أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - تأملات فى الإنسان- جزء أول















المزيد.....


تأملات فى الإنسان- جزء أول


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 5642 - 2017 / 9 / 17 - 00:22
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


- نحو فهم الإنسان والحياة والوجود ( 73 ) .

هذا المقال هو الجزء الأول من تأملات فى الإنسان , ليأتى فى سلسلة نحو فهم الحياة والوجود والإنسان , ليكون رائداً وذو أهمية فبدون فهم طبيعة وماهية ورغبات الإنسان لن نفهم طبيعة الحياة والوجود , لذا من الأهمية بمكان أن ندرك فكر وعقل وماهية الإنسان الطبيعية والظروف الموضوعية التى شكلت فكره , كذا الإنحرافات والمغالطات التى إنتابت تفكيره جراء عجزه وجهله وضعفه .

- السؤال هو مغزى وجوهر الحياة وماهية وتطور الإنسان .. كل وجودٍ إنساني احتشدت فيه الإجابات هو وجود بيولوجى أو الأحرى وجود ميت ! الأسئلة بمثابة إكتشاف الوجود والحياة , فبالسؤال بدأت المعرفة ومنه عرف الإنسان ماهيته وذاته ..فالكائنات غير الإنسانية لا تسأل , بل تقبل كل ما في حاضرها وكل ما يحاصرها .. الإجابةُ حاضر يحاصر الكائن , أما السؤال فهو بمثابة تحليق الإنسان إلى أفق أعلى ليدرك سر واقعه وكيانه المحسوس .. السؤال جرأة على الحاضر وتمرد المحاصر على حصاره وجهله .. الشخص الذي يسأل يكون غبي لمدة دقائق حتى يُجاب سؤاله أما الشخص الذي لا يسأل فسيبقى غبي على الدوام حتى مماته .

- نحن نتعلم من خلال الإندهاش والفضول ليتحرك السؤال , فكل معرفة نكتسبها تأتى إجابة عن أسئلة .. عندما يتوقف الإندهاش والفضول فلن يتخلق السؤال وبالتالى موت المعرفة .. تموت المعرفة من التنفير من السؤال " لا تسألوا عن أشياء تسؤكم " لذا تجدهم يمررون فنتازيا قصص الجن والعفاريت والملائكة فلا يندهشون , فلا تسأل لماذا هناك شعوب متخلفة .

- معنى الحياة ولذتها فى المجهول والمرتقب الذى يحمل اللذة أو الألم .. معنى الحياة أننا نحمل فى أعماقنا فكرة "ماذا بعد".. فماذا بعد هذا المشوار من الحياة الحافلة بالألم واللذة .. ماذا بعد هذا السيناريو المكرر الممل من السعى نحو الطعام والإشباع فى مسلسل لا ينتهى لتتكرر مشاهده على الدوام منتهياً بالموت .. نحاول أن نهمل التفكير فى "ماذا بعد" لأنه قد يصيبنا بالعدمية واللامعنى .
أبدعنا فكرة الخلود والجنه والجحيم خصيصاً لنعطى جواب ومعنى "لماذا بعد" ولكن تبقى "ماذا بعد" تتحدانا فماذا بعد ملايين السنين من التمتع بالطعام والخمور والتمرغ فى نهود الحوريات وتجرع مليارات الكؤوس من الزقوم .. "ماذا بعد" ؟!
يتلاشى سؤال "ماذا بعد" عندما ندرك أننا وحدة وجودية كأى وحدة فى الوجود نختلف عنها فقط فى أننا طاف على وعينا سؤال "ماذا بعد".!

- مشكلة الإنسان أنه أدرك بأن هناك لحظة مستقبلية ومنها الموت تحمل فى داخلها كل الخوف والغموض والقلق ولذا خلق الخرافة لتعتنى بتلك اللحظة المستقبلية وتترفق بها , ومن هنا جاءت أهمية وحيوية القول بالعناية الإلهية والستار .
هناك من يغرقون فى التفكير بتلك اللحظة المستقبلية , فالخوف كامن فى الجينات ليبقى من الأهمية إبداع أفكار لتَفهْم تلك اللحظة والتهيؤ لها وقبولها فالحلول الفنتازية الإتكالية الترحيلية لن تُجدى .

