أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي شاكر العبيدي - سعيد تقي الدين أو أدب وسياسة















المزيد.....

سعيد تقي الدين أو أدب وسياسة


مهدي شاكر العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 5652 - 2017 / 9 / 27 - 10:16
المحور: الادب والفن
    


من أطرف المفارقات في حياته أنـَّه انحاز في أخريات أيَّامه إلى القوى التي تبين ظواهر الأمور وخفاياها أنـَّها آخذة في الضُّمور والاضمحلال ، فغداة استشراء الحملات الإعلامية بين بغداد والقاهرة عُقيْبَ العدوان الثلاثي على مصر ، وقف بجانب حكام حلف بغداد وتبنى وجهات نظرهم متسلحا ً لذلك بفرط الذكاء والتفطن لبعض المتناقضات الغالبة على السِّياسة الدُّولية ، ويتخذ منها حجة قويَّة في تقريع الخصوم ، ولنمثل لذلك بمقالته المنشورة بإحدى الصُّحف اللبنانية ربيع عام 1958م ، ينعى فيها على الحكومات العربية كافة اصطفافها بجانب حكومة الهند المعترفة بدولة إسرائيل ـ المعلنة آنذاك ـ بينما تشهر عداوتها لحكومة الباكستان المجافية لها ، وكان أنْ أذاعتْ إذاعة بغداد المقالة يومها منقولة عن مصدرها ، علما ً أنَّ الهند تعلن شعار عدم الانحياز إلى أحد المعسكرين ِ المتنازعين ِ وتتبنى سياسة الحياد الإيجابي بينهما أي المساهم في توطيد السَّلام ، بينا تورَّطتْ حكومة الباكستان في التحالف مع المعسكر الغربي وانضمامها لحلف بغداد .
هذا هو الكاتب الشَّيخ سعيد تقي الدِّين الذي يمُتُّ إلى أسرة درزية اشتهر من بينها الكثير من الشُّعراء والكـُتـَّاب ، بينهم :ـ أمين تقي الدِّين ، وأحمد تقي الدِّين ، وقد توفيا في ثلاثينيات القرن الماضي ، وخليل تقي الدِّين الذي عمل سفيرا ً لبلاده في بعض العواصم ونبغ في كتابة القصَّة بوجه خاص ، وقد يكون أولاء أشقاءه أو أبناء عمومته وهذا لا يهم ، إنـَّما المهم قبل كلِّ شيء أنْ نتعرَّف على سرِّ اغترابه في الفلبين منذ عام 1923م ، لغاية براحه هذه الدِّيار النائية في مستهل خمسينيات القرن المنصرم بعد مكثه هناك قرابة الثلاثين عاما ً .
عاد سعيد تقي الدين مجدَّدا ً إلى وطنه لبنان ، مستأنفا ً كتابة الرِّوايات والقصص والمقالات التي يصف فيها ضيقه بما يسود الحياة اليومية من المين والختل ونفاق السِّياسة ، لاسِيَّما أنـَّه المأوى الأخير للمنفيين باختيارهم من السَّاسة أو معتزليها أو المطاردينَ في سبيلها ومن أجلها ، وكانتْ أحداثا ً ساخنة أعقبَتْ حرب السُّويس وإبرام ميثاق الوحدة بين سوريا ومصر ، فالاتحاد بين العراق والأردن على سبيل المناظرة بالمثل ، مهدَّتْ لإشعال الحرب في لبنان وإعلان انتفاضة الجمهور على السُّلطة ، التي يلوح أنـَّه من أشياعها بعد انضمامه إلى القوميينَ السُّوريينَ وحُسِبَ عليهم بشكل وآخر أيضا ً الشَّاعر بدوي الجبل المنفي باختياره إلى لبنان ، بينما قبضَتْ السُّلطات في سورية على العلامة الدكتور منير العجلوني وأوقفته أمام القضاء وجها ً لوجه بتهمة التآمر على البلاد وتسليمها لقمة سائغة للباحثين عن العروش ! ، على أنـِّي قرأتُ في دوريةٍ بعد مدَّة وجيزة عن انتظام العجلوني ضمن الأساتذة المحاضرين في السُّوربون بباريس ، وإنـَّه اضطلع بإعداد كتاب عن الأمة العربية مشيدا ً بمآثرها ومفاخرها مكبرا ً صنايعها ومزاياها .

