لدى أتباعها فهم الأفضل فى الأرض والسماء , ليكفى تصدير مشاعر التمايز والفوقية والهوية لجعل المؤمنين يؤمنون ويتشبثون .. أبدع الإنسان فكرة الإله لتدور نحو تأكيد محورية ومركزية الإنسان فى الوجود ليترجم ما فى داخله من إنطباعات ورؤى ومشاعر عبر القصة والأسطورة .
تجد فكرة محورية الإنسان وتميزه قبولاً فى الجماعة البشرية لتحقيق قيمة ومعنى وإحساس متمايز فى وجود غير مَعنى ولا مُعتنى .. عندما تُلغى الهوية والمحورية بهذا المنظور وتَمحى هذا الشعور المتغطرس بالفوقية والتمايز فلن تجد بعدها دين .

- التنفيس عن العنف .
الدين يحقق للإنسان تنفيس العنف الرابض تحت الجلد وتحقيق اللذة من خلال ممارسات مُشرعنه أو التنفيس بالإكتفاء بمتعة المشاهدة ليكون التكبير هنا حالة من الإحتفاء بلذة العنف والإنتقام .
القصاص هو وجه آخر من الرغبة فى التلذذ بالعنف والإنتقام والثأر , فما معنى الإفراط فى العقاب الجسدى والحرص على أن يحضره جمع من المؤمنين .. ما معنى رغبات نسمعها هنا وهناك عن أن تطبيق الشريعة هى العلاج لصلاح مجتمعاتنا , فهل تطبيق الشريعة محى الجريمة أم ظلت متواجدة بالرغم من فظاعة العقاب الجسدى , وتضاءله فى دول شمال اوربا مثلاً .. الإلحاح على تطبيق الشريعة ومشاهدة العقاب البشع هو شبيه بالأولمبيا حيث صراع العبيد مع بعضهم البعض او مع الحيوانات الضارية حتى الموت , فلا فرق بين من يهللون بالإثارة فى الأولمبيا والآخرون الذين يهللون ويكبرون فى القصاص , فلا تتصور أن المطالبين بتطبيق الشريعة هم أصحاب غيرة على الدين أو التقرب للإله بتحقيق شرعه بل هو الإحتفاء بغريزة العنف .
الإرهابيون ليسوا أصحاب غيرة على الدين ولكنهم أصحاب رغبات عنيفة عالية يريدون أن ينفسون عنها تحت مظلة الدين .

- خلق العدو والتماهى فى عداءه .
العنف ليس فعلى بالضرورة فيمكن أن يكون لفظى بالقول كشكل من أشكال العنف فلنتوقف أمام هذا الدعاء : اللهم أهلك الكفرة والمشركين و أعداء الدين (آمين).. اللهم فرق جموعهم (آمين) .. اللهم شتت شملهم (آمين) .. اللهم خرب ديارهم (آمين) .. اللهم زلزل الأرض من تحتهم اللهم (آمين) اللهم فجر البراكين من فوقهم (آمين) .. اللهم أهلك زرعهم (آمين) .. اللهم اغرقهم بالفيضانات والاعاصير (آمين ) .. اللهم أرسل عليهم الصواعق (آمين ) .. اللهم أنزل عليه الأوبئة والأمراض (آمين ) .. اللهم يتم أطفالهم (آمين) .. اللهم ثكل نسائهم (آمين) .. اللهم أجعل آموالهم ومتاعهم ونسائهم غنيمة للمسلمين يارب العالمين (آمين) .!
لن نقول بئس هكذا دعاء وبئس إله مُفترض يستمع ويستجيب لهكذا دعاء , ولكن سنقول هكذا جاءت فكرة الإله لتنفيس غضب يراد أن يتحقق .. بإيجاد معنى للشر وتمريره , وإيجاد مشروعية لنفسية إنسان سوداوية .
نلاحظ أيضا أن ترديد كلمة آمين وراء الشيخ تأتى من مجموعة بشرية صارت كالقطيع لتردد بدون تفكير وتأمل ليتماهى المجموع وراء أى شعار ليتخلق فيها فيما بعد نزعة عنف تجاه الآخر , وهو المطلوب لتكوبن الحالة الدينية, فلا دين بدون تجييش مؤمنيه أمام عدو لتتخذ كل الأديان حالة عداء للشيطان كمتآمر خفى على البشر ولتضيف أديان أخرى العداء للكفار والمشركين والأنجاس , لتحظى تلك الأديان كالإسلام واليهودية على الأكثر المؤمنين إنتماء لها بغض النظر عن حجم الخرافة والبشاعة فيهما وجهل المؤمنين بهما , فهناك عدو حقيقى ماثل أمامنا ليس كالشيطان الخفى الميتافزيقى يريد أيضا الإنتهاك والإختراق فلزم التوحد والتشبث بالدين ضد العدو الخارجى , ومن هنا يؤمنون ويتشبثون .

- الرغبة فى التمايز والفوقية .
الإيمان بفكرة الإله من خلال دين ومعتقد هو رغبة إنسانية فى ممارسة العنصرية والتمايز باحثة عن حالة فوقية , فما المبررالذى يجعل مؤمن بالله يحس أنه مُتمايز ومُفضل عن الآخرين لدى الإله والباقى أنجاس وضالين بالرغم أنهم يشاركونه نفس الإيمان بالإله ولكن إيمانهم بالإله لن يشفع لهم ولن يتبرر فهو مرفوض طالما لم يأتى مرفقاً به الإيمان بمحمد أو المسيح أو موسى مثلا .
الدينى لم يتوقف أمام أن إيمانه جاء من حظوظ من الجغرافيا والتاريخ فهذا هو الحادث بالفعل ومن هنا جاء تمجيد الإنسان للجغرافيا والتاريخ كإنتماء وهوية ولكن لا مانع من ممارسة العنصرية والتمايز لإنتاح عدوانية إقصائية تعطى لذة التمايز والفوقية..الفكرة الإيمانية أصبحت شديدة الضرر .