- أجمل إحساس فى الوجود هو الدهشة ليتفرد الإنسان بهذا الشعور , فالدهشة هى متعة إكتشاف غريب الحياة وجديدها , والدهشة هي التي دفعت الإنسان إلى التفلسف والإبداع لكون الدهشة تتطلب درجة عالية من العقل المتأمل .
هناك دهشة علمية ودهشة فلسفية , فدهشة الفيلسوف هي دهشة أمام أمور إعتيادية تكتسي حلة التسليم والبداهة وهي دهشة أمام أشياء ذات الصبغة أكثر عمومية وجعلها موضع تساؤل , أما دهشة العالم فهي إرجاع المجهول إلى المعلوم .
أرى من الأهمية التعاطى مع الدهشة عموماً لسبر أسرار وألغاز الحياة ولا يتم تبديد الدهشة إلا بالبحث الموضوعى المنزه عن الإنحياز الفكرى لأيدلوجيات..ومن الرائع والحيوى أن تتولد دهشة جديدة بعد الإجابة على دهشة سابقة فهكذا هى ديناميكية الحياة.

- الإنسان يشاهد الوجود فيندهش .. تنطلق الأسئلة والحيرة .. يخلق إجابات لها وفقاً لوعيه وملاحظاته وقدرته المعرفية ليُكْون الفكرة ولتتكاثف الأفكار لتكون ثقافة .. الثقافة وعاء لمجموعة من رؤى وأفكار وإنطباعات لا يهم إن كانت جيدة أو مهترئة فهى نسبية فى النهاية .. الأفكار القديمة التى كونت ثقافة هى رؤى الأقدمين وإنطباعاتهم , فلا يعنينا إن كانت صحيحة أم خاطئة ولكن الإشكالية فى تثبيت المشهد التاريخى وإستحضار ثقافته وتجاربه الإنسانية الخاصة ليتم إسقاطها على واقع مغاير جرت فيه مياه كثيرة .

- الإنسان هو الكائن الوحيد الذى يقلق , فالحيوان لا يقلق بل يتوجس ويخاف من لحظته الحاضرة , بينما الإنسان يختزن الخوف والتوجس ليسقطه على لحظة مستقبلية ليمارس القلق .
الإنسان يحقق وجوده من متاعب القلق , ليكون قلق الموت أكبر قلق يجتاحه ولكنه لم يترك قلقه يفترسه فتخيل وجود يعبر به قلق الموت !.. هل يعنى هذا أن قلق الموت قلق حقيقى , فليس كل قلق يجتاحنا يكون تصورنا عنه صحيحاً بل هو اسقاط إنطباعاتنا وأحاسيسنا المضطربة على الوجود لتخفى سوء فهم وغرور ونرجسية تحت الجلد ناشئة عن وعى جاهل متغطرس مفارق .

- يقولون أن العملية الإيمانية تمنح السعادة والسلام والراحة , وهذا قول صحيح من ناحية أن المخدرات تمنح شعور رائع بالسعادة واللذة , فلا يستطيع أحد أن ينفى ذلك ولكن كما أن المخدرات ليست جيدة فى تعاطيها فكذلك الفكر الإيمانى ليس مفيداً للعقل , لأننا سنحظى على حالة سكون وخمول فلا يوجد شئ يهدد العقل لتكون النتيجة حالة من الجمود والغيبوبة والشلل تقود لنهاية عقل .. الإنسان لم يتطور ويرتقى إلا من قلق العقل , فالقلق يبعث الرغبة فى البحث عن حلول للراحة لتستمر هذه الجدلية مما يؤدى إلى الإرتقاء , لذا نلحظ أن الحضارة الإنسانية عندما كانت غير قلقة حين شاع الفكر الإيمانى كان إنتاجها الإبداعى ضعيفاً وعندما تخلصت من الأفيون تجدد القلق فى شراينها وإنطلقت كالصاروخ .

