أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - على الهامش العراقي: الرئيس قانونياً















المزيد.....

على الهامش العراقي: الرئيس قانونياً


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1453 - 2006 / 2 / 6 - 11:30
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الأباطرة والامراء ومن بعدهم الرؤساء المهتمون بالذود عن القانون قلّة نادرة. لدينا في التاريخ البشري شرائع الملك حمورابي، أول مدونات القانون في الخليقة، ولدينا في التاريخ القريب، سليمان القانوني، المولع بالشرائع. أعترف بعجزي عن ايراد اسم ثالث. خارج هذه الندرة ثمة وفرة في اسماء من اجبروا على الرضوخ لمدوّنات قانونية، من طراز الميثاق الاعظم (الماغنا كارتا) في القرن الثالث عشر، الذي سبق شيوع فكرة «المستبد العادل» في حضارة الغرب، بعد ذيوعها في حضارتنا.

ابتكر مونتسكيو تقسيم السلطات في سفره الكبير «روح الشرائع» لاسباب كثيرة بينها رغبته في تفريق سلطة القضاء عن سلطة الحكم، وبناء موئل للتشريع مستقل عن هذين، عسى ان يسفر تصادم هذه القوى عن توازن ما.

خارج حمورابي وسليمان القانوني، طاب لأسماء كثيرة ان تدرج نفسها في لوائح اصحاب الشرائع، وكان منهم، لربما ابرزهم، الرئيس العراقي المخلوع. ولهذه الرغبة في الحشر مع عظماء التاريخ سجل طريف تتناثر قصاصاته في ذاكرة العراقيين، بعد التدمير المنظم لارشيفات الدولة العلية.

الرئيس المخلوع كان، كما يذكر ابناء جيلي، طالباً في كلية الحقوق، يدخل اروقة الجامعة متمنطقاً بمسدس، خارقاً بذلك اول قواعد فقه الحرم الجامعي. وقد استل مسدسه غير ذي مرّة لكسر اضراب طلاب الجامعة (قبيل انقلاب 1968). بعد هذا الانقلاب تخرج الرئيس (وكان يومها نائباً) وهو يحمل مسدساً من نوع براوننغ البلجيكي، محاطاً بثلة من الحرس. ولا يكف طالب كلية الحقوق القديم، ونائب الرئيس، فالرئيس لاحقاً، فالرئيس المخلوع اخيراً، والمتهم حالياً في قضايا الابادة، عن تذكير القضاة والشهود ورجال الادعاء العام والمشاهدين الذين يتابعون خطاباته الكاريكاتيرية في قفص الاتهام، عن «معرفته» باصول القانون، وأصول المرافعات، وحقوق المتهم، و «قواعد» الشرعية. تبدو مرافعات الرئيس في نظر متابعيه العراقيين بمنزلة الهجاء لتاريخه بالذات. فمحكمة «الثورة» وهي المحكمة الخاصة التي قضت على ما لا يعد ويحصى من العراقيين، كانت تخلو من مرافعات الدفاع، ولا تخضع لقواعد الاستئناف، ناهيك عن علنية الجلسات (كل المرافعات كانت سرية). ولأصول القانون، عند الرئيس المخلوع، تاريخه الخاص. ذات مرة استدعى مستشاره الحقوقي (سين) سائلاً إياه عن فلسفة القانون التي تبدأ، عادة، بسؤال اساسي: ما هو القانون؟ المستشار المذعور اجاب: «القانون هو ارادة الحاكم». هذا القول الفارغ كان ضربة معلم من مداح ذليل بالفطرة، ولعل أوداج الرئيس انتفخت نشوة. لربما تذكر في هذه اللحظة سلفه لويس الرابع عشر الذي كان يلهج: انا الدولة، انا القانون!

