أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل اندراوس - فلسفة هيغل ودورها التاريخي















المزيد.....

فلسفة هيغل ودورها التاريخي


خليل اندراوس

الحوار المتمدن-العدد: 5602 - 2017 / 8 / 5 - 11:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



**طريق الحقيقة
كتب إنجلز يقول: "نشأت الى جانب الفلسفة الفرنسية من القرن الثامن عشر وعلى أثرها الفلسفة الألمانية الحديثة التي تتوجت بهيغل ومأثرتها الكبرى أنها عادت الى الديالكتيك بوصفه الشكل الأعلى للفكر (لكي نفهم المعنى الأصلي لعبارة الجدل – الديالكتيك، نقول بأن هذه الكلمة مستمدة من الكلمة اليونانية (دياليغو) وتعني النقاش او المجادلة، فقد كانوا يعتبرون ان مناقشة مسألة ما من كل جوانبها ومن كل زواياها والسماح لمختلف وجهات النظر ذات الجانب الواحد بأن تتعارض وتتناقض خلال المجادلة هي افضل الطرق للوصول الى الحقيقة.."



ان مكان الفلسفة الكلاسيكية الألمانية في التاريخ، ولا سيما منها مذهب هيغل بوصفه ذروتها حدده برأي إنجليز دورها البارز في تطور العلم الفلسفي العالمي، وكذلك تأثيرها البالغ في الأحداث اللاحقة في حياة المجتمع الأوروبي السياسية والفكرية.
وكما أحدث الماديون والمنورون الفرنسيون في القرن الثامن عشر، بمؤلفاتهم ونشاطهم السياسي، انقلابا في وعي شعبهم وكونوا بالتالي المقدمات الروحية للثورة البرجوازية كذلك أدى انتشار نظرات الفلاسفة الألمان العظام الى الثورة الفلسفية الحقيقية وأعد الوعي الاجتماعي لإدراك الأفكار الثورية السياسية. وفي فرنسا وألمانيا على السواء نشبت الثورات بادئ بدء، في ميدان النظرية ثم بعد ذلك في ميدان السياسة، ولكن الثورات الفلسفية في هذين البلدين المجاورين كما لاحظ إنجلز، قد اختلفت اختلافا تاما من حيث طابعها وقد بشر الماديون والمنورون الفرنسيون على المكشوف بالثورة البرجوازية العتيدة ودفاعا عن مصالح طبقة البرجوازية التي كان سيشتد ساعدها أكثر فأكثر، أعلنوا ان النظام الإجتماعي الإقطاعي القائم غير معقول وأنه لا يتطابق مع طبيعة الإنسان ولم يخفوا موقفهم من السلطات القائمة فتعرضوا للملاحقة السافرة.
إن مداخلات أيديولوجيي الثورة العتيدة البرجوازية والملاحقات الجوابية من قبل المدافعين عن الأوضاع القديمة، نظام الإقطاع لم تكن غير علائم النضال الطبقي في الميدان السياسي والفكري من ميادين الحياة الاجتماعية، كانت مصالح الاوائل تتطلب تحويل المجتمع القائم تحويلا ثوريا والقضاء على تلك الظروف التي كانت ضرورية، ضرورة مطلقة لوجود الثانين ولقد جعل التضاد بين الفريقين بطابعه الجلي والضاري، مبشري الثورة الفرنسية يحاربون على المكشوف كل العلم الرسمي والكنيسة كما يحاربون الدولة احيانا كثيرة ومؤلفاتهم تطبع فيما وراء الحدود، في هولندا او في انجلترا ولا يندر لهم بالذات ان يحدق بهم خطر السجن في الباستيل" (ماركس إنجلز – مختارات في ثلاث مجلدات المجلد 3 الجزء الثاني ص187) دار التقدم – موسكو.
وقد تعرض فولتير لملاحقات مديدة وصارمة لأنه انتقد بكل قوة عقله الباهر وسخريته اللاذعة نمط حياة النبلاء ورجال الدين وامتيازاتهم المراتبية ونادى بإجراء تحويلات دمقراطية، وقد زج به مرتين في سجن الباستيل الملكي، واضطر الى العيش خلال سنوات عديدة في المنفى خارج حدود فرنسا كما ان مؤلفه المشهور "الرسائل الانجليزية" أحرق علنا في موقد.
