أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا - فالح عبد الجبار - أكتوبر البلاشفة، أو الثورة المنسية















المزيد.....

أكتوبر البلاشفة، أو الثورة المنسية


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 5800 - 2018 / 2 / 27 - 01:00
المحور: ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا
    


نشر الموضوع لاول مرة في
2009 / 11 / 7

بعد انصرام شهر تشرين الأول (أكتوبر)، واقتراب تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي من خاتمته، أيقنت تماماً أن «ثورة اكتوبر»، التي لم يذكرها أحد بسطر، تسربلت بالنسيان. صار الماضي محايداً، شأن النظرية التي حفزته. اليوم تدرس الجامعات الأميركية نظرية ماركس دون وجل، أو محظورات، فلم تعد هذه النظرية «مخيفة»، أما «شبحها»، شبح ثورة أكتوبر، فدخل في باب التسليات التاريخية.
وللمؤرخين والسوسيولوجيين وجهات نظر فيها نظر، الا انها مغايرة.
فالمؤرخ اريك هوبزباوم الذي يعرفه قراء العربية بفضل دار نشر لبنانية (الفارابي)، ختم آخر أعماله بعنوان مثير: «عصر التطرفات»، راسماً صورة القرن العشرين بأنه قرن أكتوبر، القرن القصير الذي ابتدأ، برأيه، متأخراً في 1917، وانتهى مبكراً في 1991، سنة صعود يلتسن، مثلما ان القرن التاسع عشر كان قرن الثورة الفرنسية. وهذان القرنان اصطرعا في ضمائرنا: التقاليد الديموقراطية الجمهورية من الباستيل، والتقاليد الجمعية من قصر الشتاء.
ان الانهيار المدوي للثورة الروسية بعد سبعة عقود بقي حبيس الرؤية الظرفية، ونظرية المؤامرة، من أخطاء التجديد، الى خبل غورباتشوف، ودسائس السي آي ايه، وما بينهما.
كل القراءات البنيوية للتاريخ الروسي سبقت جيلنا: جرامشي وصف الثورة الروسية بأنها ثورة ضد «منطق رأس المال»، أي منطق ماركس، والمنظر الماركسي الألماني الأول، بل أستاذ زعيم الثورة لينين، كارل كاوتسكي تنبأ بانهيار الثورة الروسية قبيل وفاته عام 1938. أما السوسيولوجي الليبرالي ماكس فيبر، فرأى باستشراف سوسيولوجي ان الدولة ستبتلع الحزب، وتسود.
حين نعود الى قراءة هذه الدراسات والوثائق نذهل لوضوح السرد، وصدق الاستشراف، غير أن أشد ما يذهل هو اهمال هذه القراءات.
وهذا نسيان مزدوج، نسيان للماضي، ونسيان لتمثلاته الفكرية.
جاءت الثورة الروسية في أكثر بلدان الرأسمالية تأخراً، ضد صنم لم يظهر بعد. لم تكن روسيا بمنطوق النظرية التي بررتها تصلح لتطور ما بعد رأسمالي مفترض. فنبتات الصناعة الحديثة لم تكن قد ظهرت إلا بالكاد، على شكل جزر صغيرة في المدن الكبرى (بالأحرى في مدينتي موسكو وسان بطرسبرغ). وكان مدراء المصانع يستوردون من انكلترا، ويعملون في ظروف لم يتبلور فيها بعد حتى انضباط العمل المصنعي المعروف. ولم تمد فيها الرأسمالية الصناعية بعد تأثيرها التنظيمي (الانتاج لأجل السوق، الحساب الاقتصادي، عقلنة الانتاج، اعادة الانتاج الواسع، الخ)، ولم تنضج فيها تأثيرها المؤسساتي (المؤسسات القانونية لحماية الملكية الخاصة، اتحادات الصناعيين، مؤسسات المجتمع المدني) ولا ابتدعت بعد أثرها الثقافي والفكري (فكرة الفرد الحر، التعاقد الحر، حرية السوق، حرية الضمير).
زعيم الثورة الروسية نفسه اضطر مراراً، أمام توبيخ مجايليه، الى الاعتراف بـ «تأخر روسيا»، وان رأسماليتها «حرفية» و «صغيرة»، أي الاعتراف بعدم كفاية تطور روسيا. مع هذا حلت المراسيم محل التاريخ، أي القول بأن الحقبة الحديثة، ما بعد الرأسمالية، لديها في الأقل «سلطة عمالية»، رغم ان عمال المدن، بل المدن ذاتها، كانوا أقلية، وسط محيطات الفلاحين المترامية.