فلا غرو أنْ يغادرنا الكاتب سعيد تقي الدين في أوائل ستينيات القرن الفائت بعد أنْ سكتَ اللغط وهمدَتِ الضَّجة ، وألقى كلُّ سلاحه الذي يمتشقه وفرغ المتشاحنون بالكلام من تلفيق التهم والمطاعن وتوجيهها إلى الطرف الآخر جرَّاء تفريطه بمصالح الوطن ، وكل هذه المخاضات والغمرات كفيلة أنْ تبهظ متون الجبال ، وتهد أقوى الناس مكابرة وعنادا ً في المنازلة وقراع الخصوم ، فعدِّ عنك أديبا ً يمتلك أسلوبا ً ساخرا ً مكتنزا ً بأوفر قدر من السُّخرية واللذع والتهكم ، وأنـَّه لا يكتبُ تزجية لوقتٍ ، أو يعتدَّ الكتابة ألهية يتسلى بها ، بل يعتدُّ صناعة القلم رسالة حياة يتجهز لها بما يسعه من التوق والرَّغبة والثقة بإسعاف الموهبة ومطاوعتها ، فعلى إمعانه في السُّخرية واستغراقه فيها لتعم ما حوله من ناس ، كأنْ أعجز معها عن مغالبة الأداهم بعد وقائع الصِّراعات والاضطرابات وسماع وقراءة ما ينبو عنه الحس أو يجرح الكرامة .

وحتى في اختياراته لعناوين كتبه لمْ تفارقه دعابته وفكاهته ، فترانا نلتقي تحت عنوانات من قبيل :ـ ( ربيع الخريف ، غبار البحيرة ، نخب العدو ، لولا المحامي ) ، وفي فاتحة كتابه ( غبار البحيرة ) يطالعنا فصلٌ يحمل عنوانا ً طريفا ً :ـ ( أفضل الطرق والأساليب في مكافحة الضِّيافة وقطع دابر الضُّيوف ) ، يخلص منه وفيه إلى جملة استنتاجات :ـ " لم أتحقق أنَّ الكلب هو أوفى أصدقاء الإنسان إلا بعد أنْ لاحظتُ أنَّ الكلبَ يستقبل الضَّيف بالنباح ، وإنْ كان الكلب شديد الوفاء لصاحبه عضَّ ضيفه " ، هكذا أثبتَ الكلب أنـَّه يمتاز عن الإنسان بالوفاء وكذلك الصَّراحة ، فكم من ضيف لاقيناه بالابتسامة والترحيب ونحن نود أنْ ننبح عليه ونعضَّه ، وإنَّ عدائي للضِّيافة والضُّيوف هو ظاهرة فكر وتمدن ، لأنـَّه فضيلة مكتسبة مدروسة لا غريزة موروثة ، وقوله في موضع آخر :ـ " أقبح ما في الكمبيالات أنـَّها تستحقُّ " .