وكان المصير نفسه من نصيب المؤلفات البارزة في ذلك البارز ديدرو "افكار فلسفية" ومؤلفات الفلاسفة الماديين الفرنسيين، مثل كتاب هلفيسيوس "بصدد العقل"، وكتاب لامتري "بحث في الروح"، وديدرو نفسه تعرض للاعتقال والسجن، واضطر هلفيسيوس مع لامتري الى طبع مؤلفاتهما في هولندا. ومن هنا ينجم ان طابع التمرد الملازم لمؤلفات المنورين والفلاسفة الماديين الفرنسيين ودورهم في الإعداد الأيديولوجي للمعارك الثورية المقبلة جلي جدا.
ولكن الوضع يختلف تماما فيما يتعلق بمؤلفات الفلسفة الكلاسيكية الألمانية، ومن الصعب جدا جدا في حال الاطلاع السطحي عليها، اكتشاف الصلة بينها وبين الثورة البرجوازية في اواسط القرن التاسع عشر في المانيا فهي على العموم مؤلفات فلسفية ضخمة تتناول بلغة معقدة وجافة مواضيع مجردة بعيدة جدا عن القضايا الحيوية في الحياة السياسية، وحين يتخطى العرض فيها اطار "النظرية الخالصة" وبمس الوقائع السياسية كانت استنتاجاتها ومقترحاتها معتدلة جدا وحتى محافظة.
وقد عاش مؤسس الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ايمانويل كانط حياة معتدلة مديدة في مدينة واحدة هي كونيغسبرغ، وكانت حياته مرتبطة بمعظمها بالجامعة المحلية حيث كان في البدء استاذا مساعدا ثم بروفيسورا، وكانت افكاره التي مارست تأثيرا قويا جدا في تطور الفلسفة تطفح بالتناقضات وتفسح المجال لتفسيرها في اتجاهات مضادة، فمن جهة بدأ كانط يبحث المعرفة البشرية وإمكانياتها وحدودها الفعلية، وكان لهذا البحث أهمية ايجابية كبيرة جدا وعلل ضرورة اجراء تحويلات اجتماعية واقتصادية جدية، ومن جهة اخرى أقام عقبه كأداء في طريق معرفة العالم بإعلانه انه يستحيل كليا على الإنسان ان يدرك بعقله وحواسه كنه الأشياء الحقيقي وقطع الطريق أمام إشاعة الدمقراطية حقا في الحياة الاجتماعية بإعلانه ان الإمكانية الوحيدة لذلك هي الإصلاحات السلمية من جانب الطبقات الحاكمة، واعتبر نضالات الشعب الثورية ظاهرة هدامة وسلبية تماما، وهنا لا بد ان نذكر بأن فلسفة كانط تأثرت بفلسفة ابن رشد لدرجة ان هناك من قال لولا وجود ابن رشد لما كان كانط والتناقضات التي لازمت فلسفة كانط قد لازمت ايضا الكثير من النواحي ممثلي الفلسفة الكلاسيكية الألمانية اللاحقين يوهان غوتليب فيخته وفريدريك ولهلم يوسف شيلينغ والذين طرأ على نظراتهما الاجتماعية والسياسية طوال حياتهما تطور جوهري جدا، بل تطور حاد عند شيلينغ الذي وقف في أواخر حياته الى جانب الرجعية البروسية في النضال ضد القوى الدمقراطية في المجتمع الألماني.
ولكن جوانب القوة وجوانب الضعف في هذا الاتجاه الفلسفي تبدت بأكثر قدر من السطوع في مذهب غيورغ ولهلم هيغل، الذي صار قمة الفلسفة الكلاسيكية المثالية الألمانية وعليه بالذات ركز إنجلز اهتمامه، وقد بين إنجلز كيف صارت نظرية هيغل من جراء تناقضاتها الداخلية، عاملا ثوريا في تطور الفلسفة، ومقدمة روحية للثورة السياسية، وكيف صارت في الوقت نفسه دعامة فكرية لنشاط الأوساط الحاكمة وكيف انها حتى رفعت الى حد ما "الى مصاف الفلسفة الرسمية الملكية البروسية" (ماركس إنجلز مختارات في ثلاثة اجزاء المجلد 3، الجزء الثاني ص 187)، كان هيغل مثاليا من حيث عقائده الفلسفية أي انه التحق بأولئك المفكرين الذين كانوا يعتبرون ان مبدأ ما غير مادي وروحيا، يقوم في اساس الكون، ودور هذا المبدأ الفكرة المطلقة التي هي المصدر الأول لكل موجود، والتي تنطوي على كل غنى تجليات العالم المادي والروحي وتحدد بضرورة حديدية منطق تطور المجتمع بمجمله ونشاط جميع اعضاءه.