من يدري، لعل البطانة حدست مدى انتشاء الرئيس بثناء المستشار الذي خلع عليه رداء المشرّع الأعلى، فسرّبت الخبر الذي ذاع سريعاً. استلّ أحد الفنانين ريشته ليرسم الرئيس ايام مجده وهو يتسلم مدوّنة الشرائع من حمورابي: الرئيس ببدلة اوروبية وحمورابي بمئزر. اكتفى الفنان بمضاهاة الرئيس بالملك - المشرع، فهرع كاتب سوقي الى التوكيد في عمود صحافي: «حمورابي لم يدرس القانون اصلاً»، مسجلاً بذلك سبقاً اكاديمياً للرئيس (خريج الحقوق). ليست هذه دعابة سمجة بل واقعة فعلية.

كلما حاولت التلفظ بعبارة «صدام القانوني»، شعرت بالشفقة على سليمان القانوني، وكلما حاولت تخيّل عبارة «شرائع صدام» حزنت لمآل حمورابي. كل هذا مثير للغثيان، يصر الرؤساء على حصد القاب علمية، وادبية، ونياشين، ورتب، لا تليق بمقامهم. ويبلغ التنافر حداً مقزّزاً. خارج الثناء الرسمي، والنفاجة (مرة طبعتها احدى الصحف على انها: تفاحة!) هذا الاسم العربي القديم للنفخ في الذات، ثمة الواقع القاسي الذي اختبره العراقيون بأجسادهم. كانت الدولة العراقية، على عهد الرئيس الحقوقي، تدار بمؤسستين: مجلس قيادة الثورة، الذي كان «دستورياً»، اعلى سلطة تشريع، ورئاسة الجمهورية، أعلى سلطة تنفيذ. وكان الرئيس المخلوع يجلس في «مجلس قيادة الثورة» ليشترع ما يتوجب عليه تنفيذه حين يدلف الى مكتبه الآخر كرئيس للجمهورية! هذا التوأم الشائه الخلقة لم يكن برأسين على غرار التوأم السيامي، بل كان يتجسد في إهاب كائن واحد. وكان الانسياب السلس للنظام السياسي يتطلب ان يكون تفكير هذا الانسان الواحد سوياً. لكن الشيزوفرينيا ليست بالعصاب النادر. يبدو فصام الشخصية حدثاً مأسوياً للفرد ان تمزق به. وهذا الحدث الشخصي تماماً يتحول الى مصاب أمة ان كان المريض رئيساً بلا حدود. مرة، أصدر الرئيس المخلوع فرماناً باسم مجلس قيادة الثورة يحرم مصادرة نوع معين من القيعان، وأصدر بعد فترة مرسوماً باسم رئيس الجمهورية يصادر القيعان المحرمة، خارقاً حظره بالذات. عنّ لأحد القضاة تذكير الرئيس بلطائفه السابقات، الحامية للأملاك الخاصة، شكره الرئيس بايداعه السجن على قلة التهذيب.

لم يعد ظهور الرئيس المخلوع في القفص ليثير شجن العراقيين، فهو، في عرفهم، أطلال دارسة، وشم محاه الزمن، حكاية قديمة من خرافات ما قبل التاريخ، حتى أزلامه يفكرون في المستقبل من دونه، ولا يتجرأون على المطالبة بـ «الافراج» عنه. في المقابل، يشبه الرئيس نبلاء فرنسا الملكية، الذين قال عنهم العوام: «لم ينس شيئاً، لم يتعلم شيئاً». ما يزال المخلوع يتوهّم نفسه الرئيس «الشرعي» للبلاد (جاء بانقلاب عسكري غير شرعي). وما يزال يصر على انه «الرئيس»، وانه حكم البلاد 35 عاماً وإن يكن من دون انتخاب حر، أو تفويض.