- الإله الفنان .
الإنسان يُدرك ويَحس بالجمال لتبهره مشاهد الطبيعة الجميلة , ليتصور أنها إنتاج إله فنان يُرسم ويُبدع فى رسوماته ومنحوتاته كحال معاصريه من الفنانين والنحاتين وهكذا كان إيمانى بالإله فى طفولتى , ليمتن الإنسان للإله الفنان , ولكن الأمور خاطئة فى التفسير والتحليل فلا يوجد فى الطبيعة جزئ يحتوى على جمال , فالجمال معنى وتقدير نسبى إنسانى للأشياء بناء على إنطباعاته وتفاعلاته مع المشاهد الوجودية ليستحسن ما يمنحه الإشباع والراحه ويستقبح ما يجلب الألم ويمكن الإستزادة من هذه الرؤية فى مقالى "وهم الجمال" .

- البحث عن متهم , الإله المتهم .
فكرة الله جاءت من حاجتنا لوجود متهم ضخم كأحد الأسباب في إيمان البشر ‏بالإله , فقد آمنوا بالإله لأنهم محتاجون إلى متهم ضخم بلا حدود يتهمونه بكل جبروت الطبيعة ليدفع الإنسان عن ذاته الضعف والفشل .. لقد كانت قضية "من المتهم" هي البرهان على وجود الإله, فإرداة العدوان والاتهام هي التي دلت الأنسان ‏إلى فكرة الإله وصاغت صفاته وأخلاقه ومنطقه وضميره , فالمومن أو الإنسان عموماً يبحث عند أول مشكلة تصادفه عن المتهم الذى يلقي عليه اللوم , فعند وقوع حادث سيارة مثلا يقول أن فلان ‏هو المسئول عن الحادث فإذا لم يجد هذا الفلان فمن السهل إتهام الله بعبارة رقيقة خجولة بأن هذا قدر الله , فالإله أصبح المتهم والشماعة التي يعلق علية المؤمن أخطاءه وعجزه عن تبيان المُسببات .
قد يتصور البعض أن فكرة "الإله المتهم" فجة لنسأل من المسئول عن وقوع الزلزال مثلا أليس الله كما تعتقدون , فالمتهم لديكم هو الله بغض النظر عن محاولة صياغة الإتهام بعبارات رقيقة خجولة كالقول بأن هذا إختبار الإله وقدره , ولكن هذا لن ينفى أن المؤمن يتهم الإله وهذا مايريده المؤمن بإزاحة التهمة عنه وتبرير ضعفه , ليتخلق فى داخله حالة من المازوخية وقبول الهوان . ‏
الغريب أن المؤمنين بعد أن أدركوا المتهم إرتضوا بجريمته ولكن نزعة الإنتقام والثأر تعطلت نتيجة الرضوخ للقوة المفرطة الغير مُدركة أو مقابل فكرة الرشوة والتلاعب على النفاق والبرجماتية الإنسانية بتلك الجنه المبتغاة أو طلباً أن يكف الجانى عن المزيد من جرائمه . ‏
إن جميع البشر يحاكمون الإله الذي يؤمنون به محاكمة صامتة خجولة أو متوارية في كل لحظة لأنهم بمنطقهم الإنساني يغضبون من الطبيعة أو الحاكم لو كان موجوداً , ولكن الإنسان أحمق فيحاكم الإله ثم يصلي له .!

- احنا بنشتعل أنفسنا .
هناك مقولة شعبية عبقرية تتردد على ألسنة المصريين تقول " إنت بتشتغل نفسك" أى تشاكس نفسك أى تخلق قضية من لا قضية لتصدرها وتعتنى بها وتثيرها .. هذا بالفعل حال الإنسان مع الحياة والوجود فهو يشتغل نفسه ليخلق من قضايا ليست ذات معنى ليجعل منها معنى ذات غاية ليحس بوجوده ولمعنى للحياة .. نحن نجد متعتنا فى أن نشاكس الحياة لنُطير طائرات ورقية فى السماء , فالسماء لا تحتفى بطائراتنا الورقية ولكننا نظن عكس ذلك فلا يكون هذا مشكلة بالنسبة للسماء وطائرتنا الورقية .. النظرية والمشكلة والمعنى والوهم فينا نحن .

دمتم بخير.
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " - أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإله هو إبداع الإنسان لإيفاء إحتياجاته النفسية
- الإله والسياسى..تسييس الإله أم تأليه السياسى
- مذكرات عبد العال .
- فوقوا بقى- مئتان حجة تفند وجود إله
- أوهام البشر – وهم الخلق – جزء ثانى
- أوهام البشر - وهم الخلق
- لما لا نتوقف ونواجه القبح ؟!
- تأملات فى الإنسان - جزء ثانى
- لما لا ! -خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم
- تأملات فى الإنسان- جزء أول
- ثقافة سوداوية منحطة
- سؤال هل لفهم الإنسان والحياة والوجود
- ثقافة تصحير العقول والوجدان..ثقافة الخراب والتخريب
- لماذا هم شعوب ودودة-لماذا نحن متخلفون
- سؤال هل؟ -الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- الإنسان من يختلق النظام ويبحث وينتج العلاقات
- لماذا-الأديان بشرية بدوية الفكر والهوى والتهافت
- وهم المُنظم والمُصمم – مقدمة .
- لم أكن أهذى .
- مفاهيم خاطئة-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون