أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم الواسطي - حكاية الطفولة الباحثة عن لغة القلب -قراءة في رواية الأمير الصغير لاكسوبري















المزيد.....

حكاية الطفولة الباحثة عن لغة القلب -قراءة في رواية الأمير الصغير لاكسوبري


كاظم الواسطي

الحوار المتمدن-العدد: 1464 - 2006 / 2 / 17 - 09:33
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


لأن الكبار لا يفهمون أفكار ، وأحلام ، ولغة الصغار . ويفسرون علاقتهم بالأشياء، بمنطق مختلف ، يصدم عوالم الطفولة وسحر أسرارها . فإن لهؤلاء الصغار ردود أفعالهم , التي تتأصل في تكوينهم اللاحق ، وتغذّي مخيّلتهم بصور مغايرة، وساخرة من الذين يحاولون تعطيل لغتهم ، وقدرتهم على التحليق .
وهذا ما حدث مع طفل اكسوبري ، ابن السادسة ، الذي رسم صورة لحيّة بوا تبتلع فيلا ، استوحاها من قراءاته لكتاب عن الغابة البدائية . حيث لم ير من كان حوله من الكبار ، في تلك الصورة ، إلا شكل قبعة . وقد أثاروا بفهمهم هذا خيبة أمله ، مما اضطره لترك الرسم .
إن قرار الطفل المحبط ، فيما بعد ، باختيار مهنة قيادة الطائرات ، هو واحد من ردود الأفعال المتحديّة لعالم يُحسن فيه الكبار لعبة ورق البريدج ، والغولف ، والسياسة ، وربطات العنق . ولكن لا يفهمون ما يرسمه طفل صغير . هو قرار الطيران بعيدا عن سوء الفهم .
وبخيال ذلك الطفل ، الذي يسكن في داخله ، يرسم اكسوبري عوالم روايته ، أو حكايته ، التي تشبه رسوم الصغار ، وهي تنتهك بألوانها المتداخلة ، وخطوطها المتنافرة باتجاهات لا تمسكها بؤرة واحدة ، أو إطار يشكلها على وفق حدوده الثابتة والمقيّدة لانتشار الفكرة . وتتهكم على منطق لا يرى بأكثر من زاوية نظره الضيقة . وقد قصد اكسوبري أن تكون الفاصلة حادة بين حياة الطفل وعالم الكبار . حيث لم ترد أيّ إشارة لمرحلة ما بعد طفولته ، ولحين أصبح طيّارا . كأنما أراد بذلك ، أن يمنح أجواء حكايته نقاء خالصا .. يظل فيها بطله طفل الصورة الحالم ، والطائرة مجرّد وسيلة لوجوده في مكان يحقق له حرية الحلم ، والطيران بعيدا عن تدخلات الكبار المفسدة لكل مخيّلة حرّة . مكان تأخذ فيه دعابة الصغار، وأفكارهم التهكميّة مداها الأوسع والمؤثر .
فالأمير الصغير، القادم من كوكب لا يزيد حجمه على بيت ، هو مرآة الطفل الرسام- الطيّار، أو هو اكسوبري نفسه ، الذي يعرف بأن الكبار لا يصدقون الأشياء بسهولة، ويميلون دائما للتفكير بالأرقام..يسيّرون بها حياتهم ، وبها يفهمون ما حولهم ، وقد يكون قرّاء الرواية من ضمنهم ، فيرّقم ذلك الكوكب ويطلق عليه( الجرم ب-612 ) عسى أن يصّدق أولئك الذين لا يسألونك عن صوت صديقك ، ورياضته المفضلة ، وحبه للفراشات . بل يسألون دائما عن عمره ، وعدد اخوته ، وكم هي ثروة أبيه. ويجسّد اكسوبري قوة العلاقة ، وصفاء مراياها العاكسة لينبوع البراءة ، بين الطفل الرسام- الطيّار والأمير الصغير، عبر طلب الأخير من الأول أن يرسم له خروفا وبيتا صغيرا لذاك الخروف . وبذلك يعيده إلى صلته الأولى بذاته ، وإلى ثقته بملكاته التي حاول الكبار زعزعتها يوما . ويتحدث له عن عالم مختلف في كوكبه الصغير، حيث زهرته الوحيدة المتفتّحة ، بزينتها وجمال ألوانها ، وما يوفره لها من غذاء ، وستر يحميها من تيارات الهواء ، وحتى البركان هناك لا يفعل أكثر من تسخين فطوره .
ويبدأ طفل اكسوبري دعاباته الساخرة من عالم البشر ، عبر أفكار ورحلات الأمير الصغير بين الكواكب : فهنالك الملك الذي يرى كل الناس رعايا ، معتقدا بأنه يحكم كل شئ .. وعلى النجوم أن تطيعه أيضا . هكذا يعيش وحيدا في ( جو سلطة رفيع ) ! والمغرور في كوكب آخر يبحث عن المعجبين ، وعمّ يصفق له ، وإن كان أميرا صغيرا في زيارة طارئة . فهو لا يريد أن يسمع شيئا غي المديح . أما مدمن الخمر في كوكب ثالث ، فهو يسكر كي ينسى أنه خجلان من الشرب ، في مكان يعيش به وحيدا ! . ورجل الأعمال ، في كوكب رابع ، مشغول بعد النجوم في السماء ، موهما نفسه ، بأنه يمتلكها لوحده ، وبأنها ستجعله ، يوما ما ، غنيّا . ويقوم بإيداعها ، بعد تثبيتها على الورق ، في مصرف نجومه المحكم ، ليشتري بها ، فيما بعد مزيدا من النجوم الجديدة !! .
أما في الكوكب الخامس ، الذي لا تكفي مساحته لأكثر من قنديل طريق وموقده، فقد أصبح اليوم ، بسبب سرعة دورانه ، دقيقة واحدة ، تكفي لإضاءة القنديل وإطفاءه فقط . ولم يفكر موقد القنديل ، بأنه مجرد أن يخطو بضع خطوات ، سيكون في نور الشمس ، وقد يدوم النهار طويلا . ولأنه ( يفكر بشيء آخر، إلى جانب نفسه) لم يرد الأمير الصغير،أن يجعل منه أضحوكة ، كما الآخرين . بل تمنى أن يكون صديقا له، ولكن كوكبه لا يسع لاثنين .
وفي الكوكب السادس ، حيث يعيش مؤلف كتب الجغرافيا ، الذي لا يعرف شيئا عن تضاريس كوكبه ، لأنه يعتمد ، دائما ، على ما يرويه المستكشفون عند مرورهم على كوكبه . وهكذا جغرافي ، قد يسجل جبلين مكان جبل واحد ،حينما يمر عليه مستكشف ثمل !
وحينما يصل الأمير الصغير إلى الكوكب السابع- الأرض ، تتضح فكرة اكسوبري عن كواكب الأمير الأخرى . وهي لم تكن في نظره إلا ( صورة زائفة ) أراد بها الدعابة ، والسخرية من مروّجي خطاب مخاطر الكثافة السكانية على كوكب الأرض وبأن البشر يحتاجون السكن في كواكب أخرى . فالأمير الصغير لا يصادف بشرا في تلك المساحة الواسعة من الأرض . ولكن الكبار ، كعادتهم ، في عدم الفهم ، فأنهم لا يصدقون إن قلت لهم بأنه بالإمكان تكديس سكان الأرض في جزيرة صغيرة من جزر المحيط الهادي . وبأنهم لا يشغلون أكثر من ( ساحة عامة طولها عشرون ميلا وعرضها عشرون ميلا ) في حالة وقوفهم مجتمعين . فإحساسهم بالتسلط ، والغرور ، وحب التملك ، وعبادة الأرقام ، تجعلهم يعتقدون ، بأن مساحة كوكب واحد لا تكفي . كما أن أحاسيسهم هذه قد خرّبت العلاقة فيما بينهم ، وبين المخلوقات التي تسكن بجوارهم . إن اعترافات الثعلب للأمير، تظهر بجلاء ، ووضوح ، فكرة اكسوبري عن تلك العلاقة المخرّبة ، وبأن البشر قد ابتعدوا ، بسبب سوء الفهم ، والأنانية المفرطة ، عن تلك المخلوقات . ولا يهمهم إن كانت زهورا أم ثعالب . ( ليس لدى الناس مزيد من الوقت ليفهموا أيّ شيء. هم يشترون أشياء مصنوعة من الدكاكين . لكن ، لا دكان يمكن أن تُشترى منه الصداقة ) . من حكمة الثعلب هذه ، فهم الأمير الصغير عماء البشر ، وابتعادهم عن لغة القلب ، التي يمكنهم ، بوساطتها ، أن يُدجّنوا الأكثر شراسة وحيلة على كوكبهم . وقد وصل الأمر بهم إلى تصنيع أقراص تروي العطش ، هاجرين ينابيع المياه العذبة وآلاف الزهور ، التي تتفتّح هناك . ومن قسوة الحياة على هذا الكوكب ، تعلّم الأمير الصغير أهمية أن يكون قريبا من زهرته المتفتّحة على كوكبه الصغير . وبقي اكسوبري ، الذي ظل وفيّا ، هو الآخر ، لكوكب- طائرة عاش فيه حتى الموت ، خائفا من أن الكون لن يبقى على حاله ، لو سمعنا ، يوما ، أن خروفا أكل زهرة !



#كاظم_الواسطي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشاعر شيركو بيكه س : وطن واحد لايكفي لرقصته الكونية
- عندما يكون الموت مقدّرا في ذاكرة اللغة/قراءة في رواية( الاره ...
- متى يصل مغني القيثارة إلى مسرحه؟.
- ثقافة الإعلامي العربي: بين واقع الصورة وسلطة الفكرة
- إشكاليات المثقف النخبوي


المزيد.....




- حكم العيسى.. من هو القيادي البارز في -حماس- الذي أعلنت إسرائ ...
- نهائي درامي - إنجلترا تهزم ألمانيا وتتوج بأمم أوروبا تحت 21 ...
- هل تنجح مساع واشنطن لوقف الحرب في السودان ؟
- اعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية تطال الجنود الإسرائيليي ...
- -مسيرة الفخر- تشعل التوتر مجددا بين المجر والاتحاد الأوروبي ...
- لأول مرة منذ ثلاة عقود، بريطانيا تعيد العمل بالردع النووي ال ...
- كوريا الشمالية تفتتح أكبر منتجع سياحي .. مخصص للسياح الأجان ...
- إيران تشيع جثامين قادة وعلماء نوويين قضوا في الهجوم الإسرائي ...
- هل تعرف كيف تحمي نفسك وعائلتك من لدغة القراد في كل فصول السن ...
- مقتل عدة أطفال من عائلة واحدة في غارة إسرائيلية على غزة


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - كاظم الواسطي - حكاية الطفولة الباحثة عن لغة القلب -قراءة في رواية الأمير الصغير لاكسوبري