- القلق إحساس إنسانى راق متقدم يعبر عن ذهنية ونفسية حساسة تتفاعل مع الوسط المحيط بعقلية تلفظ الكسل والخمول .. القلق الفكرى أسمى أشكال القلق لأنه يعبر عن ذهنية حية مُتفاعلة مُتأثرة ومُؤثرة ترفض أن تكون قبراً .. القلق هو الذى سمح بالتطور الإنسانى , فعندما قلق بعض البشر من الثوابت والفرضيات والقوالب كان قلقهم دافع لمراجعة الموروث والثابت والمقولب .
القلق هو الذى يمنحنا إحساس بوجودنا وفعالياته , فعظيم هو القلق فى حياتنا فمنه ندرك وجودنا ونحس بفاعلية الحياة من الترقب والإثارة .. هناك من لا يقلقون وهناك من يرى القلق ألم ينتابه ليحاول الإنصراف عنه والهروب منه .. الذين لا يقلقون فقدوا الإحساس بالحياة , ومن يقلق ويهرب فقد متعة الصراع .. نعم القلق ليس سهلاً ولكن ألا يستدعيك أن تجرب قسوة ولذة القلق فعلى الأقل ستحظى بلذة وحيوية الحياة .. إذن دعونا نقلق .

- لماذا هذا الرعب من الموت .. لماذا هذا الإهتمام به للدرجة أننا خلقنا الآلهة والأديان لتخلق لنا مخرج ومعادلة معه .. لماذا يعترينا الحزن والضيق عندما نرى الموت فماهو الغير طبيعى عندما نعود إلى الوضع البدئى , فنحن مكثنا ملايين السنين فى حالة موت وعدم أو بمعنى أدق فى حالات وجودية مادية أخرى , والموت هو عودة للوضع البدئى حيث نتجلى فى موجودات أخرى جامدة أو حية .. الحياة هى وضع إستثنائى عابر فلما الإنزعاج ولماذا نتمحور داخل اللحظة .. الذين يبنون خيالات أننا سنبعث بعد الموت ألا يدركون أن وقود السيارة يحتوى على جزيئات بشر سابقون منذ آلاف السنين تحترق فى محرك سيارة لتندفع .!
كلامى هذا منطقى أليس كذلك ؟! ولكنه يزول وينقشع عندما تتخيل وتتحسس وتتصور لحظة موتك !! هذه مشكلة الإنسان التى لن تنتهى .!! ولكن فى النهاية اوهام وأفكار التعزية والتخدير لن تجدى شيئاً.!

- أجمل إحساس بالوجود هو الغموض .. أن تظل تحس بأن هناك شئ غامض لا تعرفه تأمل فى سبر أغواره لتستمر فى الإحساس بالغموض كلما فككت غموضاً .
شئ ممتع وحيوى يعطى للحياة معنى أن تقع فى دوائر الغموض .. وليس هناك مشكلة أنك لا تعرف ولكن المشكلة توهمك أنك تعرف كل شئ , فلم يعد هناك شئ غامض ليتوقف البندول عن الحركة .

- إذا فقدنا إحساسنا بالغموض والدهشة فقد فقدنا أجمل ما فى الحياة بل نكون فقدنا الإحساس بالحياة .. أن تمر المشاهد أمامنا بلا إحساس بالغموض والدهشة فقد تبلدت الأمور ووصلنا لحالة بيولوجية نمطية بليدة سخيفة .. أن تصل لحالة من القناعات وكفى فهو الجمود بعينه .
من المفيد ان نثير الغموض والدهشة أمام مشاهد الوجود لنراجع ما إستقر بنا لنمنح الحياة الديناميكية الحيوية .. قد يمتلك المرء رؤية إيمانية أو إلحادية قوية ولكن مازال الوجود الطبيعى وتعقده وتطوره يلقى فى داخله بالدهشة والغموض , فكيف تعقدت المادة الحية هكذا , وكيف إكتسبت الكيمياء العضوية الحياة والوعى سواء جاءت من طبيعة أو إله , وكيف تم التعقيد ؟! .. رائع أن يكون هناك غموض ودهشة لتجعل للحياة معنى .