وهذا الفهم لجوهر الفكرة المطلقة يبين ان نظرات هيغل كانت ضربا من المثالية الموضوعية التي كان ممثلوها يعترفون بوجود الأصل الروحي خارج وعي الإنسان وبصورة مستقلة عنه.
لقد كان مذهب هيغل ذروة تطور الفلسفة المثالية الموضوعية. ان العالم المحيط بنا – الطبيعي والاجتماعي – هو برأي هيغل نتيجة لكشف الفكرة المطلقة لذاتها وهذه الفكرة هي عبارة عن "شكل خلاق لا متناه ينطوي على كل مضمون بكل كماله ويؤلف في الوقت نفسه مصدره"ـ وليس هذا بتفكير او عقل انسان بعينه ولا حتى الوعي الاجتماعي، بل هو العقل العام، مبدأ عاقل موضوعي ما يؤلف جوهر كل عملية التطور العالمي ولهذا يمكن القول ان العالم عاقل لأنه في مجمل تجلياته لا يعدو ان يكون درجات متتابعة لتطور العقل وولادة التفكير الذي يتطور بموجب قوانينه الداخلية. ومن هنا تنجم موضوعة التطابق المبدئي بين الوجود والتفكير لأن الوجود برأي هيغل ليس الا مرحلة من مراحل تطور الروح الى الامام. ليس التفكير هو انعكاس للوجود المادي بل الوجود الواقع الطبيعي والاجتماعي يقوم بالعكس بدور شيء ما ثانوي حيال التفكير المعدوم الصفات الشخصية، التجريدي الذي سمي "الفكرة المطلقة".
ان المنطق وفلسفة الطبيعة وفلسفة الروح هي الأقسام البنيوية الأساسية في فلسفة هيغل وهي التي أخفت الأسماء على الاقسام الثالثة من مؤلفه الرئيسي "موسوعة العلوم الفلسفية"، وقد اجرى هيغل هذا التقسيم وفقا للمراحل المتتابعة الثلاث لكشف الفكرة المطلقة لذاتها.
المرحلة الاولى هي المنطق "مملكة الفكر الخالص" او كما يقول هيغل حورة الله في وجوده السرمدي، وهنا لا وجود بعد لا للطبيعة ولا للإنسان، بل يبدو كشف الفكرة المطلقة بمثابة حركة متصاعدة من التعاريف العامة المجردة ("الوجود") الى تعاريف تحفل بمضمون ملموس.
وحين تجتاز الفكرة المطلقة جميع درجات التطور المنطقي، تتحول الى ضدها – الطبيعة. ان هذه الموضوعة هي من أشد الجوانب غموضا في مفهوم هيغل، لأن صاحبها لا يستطيع بالطبع ان يفسر آلية هذا التحول الملموسة ونظرا لذلك لا يفعل غير ان يلاحظ في الفترة الأخيرة من "المنطق" ان الفكرة "تعتزم في حقيقتها المطلقة ان تنتج من نفسها عنصر خصوصيتها او عنصر تعريفها الأول ووجودها الآخر والفكرة المباشرة، بوصفها انعكاسها، تعتزم ان تطلق نفسها بحرية من نفسها بالذات بصفة الطبيعة". وعليه تكون الطبيعة في تصور هيغل وجودا آخر وحالة اغتراب الفكرة المطلقة وبما ان الطبيعة مشتقة ثانوية من حيث جوهرها فإنها لا تتطور بمعنى الكلمة الأصلي، بل تعرض تنوعها في المكان وحسب.
ان الانتقال الى الوجود الآخر ضروري للفكرة الملطقة لكي تكشف مضمونها في هذا "الأخر"، في الطبيعة، وتصعد على درجاتها الى الروح وتعود بالتالي على مستوى جديد الى وحدة الأولية مع نفسها بالذات.
وفي هذه المرحلة الختامية من تكثفها تبرز الفكرة المطلقة بوصفها مضمون العملية التاريخية الداخلي وجوهرها ففي سياق تاريخ المجتمع على وجه الضبط، تعرف الفكرة المطلقة ذاتها نتيجة لتطور التفكير البشري ويتحقق بالتالي أخيرا الهدف النهائي من انتشارها الذاتي.
ومن هنا يظهر المخطط الهيغلي للعملية العالمية هو عبارة عن تصور غريب جدا، خيالي لتطور الواقع الموضوعي الطبيعي والاجتماعي على السواء ولو ان فلسفة هيغل انحصرت في هذا المخطط لما استطاعت يوما ان تضطلع في تاريخ تطور الفكر البشري بذلك الدور البارز الذي يعود اليها عن حق وصواب ولما استطاعت ان تصبح المقدمة الروحية للثورة البرجوازية في المانيا.
