أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الإنسان المعاصر بين التدين والألحاد















المزيد.....

الإنسان المعاصر بين التدين والألحاد


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 5683 - 2017 / 10 / 30 - 19:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل ولد الإنسان وهو كائن عاقل متحسسا لوجوده الذاتي وشروط هذا الوجود من خلال فكرتي التكوين والتكيف الفوقي؟ أم أنه خضع بدوره للتجربة التأريخية بتراكماتها وشروط التطور المتفاعل بين الحاجات والبيئة ومسارات الإدراك والفهم الذي تطور بالتجربة ذاتها؟ وهل كان فعلا متسلحا بمجموعة من القواعد الفطرية والغريزية التي ستقوده نحو عالم المعرفة والوجود، من خلال ملاحظة التجربة وتكرارها وتثبيت النتائج على أنها محصلته الكسبية التي ستتراكم لتكون صورة أولية للوعي بالوجود؟ عملية الوعي هي من قادت إلى واقعيات معرفية تنجح في الإجابة على تساؤلاته المتطورة والمستحدثة مع تقادم الزمن, كيف ولماذا وإلى أين ومتى.
هذه المجموعة من التساؤلات الكونية هي التي بلورت المشروع الفكري الذي قاده إلى البحث عن إجابات من التجربة ومن التأمل والحدس، حتى نضجت لديه فكرة أولية شبه متيقن منها (أن وجوده مرتبط بعوالم خارج الإدراك الحسي) وأحيانا ساهم الوعي الذاتي لديه بأن ينسب الأشياء لمسميات فائقة البعد والتغييب، ليقنع نفسه ويعذرها من التقصير في البحث عن كل الأسئلة التي تتوالى عليه كلما تأمل وجوده وهذا الكون الواسع .
في الشق الأول من السؤال لماذا لإنسان ولد عاقلا متحسسا للوجود في الوقت الذي أثبت العلم الحديث، أن السلالات القديمة مما يعتبر سلف الإنسان العالي لم تكن عاقة بالمعنى الذي يجعلها ناطقة معرفية، أي ذات وعي متطور قادر أن يقودها لابتكار الحرف والنغمة الصوتية التي تماثل الحرف المكتوب في الدالة وتعبر عنه, الحقيقة أن كل السلالات التي سبقت الإنسان الحاضر برغم التشابه الجيني بينها وبين سلالات من حيوانات أقل رقيا في التطور وقياسا مع الإنسان، تكاد تكون هذه الصلة الجينية غير قاطعة ولا تشير يقينا إلى إنحدار هذا الكائن الناطق المتعقل الحساس بتلك السلالات، لا المتطورة منها ولا المتحولة، لحقيقة جدا بسيطة أن تأريخ هذا الكائن العاقل الإنسان على وجه الكرة الأرضية في أحسن الأحوال لا يتجاوز الأربعين ألف سنة إن لم يكن أقل من ذلك بكثير.
ومع أن هذه الفترة الزمنية القصيرة جدا قياسا لتأريخ وجود تلك السلالات الذي يمتد لملايين السنين، أنتج ما لم يستطيع مجموع تلك السلالات جميعا بخمسين مليون سنه أو أكثر أو أقل من أنتاج جزء بسيط منه، من أوليات ما أنتجه هذا الكائن الجديد قدرته على تجميع الملاحظة والإيمان بالجماعة المنظمة المتواصلة بالأفكار وباللغة المشتركة المتطورة، ومن إدراكه لمعرفة النار وقدرتها كانت العجلة مرورا بظاهرة الحاجة للمسكن وللكتابة للقانون ولكل للعلاقات الأسرية المنظمة .
أدرك الإنسان المسمى دينيا (أبن آدم) أنه من أحد أطراف معادلة ثلاثية محكومة بالترابط والتشارك ولا يمكن الفصل فيما بينها أو عزل أحد أطرافها، لا بناء على افتراض ولا حتى بناء على برهان جاد ممكن أن يفسر أو يعلل وجوده المحض وأرتباط هذا الوجود بأطراف المعادلة, العلاقة الثلاثية هذه تجمعه مع الوجود الحولي وما يثيره من أسئلة وملاحظات وحاجات وتغيرات وحتى قوانين, وبالتالي لكي يربط وجوده هذا مع الوجود الكلي لا بد من فكرة أو رؤية تبرر وتفسر وتعلل وتجيب على كل شيء, بدأ جادا في بناءها من تجربته التأريخية والعملية، وما أثرت عليه قيم الوجود وقوانين الحضور والغياب والمعرفة والجهل، إلى أن أبتكر صيغة ما من شبكة من التصورات وأمن بها وخضع لها ولمنطقها وحاول أن ينشر هذه الرؤية متمسكا بتجربته ومستمتعا بانجازه فدان لها وبها.
فصار الدين أو الرؤية التجميعية التي يرفض أن تفسر أي نظرية أخرى ما أستقر عليه وعيه بالوجود كليا، فهو يدافع عن قراءته الكلية المرتبطة بالتجربة ومتخلقة منها، فهو الذي أبتكرها جوابا وتعليلا وتفسيرا وحضورا إيمانيا، هو الركن الثالث من المعادلة المختصرة (بأنا والوجود والقوة التي أحدثت كل ذلك بإرادتها المدركة)، من هذه الحقيقة التي كلما أراد أو حاول أن يكتشف ما يتجاوزها، وجد نفسه مشدودا لشيء "ما" يذكره أن الوجود منظومة قوانين مرتبطة بقواعد، منها ما هو محسوس ومنها ما هو ليس بالإمكان تفسيره أو تعليله لأنه لم يتوصل له بعد، لا بالبرهان ولا بالفرض المتسق مع منطق الوجود إلى حل .