لعل الثورة الروسية كانت ثلاثة تمردات متراكبة في آن: فهي ثورة فلاحية ضد أشكال القنانة البالية، والتي بقيت في الواقع معزولة عن خبل المدن الثوري. وكانت تمرداً ليبرالياً ضد الأوتوقراطية القيصرية (كيرنسكي)، وكانت أيضاً تمرداً عمالياً في المدن الرئيسية (البلاشفة). واكتسبت هذه التمردات الثلاث طابعاً حاداً متوتراً، متداخلاً، بفعل ظروف الحرب العالمية الأولى. الواقع ان هذه الأوجه الثلاثة للثورة الروسية تعكس أهم الميول الأساسية التي أطلقها العصر الصناعي عالمياً، أعني الميول الفردية الليبرالية (ضد امتيازات الأوتوقراطية الزراعية) والميول الجماعية (الاشتراكية)، والميول الدولتية – القومية (الفاشية والنازية). والمفارقة في تاريخ القرن العشرين ان كل ميل من هذه الميول انتصر في بلد أو بلدان معينة، وتحول الى محور عالمي، أي نظام فرعي في نظام الدول – الأمم.
الليبرالية راحت تمجد حرية الفرد، حرية السوق، والحريات السياسية، وتحرير الفلاحين، الخ، والنازية راحت تمجد الأمة والدولة وتضعها فوق انقسامات الليبرالية، وفوق الطبقات والأفراد. أما الاشتراكية، فكانت تمجد المجتمع المنقى من الانقسام، وتبشر بالغاء السوق، وارساء نظام اشباع الحاجات.
ونحن نعلم ان هذه النظم اصطرعت، ومزقت بعضها بعضاً.
نعرف ان تقاليد الثورة الروسية انجبت دولة بيروقراطية، مركزية، استبدادية، دولة بلا أي معلم ديموقراطي (حتى لصانعيها)، دولة هيمنت فيها طبقة تكنوقراط وموظفين على الاقتصاد والسياسة، على الثقافة والتفكير، باسم التاريخ وباسم طبقة عاملة مفترضة.
وعاش هذا النموذج انفصالاً بين واقعه المتخلف (تدني الانتاج، ضعف المؤسسات المجتمعية، وغياب التمايز المؤسساتي في الدولة) وبين ادعائه الايديولوجي بأنه يبني الجنة الموعودة، جنة التحرر من الحاجات المادية، غير ان النموذج الروسي على بنيته شديد التمركز، واقتصاده الأوامري، لعب دوره في تطوير جزئي لروسيا (التصنيع، الكهربة)، وارغم الليبرالية في أوروبا الغربية على التكيف لحاجات الطبقة الرابعة، والقبول بنظام الرفاه الاجتماعي.
لم تكن روسيا، من منطوق نظرية ماركس نفسها، تصلح لتجاوز حاضرها بمراسيم. فالرأسمالية الصناعية نظام عالمي وليس محلياً، وروسيا تفتقر الى شروط حضارة هذه الحقبة. فلا التطور الروسي يكفي، ولا مؤسسات الادارة الذاتية للمجتمع موجودة، ولا مؤسسات التوجيه السياسي (الدولة) راسخة على قاعدة تقسيم السلطات والمحاسبة والتداول السلمي. يومها اعترض مفكرون ماركسيون كبار على فكرة استيلاء «الطبقة العاملة» الروسية على السلطة.
لعل ابرز اعتراض هو اعتراض بليخانوف الذي قال ان بلداً زراعياً مثل روسيا يقوم على انتاج سلعي صغير، وبحر من الفلاحين، لن يسمح بنشوء نظام سوى استبداد قيصري، حتى لو ارتدى رداء بلشفياً. وهناك اعتراض كاوتسكي، من منطلق مقارب، ومن رؤية أوسع لتاريخ الحضارة الصناعية الرأسمالية الجديدة.
زالت روسيا الثورية، وتلاشى ارثها تقريباً، رغم أن آثارها باقية، بالمعنى السلبي والايجابي.
قدمت لنا التجربة الروسية صورة عن اليوتوبيا المخدرة، التي يعيد الاسلام السياسي انتاجها. كما قدمت دروساً أخرى: انهيار اليوتوبيات والنظريات الكبرى (التي يسميها ليوتار: السرديات الكبرى)، فتح الباب أمام العالم كله لخواء روحي يمتلئ اليوم بـ «جذام الميتافيزيقيا». وتجد العالم اليوم يبحث عن يوتوبيات جديدة، وتحاول بعض فرق الاسلام السياسي خلقها.
والليبرالية نفسها حائرة بين الانتشاء بظفر «نهاية التاريخ»، على غرار فوكوياما آملة انتصار الأسواق على السياسة، أو الخوف من انقسامات جديدة على غرار هانتنغتون، باحثة عن حل كلاوزفيتزي للمستقبل، أي حل عسكري بامتياز، عملاً بالحكمة القائلة ان الحرب امتداد للسياسة.
شكلت الثورة الروسية يوتوبيا كبرى، لقوى متنافرة، من الثوري المتمرس، الى الأصولي المنغلق، ومن الفلاح المعدم الى مثقف المدن، الى عمال المصانع، الى أسمال مدن الصفيح.
هل يستطيع القرن الحادي والعشرين ان يعلم أبناءه وبناته القبول بعناء الوجود، وتلمس مسرات الروح في عالم «الحسابات الجليدية»، والبداهة المبلدة؟ ربما.