- هناك شعور رائع بالفضول المعرفى لإكتشاف وفهم الحياة , ولكن الثقافات المتخلفة جعلت الفضول قبيحاً بإقتصاره على التلصص وحشر الأنف فى أسرار الناس والتنقيب داخلها لتجلب الوصاية على البشر .

-هل تستطع تقبل أى فكرة بدون الشك فيها , فالشك هو وسيلتك لقبول الفكرة بعد أن تمررها على ما تمتلكه من حجج ووسائل منطقية .. الشك آلية من آليات العقل للتعاطى مع الأفكار وإعتمادها بعد أن تمر عبر منخل الشك .. للأسف هناك كثيرون فقدوا هذا المنخل أو أن فتحات منخلهم صارت واسعة تمرر كل ما يقع فيها .. أيهما أكثر منطقية القول بأن الإيمان هو الفطرة أم الشك هى فطرة العقل .

- عُرف ديكارت بفكرته الشهيرة : أنا أشك إذن أنا موجود , لأقول أنه يُمكن تعديل هذه المقولة إلى : أنا أشك إذن أنا إنسان , فالشك ميزة وسمة حصرية على الإنسان .
تبقى جماليات مقولة ديكارت أن الشك يعنى الفاعلية والحيوية والذكاء الإنسانى , فمن الشك يتم فرز الأفكار وتنقيتها والتأكد من حقيقتها .

- السعى وراء الحقيقة أسمى عقيدة ومتعة فى الحياة بعد الإشباع الجسدى فهو التنقيب فى المجهول لمحاولة الوصول لعتبات وعى الوجود .. متعة التعاطى مع الألغاز والغموض قد تكون غاية نتبناها لننفصل عن عالم الحيوان إنفصال كلى , فنحن نخرج من صراع غايات بيولوجية إلى صراع مع مجهول الماضى والمستقبل فى إطار لوحة وجودية نقرأها كما يحلو لنا .. تزداد متعة البحث عن الحقيقة بعدم وجود حقيقة نهائية ومطلقة , فالحقيقة نسبية وفق معارفنا وخبراتنا وعلمنا .

- الإنسان يُفرط فى المبالغة والوهم لتصل الأمور إلى التشبث وإعلاء وهمه , فلا وجود موضوعى لكلمة "اليقين" , فهى كلمة يستحيل أن تُدْرك وتَتَحقق فى الواقع , فما نعتبره حقائق هى نسبية ما تلبث أن تنهار كمعرفتنا أن الأرض مسطحة والشمس تدور حولها , فما بالك باليقين الذى يعنى التحقق الكامل والمُعاين والمُدرك والمَلمُوس , وما بالك بسخافة كلمة اليقين عندما تتعامل مع ميتافزيقا مُتخيلة .!

- فكرة الإله جاءت من إدراك أن الحياة والوجود شخبطة كبيرة شديدة التعقيد لم ندرك أول خط فى الشخبطة ولا تتابع خطوطها المشخبطة , فخلقتا إجابة سهلة مريحة وبلاش وجع دماغ .. فى الحقيقة الأمور وجع دماغ كبير جداً عندما تبحث فى الشخبطة , ولكن فليكن لنا شرف فك الغموض وإدراك ماهية الشخبطة .

- الإنسان لاينتج فكر ولا يؤسس لمفاهيم منطقية من غير وجود مادي يأخذ منه منطقه وأفكاره فبدون وجود مادى فلا وجود لمنطق وتفكير , فالمنطق والتفكير هما حضور وحركة المادة والقدرة على رصدها وحساب حراكها وتطورها .. إن إدراكنا للخصائص المادية والتعاطى معها هو ما نطلق عليه منطق أو فكرة .