هنا كان الجواب الأول على إشكالية إدراك هل قاد الإنسان وجوده العام والخاص لاكتشاف الدين موضوعيا؟ أم أن العقل هو من أستدل على مفاهيم العقيدة والارتباط بعوالم خفية وغيبية من ذات قدرته الطبيعية؟ الأكيد في المسألة أن التجربة صارت مع قوانين الوجود جسم الدين وشكله الخارجي، ليعطي إيمانه بهذا الوجود المتبلور فكريا وحسيا روح التدين, الحقيقة بحدودها المنطقية تقول قد يكون كلاهما مسئول عن حدوث ما جرى, وقد يكون وجود ظاهرة الغيب والخفاء والتكيف التكويني للإنسان ذاته علاقة ما.
ولكن من المؤكد أستحالة حدوث وبلورة فكرة الدين بعيدا عن العقل في النمذجة والتسويق، فضلا عن الإيمان به والتصور المادي لتجسيده في الواقع, لولا وجود العقل المفكر المحلل الذي تعود على ألية التفسير بعد السؤال والتعليل والبحث والفرز والخزن والاستحضار في كل مرة، ولولا نظام العقل المركب من خطوات منطقية لم يكن هناك لا معرفة ولا وجود لنتاج علمي أو حتى ما يسمى بالتراتيب الدينية التي صنعها بوجوده العقلي .
إذا التساؤلات وإشكاليات البحث عن الدليل الذي يقود الإنسان ككائن مفكر ومسئول وخاضع للسؤال ومطلوب منه أيضا الإجابة والتفسير والتبرير والتعليل تجعل منه حالة غير مستقرة ومستفزة، تبحث عن أي وسيلة تعيد له السلام العقلي أولا وتبعد عنه شبح الخوف والقلق من المجهول الغيبي, لذا فهو كلما يتعمق في فهم جزئية تفتح له هذه العملية المزيد من الأبواب المشرعة التي تحيط بمداركه، وتجعله في واقع صراع بين القبول اللا أبالي وأمضاء بقية الفترة الوجودية للتمتع بملذات الحياة والأنخراط في التنازع الضروري للبقاء, أو التوقف عند نقاط محددة ليثير العقل ويستولي على مفاتيح ضرورية تقوده لأجابات أيضا محددة وصريحة أو تكسب قناعته بمستويات تتدرج من الأحتمال الظني لليقين القاطع بها.
ولكي يحمي الإنسان الأول معرفيا وجوده الخاص والوجود العام والعلاقة المنظمة التي تربط الوجودين كان لا بد أن يفكر ويبتكر ويعلل للأسباب التي كانت وراء هذه المنظومة بالأساس, أي أن جهود الإنسان هذه أثمرت عن خلق علاقة خارجية بالأصل هي تبرير لسؤال الوعي ذاته، لماذا يحدث كل هذا وبهذه الصورة والشكلية ؟, في الوقت الذي فشل فيه أن يجيب عن هذا السؤال وهو في معرض الحاجة لجواب تنبه أنه مرتبط أيضا في عالم ثاني، عالم اللا معرفة واللا حدود واللا جواب المحدد, فأسند الجواب لذلك العالم الغيبي أولا للتخلص من عبء الأثبات وثانيا ليجد الشماعة التي يعلق عليها كل تلك الأسئلة المخيبة من عقله.
فخلق بذلك الرب الخاص والغيب المطلق والعالم الثاني اللا مرئي واللا محسوس, وأصبح كل شيء لدية خال من تعليل أو من تبرير هو من جهة الرب تحديدا، عندها تحولت القيم الأخلاقية لصورة الدين الذي نعرفه اليوم ونؤمن به ونتعامل معه على أساس هذه القضية المفترضة أصلا, وأصبح التمسك بها كممارسة هي صورة التدين التي خلقها الإنسان أيضا ليعبر عن تقديره وخوفه وحرصة على بقاء حزمة العلاقة الأولى نافذه ومسيطر عليها، وليتمكن في كل مرة أن يعيد صياغة مشروعه الوجودي الخاص والعام .
من عوالم السؤال القديم إلى ما هو واقع في التدبر ماذا حصد لإنسان؟ وما هي حصيلة هذا الحراك العقلي المستمر للبحث عن نفس الأسئلة التي سبق بأنه أمن بها وأعتنقها؟, وقف الكثير من الفلاسفة والمفكرين طويلا أمام هذا السيل من الأسئلة المتدرجو في طول الحقيقة وليس في عرضها فقط، وحاول كل منهم أن يجيب بالقدر الذي يؤمن له أنه لا يجلب معه الموت على يد فرسان المجتمع القافل على خط الخنوع والرضوخ، وما زال الكثير من أساسيات المعرفة المتعلقة ببدء الإنسان في خلق العلاقة بين الغيب المطلق والحضور الفاعل مخفيا عنا.
لكن الظاهرة التي تقول أن الغالب من هؤلاء الباحثين ألحدوا كليا أو أستغرقوا في الإيمان عميقا لم تكن صادقة بشكل كامل، فالألحاد فلسفيا وفكريا غير الفحص عن العلل ومناقشتها بالمنطق, فالأول نكران وتجنب المواجهة من خلال الرفض للفكرة بجذورها وقد تأت أحينا من تعليل يقيني، لكن القضية يجب أن لا تبنى على مجرد الرفض والإنكار، بل تتعدى إلى ما هو أعمق من هذا الحد، لنكون أكثر صراحة مع أنفسنا ونملك أمر التقرير بدليل عقلي علمي ذاتي يصل بنا لنهاية تقول (أن مشكلتنا أن عقولنا تأبى إنكار قوة المجهول المعظم برغم أن دليلنا واضح وصريح أو بالعكس) .
العقل الذي أستدل على وجود العوالم الما بعدية بكل ما تيسر له من أدوات وأصبح الوجود الما بعد الوجودية حقائق يقينية عنده ولا تقبل التغيير, اليوم هو موضع أتهام وذم لأنه مدعو وبإلحاح أن يكتشف بنفس الوسائل والأساليب حقيقة ما أكتشفه في محاولة ثانية منه تكون أكثر جرأة من الأولى, فأما أن يعزز قناعاتنا به وبها ويثبت أن الأستناج الأول صحيح وباقي, أو يطرح بديل جديد أو محدث لما سبق أن توصل إليه, إذا كان العقل حقيقة هو من أوصلنا لهذه المعرفة وسوقها بقوة، فهو اليوم مسئول عن الإجابة عن كل تساؤلاتنا الملحة وبعكسه سوف نضع أشارة تعجب وأستفهام وإدانة لكل ما سطره في يقينا البدائي هذا.