ولكن فلسفة هيغل ليست المثالية وحسب بل المثالية الديالكتيكية فقد صاغ هيغل على أساس مثالي الموضوعات الأساسية في الطريقة الديالكتيكية لمعرفة العالم، وبذلك أرسى الأساس الذي استطاع ماركس وإنجلز ان يبنيا عليه الديالكتيك المادي العلمي حقا.
كتب إنجلز يقول: "نشأت الى جانب الفلسفة الفرنسية من القرن الثامن عشر وعلى أثرها الفلسفة الألمانية الحديثة التي تتوجت بهيغل ومأثرتها الكبرى أنها عادت الى الديالكتيك بوصفه الشكل الأعلى للفكر (لكي نفهم المعنى الأصلي لعبارة الجدل – الديالكتيك، نقول بأن هذه الكلمة مستمدة من الكلمة اليونانية (دياليغو) وتعني النقاش او المجادلة، فقد كانوا يعتبرون ان مناقشة مسألة ما من كل جوانبها ومن كل زواياها والسماح لمختلف وجهات النظر ذات الجانب الواحد بأن تتعارض وتتناقض خلال المجادلة هي افضل الطرق للوصول الى الحقيقة وكان هذا هو الجدل الذي استخدمه سقراط مثلا، فحين كان أي انسان يدعي الوصول الى صيغة تجيب على سؤال معين اجابة نهائية كان سقراط يدخل معه في نقاش ويجبره على النظر الى المسألة من زوايا مختلفة ويدفعه بذلك الى ان يتناقض مع نفسه، ومن ثم يعترف بأن صيغته كانت زائفة وكان سقراط يعتبر انه من الممكن عن طريق هذا المنهج الوصول الى افكار أكثر صحة عن الأشياء وقد تطور الجدل الماركسي عن الجدل بالمعنى الذي كان يفهمه الإغريق وشمله، لكنه أصبح اكثر غنى في محتواه وأكثر اتساعا في نطاقه وكنتيجة لذلك أصبح شيئا جديدا كيفيا بالمقارنة بجدل ما قبل الماركسية من فترة الإغريق الى الفكر الجدلي لهيغل، حيث أصبحت الفلسفة الجدلية الماركسية منهجا ثوريا جديدا لأنه يرتبط بمادية متماسكة، ولأنه كف عن ان يكون مجرد منهج للنقاش وأصبح منهجا للبحث يقبل التطبيق على الطبيعة والمجتمع على السواء، منهجا للفهم المادي للعالم ينبعث من النشاط لتغيير العالم ويقود هذا النشاط). ان الديالكتيك هو بأهم صورة عبارة عن مذهب فلسفي من أهم الصلات المشروعة وعن نشوء وتطور الوجود والمعرفة، وقد مر الديالكتيك في طريق عسير ومرير جدا من التطور التاريخي – من افكار المفكرين القدماء الديالكتيكية العرضية فلقد كان الفلاسفة اليونانيون القدماء وجميعهم ديالكتيكيين عفويين وبالفطرة، وقد سبق لأرسطو وهو أوسعهم معرفة وإطلاعا ان حلل الأشكال الأساسية للفكر الديالكتيكي وكان هيراكليت اول من صاغها بوضوح حيث قال: "كل شيء موجود وغير موجود لأن كل شيء يتحول، لأن "كل شيء في تغير أبدي، في صيرورة أبدية، في زوال أبدي" ولوكير دراسة الطبيعة دراسة دقيقة لم يطورها لأول مرة الا اليونانيون في العهد الإسكندري*. وفيما بعد العرب في القرون الوسطى (إنجلز الاشتراكية الطوبوية والاشتراكية العلمية – كارل ماركس وإنجلز مختارات – المجلد 3 – صفحة 89).
اما الفلسفة الجديدة رغم ان الديالكتيك وجد له فيها ممثلين لامعين (مثلا ديكارت وسبينوزا) فقد كانت اكثر فأكثر لا سيما تحت تأثير الفلسفة الانجليزية في طريقة التفكير المسماة بالطريقة الميتافيزيائية، التي سادت بوجه الحصر تقريبا بين الفرنسيين في القرن الثامن عشر، على الأقل في مؤلفاتهم الفلسفية الصرف، الا أنهم استطاعوا هم ايضا، في خارج نطاق الفلسفة بحد ذاتها ان ينتجوا تحفًا ديالكتيكية، ولن نذكر منها غير "ابن أخي رامو" لديدرو و"الخطاب حول منشأ التفاوت بين الناس وأسسه" لروسو، (إنجلز – الاشتراكية الطوبوية والاشتراكية العلمية – ماركس إنجلز – مختارات 3 أجزاء – الجزء الثالث صفحة 88). فحتى ماركس كانت الفلسفة الديالكتيكية – الجدلية افكار عرضية تشحذ شكل تخمينات عبقرية الى ان وصل قمة تطوره وهو المذهب المادي الديالكتيكي الماركسي الذي هو أداة جبارة لمعرفة العالم معرفة خلاقة ولتحويله تحويلا ثوريا.