- ليس وعي البشر ما يقرر وجودهم بل على العكس من ذلك فوجود البشر الإجتماعي هو الذي يقرر وعيهم .. هذه المقولة الماركسية لا تعبر عن رؤية أدبية خاصة بل تتكأ على نظرية سر الوجود وقضية أسبقية المادة على الوعي , فالوعي مظهر من مظاهر المادة , فلا يمكن أن يدعي أحد أن هناك إمكانية لحدوث وعي بدون مادة , أو وعى سبق وجود المادة .

- هناك مفهوم شائع ومغلوط قائل أن الإنسان يصنع تاريخه .. يجد هذا الشعار حضوره لأنه يعنى أن عقل الإنسان وإرادته وحريته يصنع الحدث , ولكن الحقيقة هى أن الظروف الموضوعية هى التى تصنع التاريخ والحدث والفعل ليكون الوعى الصحيح هو من يُدرك ويَرصد هذا وليس من يتوهم أنه يصنع هذا .!

- عندما ندرك أن السلوك الإنسانى نتاج ظرف مادى موضوعى وأن السلوك هى حالة كيميائية مادية خالصة خاصة , فمن القسوة أن نعاقب البشر على ظروفهم المادية وكيمياء أجسادهم ,أليس كذلك ؟ نحن لا نريد منع السلوك المنحرف كما يُشاع بل للتعبير والتنفيس عن قسوتنا التى إكتسبناها من ثقافة القسوة والإنتقام لنحقق لذة القسوة والإنتقام .

- هناك تناقض غريب وفج فى الفكر الإنسانى بخلق فصل بين الذات والموضوع بين الذات والسلوك , فنحن لا نحاسب الآخر كونه طويل أو قصير , أبيض أم أسود , ذو شعر مجعد أم ناعم , كون هذه التمظهرات فعل مادى واضح ولكننا نحاسب على السلوك , بالرغم أن السلوك نتاج فعل مادى أيضاً وإن تعقدت وتراكمت صوره المادية , ومن هنا تأتى سخافة ميثولوجيا الثواب والعقاب .

- أتصور أن ردع الانسان على اخطاءه ليس لكونه أقدم على الخطأ بل ليكون الردع عامل ضاغط مؤثر على فعل الآخرين لكبح جماحهم , ولكن من العبث تصور أن أخطائنا وتصرفاتنا هى نتاج حر منا بل هى فعل الطبيعة المادية فينا وإذا إعتبر البعض ان هذا غير معقول فهل يجوز محاسبة الانسان على طوله ولونه وجنسه وبيئته وثقافته .

- عندما نحاول البحث فى الإنسان فهذا يعنى البحث فى الظروف المادية المحيطة بالإنسان وتأثيرها على ماهية ورؤيته ومنطقه وحسه وإنطباعاته , فهو الكائن الوحيد الذى يستقبل الوجود بوعى ليضع عليه رؤيته وحكمه ومنطقه وإنطباعاته لذا يكون فهمنا للوجود هو البحث فى الظروف المادية التى أنتجت أبعاده النفسية وآفاق ومحددات تفكيره ومدارات وآليات دماغه فى تكوين الفكرة والإنطباع .

- العنف والتوحش مكون من مكونات النفس البشرية لإنحدار الإنسان من الحيوان , ولكن وعى الإنسان وإدراكه أن العنف والتوحش يفقده الأمان والسلام أدى إلى تحضره وإنخفاض منسوب العنف إلى مستوى قليل , لتبقى الإشكالية فى الأيدلوجية التى تُحيي العنف وتصعده تحت أى مسمى وشعار ليكون جوهرها تحقيق العنف والتلذذ به تحت شعار يمنح الطمأنينة طارداً تأنيب الضمير .

- ما نعتبره وعيًا يُميز البشر عن غيرهم من الكائنات الحية ما هو إلا مجرد إفراط في الإحساس بالألم والتوجس منه قبل حدوثه , مما أوجد لدي البشر رُهاب وفوبيا من الألم حتى بدون وجود مؤشرات على إمكانية حدوثهما , وهذا ما جعل البشر قابلين لإعتناق الوهم .

