أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يزيد القرطاجني - هل اتاك حديث الذبابة














المزيد.....

هل اتاك حديث الذبابة


يزيد القرطاجني

الحوار المتمدن-العدد: 5616 - 2017 / 8 / 21 - 18:02
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


هل أتاك حيث الذبابة ؟
« Pouah ! L’air serait sucré de mouches, on mangerait mouche, on respirerait mouche, elles descendraient par coulées visqueuses dans nos bronches et dans nos tripes… »
J. P. Sartre, Les mouches.
أذكر في سنوات التلمذة، نصا في كتاب اللغة والآداب العربية، وتحديدا في إطار دراسة عادات وأنماط عيش الشعوب المغايرة، يتحدث عن قيمة النظافة لدى الصينيين رغم كثرة العدد والازدحام، وكان النص يتمحور حول "ذبابة" اقتحمت دون سابق إنذار حافلة " فكان حدثا جللا، كما لو أن الامر كان يتعلق بنمر وليس بذبابة"، على حد تعبير صاحب النص. وبما أننا كائنات تحيا ضد قوانين التطور، فإن النص حذف نهائيا من البرامج الرسمية، وأما الذبابة فبقيت، بل إنها عادت لتنتقم لنفسها من سنوات الظلم التي اتهمت فيها بالقذارة وتعكير صفو حياة البشر... إنها "الذبابة المعجزة"... "ذبابة البخاري"، يستشهد بها القاصي والداني، ويضرب بها المثل اليوم على الإعجاز العلمي في القرآن والأحاديث النبوية.
الذبابة، هذه الحشرة التي أجمع "الحكماء على أنه لا ينبغي أن يكون في الأرض شيء من الأشياء أقذر منها"، كما ذكر ذلك الجاحظ في كتاب الحيوان في حرف الذال، خطّ حولها الكثير من الأشعار والروايات والقطع المسرحية؛ فمعظمنا قرأ أو سمع عن حكاية "قاضي البصرة والذبابة" التي أوردها أبو عثمان بحر في نفس المرجع المذكور آنفا، وأغلب من اطلع عن الأدب العالمي يعرف مسرحية سارتر الشهيرة المعنونة بالذباب، ويعرف كذلك أن الروائي البولوني فيتولد غومبروفيتش (Witold Gombrowicz) كان ينوي كتابة رواية "بطلتها ذبابة فيلسوفة تتفكر مسألة الألم"، إلا أنه قضى قبل أن يتحقق له ذلك. ولكن رغم طرافة قصة قاضي البصرة، وجمالية الأشعار التي قيلت في الذباب والتي جمعها الجاحظ في الحيوان، ورغم القيمة الفلسفية لرواية جون بول سارتر، فإن المسلم الكليل لم ير فيها مجتمعة ما رآه في "حديث الذبابة" الذي أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الطب، باب إذا وقع الذباب في إناء: " حدثنا قتيبة، حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عتبة بن مسلم مولى بني تيم عن عبيد بن حنين مولى بني زريق عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء".
لم يكن سارتر، وهو يكتب مسرحيته "الذباب"، يتخيل أن مدينة الذباب "ارغوس" (Argos) موجودة فعلا، وأنها نفسها ممالك النفط والجهل والكوليرا والإرهاب التي تدفع الأموال الطائلة لتروّج إعجاز حديث الذبابة، فيتحول الطب النبوي- الشبيه بطب العجائز والقوابل "اللواتي كن يلقين الذبان في الأثمة وتسحقنه، فيزيد ذلك في نور البصر ونفاذ النظر وفي تسديد مراكز شعر الأشفار في حافات الجفون" (الجاحظ، نفس المرجع)- إلى معجزة يقرّها أحد العلماء ممن لا نعرف له هوية أو إنجازا سوى أنّه سمع بالحديث النبوي، فتأمّل ومحّص وحصحص وفتح الحساب البنكي، ثمّ خرّ ساجدا معتنقا دين الذبابة ومؤمنا مصدّقا بحديث الذبابة عن طواعية. ذلك هو الفتح المبين!!
إله الذباب أيضا، الذي يتحدث عنه سارتر في الرواية، هو نفس إله هذه الممالك فهو الذي خلق الذباب آية على وجوده ووحدانيته وقدرته المطلقة، أ ليس هو القائل: " يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وأن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب" (الحج،73) ؟ و أ ليس هو من أوحى لنبيه أن في جناح الذباب سم وترياق ؟ وهو الذي أنباه أن" الذباب كله فيالنار"(رواه الترمذي، ونقله عنه السيوطي، في الجامع الصغير) ؟ وما ذنب الذباب وجرمه حتى يلج النار ؟ تلك حكمة ربانية باطنية لا يعلمها سواه والراسخون في علمه !!
ينتهي التشابه بين ذباب سارتر وذباب هذه الممالك عند هذا الحد، إذ أن الروائي والفيلسوف الفرنسي يُنهي مسرحيته بنفس وجودي وفاء لتوجهاته، فيتحرر أورست (Oreste)، بطل الرواية، من الآلهة وذبابها ويتحمل ثقل كيانه ومسؤولية وجوده؛ أما المسلمين فلم يتحرروا بعد من ذبابة البخاري العجيبة. وحتى المحاولات التي يقودها شيوخ الذباب الجدد ممن يدّعون "الإصلاح والعقل" تظل رجعية ونقلية للغاية : فعوض نسف الحديث كليا، تجدهم يلتفون ويدورون ويبرّرونه بالبيئة الشحيحة القفر الصفراء نزرة الماء لجزيرة هذه القبائل - قبل أن تصير ممالك- التي تجبر الناس على الشرب من إناء وقع فيه ذباب، فيتحول الحديث من حكمة طبية إلى حكمة حيوية اقتصادية. أما السواد الأعظم من عبيد هذه الممالك ومن والاها فإنهم على اقتناع "بصير" بإعجاز حديث الذبابة، ذلك أنّهم ألفوا الذباب أكثر من ألفة البشر أنفسهم، خاصة وأنهم مقدمون في الأيام القليلة القادمة على مجزرة الخرفان وعيد الدماء والقذارات. وتلك – لعمري- مأدبة لا يمكن للذباب أن يتأخر عنها ...
مسلم جحود، لا يرغب في ثروة او مجد او شهرة.



#يزيد_القرطاجني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ايات من الذكر الحكيم
- -فلما قضى زيد منها وطرا-، أو في مغالطة الخلط بين السبب والنت ...
- المعجزة و العجز و العجيزة


المزيد.....




- كيف نشأت الطائفة الدرزية وأين تنتشر في الشرق الأوسط؟
- فرحي أبنك مش هيعيط ولا يزن خالص .. تردد قناة طيور الجنة الجد ...
- الأردن.. اتهامات بضلوع -الإخوان- في -نشاطات مالية غير قانوني ...
- شاهد.. أزمة حكومية تواجه نتنياهو بعد إنسحاب الأحزاب الدينية ...
- عودة -التكية الإسلامية-.. مشروع اجتماعي يثير الجدل في مصر
- “متع طفلك” تردد قناة طيور الجنة الجديد على الأقمار الصناعية ...
- طالب يهودي يقاضي جامعة برلين الحرة لتقصيرها في مواجهة معاداة ...
- ماما جابت بيبي..خطوات تثبيت قناة طيور الجنة بيبي على القمر ن ...
- -نشاط مالي غير مشروع-.. السلطات الأردنية: كشفنا شبكة تمويل س ...
- إبقاء ثلاثة من فقهاء مجلس صيانة الدستور بقرار من قائد الثورة ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - يزيد القرطاجني - هل اتاك حديث الذبابة