لقد كان الديالكتيك الهيغلي صورة بالغة الشأن في سبيل التطور التاريخي للفكر والفلسفة الجدلية، فقد استطاع هيغل بصورة أكمل الى ما لا قياس له من أي آخر قبله ان يفهم جوهر الطريقة الديالكتيكية لمعرفة الواقع ويعرب عنه، وبفضل هيغل على وجه الضبط صيغ "الأسلوب الديالكتيكي للتفكير وفهم كل العالم الطبيعي والتاريخي والفكري بوصفه عالما يتحرك الى ما لا نهاية له ويتغير، ويتواجد في عملية دائمة من النشوء والزوال والآن لا تواجه الفلسفة وحدها بل تواجه جميع العلوم ايضا مطلب اكتشاف قوانين حركة عملية التحويل السرمدية هذه في كل ميدان بمفرده، وفي هذا يتلخص التراث الذي تركته الفلسفة الهيغلية لأخلاقها" (ماركس إنجلز – المؤلفات – الطبعة الروسية الثانية المجلد 20 صفحة 23).
لقد صاغ هيغل قوانين الديالكتيك الأساسية وبنى نظاما متناسقا متكاملا نسبيا من مقولات ديالكتيكية، صحيح ان هذا النظام قد عكس كما يقول هيغل العمليات الديالكتيكية الجارية في ميدان التفكير ذلك ان هذا الميدان بالذات هيمن في مفهومه المثالي على القدرة على التطور الفعلي، اما العالم المادي والطبيعي فقد حرم منها ولهذا السبب بالذات، يرد التحليل الديالكتيكي للمقولات الفلسفية، ومنها الوجود والجوهر والصفه والعدد والضرورة، الخ.. في تلك الأبواب من مؤلفات هيغل التي تبحث حركة الفكرة المطلقة في "مملكة الفكر الخالص"، ان هذه المقولات تبرز بمثابة درجات تمر بها الفكرة في الكشف عن ذاتها، لقد رفع هيغل الفكر فوق الطبيعة.
ان الفلسفة المثالية الهيغلية تحرم الطبيعة من وجودها المستقل وبذلك تميتها: "يجب علينا ان نعتبر الطبيعة نظاما من درجات تنبع كل منها بالضرورة من درجة اخرى وتكون أقرب حقيقة الى تلك الدرجة التي نبعت منها ولكنه لا توجد هنا عملية توليد طبيعية فيزيائية، بل مجرد ولادة في حضن الفكرة الداخلية التي تشكل اساس الطبيعة". من هنا ينجم انه هيغل قد كشف قوانين الديالكتيك ومقولاته في ميدان التفكير النظري، لا على مثال أشياء ومواد العالم المادي ذاتها، بل في مثال مفاهيمها. ولكن هذا تحقق بدرجة من العمق بحيث ان وراء حركة المفاهيم تتبدى على الدوام حركة أساسها الفعلي – العالم المادي.
وقد أشار لينين الى أهمية ديالكتيك هيغل الموضوعية، وكتب على هامش ملخص مؤلف هيغل "علم المنطق":
"خمن هيغل بصورة عبقرية ديالكتيك الأشياء (الظاهرات، العالم، الطبيعة) في ديالكتيك المفاهيم". (لينين المؤلفات الطبعة الخامسة – المجلد 29 ص178). في هذه الملاحظة، نجد المفتاح لإعطاء تقييم صحيح عن الدور الذي اضطلع به المفكر الألماني العظيم في تطور طريقة التفكير الديالكتيكية، فمن جهة ينعت لينين المفهوم الهيغلي عن الديالكتيك "بالتخمين" ولأنه مشوه منذ بادئ بدء بأساسه الفلسفي المثالي، ولكنه من جهة اخرى تخمين عبقري عكس الطابع الكلي لتطور ظاهرات وعمليات الواقع الموضوعي وللصلة الديالكتيكية المتبادلة بينها.
إن ما تميزت به الفلسفة الديالكتيكية الهيغلية من أهمية بالغة وطابع ثوري قد تلخص في كونها، كما أوضح إنجلز، قد "وضعت حدا نهائيا لكل تصور عن الطابع النهائي لنتائج فكر الإنسان وفعله" (ماركس إنجلز مختارات في ثلاثة مجلدات – المجلد الثالث الجزء 20 ص 189).
يتبع