- الأفكار دوماً تعبير عنا ولسنا تعبيراً عنها .. سبب لخبطتنا وأوهامنا وخرافاتنا أننا جعلنا أنفسنا تعبير عن الأفكار لنغفل أننا من ننتج الأفكار لتُعبر عنا .. مصيبة وقوعنا فى مستنقع الركود والتخلف أننا جعلنا أنفسنا تعبير عن الأفكار وتقديم التبريرات لها ونسينا أننا من أنتجها لتُعبر عن أنفسنا .

- تنظيم الحياة الاجتماعية أمر تفرضه الحياة وليس نتاج منظومة متميزة لذا محاولة ربط منظومة الأخلاق بالدين حصرياً أو محاولة إظهارها بمظهر إنجاز بشري هو تعقيد غير مبرر لأمر بديهى , فالإنسان برجماتى باحث عن مصلحته وأمانه ولذته لذا يَستطيب الخير لأنه يمنحه الأمان ويرفض الشر لأنه يجلب الألم والمتاعب , يضاف لذلك رؤية النخب والأقوياء فى التشريع وتمرير منظومة أخلاقية معينة تخدم مصالحهم , فالأمور لا تحتاج إلى منظومة أخلاق تم إلقاءها من السماء ولا إبداع إنسانى فذ تم انجازه .

- لو تأملنا عالم الحيوان والحشرات سنجد معادلة الطبيعة واضحة مستمرة بينما عالم الانسان ثرى وزخم بالأحداث ليبقى الفرق بين الإنسان والحيوان هو الوعى والذكاء الذى صاغ الصراع فى مليون شكل ليغير ويبدل من مشاهده فقط , وليبقى جوهر الصراع واحداً قائماً على حراك الفعل الطبيعى لتكون الأفكار والأديان والمعتقدات والايدلوجيات والفلسفات صياغة للصراع بشكل مُعقد مرتدياً قفازات حريرية ليخرج المنتج الصراعى الطبيعى بشكل مُركب مُدهش وليس بفجاجة المشهد الحيوانى .

- لا تكون حياتنا إلا إرادة الإندفاع نحو الحياة كأى كائن حى .. إرادة ليس بالضرورة واعية بإندفاعها فهى لا تحتاج لتخطيط أو إلهام , ولكن عندما نعى إننا نندفع نحو الحياة بوعى مُدرك لن نتوانى أن نجعل لكل شئ معنى والذى بلا معنى سنهبه المعنى .. عقولنا ليست أدوات ترتب وتنظم وتبدع الأفكار لحالها فقط بل تتحرك بإرادة الحياة سواء أدركنا هذا شعورياً أو لا شعورياً .

- السلام والأمان بمفهومها العميق أهم قيمة وجودية للإنسان , فلا تتصور أن العدالة والحرية هى القيم العليا بل هى وسائل وغايات لتحقيق الأمان والسلام .
نتيجة جهلنا وخوفنا وقلقنا على سلامنا وأماننا أبدعنا الأساطير والأديان لتخلق لنا سلام متوهم منشود , لذا تلحظ أن الإله لابد أن يمتلك القدر والقدرة والمصير والإعتناء والقسوة .. عندما نحقق سلامنا بوعى فلن نحتاج الخرافة .. الأديان والإله صنم كبير لوهم سلامنا .

- الحياة مجموعة هائلة من الإنطباعات فنحن نخزن كل مشهد وصورة بإنطباع يكون هو موقفنا وتقييمنا للمشهد الوجودى يؤطره الحاجة والإشباع والأمان ليتحدد الإنطباع وفق قطبى اللذة والألم ثم يتم إختزان الصور والإنطباعات فى أرشيف الدماغ لنستدعيها عند الحاجة .. الأفكار هى مجموعة صور هائلة يتم لصقها بطريقة منطقية أو خيالية لتحقيق حالة من الإشباع الجسدى والنفسى .