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين والإنسان الأول
- شكر وأعتذار
- الأستثمار السياسي لمفهوم القوة في العلاقات الدولية
- نهاية الصبر_ فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)
- ترميم الصورة _فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)
- هنا البصرة الجرح الذي لا يموت، فصل من روايتي (حين يحزن القمر ...
- الطائر الصاعد .... فصل من روايتي (حين يحزن القمر)
- الحرية الفردية وإشكالات المعنى والدلالة
- الحرية الفردية وإشكاليات المعنى والدلالة
- فصل أخر من روايتي (حين يحزن القمر)
- فوبيا الظلم والمظلومية
- فصل جديد من روايتي (حين يحزن القمر)
- فصل من روايتي (حين يحزن القمر)
- لعبة القتل الحميد.......!
- فصل من روايتي (أيام الفردوس)
- تحديات الواقع للعقل الإسلامي ومجتمعه في ظل عالم متطور
- الحوار المفتوح........ ج22
- ترهات عربي ملحد
- العراق بين مطرقة الأستفتاء وسندان عجز الحكومة
- الحوار المفتوح........ ج21


المزيد.....




- المرصد الفرنسي للهجرة: الجزائريون أكثر المهاجرين تمسكا بالهو ...
- فرحة العيال رجعت.. تردد قناة طيور الجنة toyour eljanah 2024 ...
- المقاومة الإسلامية للعراق تستهدف ميناء حيفا بأراضي فلسطين ال ...
- بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية المسيح المخلص بموسكو ...
- قمة إسلامية في غامبيا وقرار منتظر بشأن غزة
- بالفيديو.. الرئيس بوتين يحضر قداس عيد الفصح في كاتدرائية الم ...
- استعلم الآن … رابط نتيجة مسابقة شيخ الأزهر 2024 بالرقم القوم ...
- شاهد.. الغزيون يُحَيُّون مقاومة لبنان الإسلامية والسيد نصرال ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف بيّاض بليدا والراهب والرا ...
- الاحتلال يقيد وصول المسيحيين لكنيسة القيامة بالقدس في -سبت ا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس علي العلي - الإنسان المعاصر بين التدين والألحاد