تستمد الشرعية، كما يقول فقهاء القانون، اما من الشرائع السموية، او من التقاليد (الاعراف)، او من التفويض السياسي (الاقتراع عبر الانتخابات الحرة). هناك «شرعية» قديمة مستمدة من القوة، أو «التغلب». وتعود هذه الفكرة للماوردي، الذي جوّز تقسيم الملك، بالتفويض، بين الخليفة (حامل الشرعية الفقهية) والأمراء الغزاة (حملة السيف). ونلاحظ ان شرعية «التغلب» لا تتحقق الا بتفويض، وانها جزئية (مناصفة) لا كلية (متفردة لحاكم مطلق). هذه نظرية عتيقة، بادت تماماً. ويظل الاستيلاء بالقوة مائلاً في حياتنا، الا انه يحمل في طياته بذور نفيه بالذات، لأن الاعتراف بقوة الاستيلاء يصح على الغالب والمغلوب، ويمكن لهذين ان يتبادلا الأدوار مستقبلاً. ثمة شعور طاغ بالتشفي وسط جل العراقيين وهم يرون رئيسهم السابق يهذي عن القانون. لكن ثمة خيبة ايضاً من الاداء، بين قاض ابكم (استقال لشدة النقد)، وادعاء صامت، ومتهمين مشعوذين يتحرقون لمتعة اضواء التلفزيون، مقدمين عرضهم البائس من بهرج الخطابة عن «النخوة» و»الكرامة» و»الشرعية» التي انتهكوا عفافها على مدار 35 عاماً.

ولعل اكثر العروض فشلاً هو تحسر الرئيس على الهوية العراقية التي سدد لها الطعنات، تمزيقاً.

يتحرق جل العراقيين وهم في عجلة من امرهم الى وقفة دانتون يوم حزّت المقصلة عنق لويس السادس عشر: ها نحن نلقي اليهم (طغاة اوروبا) برأس مليكهم قبولاً للرهان!

هذه عودة لشريعة الغاب. ينبغي ان تتفتح ملفات الحقيقة، لا ملف الانتقام، وينبغي ترويض الغرائز لا اطلاقها، الحد الفاصل في ذلك هو اعادة تأسيس فكرة القانون.



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أكتوبر البلاشفة، أو الثورة المنسية
- الدستور العراقي قبل الانتخابات وبعدها
- لائحة التعديل الدستوري
- العراق: الأوجه الكثيرة للإستفتاء على الدستور
- الدستور العراقي واستدراك التفويض
- العراق وسواه من أوضاع مشابهة: الوسطية الضائعة منذ نصف قرن
- انهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة -الاشتراكية
- نحن والعالم في ظلال 11 أيلول
- المنهج النظري و التجريبية في كتاب الطبقات الاجتماعي لحنا بطا ...
- العراق: صراع العروبة والأسلمة في الدستور وحوله
- الدستور العراقي:المعركة الاخيرة ؟
- سوسيولوجيا البداوة والمجتمع العراقي 2-2
- المجتمع العراق و سوسيولوجيا البداوة 1-2
- اطلالة على مفهوم العولمة
- الفقهاء في النجف 3-3
- الفقهاء في النجف
- الفقهاء في النجف :الجواهري و التمرد الأول :
- نحن والدستور
- الدين والدولة في الصراع على دستور العراق
- في استشراء العنف الأصولي


المزيد.....




- بايدن يرد على سؤال حول عزمه إجراء مناظرة مع ترامب قبل انتخاب ...
- نذر حرب ووعيد لأمريكا وإسرائيل.. شاهد ما رصده فريق CNN في شو ...
- ليتوانيا تدعو حلفاء أوكرانيا إلى الاستعداد: حزمة المساعدات ا ...
- الشرطة تفصل بين مظاهرة طلابية مؤيدة للفلسطينيين وأخرى لإسرائ ...
- أوكرانيا - دعم عسكري غربي جديد وروسيا تستهدف شبكة القطارات
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- الشرطة تعتقل حاخامات إسرائيليين وأمريكيين طالبوا بوقف إطلاق ...
- وزير الدفاع الأمريكي يؤكد تخصيص ستة مليارات دولار لأسلحة جدي ...
- السفير الروسي يعتبر الاتهامات البريطانية بتورط روسيا في أعما ...
- وزير الدفاع الأمريكي: تحسن وضع قوات كييف يحتاج وقتا بعد المس ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - فالح عبد الجبار - على الهامش العراقي: الرئيس قانونياً