- لا توجد فكرة فى الوجود إلا لتحقق لذة أو تَعبر ألم .. ومهما تعقدت الأفكار ومارسنا مناورات كثيرة فلن تخرج عن الرغبة فى اللذة وتفادى الألم .

- لى رؤية أتصورها المُحفزة على التفكير , فالأحاسيس والمشاعر هى التى تأمر العقل بالتفكير والإبداع وإتخاذ المواقف .. نعم الأحاسيس والمشاعر مُنتج من منتجات العقل ولكنها هى التى تدفع آليات العقل للتفكير وإيجاد الحلول , ودليلى على ذلك الإحساس باللذة والألم , فاللذة والألم هى الدافع الحقيقى للعقل أن يعمل للوصول للذة وتجنب الألم , ومثال ذلك أننا إخترعنا المقابض الخشبية أو من لدائن بلاستيكية للأوانى مثلاً , بعد أن أحسسنا بالألم عند الإمساك بالأوانى الساخنه .. الإشكالية عندما يتم تصور لذة وألم ليسا ذا وجود محسوس وهنا تشوه العقل فالمدخلات مشاعر خيالية مزيفة .. تأتى إشكالية أخرى أن المشاعر والأحاسيس ليست معيار للفكر والسلوك الجيد , ولكن هكذا نحن لا نستطيع الخروج عن طبيعتنا .

- يستحيل أن نجد تفكير بلا غاية حتى لو لم تتبين ملامح الغاية أو تعقدت دروب الوصول للغاية , نحن لانفكر إلا للوصول لغاية , ولا تتحرك فكرة أو مشاعر نراها راقية إلا لغاية .. نحن كالقط الذى يتشمم الأشياء قبل أن يأكلها فمتى وجدها جامدة
إنصرف عنها .

-الغاية هى نتاج طبيعى لوعى أدرك الوجود وأدرك اللحظة الماضية والمستقبلية , إذن الغاية هى رؤيتنا وليست غاية الطبيعة , فإدراكنا الواعى باللحظات التى مرت بنا ويقيننا أن هناك لحظات مستقبلية سنمر بها خلق فكرة الغاية فى الداخل الإنسانى لنسبب الأسباب ونخلق المُسببات حتى ولو بتهور .. إشكالية فهمنا للوجود هو أننا نبحث عن غاية له لننتج أفكار ومعتقدات وخرافات فى ظل هذه المنهجية الباحثة عن غاية للطبيعة .

- تتعقد الغايات فى الإنسان فلا تكتفى بإشباع الجسد ليظهر أهمية الإشباع النفسى والروحى .. إبحث عن غايات الإنسان الداخلية فيمكنك حينئذ أن تفهمه بكل دقة ولكن إعلم أن غاياته الداخلية لا تنفصم عن حاجات وأمان الجسد .

- لايوجد تفكير يخرج عن تجنب الألم والبحث عن اللذة فإنساننا القديم لم يجلس على ربوة يتأمل فى الحياة والوجود ولا فى مشهد البعرة من البعير والأثر من المسير .. هو فكر فقط عندما واجه الطبيعة القاسية المؤلمة ليبحث عن حل لآلامه ليخلق تصور يعينه على تجاوز ألم الطبيعة .

- نحن لن نفكر فى سر الوجود ونحن فى حالة بحث عن الوجبة التالية التى تشبع جوعنا .. فمتى تحقق أمان غذائى وضمان للوجبة التالية فسنفكر ليس ترفاً فقط بل للبحث عن اللذة المستدامة وتجنب ألم حاضر أو مستقبلى أو مستديم .. لن نفكر فى تصادم مجرتين أو إنفجار نجم فى السماء أو سقوط نيزك على كوكب المريخ ولكننا سنفكر ونغرق فى التفكير عندما يسقط حجر من أعلى جبل على رؤوسنا .