المراجع:


- ماركس إنجلز مختارات مدخل الى المادية الجدلية – موريس كونفورت
- كوزنتسوف – بصدد مؤلف إنجلز "لدفيغ فورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية"



#خليل_اندراوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أهمية دمج الفكر الماركسي مع نضال الحركة العمالية والنضال الط ...
- أهمية دمج الفكر الماركسي مع نضال الحركة العمالية والنضال الط ...
- الفلسفة الماركسية وتطور المجتمع
- المنهج الجدلي - مقدمة لدراسة الديالكتيك
- حول دور روسيا في سوريا – وبداية نهاية هيمنة القطب الواحد
- مداخلة حول القانون الجدلي للتطور الاجتماعي
- وجهة نظر جدلية نقدية للحاضر
- فريدريك انجلز -الأنا- الثانية لماركس
- أمريكا وآل سعود
- مقاومة محور الشر ضرورة موضوعية وتاريخية
- مدخل إلى المادية الجدلية 5
- مدخل إلى المادية الجدلية (4)
- مدخل إلى المادية الجدلية (3)
- مدخل إلى المادية الجدلية (2)
- مدخل إلى المادية الجدلية (1)
- دور روسيا في إفشال خريطة طريق أمريكا لإعادة هيكلة الشرق الأو ...
- الصهيونية حركة كولونيالية
- قراصنة العصر
- المفهوم المادي عن التاريخ وعلم المجتمع (2-2)
- المفهوم المادي عن التاريخ وعلم المجتمع (1-2)


المزيد.....




- وصول نعشي الرئيس الإيراني ووزير الخارجية إلى مثواهما الأخير ...
- معرض -كابسات- للإعلام يعقد في دبي
- خان يونس.. أسواق على أنقاض الدمار
- ملك البحرين يلتقي الرئيس الروسي في موسكو ويكشف عن تنظيم مؤتم ...
- تشييع جثامين قتلى فلسطينيين إثر اقتحام إسرائيلي لمدينة جنين ...
- مصر تحيي خروج -بني إسرائيل- من البلاد
- -القسام-: قائد اللواء الجنوبي بفرقة غزة في الجيش الإسرائيلي ...
- 12 قتيلا منهم 4 أطفال حصيلة اقتحام جنين
- الفساد يسقط ثالث جنرال روسي والكرملين: ليست حملة تطهير
- هل يشكل حصول السعودية على تقنية نووية من واشنطن خطوة كافية ل ...


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خليل اندراوس - فلسفة هيغل ودورها التاريخي