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدستور العراقي قبل الانتخابات وبعدها
- لائحة التعديل الدستوري
- العراق: الأوجه الكثيرة للإستفتاء على الدستور
- الدستور العراقي واستدراك التفويض
- العراق وسواه من أوضاع مشابهة: الوسطية الضائعة منذ نصف قرن
- انهيار الاتحاد السوفيتي والتجربة -الاشتراكية
- نحن والعالم في ظلال 11 أيلول
- المنهج النظري و التجريبية في كتاب الطبقات الاجتماعي لحنا بطا ...
- العراق: صراع العروبة والأسلمة في الدستور وحوله
- الدستور العراقي:المعركة الاخيرة ؟
- سوسيولوجيا البداوة والمجتمع العراقي 2-2
- المجتمع العراق و سوسيولوجيا البداوة 1-2
- اطلالة على مفهوم العولمة
- الفقهاء في النجف 3-3
- الفقهاء في النجف
- الفقهاء في النجف :الجواهري و التمرد الأول :
- نحن والدستور
- الدين والدولة في الصراع على دستور العراق
- في استشراء العنف الأصولي
- المؤسسات الاجتماعية والمجتمع المدني في العراق


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- الإنسان يصنع مصيره: الثورة الروسية بعيون جرامشي / أنطونيو جرامشي
- هل ما زَالت الماركسية صالحة بعد انهيار -الاتحاد السُّوفْيَات ... / عبد الرحمان النوضة
- بابلو ميراندا* : ثورة أكتوبر والحزب الثوري للبروليتاريا / مرتضى العبيدي
- الحركة العمالية العالمية في ظل الذكرى المئوية لثورة أكتوبر / عبد السلام أديب
- سلطان غالييف: الوجه الإسلامي للثورة الشيوعية / سفيان البالي
- اشتراكية دون وفرة: سيناريو أناركي للثورة البلشفية / سامح سعيد عبود
- أساليب صراع الإنتلجنسيا البرجوازية ضد العمال- (الجزء الأول) / علاء سند بريك هنيدي
- شروط الأزمة الثّوريّة في روسيا والتّصدّي للتّيّارات الانتهاز ... / ابراهيم العثماني
- نساء روسيا ١٩١٧ في أعين المؤرّخين ال ... / وسام سعادة
- النساء في الثورة الروسية عن العمل والحرية والحب / سنثيا كريشاتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف الذكرى المئوية لانطلاق ثورة أكتوبر الاشتراكية في روسيا - فالح عبد الجبار - أكتوبر البلاشفة، أو الثورة المنسية