- من المناهج القبيحة فى التفكير الحفاظ على الثوابت فهى تقود للجمود والبلادة والتخلف فلا يوجد فى الحياة شئ اسمه ثوابت , فالواقع دائم التغير والحركة والتطور , لذا أن تضع عصا فى عجلة التطور فإما تنكسر عصاك أو تفلح فى إيقاف العجلة لتحظى على الجمود والتخلف .. من يتشبث بالثوابت جاء من رفضه للحركة والتغيير أو جهله بهما أو حيرته وتعبه من الهرولة ورائهما .

- لماذا يتعاطى البشر الخمور والمخدرات ويستمتعون بها بالرغم أنهم يعلمون تأثيرها الضار ؟ المعلوم أنهم يقبلون على الخمور والمخدرات من أجل لحظة لذة ونشوة ومزاج مأمول فهى تتعامل بإرتياحية مع مراكز عصبية , ولكن يوجد غاية أعمق من هذه كبحث الإنسان أن يعيش اللحظة محاولاً كسر منطقية وجدية شديدة يعيش دائماً فيها بعالم بلا منطق .. إنه باحث عن كسر صرامة الحياة ومنطقها لعيش لحظات فى متعة اللامنطق واللاحسابات لذا تجدهم يقولون أنهم يريدوا أن ينسوا حياتهم وفى الحقيقة أنهم يريدون التحرر من صرامة وجدية ومنطق الحياة المادية لذا ستستمر الخمور والمخدرات دوماً .

- كل البشر يبحثون عن قيمة لأنفسهم سواء إمتلكوا بعض القدرات أم لا , ليبحث حتى المفلس عن قيمة زائفة لإثبات ذاته فيتحول إلى مجرم أو إرهابى أو طاغية لتحقيق قيمته الزائفة على حساب أمن وأرواح الآخرين .. عندما ينتبه الغافلون لزيف كل ما يجري ويقرون بأنه لا قيمة لهذه الحياة ولا غاية من هذا الوجود إلا ما نعرفه ونراه محاولين التأقلم معه حينئذ سينتهي كل ما نراه من مآسي وصراعات .

- المعنى يُرى من خارجه لا من داخله . المعنى إنطباع الإنسان على الاشياء , فالأشياء ليست بذات معانى مستقلة فى ذاتها لتكون مشكلة الإنسان فى فهم الحياة والوجود أنه إنبطح أمام تابوهات معانى أنتجها الآخرون لينسحق أمامها ممجداً إياها معتبرها نهجه ودستوره , نحن للأسف نعيش حاضرنا بزخم ماضينا وهيمنته وحضوره .. لا نعتبر الماضى تاريخ له معانى نتج من تقييم وإنطباعات القدماء , لنعيش حاضرنا بمنطق ماضينا .

دمتم بخير وعلى لقاء مع الجزء الثانى من تأملات فى الإنسان .
"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " أمل الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة سوداوية منحطة
- سؤال هل لفهم الإنسان والحياة والوجود
- ثقافة تصحير العقول والوجدان..ثقافة الخراب والتخريب
- لماذا هم شعوب ودودة-لماذا نحن متخلفون
- سؤال هل؟ -الأديان بشرية الفكر والهوى والتهافت
- الإنسان من يختلق النظام ويبحث وينتج العلاقات
- لماذا-الأديان بشرية بدوية الفكر والهوى والتهافت
- وهم المُنظم والمُصمم – مقدمة .
- لم أكن أهذى .
- مفاهيم خاطئة-نحو فهم الوجود والحياة والإنسان
- هى صدف وعشوائية فقط
- الإيمان جالب للخلل والعقد والتشوهات النفسية-لماذا يؤمنون
- نهائى سلسلة مائة حجة تُفند وجود إله
- معزوفة الحب الماركسى
- تأملات فى أسئلة مدببة حادة
- التحدى .!
- المحاكمة !
- مائة حجة تُفند وجود إله-حجة 86 إلى 90
- مائة حجة تُفند وجود إله - حجة(85)
- إستياء من نشر هكذا مقالات بالحوار-قضية للنقاش


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سامى لبيب - تأملات فى الإنسان- جزء أول