وإذن كان كاتبنا مشايعا ً وقت ذاك لسياسة الحكام المتربعين على كراسي الحكم في العراق , مؤيدا ً لخططهم ونهجهم في تصريف معايش الناس , واجدا ً لهم أكثر من شافع ومسوغ لانحيازهم إلى المعسكر الغربي , وشاهرا ً عداءه ومناوأته لحركة التحرر العربي ورموزها , وإلا ما احتفلتْ إذاعة بغداد بوجهة نظر أبان عنها ونقلتها عن مصدرها في الصَّحيفة اللبنانية معتمدا ً على حدَّة ذكائه وحسن تفطنه إلى المفارقات الصَّارخة التي تسود عالم السِّياسة ، وقلـَّما يقف عليها أحد يوم كان حكامنا في أمس البعيد يشعرون بالمرارة جرَّاء إحساسهم أنْ لا أحد يعوِّل عليهم أو يرتجيهم لمنفعة أو مغنم , وانطبق الحال على الشَّاعر محمد سليمان الأحمد المكنى بـ ( بدوي الجبل ) من الإيَّاب بسوء السُّمعة نتيجة توجيه الاتهام بالخيانة والتنكر لأماني الأمة , وتجاهل واقع المرحلة التي تمرُّ بها , حتى أنَّ شاعرا ً معروفا ً صرَّح في مقابلة أجراها معه صحفيُّ سوري :ـ إنـَّه لا يخشى شاعرا ً يلتقي وإيَّاه في المحافل والمهرجانات ويحسب له شأنا ً غير شاعر خائن هو بدوي الجبل , واقعا ً في إطلاق هذا النعت تحت تأثير الحماسة الطاغية على مشاعر الناس والمتحكمة في تصرُّفاتهم ، والآن وقد تصرَّمَتْ عقود على تلكم الوقائع والظروف , وقد فترَتْ الحماسة تلك بعينها , وتوارى عن السَّاحة الأدبية والفكرية في الوطن العربي كثير من أعلامها وأقطابها لاسِيَّما أدباء ما بين الحربين ِ , فما الذي بقي لسعيد تقي الدِّين وتخلد منه في التراث الأدبي القريب ؟ ، علما ً أنَّ من نعاته إلى الجمهور القارئ كان الدكتور سهيل إدريس الذي التفتَ إلى خاصية أو سمة تميز قصصه ورواياته ووجد القلم عاجزا ً وقاصرا ً عن إمكان تحديدها مثلما صُدِم بموته وحار في تعليله , وكأنـَّما الموت من غرائب الأشياء .

لكن بقيَتْ منه الأصالة الأدبية التي يحسن أنْ يحتذيها الأدباء الناشئون ويجروا على منوالها ، ويتعلموا من صاحبها القدرة على تصوير الشَّخصيات وتحليلها والنفاذ إلى أطوائها ودخائلها ليتوفروا على كتابة نصوص موشَّحة بجلباب من السُّخرية والأسى معا ً ، أو ما يسمه بعض النقدة بالضَّربة التي تفاجئ القارئ أو يعثر بها في خواتيم الأعمال القصصية .
وكان لفنِّ المقالة في أدب سعيد تقي الدِّين شأن خاص ، فكثيرة هي المواضعات والمألوفات الجارية على غير قياس من العدل والإنصاف ، تستحثُّ قائلا ً ليقول في غير ما جلبة أو صراخ .



#مهدي_شاكر_العبيدي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المكتبات في العراق من أقدم العصور حتى الوقت الحاضر
- عمر فروخ الباحث التراثي ورأيه في الشعر العربي الحديث
- التراث الثقافي العربي و فؤاد معصوم
- لماذا نسي المثقفون او كادوا ينسون مئات الادباء الرواد وبقوا ...
- خطرات وشذور
- ما يلزم تصويبه في تواريخ الأدب العربي
- وقائع من تعاون الأدباء مع المستعمر
- ملامح من المشهد الفلسفي العراقي
- مرثية في مقبرة ريفية
- ملاحظات
- سوانح
- أزمة المطبوع الورقي
- بعد عام على رحيله كلمة هادئة وحيادية قدر الامكان وجهد الطاقة ...


المزيد.....




- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...
- افتتاح الدورة الثانية لمسابقة -رخمانينوف- الموسيقية الدولية ...
- هكذا -سرقت- الحرب طبل الغناء الجماعي في السودان
- -هاو تو تراين يور دراغون- يحقق انطلاقة نارية ويتفوق على فيلم ...
- -بعض الناس أغنياء جدا-: هل حان وقت وضع سقف للثروة؟
- إبراهيم نصرالله ضمن القائمة القصيرة لجائزة -نوبل الأميركية- ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مهدي شاكر العبيدي - سعيد تقي الدين أو أدب وسياسة